بشكل مفاجئ أقدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء الأحد 9 يونيو/حزيران 2024، على حل الجمعية الوطنية (الغرفة الأولى للبرلمان)، ودعا إلى انتخابات نيابية مبكرة عقب الهزيمة التي مُني بها من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف هزيمة في الانتخابات الأوروبية.
وحصل حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف على 31.5% من الأصوات في انتخابات البرلمان الأوروبي ليحل في المرتبة الأولى، تاركاً وراءه حزب “النهضة” الرئاسي في المركز الثاني بحصوله على 15.2% من الأصوات.
وقال ماكرون، في كلمة أذيعت بعد هزيمة حزبه بهذا الفارق الكبير، إن نتائج الانتخابات “ليست مُرضية للأحزاب التي تدافع عن أوروبا”.
وأعلن عن انتخابات تشريعية تجرى جولتها الأولى في 30 يونيو/حزيران الجاري، والجولة الثانية في 7 يوليو/تموز المقبل.
في هذا التقرير نرصد كل ما تريد معرفته عن الانتخابات المقبلة، وماذا يعني ذلك بالنسبة لفرنسا؟
ماذا حدث؟
بعد تعرضه لهزيمة ساحقة على يد حزب التجمع الوطني (RN) اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، أعلن الرئيس الفرنسي مساء الأحد بشكل غير متوقع عن انتخابات عامة مفاجئة.
ووفقاً لنتائج الفرز الأولية، حصلت قائمة ماكرون الوسطية، التي تترأسها عضو البرلمان الأوروبي فاليري هاير، على نسبة تتراوح بين 14.8% و15.2% في الانتخابات الأوروبية، أي أقل من نصف نسبة 32% -33% التي حصل عليها التجمع الوطني، الذي كان مرشحه الرئاسي هو رئيس الحزب، جوردان بارديللا، 28 عاماً.
ما هي أسباب ماكرون؟
قال ماكرون -الذي أعيد انتخابه في عام 2022 ولا يمكنه الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة المقررة في ربيع 2027- إن القرار كان “جدياً وثقيلاً”، لكنه لم يستطع أن يستسلم لحقيقة أن “الأحزاب اليمينية المتطرفة.. تتقدم في كل مكان في القارة”.
وصف ماكرون الانتخابات المبكرة بأنها “عمل ثقة”، قائلاً إنه يثق بالناخبين الفرنسيين “وبقدرة الشعب الفرنسي على اتخاذ أفضل خيار لأنفسهم وللأجيال القادمة”.
وأضاف ماكرون: “لديّ ثقة بديمقراطيتنا، في السماح للشعب السيادي بإبداء رأيه. لقد سمعت رسالتكم، ومخاوفكم، ولن أتركها بدون إجابة”.
توقع المحللون منذ فترة طويلة أن حزب ماكرون سيواجه صعوبات كبيرة في البرلمان بعد هزيمة ثقيلة أمام التجمع الوطني في الانتخابات الأوروبية، بما في ذلك احتمالات تقديم مذكرات حجب الثقة وانهيار الحكومة.
ومع ذلك، فإن هذه الخطوة الدراماتيكية تعد مقامرة كبيرة، خاصة وأن حزب ماكرون قد يعاني من خسائر أكبر في الانتخابات القادمة، ما يعوق بشكل فعال بقية فترة ولايته الرئاسية وربما يمنح مارين لوبان مزيداً من السلطة.
ويبدو من غير المحتمل أنه يعتمد على تأمين أغلبية: الجبهة الجمهورية، التي مُنعت تقدم التجمع الوطني في الماضي، ضعفت إلى حد كبير، وشعبية ماكرون في تراجع مستمر.
ومع ذلك، يتوقع معظم المحللين أن الحزب اليميني المتطرف قد يخرج بمزيد من النواب، ولكنه ربما لن يفوز بعدد كافٍ من المقاعد ليحصل على الأغلبية أيضاً، مما يعني أن البرلمان القادم قد يكون أكثر فوضوية وغير فعال أكثر من الحالي، بحسب تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية.
قد يكون ماكرون ينظر إلى ما يعرف بـ”تأثير التعايش” المحايد. إذا حقق التجمع الوطني نتائج جيدة، وعُرض على بارديللا منصب رئيس الوزراء، فقد تكون سنتان ونصف في الحكومة كافية لجعل اليمين المتطرف غير شعبي أيضاً.
كيف ومتى ستُجرى الانتخابات؟
طبقاً للدستور الفرنسي فإن المادة 12 تسمح للرؤساء بحل الجمعية الوطنية لحل الأزمات السياسية، مثل الاختلافات الدائمة والتي لا يمكن التوفيق بينها بين البرلمان والتنفيذية.
وبحسب هذه المادة فإنه يجب دعوة الناخبين إلى صناديق الاقتراع في الفترة من 20 إلى 40 يوماً بعد حل الجمعية، ومن المتوقع أن تتم الجولة الأولى من هذه الانتخابات في 30 يونيو والجولة الثانية في 7 يوليو.
ما هو رد حزب لوبان؟
كان بارديللا أول من حث ماكرون على الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة، قائلاً لأنصاره بعد إعلان التوقعات إن الناخبين الفرنسيين “عبروا عن رغبتهم في التغيير”. وقال إن البلاد “أعطت حكمها ولا يوجد استئناف”.
وقالت لوبان، زعيمة الحزب ومرشحته الرئاسية، إنها “ترحب فقط بهذا القرار، الذي يتماشى مع منطق مؤسسات الجمهورية الخامسة”. وأضافت أن الحزب “مستعد لتولي السلطة إذا كان للشعب الفرنسي الثقة بنا في هذه الانتخابات التشريعية القادمة”.
وقالت: “نحن مستعدون لإعادة البلاد إلى مسارها الصحيح. نحن مستعدون للدفاع عن مصالح الشعب الفرنسي”.
هل تم حل البرلمان الفرنسي من قبل؟
نعم فهذه الواقعة ليست الأولى فقد قام رؤساء سابقون بحل البرلمان، بما في ذلك في 1962 و1968 و1981 و1988، عندما كانت مدة الرئاسة سبع سنوات ولكن البرلمان خمس سنوات فقط، ما يعني أن رئيس الدولة وجد نفسه غالباً يواجه أغلبية معارضة في الجمعية.
وعلى الرغم منذ ذلك فلم يكن هذا دائماً الإجراء دوماً في مصلحة الرؤساء الذي قاموا بحل البرلمان، ففي عام 1997، دعا الرئيس حينذاك جاك شيراك، الذي كان ينتمي ليمين الوسط، إلى انتخابات تشريعية مبكرة فقط ما تسبب في فوز اليسار بأغلبية، ما جعله يتحمل خمس سنوات من “التعايش”.
لم يحل أي رئيس البرلمان منذ ذلك الحين جزئياً؛ لأن فترات الرئاسة والبرلمان كانت متزامنة في عام 2000، ومنذ ذلك الحين منح الناخبون كل رئيس جديد أغلبية برلمانية، حتى إعادة انتخاب ماكرون قبل عامين.
ما هو المتوقع؟
وبهذا القرار، تدخل فرنسا في نفق سياسي لا يعرف كيف يمكن الخروج منه. فإما أن يفوز اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية المقبلة بالغالبية ويقود سياسة البلاد، عبر حكومة تعايش مع ماكرون، حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 2027 أو ربما سيشهد ولادة ائتلاف جمهوري جديد وواسع النطاق هدفه قطع الطريق أمام الأحزاب اليمينية المتطرفة. وتبقى مجموعة من السيناريوهات السياسية ممكنة.