الأخبار

 250 ألف طلب جديد لحمل السلاح بعد “طوفان الأقصى”.. الاحتلال يُسلّح “دولة المستوطنين” وينشئ جيشاً موازياً بالضفة 

زاد الاحتلال الإسرائيلي من جرعته التهويدية للضفة الغربية بإعلانه توزيع آلاف قطع السلاح على المستوطنين، وإنشاء “قوات تدخل سريع” في المستوطنات القريبة من المدن الفلسطينية، فيما زاد مجلس المستوطنات من تعيين حراس الأمن حولها.

هذه الإجراءات تأخذ في جانبها العلني التصدّي لهجمات المقاومة المتصاعدة، ومحاولة حماية المستوطنات من تسلل الفلسطينيين، لكنها تحمل توجهات سياسية واضحة تتمثل بإنشاء ما بات يعرف بـ”دولة المستوطنين” في الضفة الغربية.

كما أن هذه الإجراءات تسعى للتمهيد لإسقاط السلطة الفلسطينية، وتوسيع رقعة النفوذ الاستيطاني في الأراضي المحتلة، تنفيذاً “لخطة الحسم” التي أعلنها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش منذ سنوات.

فوبيا التسلّح وسط الطبقة السياسية

فقد أعلن وزير الحرب يوآف غالانت عن زيادة انتشار العناصر المسلحة في المستوطنات القريبة من الضفة الغربية، وتوسيع عمل قوات “التدخل السريع” بقدرات تعتمد على المستوطنين وخريجي الوحدات القتالية في الجيش.

جاء إعلان غالانت خلال تفقده ورئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يولي أدلشتاين، قوات الجيش على خط التماس في الضفة الغربية المحتلة، وحذر الأخير من مغبّة تكرار هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول فيها، بزعم أن خط التماس يبعد عن مدن أواسط الدولة كيلومترات معدودة فقط.

فيما توعد سموتريتش الضفة الغربية بمصير قطاع غزة من تدمير وتخريب، عقب قيامه بجولة في المستوطنات المحاذية للمدن الفلسطينية مثل طولكرم وقلقيلية، زاعماً أننا “سنحوّلها إلى بلدات مدمرة كما في قطاع غزة، إذا استمرت العمليات التي تمارسها ضد المستوطنات”.

كما وافق يهودا فوكس، قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال المسؤول عن الضفة الغربية، على توزيع الأسلحة الطويلة على المستوطنين، أي البنادق، وليس المسدسات فقط، حتى على من هم ليسوا جنوداً في جيش الاحتياط بزعم تعزيز الأمن.

وجاء طلب يهودا استجابة لطلب رئيس اللجنة الفرعية لشؤون الضفة الغربية في الكنيست تسيفي سوكوت الذي اعترف بأن الهجمات الفلسطينية آخذة في الارتفاع، وأن قرار توزيع المزيد من الأسلحة في المستوطنات له أهمية كبيرة، وسيعزز الشعور بالأمن.

أما عضو الكنيست تالي غوتليب من الليكود، فزعمت أن حماس مشغولة بالتدرب على سلاح المدفعية، وإذا لم نسلح المستوطنين فقد ينطلق “الشرّ” علينا، لأنه في كل يوم يمرّ في غزة، تّظهر الحركة مزيداً من الشجاعة في الضفة الغربية.

من جهته طالبت إستر هيلمان، رئيسة منظمة “حراس البيت” الاستيطانية بتغيير النظام الأمني، والانتقال من الدفاع إلى الهجوم، “لأن العدوّ منشغل ليل نهار بالتسليح، والتحضير للعملية القادمة”.

وزعم شاي ألون الكاتب رئيس المجلس المحلي لمستوطنة “بيت إيل” أن “ما يُقلق الإسرائيليين فعلاً أن مخزون السلاح لدى الفلسطينيين، وجرأة المقاومين في الضفة الغربية يُستمدان من “بئر” حماس الذي يروي كل المسلحين فيها، وإذا لم نردّ وفقاً لذلك، فسيكون هذا هو نفس الواقع الرهيب الذي حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وأن ما حصل في غزة سينتقل للضفة”.

وادعى أريك بيربينغ، القائد السابق لقطاع القدس والضفة الغربية في جهاز الأمن العام- الشاباك، أن “إطلاق النار المتواصل على المستوطنات في الأسابيع الأخيرة، يستدعي تشغيل إشارة حمراء كبيرة في المنظومة الأمنية، لأننا أمام قفزة إلى الأمام في تحفيز وجرأة المسلحين، ولا ينبغي السماح بمثل هذا الواقع، من خلال بناء وتدريب فرق مسلحة وفرق إنذار في كل منطقة للرد على إطلاق النار ومحاولات الاقتحام”.

المستشرق مردخاي كيدار زعم أنها مسألة وقت فقط حتى تقوم حماس بهجوم على طراز السابع من أكتوبر/تشرين الأول في مستوطنات الضفة الغربية، مما يتطلب نثر الأسلحة الطويلة فيها.

خلال 20 ثانية تحصل على سلاح

يقدّر عدد المستوطنين في الضفة الغربية وشرقي القدس بنحو 720 ألفاً، موزعين على 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية، وتقدّم 250 ألفاً منهم بطلبات للحصول على أسلحة بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فيما تزايد إقبالهم على مراكز التدريب على استخدامه.

ومنذ تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الحالية أوائل 2023، وتولي إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي أصدرت 38 ألف رخصة حيازة سلاح جديدة، وهذا قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

وبعد اندلاع حرب غزة تضاعفت الطلبات بصورة غير مسبوقة، إذ قُدِّم يومياً من ثمانية إلى عشرة آلاف طلب، مع أنه في 2021 أصدر الاحتلال 10 آلاف رخصة سلاح، وفي 2022 ارتفع العدد إلى 13 ألف رخصة.

ومن الواضح أن التسهيلات التي أدخلها بن غفير لعبت دوراً خطيراً في زيادة انتشار الأسلحة بين أيدي المستوطنين، حتى إن بعض المستوطنين حصلوا عليها خلال محادثة قصيرة لا تتجاوز مدتها 20 ثانية.

والنتيجة تمثلت باستشهاد أكثر من 15 فلسطينياً برصاصهم منذ اندلاع حرب غزة، وتنفيذ قرابة ستمئة اعتداء على الفلسطينيين وممتلكاتهم ومزارعهم، شملت تهجير 1222 منهم من 19 تجمّعاً رعوياً.

وكشفت أوساط عسكرية أن جيش الاحتلال يدرس خيار تسليح فرق الأمن في مستوطنات الضفة المعزولة أو القريبة من القرى الفلسطينية، بصواريخ مضادة للدبابات، لتمكينها من الدفاع عن نفسها من هجمات شبيهة بهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول على مستوطنات غلاف غزة، وأقام قرابة 700 وحدة تأهب جديدة، وهي شبه عسكرية، تتكون من 10 إلى 40 عنصراً من المستوطنين.

فيما طلب قادة المستوطنات من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وضع دبابات فيها، وهو طلب قيد النظر بالفعل، لكن الجيش يدرك ضرورة مواصلة تعزيزها، بأسلحة تشمل قاذفات قنابل يدوية ووسائل أخرى.

يهود العالم يتبرعون لدعم تسليح المستوطنين

وكشف المدير العام لوزارة الأمن القومي، إليعازر روزنباوم، أن هناك عملية شراء تجري حالياً لـ40 ألف سلاح ناري للمستوطنين في التجمعات الريفية والحضرية، كما يجري الآن تصنيع آلاف الأسلحة في إسرائيل والخارج.

وأضاف المتحدث أن هذه الأسلحة سيتم توزيعها قريباً على المستوطنين، قائلاً: “نقوم بتسليحهم، وتزويدهم بالزي الرسمي، ويتم البحث حالياً عن موردين يمكنهم إنتاج ما يكفي من الأسلحة في غضون أسابيع قليلة”. 

في سياق متصل، تواصل قوات الاحتلال تسليح المستوطنين وتأمين طرق المستوطنات، ومنذ بداية الحرب، تم توزيع عشرات الآلاف من قطع السلاح المختلفة، كما تم تدريب المستوطنين من اليهود المتشددين الذين لم يخدموا في الجيش على استخدام السلاح. 

كما أطلق الجيش عملية “حراسة المنزل”، في إطارها تعمل قوات الهندسة بجانب الكتيبة 7058 على تعزيز البنية التحتية العسكرية العملياتية في المستوطنات، لمساعدة وتحسين عناصر الدفاع فيها.

كما تم وضع حواجز أمنية في المستوطنات وحولها، وإنشاء مواقع محمية لتحسين الاحتياطات في محيطها، ووضع بوابات مختلفة عند مداخلها، وتنفيذ أعمال التسييج، وتغيير طرق الوصول، وتنظيم حركة المرور، وكشف الغطاء النباتي، وإنشاء مواقع مرتفعة ومحمية بما يتناسب مع الاحتياجات الدفاعية المختلفة، وإنشاء نقاط حراسة على طول الطريق.

آخر المبادرات الاستيطانية لتسليح أفرادهم مشروع أطلق عليه “روني”، يعمل على تحويل الأسلحة القصيرة إلى سلاح طويل يتمتع بقدرة قتالية وحماية أفضل بكثير، بهدف تحسين الأمن، ومساعدة المجهود الحربي للوحدات الاحتياطية لحماية المستوطنات، وهذه أداة محوّل يتم تركيبها على مسدسات “غلوك” لتحويل الأسلحة الشخصية إلى أسلحة طويلة.

كما قام يوسي دغان، رئيس المجلس الإقليمي للمستوطنات بشراء مئات البنادق لغرف الطوارئ بتبرعات بملايين الدولارات من أصدقاء المستوطنين من الخارج، وتم توزيعها عليهم.

ويرسل المجلس بعثات إعلامية للهيئات اليهودية حول العالم، خاصة ميامي ومانهاتن ولوس أنجلوس ومونتريال وباريس ولندن، لجمع التبرعات لغرض شراء الأسلحة والبنادق والذخيرة بزعم حماية المستوطنات، خاصة بنادق هجومية من طراز “أراد”، M16 مطور، وM4 مطور، وتم شراؤها من شركة IWI للصناعات العسكرية.

فرق الإنذار الدموية

بجانب عمليات التسليح الجارية على قدم وساق للمستوطنين، فقد دأبت وزارة حرب الاحتلال والجيش على تشكيل فرق إنذار في كل مستوطنة، على غرار “اللجان المسلحة” المشكّلة من مستوطنين ذوي خلفيات قتالية، ومهارات عسكرية.

وتتألف هذه الفرق من 15-40 مقاتلاً في كل مستوطنة، وهم عناصر متطوعة ومدربة تدريباً جيداً على التعامل مع مجموعة واسعة من السيناريوهات، مثل تسلل المقاومين، والتعامل مع الخاطفين، وحجز الرهائن، والاستيلاء على مبانٍ، وهي كلها سيناريوهات تحققت خلال هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. 

ورغم أن العديد من مستوطنات الضفة الغربية تدعي أن فرقها الإنذارية على جهوزية تامة، فإن الإشكالية نشبت عندما استدعى الجيش 350 ألف جندي احتياط، مما دفع معظم عناصر تلك الفرق الإنذارية للانضمام للتجنيد، تاركين المستوطنات بدون حماية.

استنساخ نموذج عصابات فاغنر

رغم الأصوات الإسرائيلية المؤيدة لتسليح المستوطنين، والتخوف المتصاعد من تكرار هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول في الضفة الغربية، لكن هناك دعوات إسرائيلية حذرت من هذا الانزياح الحاصل في تعزيز منح المستوطنين لمزيد من الأسلحة والوسائل القتالية.

وهذا ليس بالضرورة حرصاً على أرواح الفلسطينيين، ولكن خوفاً من نشوء دولة داخل الدولة، وتعبيد الطريق لتشكيل عصابات على غرار مجموعات فاغنر التي ستنقلب على الدولة. 

أما مفوض عام الشرطة كوبي شبتاي، فقد أبدى قلقه من تسليح المستوطنين بهذه الطريقة، خاصة عدم التزامهم بتعليمات الشرطة وحرس الحدود وقوات الأمن، والتصرف بصورة فردية، لأنه لا يمكننا السماح لمجموعات من “الميليشيات” أن تحمل أسلحة، وتصبح قوة شبه عسكرية تتولى التعامل مع الأحداث.

فيما استقال يسرائيل أفيسار، رئيس شعبة ترخيص السلاح بوزارة الأمن القومي احتجاجاً على سياسة وزيره في منح تراخيص السلاح للمستوطنين، كاشفاً عن لوائح الترخيص المطبقة في عهد وزيره.

وقال إن الوزارة قامت بتسريع آلاف تصاريح الأسلحة، بزعم أنها تعزز الأمن العام ضد الهجمات الفلسطينية، لكن ما يحصل هو موافقات على تراخيص لمقدمي طلبات سلاح لا يستوفون المعايير.

جهاز الأمن العام- الشاباك، اتخذ قراراً بسحب مجموعة من الأسلحة من أيدي المستوطنين الذي يعيشون خارج المستوطنات في بيوت متنقلة على التلال ومزارع استيطانية استولوا عليها من الفلسطينيين.

ورغم أن القرار محدود، ويطول العشرات فقط من المستوطنين، فقد لاقى معارضة 11 وزيراً وعضو كنيست من أحزاب اليمين، بمن فيهم “ليمور سون هار ميليخ ويتسحاق فاسارلوف وعميخاي شيكلي، ووقَّعوا على عريضة احتجاج وجَّهوها لرئيس الشاباك، مطالبين بـ”إعادة السلاح إلى شبيبة التلال” لمواجهة “حرب الوجود” التي يخوضونها، وفق تعبير العريضة.

تكشف هذه المواقف الإسرائيلية أن قرار الحكومة بتسليح وتجنيد آلاف المستوطنين، ووضعهم بالضبط في الأماكن التي يعيشون فيها، وقرب الفلسطينيين، بدا منذ البداية قراراً خطيراً، وغير مسؤول، وبعد أشهر ثمانية من حرب غزة.

وأصبح من الواضح أنها خطوة غير شرعية، مصحوبة بنقص الإشراف، ومعاقبة المستوطنين العنيفين الجامحين، وتضاعفت شهادات الفلسطينيين حول مشاركتهم مع جنود الاحتلال في التهديدات والعنف ضدهم، بمعدل ينذر بالخطر من اندلاع هجمات جديدة ضدهم، أكثر عنفاً.

في الوقت ذاته لم يتردد الإسرائيليون في تشبيه ميليشيات المستوطنين التي تسلّحها الدولة بأنها نموذج سيئ عن عصابات فاغنر الروسية، لأن الدولة فضّلت تفويض القوة المسلحة لقوات المرتزقة والميليشيات المحلية لتكون نوعاً من “المقاولين من الباطن”، كبديل للعمل المباشر لجيش الاحتلال الرسمي.

وبهذه الطريقة، يمكن تجاوز معايير احترام حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي، بل يمنح الاحتلال هامشاً واسعاً من إنكار جرائمهم، لا سيما من خلال عمليات “تدفيع الثمن” التي ينفذها المستوطنون المعروفون باسم “فتيان التلال”.

عقوبات دولية وتجميد صفقات سلاح

على الصعيد الخارجي، فقد قوبل التوجه الإسرائيلي بتسليح المستوطنين برفض عالمي، حتى إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وافقت على شراء إسرائيل لآلاف الأسلحة الأمريكية، خاصة بنادق M16، بشرط عدم نقلها لمستوطنات الضفة.

وأعربت واشنطن عن قلقها إزاء هجمات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية، لأنها “تصب الوقود على النار”، ويجب أن يتوقفوا، مما دفع قادة المستوطنين، خاصة شلومو نئمان، رئيس مجلس غوش عتصيون، لاعتبار الاستجابة الإسرائيلية للمطلب الأمريكي “وصمة عار، وسكيناً في الظهر في زمن الحرب”.

كما أعلن مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية أن إدارة بايدن أبلغت إسرائيل قرارها بحظر منح تأشيرات الدخول للمستوطنين المتطرفين المتورطين في أعمال العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.

ثم وقّع الرئيس مرسوماً رئاسياً ضد أربعة مستوطنين يهود هاجموا فلسطينيين، وتصرفت البنوك الإسرائيلية وفقاً لهذه العقوبات، وبدأت بحظر حسابات هؤلاء المستوطنين، كما فرضت كندا والاتحاد الأوروبي عقوبات مماثلة.

وفي أبريل/نيسان 2024، أعلن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على عدد من المستوطنين الإسرائيليين ومنظمتين استيطانيتين بسبب أعمال العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.

إحداهما منظمة “لاهافا”، والثانية “فتيان التلال”، وفي الجولة الثالثة من العقوبات الأمريكية، تم فرض عقوبات شخصية على مؤسس لاهافا، بنزي غوفشتاين.