لا شيء يضاهي لمعة ونقاء الألماس في المجوهرات، فهو الحجر المفضل لدى النساء ودليل الأناقة والرفاهية، وبقدر ندرته تشعر من ترتديه بالثقة والتفرد. ولكن لكل شيء نادر ثمنه المرتفع، لذلك يظل الألماس حلما للنساء، إلا أنه في السنوات الأخيرة ظهر في الأسواق منافس قوي للألماس الطبيعي وهو ما يطلق عليه الألماس المصنوع أو المزروع بالمعمل، فما الفرق بينهما؟
على عكس الألماس الطبيعي النادر الذي يتكون تحت عمق حوالي 200 كيلومتر تحت الأرض، يتم تصنيع الألماس المزروع بالمعمل الذي يتميز بالخصائص نفسها التي يتمتع بها الألماس الطبيعي.
ورغم أن الألماس الصناعي ظهر في خمسينيات القرن الماضي، فإنه لم يحظَ بالاهتمام التجاري الواسع حتى العقد الماضي. نجحت شركات مثل "إيه إس إي إيه" (ASEA) السويدية في إنتاج أول ألماس صناعي في عام 1953، وتبعتها شركة جنرال إليكتريك الأميركية التي أعلنت إنتاج الألماس باستخدام تقنية الضغط العالي والحرارة (HPHT) في عام 1954.
ومع ذلك، كانت التكنولوجيا وقتها مكلفة جدا، واستخدم الألماس الصناعي بشكل أساسي في التطبيقات الصناعية وليس المجوهرات.
في السنوات الأخيرة، وبفضل تطورات تقنية الترسيب الكيميائي للبخار، تمكنت المختبرات من إنتاج ألماس عالي الجودة ينافس الطبيعي في المجوهرات، مما جعله شائعا بين المستهلكين الباحثين عن بديل أرخص.
كيفية التمييز بين الألماس الطبيعي والمزروع بالمعمل؟
لا يمكن للمستهلك التمييز بين الألماس الطبيعي والصناعي، إذ يتمتع كلاهما بالخصائص نفسها، ويستطيع المتخصصون وحدهم فحص الألماس ومعرفة النوع باستخدام أدوات دقيقة للغاية. كما أن الألماس المزروع بالمعمل يوضع في ظروف متطابقة مع ظروف تبلور الألماس الطبيعي من حيث التعرض للضغط الشديد والحرارة، لذلك فليس هناك اختلافات بينهما في الشكل والصلابة والنقاء.
الاختبارات المعملية: باستخدام أجهزة متقدمة مثل مطياف رامان أو الفحص بالمجهر الإلكتروني، يمكن اكتشاف الفروقات الدقيقة بين الألماس الطبيعي والصناعي. الألماس الطبيعي يحتوي على شوائب وتكوينات نادرة يصعب محاكاتها في المختبر.
الشهادة والضمان: يتم تزويد كل من الألماس الطبيعي والصناعي بشهادات موثوقة من مختبرات مثل "المعهد الجيولوجي الأميركي"، التي تشير إلى مصدر الألماس.
تكلفة القيراط وسياسة البيع
سعر قيراط الألماس المصنع أقل بكثير من الألماس الطبيعي. في عام 2023، تراوح سعر القيراط الواحد من الألماس المصنع بين 1000 إلى 4 آلاف دولار، وهو أقل بحوالي 30% إلى 70% من سعر الألماس الطبيعي الذي يتراوح سعره بين 5 آلاف و20 ألف دولار اعتمادا على جودته وندرته.
هذا الفارق الملحوظ في التكلفة جعل الألماس الصناعي خيارا شائعا بين الأجيال الحديثة التي تهتم بالعوامل البيئية والاقتصادية.
أما عن سياسات البيع، فمن المعروف أن الألماس الطبيعي يفقد حوالي 20% إلى 50% من قيمته عند بيعه بعد فترة قصيرة من الشراء، وتعتمد قيمته السوقية عند البيع على عوامل عديدة مثل الجودة (من حيث القطع واللون والنقاء) والحجم والطلب في السوق. فالأحجار المميزة أو الكبيرة جدا قد تحافظ على قيمة أعلى، بينما الأحجار الأصغر أو الأقل جودة قد تتعرض لفقدان أكبر في القيمة. لكنه قد يستعيد قيمته أو يزيد مع مرور الوقت بناء على الندرة والطلب.
أما الألماس الصناعي، فتنخفض قيمته بشكل أسرع ولا يُتوقع أن يزداد سعر الحلي المرصعة بالألماس الصناعي مع مرور الوقت بسبب وفرة الإنتاج.
حجم المبيعات
في عام 2022، بلغت مبيعات مجوهرات الألماس المصنع حوالي 12 مليار دولار، بزيادة بلغت 38% مقارنة بالعام السابق. هذه المبيعات شكلت أكثر من 10% من إجمالي مبيعات المجوهرات الماسية عالميا للمرة الأولى.
ومن المتوقع أن تستمر هذه المبيعات في النمو بمعدل سنوي مزدوج الرقم خلال السنوات القادمة، بسبب تزايد الاهتمام بالخيارات المستدامة.
أما الألماس الطبيعي فقد بلغ حجم مبيعاته في المجوهرات حوالي 353 مليار دولار في عام 2022، مع توقعات بزيادة هذا الرقم إلى 482 مليار دولار بحلول عام 2030.
ورغم أن الألماس الصناعي يحظى بشعبية متزايدة، فإن الألماس الطبيعي لا يزال يحتفظ بالحصة الكبرى في السوق، بسبب ندرته وقيمته العالية.
الدول المنتجة للألماس الصناعي والطبيعي
تعد الصين والهند من أكبر المنتجين للألماس المصنع، حيث تمثلان حوالي 75% من الإنتاج العالمي. توفر الصين وحدها حوالي 20 مليون قيراط سنويا، مما يجعلها الدولة الرائدة في هذا المجال.
في المقابل، تأتي روسيا وبوتسوانا وكندا من بين أكبر المنتجين للألماس الطبيعي، حيث تعتبر هذه الدول مصادر رئيسية للألماس النادر والمستخرج من الطبيعة، إذ تشتهر روسيا بكونها أكبر منتج للألماس الخام في العالم، بينما تُعتبر بوتسوانا مصدرا مهما للألماس الفاخر عالي الجودة.
هل تتخلى شركات المجوهرات الكبرى عن الألماس الطبيعي؟
بدأ العديد من شركات المجوهرات العالمية استخدام الألماس الصناعي لتلبية الطلب المتزايد على المنتجات المستدامة والأقل تكلفة. من أبرز هذه الشركات:
دي بيرز: رغم أنها رائدة في صناعة الألماس الطبيعي، فإنها أطلقت علامتها الخاصة بالألماس الصناعي تحت اسم "لايت بوكس جولري"، حيث تقدم قطع مجوهرات بألماس مزروع بأسعار أقل من الألماس الطبيعي.
باندورا: هي واحدة من أكبر شركات المجوهرات في العالم، قد أعلنت أنها ستتوقف عن استخدام الألماس الطبيعي وتستخدم الألماس الصناعي في جميع مجموعاتها الجديدة، مع التركيز على الاستدامة.
سوارفسكي: بدأت الشركة المعروفة بتصميم المجوهرات الفاخرة في استخدام الألماس الصناعي في منتجاتها كجزء من التزامها بالاستدامة.
ولا تزال العلامات التجارية الكبرى مثل تيفاني آند كو وكارتيير تعتمد بشكل رئيسي على الألماس الطبيعي، لكن تلك الشركات بدأت تصنيع بعض القطع التي تحتوي على ألماس صناعي في الظهور لتلبية الطلبات المتزايدة على خيارات مستدامة.
يقدم الألماس الصناعي بديلا اقتصاديا ومستداما للألماس الطبيعي، مع شعبية متزايدة بين المستهلكين الباحثين عن المجوهرات بأسعار معقولة وبيئية. في المقابل، لا يزال الألماس الطبيعي يحتفظ بمكانته كرمز للندرة والرفاهية، وهو ما ينعكس في هيمنته على سوق المجوهرات العالمية، ولكن اختيار أي من النوعين يعتمد على تفضيلات المستهلك والسياسات البيئية والاقتصادية.