كشفت مصادر مصرية وسودانية متطابقة لـ” عربي بوست” أن ” الكوليرا” هي السبب الرئيس في الأزمة الصحية التي تشهدها محافظة أسوان المصرية المتاخمة للحدود السودانية وذلك على عكس رواية الحكومة المصرية التي تتحدث عن مجرد “نزلات معوية وإسهال وأنه لا صحة لما يثار عن أزمة صحية كبيرة في المدينة السياحية.
إذ تسببت رواية الحكومة المصرية التي قالت فيها إن الأمر يقتصر على 128 حالة إصابة بالنزلات المعوية والإسهال وأن هذا يحدث عادة في فصل الصيف، في غضب وانتقادات كثيرة على منصات التواصل الاجتماعي الذين اتهموا الحكومة بالتستر على أزمة صحية كبيرة في أسوان.
كوليرا في أسوان
تواصل ” عربي بوست” مع بعض عائلات قرية أبو الريش التي انتشرت فيها حالات التسمم في الساعات القليلة الماضية، وقد أشار أحد كبار عائلات أبو الريش لـ” عربي بوست”، أن حالات الإصابة التي شهدتها المدينة لا علاقة لها بالنزلات المعوية المعتادة، وأن الرواية التي أخرجتها الحكومة المصرية بخصوص ما حدث غير صحيحة.
لكنه استطرد بالقول إن الحكومة وفق ما قيل له من تواصله مع المسؤولين التنفيذيين في محافظة أسوان ” كما نقل لعربي بوست”، قد تبنت رواية تلوث المياه والطعام، خوفًا من رد فعل ” عنيف” تجاه السودانيين في مصر إذا ما قالت إن ما حدث في أسوان هو مرض الكوليرا.
وشرح الرجل كلامه لـ” عربي بوست” بالقول إن ترويج مسؤولية السودانيين عن إدخال الكوليرا إلى مصر ” سيفتح أبواب الجحيم” على كل السودانيين في مصر وسترتفع نبرة المطالبة بطردهم من البلاد، وسينطلق ضدهم حملات سلبية كثيرة في كل المناطق المتواجدين فيها داخل مصر وسوف يتم اتهامهم بنقل الأمراض الخطيرة إلى الشعب المصري، وهو ما لا تريده الحكومة المصرية.
هذه المصادر كشفت أن بعض أفراد عائلاتها أصيبوا ضمن من أصيب في المدينة وقد أخبرهم الأطباء المشاركين في الكشف على ذويهم أن ما ينتشر بين المصابين هو ” الكوليرا” ، ولكن هناك تنبيهات وصلت للأطباء وكبار العائلات تتعلق بعدم الكشف عن المرض وأن يكون الحديث حول رواية وزارة الصحة المصرية فقط.
في الوقت نفسه فإن أحد المصادر السودانية، التي تحدث إليها ” عربي بوست” وهو باحث سوداني من مدينة الخرطوم، طلب عدم ذكر اسمه، قال إن الكوليرا انتشرت في السودان في الأيام القليلة الماضية بشكل كبير للغاية خاصة في المناطق التي تشهد قتالًا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وينقطع فيها الخدمات الطبية.
أشار كذلك إلى أن الكوليرا انتشرت بشكل واسع في مخيمات اللاجئين السودانيين الموجودين على الحدود مع إريتريا وإثيوبيا، وقال لـ” عربي بوست” إن الأيام الماضية شهدت دخول مئات السودانيين إلى داخل مصر، ومنهم من يحمل الكوليرا، مؤكدًا من وجهة نظره على أن رواية الحكومة المصرية الخاصة بأن ما يحدث في أسوان مجرد تلوث في الطعام والماء، هو أمر غير حقيقي.
البرلمان المصري في إجازة!
الغريب في الأمر أن البرلمان المصري لم يكن له أي تفاعل في هذه الأزمة، وقد تواصل ” عربي بوست” مع كل من النائبة في لجنة الصحة جمانة عمارة والنائبة سهير عبد الحميد لسؤالهم حول موقف لجنة الصحة في البرلمان تجاه الأزمة الصحية في أسوان وما إذا كانوا قد تحركوا لزيارة المدينة والوقوف على آخر التطورات أم لا؟
في البداية نفت البرلمانية جمانة عمارة أن يكون البرلمان قد شكل لجنة من أعضاء لجنة الصحة للسفر إلى أسوان ومصاحبة وزير الصحة في زيارته للمدينة والاطلاع على آخر تطورات الوضع الصحي في المحافظة الحدودية مع السودان.
وقالت لـ” عربي بوست” إن البرلمان الآن في إجازة من العمل البرلماني وسوف يعاود نشاطه في بداية أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وعليه من المتوقع أن يشكل البرلمان لجنة والذهاب إلى هناك حال استمرار الأزمة. وقالت إنه من المرتقب أن يقدم أعضاء لجنة الصحة بعض طلبات الإحاطة حول الأمر.
في سياق مواز قالت البرلمانية سهير عبد الحميد عضو لجنة الصحة في تصريحات لـ” عربي بوست” إن البرلمان في إجازة وإن على ” وزارة الصحة أن تشوف شغلها”، مشددة على أنه لا يوجد أي من نواب البرلمان في أسوان الآن بشكل قاطع.
ماذا حدث في أسوان؟
كانت قرية وادي العرب بمركز نصر النوبة وكذلك قرية أبو الريش، هما مكان الأزمة الصحية في المحافظة السياسية خاصة وأن الأزمة الصحية ظهرت بعد احتفالات المولد النبوي ومشاركة الآلاف في هذه الاحتفالات.
ظهرت بعض أعراض التسمم الغذائي في قرية وادي العرب بمركز نصر النوبة بأسوان، وتم نقل نحو 124 حالة إلى مستشفى نصر النوبة المركزي بعد إصابتهم بنزلات معوية وقيء وإسهال، نتيجة تناول أكلات معينة. وقد امتلأت مستشفيات أسوان بحالات الإصابة، وسط توجيه اتهامات من المواطنين للحكومة بالتكتم حول الأمر.
محافظة أسوان من جانبها اضطرت إلى إصدار بيان للحديث عما حدث وعقبت على الشائعات التي روج لها البعض بشأن تخصيص أحد أدوار مستشفى أسوان التخصصي بالصداقة الجديدة لاستقبال حالات تسمم.
ووفقًا لما نشرت وسائل إعلام مصرية فقد أكدت هيئة الرعاية الصحية بأسوان، أنه لا صحة لما تم تداوله عبر بعض وسائل التواصل الاجتماعي حول تخصيص أحد أدوار مستشفى أسوان التخصصي بالصداقة الجديدة لاستقبال حالات تسمم، موضحة أن الدور الرابع بالمستشفى قد تم إخلاؤه منذ فترة ضمن خطة لزيادة عدد الأسرّة المتاحة بالمستشفى، بعد أن كانت بعض غرفه تُستخدم كسكن للأطباء.
في الوقت نفسه، أعلن مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، في مؤتمر صحفي، أن الحكومة أرسلت عدة فرق طبية إلى محافظة أسوان لفحص الوضع الصحي بعد ظهور حالات نزلات معوية بين الأهالي.
وأوضح مدبولي أن هذه الفرق أُرسلت للتحقق من مصدر الإعياء، بما في ذلك فحص مياه الشرب، مؤكدًا أن النتائج الأولية تشير إلى أن المياه سليمة ولا توجد بها مشكلات. وأضاف أن هذه الحالات عادة ما تظهر خلال فترات الصيف، ويتم حاليًا البحث عن الأسباب الكامنة وراء هذه الحالات في بعض مناطق المحافظة.
المؤتمر الأول لوزير الصحة
وزارة الصحة من جانبها نظمت مؤتمرًا صحفيًا لوزيرها خالد عبد الغفار يوم السبت 21 سبتمبر/أيلول 2024 للحديث عن آخر تطورات الوضع الصحي في محافظة أسوان بعد ظهور عدد من الإصابات بالنزلات المعوية خلال الفترة الماضية.
الوزير أكد أن الوضع الصحي في المحافظة مطمئن وأن الأزمة في طريقها إلى الحل خلال الأيام القليلة المقبلة. وأوضح أن جميع الإصابات التي تم تسجيلها جاءت من قريتي أبو الريش ودراو، ويجري حاليًا التحقق من سلامة شبكة مياه الشرب في هاتين القريتين لضمان خلوها من أي تلوث.
وأشار الوزير إلى أنه منذ 11 سبتمبر / أيلول 2024 حتى الآن، تم رصد 128 حالة إصابة بالنزلات المعوية والإسهال بين أهالي أسوان.
وأضاف وزير الصحة أنه تم شفاء 22 حالة من المصابين، وخرجوا بالفعل من المستشفيات بعد تلقي العلاج اللازم. وأوضح أن التنسيق جارٍ بين وزارتي الصحة والإسكان، بالإضافة إلى محافظة أسوان، لتحليل مياه الشرب في جميع محطات المحافظة التي يبلغ عددها 103 محطات، وذلك للتأكد من سلامة المياه وعدم وجود أي مشكلات صحية مرتبطة بها.
وأكد عبد الغفار، الذي يشغل أيضًا منصب نائب رئيس الوزراء، أن جولات تفقدية تمت على مستشفيات أسوان للتأكد من جاهزيتها الكاملة لاستقبال أي حالات جديدة، وتقديم الرعاية الصحية اللازمة لجميع المصابين.
اجتماعات مكوكية في أسوان
أما بخصوص الجانب التنفيذي، فقد اجتمع الفريق المركزي مع إسماعيل كمال، محافظ أسوان، بحضور مسؤولي الصحة ومديري المستشفيات لاستعراض الجهود المبذولة.
وأكد المحافظ أن تحليل العينات المأخوذة من 103 محطات مياه في المحافظة أثبت سلامتها من أي تلوث، مشيرًا إلى أن الفرق الفنية تواصل متابعة حالة المياه في شبكات التوزيع.
وفي سياق آخر، نفى إسماعيل كمال، في تصريحات تليفزيونية صحة الشائعات التي تم تداولها بشأن تعطيل الدراسة بسبب الحالات المرضية، مشيرًا إلى أن نسبة حضور الطلاب في رياض الأطفال تجاوزت 90%، وأن المدارس ستفتح أبوابها في الموعد المحدد دون أي مشكلات.
كما نفى إسماعيل كمال، محافظ أسوان، ما يتردد حول تسرب مواد كيميائية من أحد مصانع البتروكيماويات في المحافظة إلى مياه النيل، والتي أدت إلى حالات النزلات المعوية التي أصيب بها بعض المواطنين.
وقال خلال تصريحات تلفزيونية إن “مصنع كيما -الذي ينتج الأسمدة داخل المحافظة- يَصرُفُ صرفًا صناعيًا ولديه محطة تنقية للصرف الصحي ذات معالجة ثلاثية”.
وأضاف أن نتائج التحاليل لمن يريد أن يطلع عليها؛ تؤكد أنها “مطابقة تمامًا للمواصفات ولا تُلقى مباشرة في النيل.. وإنما تُلقى في مَصَرِفٍ زراعي يسمى السيْل” موضحًا أن الشركة تجري تحاليلها بانتظام، ووزارة الصحة تأخذ عينات وتراجعها على الدوام.
وشدد على أنه لا يمكن استبعاد أن يكون سبب هذه الحالات هو الطعام أو الشراب، قائلاً: “نحن نتعامل مع عامل بشري، من الوارد أن يكون سبب الحالات الطعام، خاصة أن هذه الحالات ظهرت بعد المولد النبوي الشريف، من الوارد جدًا أن يكون هناك نوع من أنواع المأكولات التي بها مشكلة في المنطقتين، ولا نستبعد أيضًا أنها مشروبات غير صحية”.
وأوضح أنه استقبل وفدًا من أهالي منطقة أبو الريش اليوم؛ لشرح الموقف الحالي لهم بالكامل، منتقدًا من يروجون للشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي دون علم، قائلاً: “أصحاب المشكلة تفهموا الموقف، لكن لا أتصور أن أحدًا من القاهرة أو الإسكندرية يكتب على السوشيال ميديا، وهو لا يعلم شيئًا عن حقيقة الوضع على أرض الواقع في أسوان”.
شركة كيما للصناعات الكيماوية، قامت بإصدار بيان على نفس شاكلة بيان محافظ أسوان ونفت فيه تسببها في تلويث مياه الشرب في أسوان، وقالت إنها ليست لها علاقة نهائيًا بالأحداث الجارية في أسوان، والمتعلقة بتلوث مياه الشرب وحدوث بعض الإصابات وفق ما نشرت وسائل إعلام مصرية.
وأضافت أنها تخضع للمتابعة الدورية من الجهات الرقابية على البيئة والصحة المهنية. كما أشارت إلى أنها تتبع البرامج اللازمة للمعالجات للصرف الصناعي، والذي يتم توجيهه إلى محطة العلاقي للصرف الصحي، التابعة لشركة مياه الشرب والصرف الصحي بأسوان.
مصرف كيما
ورغم تطمينات المسؤولين، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي منشورات توعوية بشأن الكوليرا وأمراض المياه الملوثة. هؤلاء الذين يتحدثون عن الكوليرا، يقولون بانتقال الوباء من السودان القريب عبر النازحين السودانيين الذين لجأوا إلى مصر هربًا من ويلات الحرب الأهلية في بلادهم.
وأفادت تقارير منظمة الصحة العالمية بتفشي وباء الكوليرا في السودان جرّاء انهيار منظومة الصرف الصحي والقطاع الطبي في البلاد.
وأعلنت وزارة الصحة السودانية عن ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا في البلاد إلى أكثر من 11 ألف حالة بينها 348 وفاة منذ أغسطس/آب الماضي.
وفي خضمّ ذلك، راح بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في مصر يحذّرون من شُرب المياه مباشرةً من صنابير المياه، متحدثين عن “عدوى بكتيرية خطيرة تنتقل عن طريق المياه الملوثة”. وتحدث البعض على وسائل التواصل الاجتماعي عن وضع كارثيّ، زاعماً أن قُرى بأكملها تأثرت، ومطالباً المسؤولين بتفسير ما يحدث.
لكن بعيداً عن تصريحات المحافظ التي ينفي فيها أن يكون مصرف كيما مسؤولاً عن تلوث المياه في بعض قرى أسوان، إلا أنه وعلى مدار 60 عاماً، مازال مصرف “كيما” هو مصدر الإزعاج والتلوث لواحدة من أهم المحافظات السياحية، وهي أسوان وبرغم وعود المسؤولين بإنهاء هذه الأزمة، إلا أنه لا تزال حتى الآن مياه الصرف الصحي تصب في مياه النيل لتبعث رائحة كريهة تثير ضيق كل من يمر بهذه المنطقة.
وهي الأزمة التي سبق أن فجرها أحد شباب أسوان الذي اشتكى في لقاء سابق له بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إبان زيارة قام بها الأخير للمحافظة في عام 2017، من تصريف مصنع كيما مخلفاته في مياه النيل.
كذلك وفي أحد مؤتمراته، في نهاية ديسمبر/كانون الثاني 2021 عاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للحديث عن نفس الأزمة في أحد المؤتمرات التي شهدت افتتاح مشروعات في أسوان، قال: “أنا مش هنسى في 2017 أن شاب قال لي في أسوان بيرموا مخلفات مصنع كيما أسوان في النيل.
المؤتمر الثاني لوزير الصحة
وزير الصحة خالد عبد الغفار وفي مؤتمره الصحفي الثاني في أسوان، يوم الاثنين 23 سبتمبر/ أيلول 2024 قال إن نسبة الإشغالات بمستشفيات أسوان حالياً حوالي 37%، وما يتردد على مواقع التواصل الاجتماعي غير صحيح.
وأكد عقب جولته في عدد من مستشفيات محافظة أسوان، انحسار تردد الحالات على المستشفيات بأسوان، لافتًا إلى أن أعداد الحالات التي تردد على المستشفيات بأسوان بسيطة جداً مقارنة بحجم المحافظة وتعدادها.
وأوضح أن كل حالات النزلات المعوية المتبقية في المستشفيات مستقرة وهناك حالات بالعناية المركزة، منوهًا إلى أن معظم الحالات خرجت من مستشفيات أسوان وهناك متابعة دورية للحالات المتبقية.
وأضاف: “متوسط تردد الحالات على مستشفيات أسوان بين 18 و19 حالة على مستوى جميع مستشفيات المحافظة وهو معدل منخفض».
وتابع: “لدينا نظام لحوكمة مياه النيل تشترك فيه أكثر من وزارة، وهناك منظومة معقدة للاطمئنان على صلاحية مياه الشرب في الظروف العادية وتم التأكد من سلامة مياه الشرب في أسوان من خلال أخذ عينات من عدد من المحطات لفحصها”.