الأخبار

تضامن شعبي غير مسبوق وحضور قوي في الانتخابات والاقتصاد.. كيف هيمنت غزة على العالم خلال عام من العدوان؟

من شوارع باريس ومدريد وبرلين ولندن وهلسنكي ونيويورك وواشنطن وساو باولو وجوهانسبرغ وصولاً إلى سيدني، خرج الآلاف في مسيرات احتجاجية يطالبون بوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ نحو عام، في مشهد لم يعهده العالم الغربي الذي وجد نفسه معنياً أكثر من أي وقت مضى بما يجري في الشرق الأوسط.

تأثير “طوفان الأقصى” والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة على العالم وصل إلى أكثر الأماكن حساسية، وهي الجامعات خاصة الأمريكية منها، التي عبر طلابها عن تضامنهم مع غزة وإدانتهم للجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين منذ أشهر، بينما تلتزم حكوماتهم الصمت.

هذه الحكومات الغربية، خاصة في بريطانيا وأمريكا وفرنسا، ستجد نفسها ملزمة بالبحث عن طرق لتهدئة مواطنيها الغاضبين، وجعلت الحرب على غزة ملفاً محورياً في حملاتها الانتخابية، فيما ذهبت حكومات أخرى إلى حد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فيما اختار آخرون سلاح المقاطعة للتعبير عن إدانتهم لإسرائيل.

بعد مرور عام على بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي خلفت أكثر من 41 ألف شهيد أغلبهم من النساء والأطفال، سنقوم في هذا التقرير برصد كيف حول “طوفان الأقصى” العالم؟ وكيف نجح الفلسطينيون في تغيير موقف شعوب كانت حتى وقت قريب أكثر تصديقاً للسردية الإسرائيلية وأكثر تعاطفاً معها.

“طوفان شعبي” غير مسبوق

مباشرة بعد “طوفان الأقصى” الذي نفذته المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ردا على الاعتداءات المتكررة للاحتلال الإسرائيلي، هرع قادة مجموعة من الدول الغربية إلى تل أبيب من أجل لقاء المسؤولين والتعبير عن تضامنهم مع الاحتلال الإسرائيلي.

هذا التضامن الغربي الرسمي كان بمثابة ضوء أخضر منحته تلك الحكومات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتهم بارتكاب جرائم حرب، لتنفيذ مجازر غير مسبوقة بحق المدنيين في قطاع غزة، وتفنن في تنفيذ “عقاب جماعي” بحق الفلسطينيين.

لكن هذا الدعم “الأعمى” للاحتلال الإسرائيلي سرعان ما سيتراجع، ولو سياسيا، إذ قال المحلل السياسي، مصطفى الفيتوري، “مع استمرار الحملة الإرهابية الإسرائيلية، بمساعدة آلات الإعلام المؤيدة بشكل مفرط، أصبح الاشمئزاز العام أكثر تركيزا وبدأ يتحول، من المستويات الوطنية، إلى المستويات المحلية”.


وأوضح الفيتوري في مقال نشره بموقع “Middle East Monitor” في شهر مارس/آذار 2024، “اجتمعت المدن والمجتمعات الصغيرة لجعل أصواتها مسموعة أيضا، مما أجبر العديد من الحكومات الغربية على البدء في التراجع عن الدعم الواضح الذي قدمته لإسرائيل في وقت سابق”.

خرج مئات الآلاف المواطنين في عواصم ومدن دول غربية في أكثر من مناسبة حاملين العلم الفلسطيني ولهم مطلبان لا ثالث لهما، وقف الإبادة الجماعية في غزة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، في مشهد غير مسبوق إلى حد كبير في كبريات المدن الغربية.

يقول المحلل السياسي الفيتوري “لعل هذه هي المرة الأولى منذ حرب فيتنام التي يشهد فيها العالم مثل هذه الحركة العالمية المناهضة للحرب. وهذه هي المرة الأولى أيضاً التي تكون فيها الشوارع الغربية نشطة ومنخرطة ومركزة إلى هذا الحد أكثر من أي وقت مضى”.

على سبيل المثال شهدت الولايات المتحدة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أكبر مظاهرة مؤيدة لفلسطين في تاريخ البلاد، عندما تجمع نحو 300 ألف شخص في العاصمة الأمريكية واشنطن لإدانة المجازر الإسرائيلية بغزة والمطالبة بوقف الدعم الأمريكي للاحتلال.

كما جرت احتجاجات كبيرة في مدن أمريكية أخرى مثل سان فرانسيسكو وشيكاغو ونيويورك، نظمتها مجموعات مثل حركة الشباب الفلسطيني وطلاب من أجل العدالة في فلسطين وائتلاف “ANSWER” وعرفت مشاركة مواطنين أمريكيين بما فيهم اليهود الرافضين لاستمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

في فرنسا التي تعرف أكبر تواجد لليهود من بين الدول الغربية، نظمت احتجاجات منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتركزت الاحتجاجات التي شارك فيها عشرات الآلاف، في العاصمة الفرنسية باريس ومدينتي ليون ومارسيليا.

كما خرجت مظاهرات حاشدة غير مسبوقة في العاصمة البريطانية لندن في أكثر من مناسبة، ونقلت كاميرات وسائل الإعلام مسيرات لعشرات آلاف البريطانيين والأجانب عبروا عن إدانتهم لما يقترفه جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين.

وخرجت مظاهرات ضخمة أيضا في مدينتي تورنتو وفانكوفر الكنديتين، كما خرجت مسيرات في برلين وهامبورج بألمانيا، وأيضا خرج الآلاف للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين في سيدني وملبورن أكبر مدينتين في أستراليا.

المظاهرات المنددة باستمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حول العالم أكدت على تصاعد الأصوات المؤيدة للفلسطينيين في مقابل ارتفاع نبرة الانتقاد للاحتلال الإسرائيلي، خاصة بين الأجيال الشابة والتيارات التقدمية التي أبدت تعاطفا  متزايداً مع الفلسطينيين فيما بات انتقادها لإسرائيل “أكثر وضوحاً”.

على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، أظهرت استطلاعات الرأي أن 52% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً يعارضون ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من جرائم في قطاع غزة، وهو ما كان بارزا في الاحتجاجات التي شهدتها مختلف جامعات العالم.

حراك طلابي في مختلف جامعات العالم

من أكثر الأحداث أو المشاهد التي تؤكد على أن “طوفان الأقصى” وما تبعه من عدوان على غزة “غيّر العالم”، ما تشهده منذ أشهر جامعات غربية عريقة خالف طلابها توجهات مسؤوليهم ودعمهم للاحتلال الإسرائيلي، عندما خرجوا في مظاهرات ونظموا اعتصامات دعماً لسكان غزة.

تُنظم هذه الاحتجاجات غالبًا من قبل مجموعات طلابية مثل “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” (SJP)، في مؤسسات مثل جامعات كولومبيا، ونيويورك، وهارفارد، وييل، ويطالب الطلاب بإنهاء الدعم الأمريكي لإسرائيل ويعبرون عن تضامنهم مع الفلسطينيين.

فقد أطلق طلاب جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك اعتصاما في الحرم الجامعي يوم 18 أبريل/نيسان 2024، للاحتجاج على استمرار العلاقات المالية بين جامعتهم وشركات تدعم الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية و”الإبادة الجماعية” في غزة.


ومنذ ذلك الحين، انتشرت المظاهرات الطلابية المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية رائدة أخرى، بما في ذلك جامعة ولاية كاليفورنيا للتكنولوجيا في هومبولت؛ وجامعة كاليفورنيا في بيركلي؛ وجامعة جنوب كاليفورنيا؛ وجامعة تكساس في أوستن؛ وجامعة ييل؛ وجامعة مينيسوتا – توين سيتيز؛ وكلية سوارثمور وجامعة بيتسبرغ في بنسلفانيا؛ وجامعة روتشستر في نيويورك؛ ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا؛ وجامعة تافتس؛ وكلية إيمرسون؛ وجامعة إيموري؛ وجامعة ميشيغان في آن آربور.

بينما شهدت بعض الجامعات توترات متزايدة، حيث وجه المسؤولون المعارضون لتلك الاحتجاجات السلمية اتهامات للطلاب المتظاهرين بـ”معاداة السامية”، مما أدى إلى تعليق أنشطة بعض المجموعات الطلابية في جامعات مثل برانديز وكولومبيا.

شملت الاحتجاجات الرافضة لاستمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في الجامعات اعتصامات وإضرابات وحتى احتلال مباني إدارية، وتم اعتقال بعض الطلاب المتضامنين مع قطاع غزة. كما شارك أعضاء هيئة التدريس في هذه الاحتجاجات، حيث نظموا إضرابات تعبيرًا عن التضامن مع المتظاهرين.

هذه الموجة من النشاط أثارت نقاشات حول حرية التعبير ودور الجامعات في الصراعات السياسية العالمية، حيث يطالب العديد من الطلاب بـسحب الاستثمارات من الشركات المرتبطة بإسرائيل والدعوة إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

ومع عودة الدراسة خلال شهر سبتمبر/أيلول 2024، عادت مجددا المظاهرات ضد التواطؤ الرسمي الغربي مع حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، بينما تستعد الجامعات الأمريكية لمواجهة هذه المظاهرات.

إذ قالت كاتبة العمود في صحيفة “The Intercept” الأمريكية، ناتاشا لينارد، إن إدارات الجامعات والكليات لا تشير فقط إلى خططها للتعامل مع الخطاب المؤيد للفلسطينيين بالخداع الفكري، بل إنها توضح أنها تخطط لاستخدام منطقها الزائف لفرض المزيد من التعصب القمعي.

لينارد أوضحت في مقال نشرته شهر أغسطس/آب 2024، إن جامعة نيويورك نشرت “مدونة سلوك طلابية”، وعلى الرغم من أن هذه المدونة الجديدة تهدف ظاهرياً إلى الحد من التعصب، فإنها بدلاً من ذلك تعمل على إسكات المعارضة من خلال التهديد بإسكات الانتقادات الموجهة إلى الصهيونية في الحرم الجامعي.

هذه الإجراءات الجديدة لم تثنِ الطلاب الأمريكيين من الخروج في مظاهرات جديدة، إذ أنه في 12 سبتمبر/أيلول 2024، شاركت منظمة طلاب من أجل مجتمع ديمقراطي (SDS) في جامعة إلينوي بشيكاغو ومجموعة من المنظمات الطلابية والتقدمية الأخرى في يوم العمل الوطني الذي دعت إليه منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين.

وطالبت المجموعة بانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وغزة، ووقف الحكومة الأمريكية تمويل الاحتلال والإبادة الجماعية الإسرائيلية. كما دعموا مطالب منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين في جامعة إلينوي في شيكاغو لحمل الجامعة على سحب استثماراتها من إسرائيل وقطع العلاقات مع المؤسسات الإسرائيلية.

هذا التحرك الجديد – القديم لطلاب الجامعات الأمريكية وغيرها من المؤسسات التعليم العالي الغربية، يؤكد مرة أخرى على أن الحرب على قطاع غزة غيّرت فعلاً نظرة فئة عريضة من المجتمع الغربي للصراع في الشرق الأوسط، وهو ما انعكس أيضاً على الانتخابات في أهم الدول المؤيدة لإسرائيل.

“حرب غزة” في الانتخابات  الغربية

فيما يشتد الصراع بين المرشحين الرئيسيين للانتخابات الرئاسية الأمريكية، كامالا هاريس ودونالد ترامب، قبل موعد الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2024، يبقى ملف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة حاضرا في الحملات الانتخابية للمرشحين الرئاسيين.

ورغم أن الحرب على غزة تبقى “ثانوية” بالنسبة لأغلب الناخبين الأمريكيين حسب ما كشفته استطلاعات الرأي، فإن القضية كانت حاضرة بقوة في خطابات هاريس وترامب اللذين يسعيان لكسب أصوات ملايين الناخبين المسلمين واليهود.

في استطلاع للرأي أجرته منظمة “ديموكراسي كوربس” في الفترة بين الأول والعاشر من أغسطس/آب 2024، لـ 2234 ناخبا مسجَّلاً، لم تكن الحرب في غزة من بين القضايا الثلاث الأولى التي تقلق الأمريكيين. بل إنها احتلت المرتبة 12 من بين 15 اختياراً.

لكن رغم ذلك يقول المحلل السياسي العضو في الحزب الديمقراطي الأمريكي، نصير العمري إن “قضية غزة لا تزال مهمة في دوائر ضمن الولايات المتأرجحة”، معتبراً أن هذا الأمر لا يزال يؤرق الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وفق ما صرح به لموقع “الحرة”.


بينما يقول جيم جيرستين، الذي أجرت شركته “GBAO” الاستطلاع، إنه في حين “يشعر اليهود الأمريكيون بارتباط عاطفي قوي بإسرائيل، إلا أنها ليست قضية تؤثر على سلوكهم الانتخابي”. وأوضح أن الناخبين اليهود يدعمون بقوة جهود بايدن للتقدم باتفاقية الرهائن ووقف إطلاق النار، كما يعارضون بنيامين نتنياهو بشدة.

وبالنسبة للناخب المؤيد للفلسطينيين، وخصوصا العرب، من السياسة الأمريكية، فإن استطلاعاً أجره المعهد الأمريكي للأبحاث بين الأمريكيين العرب، أظهر أنهم سيصوتون بأغلبية أو أغلبية مطلقة لصالح المرشح الديمقراطي إذا “علقت إدارته أي دعم دبلوماسي أمريكي أو شحنات أسلحة إلى إسرائيل حتى تنفذ وقف إطلاق النار وتسحب قواتها من غزة”.

في آخر لقاء إعلامي أجرته في فيلادلفيا في 18 سبتمبر/أيلول، أكدّت نائبة الرئيس الأمريكي، المرشحة الرئاسية الديمقراطية كامالا هاريس، على وجوب إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وقالت إنّ على إسرائيل أن لا تقوم باحتلال قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.

وطالبت هاريس بإرساء حلّ الدولتين و”استقرار في الشرق الأوسط لا يساهم في زيادة قوة إيران”. وشدّدت على أنّ الإدارة الأمريكية الحالية كانت واضحة بشأن وجوب إنجاز اتفاق وقف إطلاق النار “بشكل يحقق مصلحة الجميع في المنطقة”.

بينما كرّرت هاريس أكثر من مرة عبارة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وعبّرت في لقائها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي عن التزام الولايات المتحدة “الثابت تجاه إسرائيل”، لكنها قالت إنها “لن تبقى صامتة أمام المشاكل الإنسانية في غزّة”.

فيما أعلنت “حركة الناخبين غير الملتزمين” في 19 سبتمبر/أيلول، عن عدم دعمها لهاريس في الانتخابات، بسبب فشلها في الالتزام بموعد للقاء عائلات فلسطينية في ولاية ميشيغان لنقاش وقف إطلاق النار. لكنّ الحركة حذّرت بقوة من التصويت لترامب.

في المقابل وقف ترامب منذ بداية حملته إلى جانب إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة. وفي أول مناظرة إعلامية بينه وبين الرئيس جو بايدن قبل انسحاب الأخير من السباق، قال ترامب إن “إسرائيل هي من تريد أن تستمر بالحرب، ويجب السماح لهم بإنهاء عملهم”.

وعارض ترامب سعي بايدن إلى وقف إطلاق النار. وكرّر ترامب أكثر من مرة أنه لو كان موجوداً في السلطة، لما قامت حركة حماس بهجومها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ورغم دعم المرشحين الحاليين لإسرائيل، إلا أن الموقف يختلف في ما يخص الحرب.

ويستغل ترامب موقف هاريس من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ومطالبتها بوقف إطلاق النار في حملته. وقال في المناظرة التي جمعته معها في 10 سبتمبر/أيلول إنّ هاريس “تكره إسرائيل”، مذكراً بغيابها عن حضور الكلمة التي ألقاها نتنياهو في الكونغرس.

وأضاف ترامب: “إن كانت هي رئيسة الولايات المتحدة، لن تكون إسرائيل موجودة خلال عامين من الآن”. ورفع ترامب سقف خطابه في 19 سبتمبر/أيلول في واشنطن أمام ممولين من الطائفة اليهودية خلال مؤتمر لمحاربة معاداة السامية في الولايات المتحدة.

كما كان ملف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة حاضراً بقوة في الانتخابات البريطانية العامة التي أجريت في شهر يوليو/تموز 2024، وقال موقع هيئة الإذاعة البريطانية إن حرب غزة قسمت الرأي العام البريطاني، وهو ما تجسد في المظاهرات التي طافت شوارع البلاد والاحتجاجات في عدد من الجامعات.

ورغم فوزه في الانتخابات، إلا أن حزب العمال خسر عددًا من معاقله السابقة أمام المرشحين المستقلين الذين قاموا بحملات انتخابية على برامج مؤيدة للفلسطينيين، مطالبين بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في غزة، وإنهاء احتلال فلسطين المستمر منذ عقود.


في فرنسا كانت القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في برنامج اليسار الفرنسي خلال الانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد شهر يوليو/تموز 2024، سواء في الشعارات والأعلام المرفوعة أو مظاهر الاحتفالات بالتقدم الانتخابي، لذلك لم تعد فلسطين قضية نخبوية بل أصبح لها حضور شعبي.

وقال المحلل السياسي الاستراتيجي الفرنسي،

باسكال بونيفاس

، قبيل الانتخابات التشريعية الفرنسية: “كانت موضوعات الانقسام السياسي في فرنسا، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والعلاقة مع إسرائيل في سياق الحرب في غزة، في قلب هذه الحملة التشريعية”.

فيما ذهب مرشحو اليسار الفرنسي أو “الجبهة الشعبية الجديدة” إلى حد التعبير عن رغبتهم في الاعتراف بدولة فلسطين خلال حملاتهم الانتخابية، بينما نشرت صحيفة Le Monde الفرنسية عريضة شعبية تدعو رئيس الجمهورية والمجتمع الدولي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

الاعتراف بدولة فلسطين

من المكاسب الكبيرة التي حققها “طوفان الأقصى” وردا على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تصاعد الأصوات المطالبة بالاعتراف بدولة فلسطين في الكثير من الدول الغربية، بينما لجأت أخرى لمراجعة علاقاتها مع دولة الاحتلال.

هناك أقلية من الدول الأوروبية التي تعترف بالفعل بالدولة الفلسطينية، ويتعلق الأمر بكل من المجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا وبلغاريا التي تبنت هذا الموقف في عام 1988، ولحقتها فيما بعد قبرص عام 2011 كأول دولة من داخل الاتحاد الأوروبي تعترف بدولة فلسطين، ثم لاحقاً السويد عام 2014.

فيما سبق وأن اعترفت تسع دول في أميركا الجنوبية، وهي كل من الباراغواي والبرازيل والأرجنتين وبوليفيا وتشيلي والإكوادور والبيرو وغويانا والأوروغواي، بالدولة الفلسطينية في حدود عام 1967 وتضم قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.

ومع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، انضمت دول غربية أخرى لقائمة البلدان التي أعلنت اعترافها رسمياً بدولة فلسطين، وذلك ردا على الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في قطاع غزة والضفة الغربية.

واعتبارا من 28 مايو/أيار 2024، أعلنت دول إسبانيا والنرويج وأيرلندا اعترافها رسمياً بدولة فلسطين، ثم بعد ذلك سلوفينيا وأرمينا، وسط توقعات بأن تلحق دول أخرى مثل بلجيكا بهذه الدول وتعترف بفلسطين، بينما هناك مساع لحشد دعم دول أخرى في آسيا للاعتراف أيضا بالدولة الفلسطينية.

وتعترف 144 دولة حول العالم بفلسطين كدولة، وفقاً لوزارة الخارجية وشؤون المغتربين الفلسطينية، في إحصائية نشرتها قبل إعلان الدول الأوروبية الثلاث الأخيرة. وبعد قرار إيرلندا والنرويج وإسبانيا يصل عدد الدول المعترفة بفلسطين إلى 147 منها، منها 11 دولة أوروبية.

سفير فلسطين الدائم في الأمم المتحدة، رياض منصور، كشف في مقال نشره الموقع الرسمي للمنظمة الدولية، أن اجتماعات مع العديد من الحكومات في منطقة البحر الكاريبي في أبريل ومايو 2024، أدت إلى اعتراف بربادوس وجامايكا وترينيداد وتوباغو وجزر الباهاما بدولة فلسطين.

وقال المسؤول الفلسطيني إن جميع الدول الـ14 في منطقة البحر الكاريبي اعترفت بدولة فلسطين، وأضاف أنه تم إرسال رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة لإبلاغ جميع الدول الأعضاء بذلك. وأشار إلى رحلة مقبلة إلى آسيا، وقال إنها ستركز على نيوزيلندا وأستراليا واليابان وجمهورية كوريا.

“سلاح” مقاطعة إسرائيل وداعميها


أدت

الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى إطلاق حملات مقاطعة متنوعة في الدول الغربية، خاصة تلك التي تهدف إلى الضغط على الحكومات أو الشركات لاتخاذ موقف بشأن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية.


منذ

بدء العدوان الإسرائيلي يقاطع مستهلكون في عدد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة منتجات شركات يعدونها صديقة لإسرائيل. وتقول بعض الشركات التي لها نشاط في إسرائيل، ومنها

“يونيليفر”

و

“نستله”

، إن المبيعات تتراجع في البلدان ذات الأغلبية المسلمة مثل إندونيسيا.

في يناير/كانون الثاني

2024

، قال كريس كمبنسكي، الرئيس التنفيذي لشركة ماكدونالدز إن النشاط في عدد من الأسواق في الشرق الأوسط وبعض الأسواق خارج المنطقة تأثر

“بشكل كبير”

بسبب الحرب على قطاع غزة، إلى جانب

“المعلومات المضللة”

حول العلامة التجارية.

كما قالت ستاربكس إن الحرب أضرت بأعمالها في الشرق الأوسط، إذ جاءت نتائج الربع الأول دون توقعات السوق. وأفادت رويترز في مارس/آذار

2024

، بأن مجموعة الشايع الخليجية العملاقة للتجزئة، التي تملك حقوق علامة ستاربكس في الشرق الأوسط، تعتزم تسريح أكثر من

ألفي

موظف بسبب تأثر الشركة بالمقاطعة.

في فبراير/شباط 2024، قالت يونيليفر البريطانية إن نمو مبيعات الربع الرابع في منطقة جنوب شرق آسيا تضرر بسبب مقاطعة المستهلكين في إندونيسيا للعلامات التجارية للشركات متعددة الجنسيات “على خلفية الوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط”.

من جهتها أنفقت شركة كوكاكولا ومنافستها بيبسي مئات الملايين من الدولارات على مدى عقود لتعزيز الطلب على مشروباتهما الغازية في الدول ذات الأغلبية المسلمة بما في ذلك مصر وباكستان.

وتواجه الشركتان حاليا منافسة من مشروبات غازية محلية في تلك الدول بسبب مقاطعة من المستهلكين تستهدف علامات تجارية عالمية تعتبرها رمزا للولايات المتحدة، وبالتالي إسرائيل، وذلك تضامنا مع الفلسطينيين في قطاع غزة.

ففي مصر انخفضت مبيعات كوكاكولا، بينما زادت صادرات العلامة التجارية المحلية (في7) لمنطقة الشرق الأوسط خلال العام الجاري بما يعادل ثلاثة أمثال الكمية خلال العام الماضي، وفق ما ذكرته وكالة رويترز.

وفي بنغلاديش أتت حملة كوكاكولا الإعلانية في وجه المقاطعة بنتائج عكسية. وتبخر النمو السريع لشركة بيبسي في شتى أنحاء الشرق الأوسط بعد اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر تشرين الأول.

دعوات المقاطعة لم تكن اقتصادية فقط، إذ انطلقت حملات في جامعات بعض الدول الغربية، كانت الجامعات مركزًا لحركة المقاطعة، حيث قادت مجموعات الطلاب المؤيدة لفلسطين في كثير من الأحيان حملات سحب الاستثمارات.

كما شارك الفنانون والموسيقيون والشخصيات الثقافية الأخرى أيضًا في حملات المقاطعة ، حيث رفضوا الأداء في إسرائيل أو الانسحاب من الأحداث التي ترعاها إسرائيل. أثار ذلك دعمًا وردود فعل عنيفة داخل الصناعات الثقافية، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة.

شهدت بعض الدول الغربية، خاصة في أوروبا، توترات دبلوماسية متزايدة مع إسرائيل بسبب دعم حملات المقاطعة داخل مجتمعاتها المدنية. وردت السلطات الإسرائيلية بالضغط الدبلوماسي، مهددة الشراكات التجارية والاقتصادية مع الدول التي يُنظر إليها على أنها متعاطفة مع حركة “BDS”.