رغم طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهم ارتكاب “جرائم” حرب، أتاح الكونغرس الأمريكي له فرصة إلقاء خطاب أمامه أواخر يوليو/ تموز الماضي وسط تصفيق الأعضاء، الأمر الذي يراه المسلمون بالولايات المتحدة حدثًا أظهر جليًا المواقف الحقيقية تجاه الحرب على غزة.هذا الاحتفاء الكبير بنتنياهو يلقي الضوء على الدور الذي تلعبه لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية اللوبي الإسرائيلي “أيباك” في التأثير على قرارات المجلس، من خلال إغداق الأموال على أعضائه تحت ما يسمى “التبرعات الانتخابية”.
هذا الاحتفاء الكبير بنتنياهو يلقى الضوء على الدور الذي تلعبه لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “أيباك” في التأثير على قرارات المجلس، من خلال إغداق الأموال على أعضائه تحت ما يسمى “التبرعات الانتخابية”.
وفي 20 مايو/ أيار الماضي، طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت؛ لمسؤوليتهما عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بقطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وفي 24 يوليو الماضي، ألقى نتنياهو خطابا أمام الكونغرس الأمريكي استمر نحو ساعة، زعم فيه أن إسرائيل “لم تقتل أي مدني تقريبا” بمدينة رفح، وسط احتجاجات ضخمة لآلاف المؤيدين لفلسطين في شوارع واشنطن مطالبين بإنهاء الحرب ووقف تسليح إسرائيل.
أموال ضخمة
ووفقا للمعطيات التي جمعها مراسل الأناضول، حصل أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ، ممن صفقوا لنتنياهو، على دعم مالي كبير من “أيباك”، من بينهم النائب الديموقراطي ستيني هوير الذي حصل على مليون و736 ألفا و244 دولار، وزعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز، الذي حصل على مليون و367 ألفا و47 دولارا.
كما تلقى السيناتور الديمقراطي عن ولاية جورجيا رافائيل وارنوك، مبلغ 929 ألفا و776 دولارا، والسيناتور الديمقراطي عن نيوجيرسي كوري بوكر، 913 ألفا و81 دولارا.
بينما حصل النائب الديموقراطي جلين إيفي من ولاية ماريلاند على 807 آلاف و215 دولارا، والنائب الديموقراطي عن ولاية كاليفورنيا تيد ليو على 315 ألفا و955 دولارا، والسيناتور الديمقراطي من بنسلفانيا، جون كارل فيترمان، على 245 ألفا و550 دولارا من اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للعلاقات العامة.
كما نال رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون، مبلغ 364 ألفا و363 دولارا، والسيناتور الجمهوري من تكساس تيد كروز، مليونا و509 آلاف و359 دولارا.
أما ممثل بنسلفانيا النائب الجمهوري مايك كيلي، فحصل على 91 ألف و250 دولارا، وممثل ألاباما الجمهوري جيري كارل على 50 ألف و892 دولارا.
وتلقى عضو مجلس النواب عن ولاية تكساس الجمهوري تشيب روي، 37 ألفا و129 دولارا، وممثل أريزونا الجمهوري آندي بيغز، 46 ألفا و745 دولارا، وممثلة فلوريدا عن الحزب الجمهوري آنا باولينا لونا، 3 آلاف دولار، وممثل فلوريدا الجمهوري كوري ميلز 8 آلاف و500 دولارا.
إضافة إلى ذلك، حصلت عضو مجلس النواب من جورجيا الجمهوري مارجوري تايلور غرين، على ألفين و250 دولارا من “أيباك” وذلك على شكل “مساعدات انتخابية”.
ومن بين الأسماء الأخرى التي تلقت مساعدة من “أيباك” يبرز كل من ممثل فلوريدا الجمهوري بايرون دونالدز، الذي حصل على 90 ألفا و703 دولارات، وسيناتور ويسكونسن الجمهوري رون جونسون، الذي حصل على 347 ألفا و28 دولارا.
ونال سيناتور ميزوري الجمهوري جوش هاولي، 231 ألفا و790 دولارا، وممثلة كولورادو لورين بويبرت 17 ألفا و690 دولارا، وممثل فلوريدا مات غيتس 6 آلاف و535 دولارا، وسيناتور ماريلاند الديمقراطي بن كاردين 913 ألفا و285 دولارا.
“عرض مخزٍ”
الدكتور حسن عبد السلام، أستاذ علم الاجتماع بجامعة مينيسوتا ومؤسس حركة “أباندون بايدن” (AbandonBiden-تخلوا عن بايدن) التي تطالب بوقف إطلاق النار في غزة، وصف دعوة أحد “أكبر الطغاة في تاريخ البشرية” للتحدث أمام الكونغرس بأنها “واحد من أكثر العروض المخزية في التاريخ الأمريكي”.
وأضاف للأناضول: “نحن واثقون جدا من أننا في حركة (أباندون بايدن)، نسير في الطريق الصحيح، من خلال المطالبة بمعاقبة هذه الإدارة”.
وبدعم أمريكي مطلق، تواصل إسرائيل حرب “الإبادة الجماعية” على غزة ما خلف أكثر من 136 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل إسرائيل هذه الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
“مسرحية” التصفيق بالكونغرس
من جانبه، علّق الدكتور عمر سليمان، رئيس “معهد يقين” بمدينة دالاس في ولاية تكساس، على تصرفات “الصهاينة” قائلا: “أيباك تلعب أوراقها بشكل مفرط. فهذه المنظمات تُفرط في استخدام نفوذها لدرجة أن الشعب الأمريكي، حتى ممن لا يتفقون معنا، بدأوا التفكير بالأسباب التي تقف وراء تمويل اللجنة من أموال الضرائب الأمريكية، بينما يخيم الفقر على الشوارع في الولايات المتحدة”.
وأضاف سليمان للأناضول، أن السياسيين الأمريكيين “لا يبدون نفس التعامل الحساس تجاه الشعب الأمريكي بقدر يبدونه تجاه هذه اللوبيات”، مشيرا أن “أيباك كانت وراء تنظيم مسرحية التصفيق في الكونغرس، ما يذكرنا بالمسرحيات المدرسية”.
ووصف تلك الحالة بأنها “جنون”، مشيرا أن الولايات المتحدة تحتاج إلى “تغيير شامل”.
وقال: “مع كل تصفيق يتم إنفاق مليارات الدولارات لتمويل هذا الوحشية، ومع كل تصفيق يوجد آلاف من الأطفال القتلى، ومع كل تصفيق ينهمر المال من أيباك”.
بدوره، قال مدير الشؤون الحكومية لمجلس العلاقات الأمريكية-الإسلامية “كير”، روبرت مكاو: “لا نريد أن يتحدث القادة المتهمون بارتكاب جرائم إبادة جماعية أمام المشرعين في الولايات المتحدة”.
وأضاف للأناضول: “نحن لا ندعم هذا النظام السياسي في واشنطن. فقد تدعم هذه النخبة السياسية نتنياهو، لكن الشعب الأمريكي يشهد كل يوم على تزايد فظائع الإبادة الجماعية، وهم بالتالي يفقدون دعم الجمهور”.
ورغم التصفيق الحار لخطاب نتنياهو أمام الكونغرس، إلا أنه لم يتطرق لصفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس ووقف إطلاق النار في القطاع.
واكتفى نتنياهو بالقول إنه التقى عائلات الأسرى وقال لهم “لن أرتاح حتى يعود جميع أحبائهم إلى ديارهم”.
منع لافتة مؤيدة لفلسطين
وفي المؤتمر الوطني للديمقراطيين والذي عُقد في شيكاغو، في أغسطس/ آب الماضي حيث واجهت الحكومة الأمريكية ردود فعل قوية على خلفية سياستها تجاه الأحداث في غزة، ألقى نواب مثل إلهان عمر، ورؤى رمان، وسمر لي، خطابات في حشود من المؤيدين للقضية الفلسطينية.
وفي قاعة المؤتمر، منعت الشرطة الأمريكية بالقوة المشاركين من رفع لافتة مؤيدة لفلسطين، حيث تم إطفاء الأضواء لإخراج اللافتة من القاعة بالتزامن مع توقيف بعض المشاركين.
وخلال انتخابات الرئاسة الأمريكية المزمع إجراؤها في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، يعتزم المواطنون الأمريكيون المهتمون بقضية غزة والذين يطالبون بوقف شحن الأسلحة إلى إسرائيل، إضافة إلى أمريكيين مسلمين، التعبير عن مواقفهم حيال السياسات الأمريكية عبر صناديق الاقتراع.