رصد “عربي بوست” طائرة أمريكية متطورة للاستطلاع، وطائرة بريطانية، حلقتا قبالة سواحل لبنان، يوم 17 سبتمبر/ أيلول 2024، قبل حدوث انفجارات في آلاف أجهزة النداء “البيجر” التي كانت بحوزة عناصر من “حزب الله” اللبناني، وأسفرت الانفجارات التي نفذتها إسرائيل عن سقوط قتلى وأعداد كبيرة من الجرحى.
ويُعد هذا الهجوم خرقاً أمنياً غير مسبوق لـ”حزب الله”، وجرى خلاله تفجير آلاف أجهزة الاتصالات اللاسلكية “البيجر” في وقتٍ متزامن في أنحاء لبنان، فيما قال وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض، الأربعاء 18 سبتمبر 2024، إن الانفجارات أدت لوفاة 12 شخصاً بينهم طفلان، فيما تصل الإصابات إلى نحو 2800، بينهم 300 إصابة حرجة.
ويأتي هذا الهجوم وسط استمرار تبادل القصف واستهداف المواقع منذ أشهر بين إسرائيل، و”حزب الله”، الذي تعهد بدوره بالرد على تفجير آلاف الأجهزة التي كانت بحوزة عناصره.
طائرة استطلاع MQ-4C Triton قبالة لبنان
وقبل انفجار أجهزة “البيجر” في لبنان، حلقت طائرات عسكرية قد حلّقت قبالة سواحل لبنان، ولدى هذه الطائرات قدرات استخباراتية ملفتة، وأبرز الطائرات التي رصدنا نشاطها، المسيّرة الأمريكية Northrop Grumman MQ-4C Triton.
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية قالت إن “أمريكا ليست ضالعة في تفجيرات أجهزة الاتصالات في لبنان”، فيما قال وزير الخارجية، أنتوني بلينكن إن “واشنطن لم تكن تعلم بها، ما زلنا نجمع الحقائق”.
بالاستناد إلى بيانات مواقع تتبع حركة الطائرات العسكرية، فإن الطائرة الأمريكية بدون طيار من طراز MQ-4C Triton والتي تحمل الاسم “BLKCAT5″، حلقت صباح يوم أمس الثلاثاء 17 سبتمبر/ أيلول فوق مياه المتوسط قبالة سواحل لبنان.
تحمل الطائرة الرمز التعريفي: Hex: AE7815، ورقم التسجيل 169804، وبدأ ظهور الطائرة على مواقع تتبع حركة الطائرات، بحلول الساعة 11:24 دقيقة بتوقيت لبنان، وبحسب ما رصد “عربي بوست” فإن المسيّرة الأمريكية استمرت في تحليقها قبالة سواحل لبنان قرابة 10 دقائق.
ويبين رصد تحرك المسيّرة الأمريكية، أنها بدأت تحليقها قبالة ساحل مدينة صور في جنوب لبنان (معقل حزب الله)، وأكملت تحليقها نحو شمال لبنان قبالة سواحل صيدا وصولاً إلى قبالة سواحل بيروت.
الملفت في نشاط هذه الطائرة، أنه عندما عدنا إلى تتبع نشاطها بدءاً من شهر مارس 2024 وحتى شهر سبتمبر 2024، فإنه طوال هذه الفترة لم نلحظ نشاطاً لهذه الطائرة، إلى أن ظهرت قبالة سواحل لبنان يوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024. كما ظهرت الطائرة يوم 6 سبتمبر 2024، قبالة سواحل “جاكسونفيل” في ولاية فلوريدا الأمريكية.
ميزات استطلاعية ضخمة
هذا النوع من المسيّرات التي تتبع للبحرية الأمريكية، تتمتع بقدرات كبيرة للتحليق والاستخبارات، وتم تطوير المسيّرة MQ-4C Triton من قبل شركة Northrop Grumman Corporation الأمريكية.
يساوي حجم هذه المسيّرة حجم طائرة صغيرة، ويبلغ طول جناحيها 40 متراً، وبإمكانها التحليق على ارتفاع 20 ألف متر، ولمدة 30 ساعة، ومزودة برادار، وأجهزة استشعار بما في ذلك الأشعة تحت الحمراء والكاميرات البصرية.
تمتلك الطائرة القدرة على مسح (رصد) عشرات الآلاف من الكيلومترات المربعة خلال مهمة واحدة تستغرق 28 ساعة، وخلال هذه العملية تنقل ما جمعته من بيانات المراقبة والاستخبارات مباشرة إلى مركز القيادة.
يُشير موقع naval-technology إلى أن محطة تشغيل هذه المسيّرة والتي تضم 4 أشخاص، تقوم بمهمات عدة من خلال الطائرة من بينها مراقبة الاتصالات، ومعالجة الصور القادمة من المسيّرة.
وطوّرت الشركة الأمريكية من قدرات هذه المسيّرة، إذ أشار كبير المهندسين فيها، روب زمارزلاك، إلى أنه تمت إضافة مستشعرين للطائرة لتطوير قدراتها، الأول متعلق بجمع المعلومات الاستخباراتية الإلكترونية، والثاني لجمع المعلومات عن الاتصالات.
من الميزات الملفتة في مسيّرة MQ-4C Triton، أنه تم تحسينها من أجل جمع المعلومات الإلكترونية، واستخبارات الإشارات، والتي يقصد بها عملية جمع المعلومات الاستخباراتية من خلال اعتراض الإشارات المتعلقة بالاتصالات.
ويُشير موقع Army Recognition إلى أن هذه الطائرة وبسبب قدراتها الاستخباراتية الكبيرة، فإنها قادرة على اعتراض وتحليل الإشارات المنبعثة من أنظمة إلكترونية مختلفة بما في ذلك إشارات الرادارات والراديو.
وتعمل أجهزة “البيجر” بالاعتماد على الاتصالات اللاسلكية الراديوية، ويستقبل “البيجر” موجات وإشارات واردة من جهاز إرسال، ثم يحولها إلى رموز أو اهتزازات تخبر المستقبِل بأن هنالك رسالة وصلته.
تم تطوير “البيجر” في ستينات القرن الماضي لأغراض الاتصالات الطارئة، وعلى الرغم من تطور قطاع الاتصالات، إلا أنه لا تزال هناك قطاعات تستخدم “البيجر” مثل القطاعات الصحية.
طائرات من MQ-4C Triton في مهمات بمياه المتوسط
وليست الطائرة المسماة BLKCAT5 التي حلقت قبالة سواحل لبنان قبل تفجير أجهزة “البيجر” هي الوحيدة من نوع MQ-4C Triton التي تجري مهمات استطلاعية في المنطقة.
هنالك أيضاً الطائرة BLKCAT6 من نفس الفئة، وقد أظهرت بيانات تتبع مواقع الطيران هذه الطائرة وهي تجري تحليقات استطلاعية فوق مياه المتوسط خلال الأشهر الماضية، من بينها تحليقها بشكل مكثف قبالة سواحل لبنان وسوريا في يوم 6 سبتمبر 2024.
كذلك رصدت مواقع لتتبع الطائرات تحليقات لهذه الطائرة قبالة سواحل لبنان في أغسطس/ آب 2024.
وقبل انفجار أجهزة “البيجر” حلقت أيضاً طائرة بريطانية قبالة سواحل لبنان، ورصد “عربي بوست” الطائرة “BOEING RC-135″، والتي تحمل الرمز التعريفي Hex:43C39D، ورقم التسجيل: 73-1594.
تزامن تحليق هذه الطائرة مع تحليق طائرة الاستطلاع الأمريكية من دون طيار BLKCAT5، وقد حلقت الطائرتان قبالة سواحل لبنان بحدود الساعة 12:45 بتوقيت لبنان.
وبالعودة إلى نشاط الطائرة البريطانية منذ شهر مايو 2024، فإن الطائرة لم يكن لها تحليقاً في المنطقة منذ ذلك الحين، ولم تظهر إلا يوم 17 سبتمبر 2024 قبالة سواحل لبنان.
بدأ تحليق الطائرة البريطانية “BOEING RC-135” فوق المياه المقابلة لسواحل صور، وصولاً إلى سواحل مدينة طرابلس في الشمال اللبناني، وبحسب موقع Airforce-Technology، فإن طائرات بوينغ RC-135 هي من الطائرات الاستطلاعية متوسطة الوزن، وتمتلك قدرات على تنفيذ عمليات استخباراتية، إضافة إلى المراقبة والاستطلاع.
ترجيحات بزرع متفجرات في الأجهزة
ولا تزال الكثير من الجوانب المتعلقة بتفجير أجهزة “البيجر” غامضة، ومن بينها كيف تم تفجير هذا العدد الكبير من الأجهزة وفي وقت متزامن، وكيف حصل هذا الخرق غير المسبوق.
وكالة رويترز نقلت عن مصدر أمني لبناني كبير، ومصدر آخر، أن “جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) زرع متفجرات داخل أجهزة البيجر قبل أشهر من تفجيرات أمس الثلاثاء”.
بحسب المصدر اللبناني، فإن “حزب الله طلب خمسة آلاف جهاز اتصال من إنتاج شركة جولد أبوللو”، وتشير ترجيحات مصادر تحدثت رويترز إلى أن الأجهزة وصلت إلى البلاد في وقت سابق من العام.
من جانبه، قال مؤسس شركة جولد أبوللو هسو تشينج كوانج إن أجهزة الاتصال المستخدمة في الانفجارات صنعتها شركة في أوروبا، وأن “”المنتج ليس تابعاً لنا. إنه فقط يحمل علامتنا التجارية”، بحسب قوله.
ويلجا “حزب الله” إلى استخدام أجهزة “البيجر” لكونها وسيلة اتصال غير متطورة تكنولوجياً، وهذا ما يساعد على تجنب أنظمة التعقب للاتصالات التي تمتلكها إسرائيل.
ومنذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها “حزب الله”، مع جيش الاحتلال الإسرائيلي قصفاً يومياً عبر “الخط الأزرق” الفاصل، ما أسفر عن مئات بين قتيل وجريح معظمهم بالجانب اللبناني.
وتطالب هذه الفصائل بإنهاء الحرب التي تشنها إسرائيل بدعم أمريكي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر، ما خلف أكثر من 136 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.