أعلن مكتب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في بيان صدر فجر اليوم الثلاثاء، أن الحكومة الأمنية المصغّرة قررت توسيع أهداف الحرب الجارية لتشمل إعادة سكان الشمال إلى منازلهم، بعدما نزحوا عنها بسبب القصف المتبادل عبر الحدود منذ 11 شهرًا مع حزب الله.
وبحسب ما نقلته صحيفة “إسرائيل هيوم”، أوصى قائد القيادة الشمالية بإنشاء منطقة أمنية عازلة في جنوب لبنان، حيث يرى وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أن العمل العسكري هو السبيل الوحيد لتحقيق ذلك، خاصة مع تلاشي فرص التوصل إلى اتفاق مع حزب الله في ظل استمرار قصف أراضي داخل إسرائيل منذ انطلاق طوفان الأقصى.
في ظل تعقيدات المشهد وتزايد الضغوط، يتفق قادة إسرائيل على ضرورة التصعيد العسكري في لبنان، إذ يدرك القادة الإسرائيليون أن فرص التوصل إلى تسوية منفصلة مع لبنان بعيدًا عن غزة تتضاءل تدريجياً، ما دفعهم إلى تكثيف الرسائل التي تشير إلى نية إسرائيل تصعيد الضغط على حزب الله وتوسيع العمليات العسكرية في الشمال.
ومع تداخل التصريحات والتقارير حول احتمالية اندلاع حرب في الشمال، يتفق جميع القادة العسكريين والسياسيين، بمن فيهم وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على ضرورة الحل العسكري لمواجهة التهديدات في لبنان.
ومع ذلك، يبرز تساؤل مهم: لماذا يسعى نتنياهو لإقالة غالانت إذن؟ رغم اتفاقهما على أهمية التصعيد العسكري، ولماذا وسّع نتنياهو أهداف الحرب لتشمل إعادة سكان الشمال إلى منازلهم في وقت لم يتمكن فيه جيشه من تحقيق نصر حاسم على المقاومة في غزة؟ وهل يمكن لجيش لم ينجح في القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة أن يحقق انتصارًا ضد حزب الله، الذي يتمتع بقوة عسكرية أكبر من حماس بكثير؟
لماذا وسع نتنياهو أهداف الحرب؟
خلال زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي، عاموس هوكشتين، إلى تل أبيب بهدف خفض التصعيد بين إسرائيل وحزب الله وتجنب اندلاع صراع إقليمي، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن “إسرائيل ستفعل ما يلزم لضمان عودة سكان الشمال بأمان”، رغم التحذيرات الأميركية من شن حرب على لبنان.
هوكشتين التقى بنتنياهو، والرئيس إسحاق هرتسوغ، ووزير الدفاع يوآف غالانت، وزعيم المعارضة يائير لابيد، حيث أكد نتنياهو أن عودة السكان تعتمد على “تحسن جذري في الوضع الأمني”، فيما شدد غالانت على أن “الخيار العسكري هو الحل الوحيد المتبقي”.
في المقابل، حذر هوكشتين من أن “حربًا واسعة على لبنان قد تزيد من المخاطر ولن تحقق إعادة الأسرى”، مشيراً إلى احتمالية توسع الصراع ليصبح إقليميًا وطويل الأمد.
من جانب آخر، يرى المحللون أن العملية العسكرية وحدها لن تكون كافية لردع حزب الله وإعادة الإسرائيليين إلى الشمال. ونقلت صحيفة “يسرائيل هيوم” عن السفير الأميركي لدى إسرائيل جاك ليو قوله: “نسعى للوصول إلى اتفاقات تمنع مواجهة لا يرغب بها أي من الطرفين”، مؤكدًا أن “الهدوء في غزة قد يمنع حربًا أوسع في الشمال”.
فيما اعتبر السفير الفرنسي فريدريك جورنيس أن “الحرب مع لبنان ستكون مدمرة للمنطقة ولا يمكن تحمل تكاليفها، كما أنها ستضر بإسرائيل أيضًا”.
رغم ذلك، وفقاً، للعديد من التحليلات ترى أن نتنياهو يحاول دغدغة غرائز الداخل الإسرائيلي، بما يخدم مصالحه في البقاء في السلطة.
وفقاً لتحليلات عديدة، يظهر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحاول استغلال توسيع الحرب الحالية على الجبهة الشمالية مع لبنان لتحقيق أهداف سياسية تخدم بقاءه في السلطة، وذلك من خلال التركيز على هدف يبدو صعب المنال: إعادة الإسرائيليين إلى الشمال.
نتنياهو يسعى إلى دغدغة مشاعر الجمهور الإسرائيلي، وتحديداً من خلال التركيز على إعادة الاستقرار إلى الشمال كأحد أهداف الحرب الرئيسية، على الرغم من معرفته بصعوبة تحقيق ذلك في ظل الظروف العسكرية والسياسية الحالية.
فوفقاً، لاستطلاع للرأي أجرته “دايركت فولز” أظهر أن 71% من الإسرائيليين يؤيدون شن حرب فورية على الجبهة الشمالية، مقابل 18% يعارضونها. هذا الدعم الشعبي الواسع للعمل العسكري في الشمال يُشكل فرصة لنتنياهو لتعزيز موقفه السياسي المتأرجح.
في الوقت نفسه، نشر تقرير في “هآرتس” يسلط الضوء على 100 ألف إسرائيلي نزحوا عن منازلهم في الشمال، مما يخلق ضغوطا شعبية على قادة الاحتلال للتوصل إلى حل، لكنهم بعيدون كل البعد عن التوصل إلى حل دبلوماسي من شأنه أن يوقف إطلاق النار، كما أوضح وزير الدفاع غالانت.
وفي غياب اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة، فإن حزب الله ملزم بالوفاء بالتزامه بمواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلية بإطلاق النار من لبنان.
وتصاعد العمليات العسكرية في لبنان وسوريا، كما يتضح من الغارات التي نفذتها القوات الإسرائيلية الخاصة، يُظهر تحول مركز الحرب من غزة إلى الشمال.
فوفقاً، لمقال عاموس هرئيل في “هآرتس” يوضح أن تشديد إسرائيل لهجماتها على سوريا ولبنان نابع من الضغوط المتزايدة التي يواجهها نتنياهو من سكان الشمال المهجرين، الذين لا تملك الحكومة أجوبة محددة بشأن موعد عودتهم أو الحلول المتاحة لإعادة الاستقرار إلى مناطقهم.
كما يشير هرئيل إلى أن إسرائيل “استنفدت معظم خيارات التصعيد العسكري”، بدءًا من الاغتيالات إلى استهداف مخازن القذائف الصاروخية في جنوب لبنان، والهجمات الجوية في سوريا والبقاع وبيروت، دون تحقيق نتائج ملموسة تساهم في حل الأزمة الشمال بالنسبة للاحتلال.
و بعد مرور نحو عام على الحرب، فرضت الجبهة الشمالية للاحتلال نفسها تحدّياً رئيسياً على طاولة القرار في تل أبيب، بما لا يسمح بتجاوزها، لذلك يحاول نتيناهو أن يستغلها ويستثمرها سياسياً، من خلال دغدغة الداخل الإسرائيلي.
فمن الناحية السياسية، يواجه نتنياهو تحديات داخلية تتمثل في تصاعد الخلافات مع وزير الدفاع يوآف غالانت، وهي ليست بجديدة، فقد سبق أن أقال نتنياهو غالانت قبل الحرب على خلفية ما عُرف بـ”الإصلاح القضائي”، لكنه أعاده إلى الحكومة بعد تفجّر تظاهرات عارمة في وجهه حينها.
تزايدت هذه الخلافات خلال الحرب، خاصة فيما يتعلق بالمفاوضات حول صفقة الأسرى وقانون تجنيد الحريديين، وهو ما جعل نتنياهو يرى في إقالة غالانت خطوة ضرورية لتعزيز موقفه السياسي، رغم اتفاقه معه في ضرورة شن حرب في الشمال.
لذلك، تري بعض التقارير بأنه يمكن فهم لماذا وضع نتيناهو هدف يصعب تحقيقه، كإعادة السكان لشمال، رغم معرفة نتنياهو بصعوبة تحقيق ذلك، في ظل استمرار انشغال جيش الاحتلال بالحرب على غزة، وتصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية، فضلا عن هجمات الحوثيين.
إذ يسعى نتنياهو في توظيف الأزمة العسكرية لتحقيق أهداف سياسية داخلية، حيث يسعى إلى استبدال غالانت بشخصية أخرى، حيث كان نتنياهو يتهم وزير الدفاع بأنه كان متساهلاً للغاية ومتسامحاً بشأن الشمال.
فوفقاً لصحيفة هآرتس، كما ظهر ممر فيلادلفيا فجأة من العدم وأصبح على الفور المصدر الوحيد لأمننا، مما أدى إلى نهاية صفقة الرهائن، فقد تم اختراع ذريعة جديدة الآن.
إن نتنياهو حريص على التخلص من جالانت لضمان استقرار ائتلافه الحاكم. وإذا كان هذا يتطلب تعيين وزير دفاع لا يتمتع بالخبرة ذات الصلة، والتحرك نحو عتبة الحرب دون استراتيجية غير بقائه في السلطة، وفقاً لجريدة.
هل جيش الاحتلال قادر على هزيمة حزب الله؟
وفقًا لما أورده الجنرال الإسرائيلي السابق إسحاق بريك في مقال نشرته صحيفة هآرتس، فإن التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت حول إمكانية شن هجوم بري على حزب الله في المستقبل القريب مثيرة للقلق.
بريك أشار إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يواجه صعوبات في تحقيق أهدافه في الحرب الجارية ضد حماس في غزة، لا يمتلك القدرة على تحقيق انتصار حاسم على حزب الله، الذي يعد أكثر قوة وتنظيمًا من حماس بمئات المرات.
ووفقاً لتحليلات بريك، فإن قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي، ممثلة في رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس الأركان هرتسي هاليفي ووزير الدفاع يوآف غالانت، فشلت في تحقيق الأهداف الرئيسية للحرب في غزة، مثل تدمير حماس وتحرير الأسرى.
على العكس من ذلك، لا تزال حركة حماس تسيطر بشكل كامل على قطاع غزة، بما في ذلك شبكة الأنفاق، في حين أن استمرار القتال في غزة أصبح يستهلك قدرة إسرائيل العسكرية ويؤثر سلباً على الاقتصاد والعلاقات الدولية، ويضعف قدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود.
بريك يرى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي شهد تدهورًا ملحوظًا في قوته البرية على مدى السنوات العشرين الماضية، لا يمتلك القدرة الكافية لتنفيذ هجوم بري طويل الأمد في لبنان.
فقد خفض الجيش قواته البرية بنسبة 66% مقارنة بما كانت عليه قبل عقدين، مما يعني أنه لا يملك قوات كافية للاحتفاظ بأي أراضٍ قد يحتلها لفترة طويلة، وسينتهي به الأمر إلى الانسحاب، كما حدث في غزة، وهو ما يتوقعه في حال تم شن هجوم بري على لبنان.
الجنرال الإسرائيلي السابق يذهب إلى القول بأن الهجوم على حزب الله قد يقود إلى حرب متعددة الجبهات، حيث سيواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي ليس فقط قوات حزب الله في لبنان، بل أيضًا احتمال اندلاع نزاعات في الجولان والضفة الغربية، بالإضافة إلى التهديدات من الجماعات المسلحة المدعومة من إيران والتي قد تتسلل عبر الحدود الأردنية.
وفي ظل هذه الظروف، يشير بريك إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قد يبدو ضعيفًا وغير قادر على الدفاع عن الأراضي الإسرائيلية، مما سيشكل تهديدًا وجوديًا على إسرائيل.
على صعيد آخر، ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية، فإن الخلافات بين القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية تتزايد.
بينما ترى القيادة العسكرية، ممثلة في غالانت ورئيس هيئة الأركان، ضرورة توجيه ضربة عسكرية كبيرة إلى حزب الله لتغيير الواقع الأمني في شمال فلسطين المحتلة، يدفع نتنياهو في اتجاه تصعيد محدود يبقى على شفا الحرب دون أن يتحول إلى مواجهة شاملة.
نتنياهو، الذي يبدو أنه يسعى إلى استغلال هذه الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، يهدف إلى خلق بيئة متوترة تمكنه من التفاوض مع حزب الله من موقع القوة، وفي الوقت نفسه يعزز من دعم الولايات المتحدة لإسرائيل.
ذكرت تقارير عدة، بإن الولايات المتحدة حذرت إسرائيل من أي تصعيد واسع النطاق، مشيره إلى أنه لن يعيد الإسرائليين إلى الشمال، و قد يؤدي إلى نتائج كارثية وغير متوقعة.
واشنطن تخشى من أن يتحول النزاع إلى حرب إقليمية واسعة تشمل لبنان وسوريا، وقد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة بالكامل.