LIFE
الأخبار المنوعة

لحماية المدنيين والجرحى خلال النزاعات المسلحة.. ما هي المناطق الآمنة في الحرب وكيف يتم تحديدها؟

على الرغم من أن المناطق الآمنة في الحرب في قطاع غزة تعتبر معدودة على رؤوس الأصابع أمام المدنيين العزل من سكان القطاع، إلا أن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تلتزم بشكل كامل بما تنص عليه القوانين الدولية، التي تمنع شن الحرب على هذه المناطق.

وقد شهدت حرب غزة “طوفان الأقصى”، العديد من الانتهاكات من طرف الاحتلال، الذي قصف مناطق عدة، كانت من المفترض أن تدخل في دائرة المناطق الآمنة، من بينها مستشفيات، ومخيمات، ومناطق سكنية.

كل هذه الحالات تجعلنا نتساءل عما هي فعلاً المناطق الآمنة خلال الحرب، وكيف يتم تحديدها، وما هي الاتفاقيات التي تنص على احترام هذه المناطق، ومن هم الأشخاص الأحق بالمكوث هناك؟

تعريف المناطق الآمنة في الحرب

يعتبر مفهوم “المناطق الآمنة” مصطلحًا غير رسمي في القانون الدولي، ورغم أنه لا يتم ذكره بشكل مباشر في الاتفاقيات الدولية الكبرى، إلا أن الفكرة الأساسية تكمن في حماية المدنيين والجرحى من أهوال النزاع المسلح.

وتشير التعريفات القريبة للمناطق الآمنة في الحرب إلى عدة تسميات مثل “المناطق الطبية”، “مناطق الاستشفاء”، “المناطق المحايدة”، و”المناطق منزوعة السلاح”.

وقد تطرق مجلس الأمن الدولي إلى فكرة المناطق الآمنة في قراره رقم 819 الصادر في 16 نيسان/أبريل 1993.

وقد عرّفها بأنها “مناطق محمية من الاعتداءات المسلحة، ومن كل عمل عدائي يعرض سلامة وأمن السكان المدنيين للخطر”، وكان الهدف من هذه المناطق ضمان توجيه المساعدة الإنسانية للمدنيين في أماكن النزاع.

في المقابل، تقدم منظمة “هيومن رايتس ووتش” تعريفًا مشابهًا، حيث توضح أن المناطق الآمنة هي “مناطق تتفق أطراف النزاع المسلح على عدم نشر قوات عسكرية فيها أو تنفيذ هجمات عليها، وتُنشأ بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي”.


بداية ظهور وتطور مفهوم المناطق الآمنة في الحرب

نشأت فكرة المناطق الآمنة منذ القرن التاسع عشر خلال الحرب الفرنسية البروسية عام 1870.

كان مؤسس الصليب الأحمر الدولي، السويسري هنري دونان، من أوائل المدافعين عن هذه الفكرة، حيث اقترح تحييد بعض المدن لتقديم الرعاية الطبية للجرحى.

ورغم عدم نجاح الفكرة بشكل كامل خلال تلك الحرب، كانت هذه المحاولة بذرة لفكرة “مناطق الاستشفاء والأمان” التي أصبحت تطبق بعد ذلك.

في عام 1871، حاول دونان مرة أخرى تطبيق الفكرة أثناء “تمرد كومونة” في باريس، حيث اقترح إنشاء مناطق لجوء آمنة للمدنيين.

ولكن، على الرغم من أهمية الفكرة، لم تلق الاهتمام الكافي بسبب التطورات العسكرية السريعة في ذلك الوقت.

لاحقًا، تبنى الطبيب الفرنسي جورج سانت بول فكرة دونان وقدم في عام 1929 خطة لإنشاء مناطق آمنة تهدف إلى توفير الحماية ليس فقط للمدنيين، ولكن أيضًا للجنود الجرحى والمرضى.

وبعد ثلاث سنوات، أسس سانت بول الرابطة الدولية لمدينة جنيف، والتي اهتمت بتطوير وتنفيذ فكرة المناطق الآمنة.

وفي عام 1934، اجتمع مجموعة من الأطباء والمحامين في موناكو لتطوير مشروع اتفاقية دولية تهدف إلى تنظيم احترام الحياة البشرية خلال النزاعات المسلحة.

هذه الوثيقة، التي عُرفت باسم “مشروع موناكو”، تضمنت أحكامًا خاصة بمناطق الاستشفاء والمناطق الآمنة، ما يعزز الجهود الرامية إلى حماية المدنيين في فترات الحرب.

المناطق الآمنة في اتفاقية جنيف الرابعة: حماية المدنيين في زمن الحرب

تطرقت اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، المعنية بحماية المدنيين أثناء الحروب، إلى مفهوم “المناطق الآمنة” في مادتها رقم 14.

وقد نصت المادة على أنه يمكن للأطراف المتعاقدة، سواء في وقت السلم أو عند اندلاع النزاعات المسلحة، إنشاء مناطق استشفاء وأمان في أراضيها أو في الأراضي المحتلة.

إذ تهدف هذه المناطق إلى حماية الفئات الأكثر ضعفًا مثل الجرحى، المرضى، العجزة، المسنين، النساء الحوامل، الأمهات، والأطفال دون سن الخامسة عشرة.

كما أشارت الاتفاقية نفسها إلى إمكانية عقد اتفاقات بين أطراف النزاع للاعتراف المتبادل بهذه المناطق بمجرد نشوب القتال.

وتوضح المادة رقم 15 أنه يمكن لأي طرف في النزاع، من خلال تفاوض مباشر أو عبر دولة محايدة أو هيئة إنسانية، اقتراح إنشاء مناطق محايدة في مناطق القتال، بهدف حماية الجرحى والمدنيين غير المشاركين في العمليات القتالية.

وبمجرد التوصل إلى اتفاق بشأن الموقع الجغرافي للمنطقة المحايدة، وإدارتها وتموينها، يتم توثيق هذا الاتفاق كتابيًا، مع تحديد مدة التحييد لضمان حماية الأفراد المستهدفين.


هكذا تحدد المناطق الآمنة في الحروب

تتعدد أنواع المناطق الآمنة في الحروب وفقًا للاتفاقيات الدولية والبروتوكولات الإنسانية التي تسعى لحماية المدنيين والفئات الأضعف في الصراعات المسلحة.

هذه المناطق تُعد جزءًا من الأدوات الدبلوماسية والقانونية الهادفة إلى تقليل تأثير النزاعات على المدنيين وتوفير ملاذات آمنة لهم.

مناطق استشفاء وأمان

وردت في المادة 14 من “اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949″، حيث تنشأ هذه المناطق بموجب اتفاقيات خاصة بين أطراف النزاع بهدف توفير الحماية للجرحى والمرضى وكبار السن والأطفال والنساء الحوامل.

يتم إنشاء هذه المناطق في الأراضي التي تشهد نزاعًا مسلحًا أو في المناطق المحتلة، وتعد مناطق محايدة لحماية المدنيين غير المشاركين في القتال.

المناطق المحايدة

حسب المادة 15 من اتفاقية جنيف الرابعة، تهدف هذه المناطق إلى حماية غير المقاتلين والمدنيين من العمليات العدائية.

وتُنشأ في المناطق التي تقع على خطوط المعارك أو في محيطها، وتتميز بتقليل أو إيقاف العمليات القتالية فيها لضمان حماية المدنيين.

المواقع المجردة من وسائل الدفاع

تنص المادتان 59 و60 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 على إنشاء مناطق خالية من وسائل الدفاع، حيث يُشترط عدم وجود أسلحة أو قوات عسكرية داخلها، والهدف منها حماية المدنيين أو الأشخاص الضعفاء من الآثار المباشرة للحرب.

المناطق منزوعة السلاح

بموجب الاتفاقيات الدولية، يمكن للأطراف المتنازعة إبرام اتفاق مشترك لإنشاء مناطق منزوعة السلاح، حيث يُمنع تمامًا وجود القوات المسلحة أو الأسلحة في هذه المناطق، وتصبح محمية من الهجمات العسكرية.

مناطق حظر الطيران

تُحظر فيها الطلعات الجوية أو التحليق العسكري من قبل جميع أطراف النزاع، وتستخدم عادةً لحماية المدنيين على الأرض من الضربات الجوية.

آليات تحديد المناطق الآمنة

يستند تحديد المناطق الآمنة إلى عدة خطوات وفق القانون الدولي الإنساني، منها:

اتفاق الأطراف المتنازعة، عندما توافق أطراف النزاع على إنشاء مناطق آمنة، تتولى اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو دولة وسيطة متابعة تنفيذ الاتفاق، يتم تحديد المنطقة ومنع وجود أي قوات مسلحة أو أسلحة فيها.

تدخل مجلس الأمن،إذ في حال عدم وجود اتفاق بين الأطراف المتنازعة، يتدخل مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لتحديد المناطق الآمنة.

بعد تحديد المنطقة، يتم إرسال قوات حماية من الأمم المتحدة أو تحالف دولي لتنفيذ القرارات المتعلقة بوقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، وسحب القوات العسكرية.

حرب غزة “طوفان الأقصى” واستهداف المناطق الآمنة

خلال العملية العسكرية “طوفان الأقصى” في غزة، أثيرت تساؤلات كثيرة حول مدى احترام المناطق الآمنة.

ورغم أن العديد من المناطق في غزة تم إعلانها مناطق مدنية أو مناطق آمنة نظريًا، تعرضت مناطق عدة للقصف الجوي والهجمات العسكرية، مما أدى إلى سقوط ضحايا بين المدنيين.

أظهرت هذه الحرب تجاهلًا لمفهوم المناطق الآمنة الذي ينص عليه القانون الدولي الإنساني، إذ تعرضت مواقع مدنية مثل المستشفيات والملاجئ للهجوم، على الرغم من الإعلان عنها كأماكن محمية.

هذا الواقع أضاف إلى التعقيد الإنساني في النزاع، وسط نداءات دولية لوقف العنف وحماية المدنيين وفق القانون الدولي.


أمثلة تاريخية على تطبيق المناطق الآمنة في الحروب

خلال الحرب البوسنية سنة 1993، أصدر مجلس الأمن قرارًا بإنشاء “مناطق آمنة” مثل سراييفو و سريبرينيتسا لحماية المدنيين.

ورغم هذا، شهدت سريبرينيتسا واحدة من أكبر المجازر حين لم تتمكن قوات حفظ السلام من منع القوات الصربية من ارتكاب مذبحة في حق المدنيين.

أما خلال حرب الخليج سنة 1991، تم إنشاء منطقة حظر الطيران شمال العراق لحماية الأكراد من هجمات نظام صدام حسين.

وخلال النزاع السوري، تم اقتراح إنشاء مناطق آمنة لحماية المدنيين، إلا أن الاتفاقيات لم تُطبق بالكامل، واستمر استهداف المدنيين في العديد من المناطق.