تعرف الصواريخ فرط الصوتية (hypersonic) بأنها صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت عدة مرات، وكثير من هذه الصواريخ أو المركبات يمكنها حمل رؤوس نووية بسهولة. ويعني وصف “فرط صوتي” تحديداً أن سرعة تلك الصواريخ تساوي خمسة أضعاف سرعة الصوت فما فوق، أو قرابة الكيلومترين في الثانية.
لكن الشائع في المصطلحات العسكرية هو عدم إطلاق وصف الصاروخ فرط الصوتي على أي صاروخ يسافر بسرعةٍ تفوق سرعة الصوت، حيث يقتصر استخدام المصطلح عادةً على الصواريخ التي يمكنها المناورة قبل ضرب هدفها، دون أن تتحرك في مسارٍ بسيطٍ ومباشر.
ويبدو أن هذا ما حدث مع صاروخ “طوفان” الذي أطلقه الحوثيون تجاه تل أبيب يوم الأحد 15 سبتمبر/أيلول 2024، حيث نجح هذا الصاروخ في الوصول لهدفه بنجاح وفشلت جميع محاولات اعتراضه من الأمريكيين والإسرائيليين، حيث تقول جماعة “أنصار الله” إن قواتهم استهدفت موقعاً عسكرياً في يافا المحتلة بصاروخ “فرط صوتي”، قطع مسافة تُقدَّر بـ2040 كيلومتر في غضون 11 دقيقة ونصف الدقيقة فقط.
لكن الجيش الإسرائيلي نفى ادعاء الحوثيين بأن الصاروخ الذي أطلقوه صباح الأحد هو نموذج جديد من الصواريخ الباليستية الأسرع من الصوت. وأشار الجيش إلى أن المؤسسة الأمنية تقوم حالياً بفحص حطام الصاروخ لتحديد نوعه وقدراته، كما أكد أن الصاروخ لم يكن دقيقاً، وبالتالي لم يتمكن من تحديد هدفه العسكري المقصود.
كيف تعمل الصواريخ فرط الصوتية؟
بداية، هناك نوعان أساسيان من الصواريخ فرط الصوتية، النوع الأول يتم إطلاقه في “مسارٍ باليستي”، أي أنه ينطلق في مسار القوس المنحني الذي تسلكه القذيفة بعد إطلاقها في الهواء، وفي هذه الحالة تكون قمة القوس عند نقطةٍ شديدة الارتفاع عن الأرض، وحين تبدأ القذيفة هبوطها، تعود مقدمة الصاروخ التي تحمل الرأس الحربي باتجاه الأرض في سرعةٍ تفوق سرعة الصوت، مع القدرة على تغيير مسارها أثناء الرحلة لإفشال اعتراضها.
ويطلق على مقدمة الصاروخ هذه اسم “المركبة الانزلاقية”، لأنها لا تمتلك مصدراً خاصاً للطاقة، مثل خزانات وقود الطائرات النفاثة، بل تتحرك أو تنزلق مدفوعةً بقوى الديناميكا الهوائية مثل الرفع ومقاومة المائع. وهناك نوعٌ معدَّل آخر يطلق عليه اسم مركبة إعادة الدخول سهل المناورة، وهو صاروخ يأخذ منعطفاً واحداً فقط قبل الوصول إلى هدفه.
أما النوع الثاني من الصواريخ فرط الصوتية، فهو الصاروخ الجوال. ويطير هذا الصاروخ في مسارٍ مسطح مدفوعاً بمصدرٍ للطاقة طوال الرحلة، ولهذا فهو ليس صاروخاً انزلاقياً.
لماذا يمثل هذا النوع من الصواريخ تحدياً كبيراً لـ”إسرائيل”؟
يرى مراقبون أن فشل الاحتلال في كشف الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون يعتبر تحدياً خطيراً لها، حيث أن الصواريخ فرط الصوتية، حيث تستطيع تغيير مسارها في صورة قوس من نقطة الإطلاق، وهي تمتلك القدرة على المناورة لتجاوز الصواريخ الدفاعية الاعتراضية، وفي الوقت نفسه الجري بسرعة أكبر منها، وكذلك تجاوز مناطق تغطية الرادار الخاص بالخصوم، والالتفاف حول أشكال العوائق المختلفة أيًّا كانت.
ويستطيع الصاروخ فرط الصوتي تغيير اتجاهه لمسارات منخفضة قريبة من الأرض محافظاً على سرعته نفسها، وبسبب ذلك سينطلق تحذير رادار الإنذار المبكر قبل وقت قصير جدا من الضربة، لدرجة أنه قد لا يوجد حينها شيء لفعله، حيث يكون الوقت بين استشعار اقتراب الصاروخ واستجابة الدفاعات الأرضية أطول من المدة اللازمة لوصول الصاروخ إلى الهدف.
ومنذ بداية معركة طوفان الأقصى، أعلنت “إسرائيل” أن نظامها الدفاعي الصاروخي “آرو” نجح في اعتراض صواريخ باليستية فوق البحر الأحمر في ثلاث مناسبات. ونسبت هذه الهجمات إلى الحوثيين، كما تم إسقاط بعض صواريخ الحوثيين بدفاعات البحرية الأمريكية. لكن استخدام الحوثيين صواريخ فرط صوتية خلال المعركة قادرة على المراوغة وتجاوز الفرقاطات الأمريكية في البحر الأحمر التي تحمل على متنها منصات دفاع جوية متطورة، هو أمر غير مسبوق ويثير قلق “إسرائيل” بشكل كبير.
وبحسب صحيفة “جيروسالم بوست” العبرية، فإن الصاروخ الذي أطلق على تل أبيب يعرف في اليمن باسم “طوفان”، وهو في الأساس صاروخ إيراني الصنع تم تطوير قدراته.
ما هو صاروخ طوفان اليمني؟
-
“طوفان” هو صاروخ متوسط المدى (يتراوح مداه بين 1350-2000 كيلومترا)، يشبه في تصميمه صواريخ “قادر” الإيرانية الذي تم تطويره عن صواريخ “شهاب3”.
- كشفت عنه القوات المسلحة اليمنية الموالية لحركة “أنصار الله” الحوثيين في أيلول 2023 خلال عرض عسكري.
- يُعتقد أن هذا لنوع من الصواريخ الباليستية لديه مرحلة أولى تعمل بالوقود السائل، ومرحلة ثانية تعمل بالوقود الصلب، مما يسمح لها بمدى كبير. كما أن طول الصاروخ يبلغ نحو 16 متراً، وعرضه نحو متر ونصف.
-
هذا النوع من الصواريخ يمكن إطلاقه من منصات متنوعة مثل منصة أرضية أو غواصة أو صومعة، وفي حالة صاروخ “طوفان” فإنه ينطلق من منصة أرضية متنقلة، يمكن أن تكون جاهزة للعمل خلال 30 دقيقة فقط.
- يتم إطلاق الصاروخ رأسيا ثم يتبع مسارا بالستيا، أي أنه يتحرك في قوس أو نصف دائرة. حيث يطير الصاروخ عبر الغلاف الجوي مع استمرار تشغيل محركه، مما يدفعه إلى الأمام بسرعة كبيرة.
- صمّم هذا الصاروخ حالياً لحمل رأس حربي تقليدي، ولكنه قادر على التسلح برأس حربي كيميائي أو نووي أيضا بوزن يصل إلى نحو 800 كيلوغرام. وتبدو مقدمة الصاروخ مخروطية مدببة، يسمح ذلك للرأس الحربي بالدخول مرة أخرى إلى الغلاف الجوي بسرعة أكبر، ويُمكِّن الرأس الحربي من القدرة على الانفجار في الهواء فوق هدفه.
من أين حصل الحوثيون على ترسانتهم الصاروخية؟
-
ورث الحوثيون من
الجيش اليمني
الذي تداعى إثر الحرب الأهلية دبابات وصواريخ باليستية ومدافع هاون، واستخدموا ما تبقى من هذه الترسانة الأولية بحلول عام 2017، بمساعدة استشارات من الحرس الثوري الإيراني.
-
يعزو
مراقبون
تضخم ترسانة الحوثيين إلى عمليات التهريب الواسعة للأسلحة، وهي مهمة تقوم بها شبكات دولية متخصصة مقابل المال، وهي أحد المصادر المهمة لتسليح الجماعة المدعومة من إيران، حيث حصل
الحوثيين
على صواريخ كورية شمالية أو روسية أو إيرانية الصنع عبر طرق التهريب التي يتقنها “الحرس الثوري الإيراني”.
- ولم يحل حظر الأسلحة المفروض على الحوثيين، دون وصول صواريخ أرض جو، ومكونات صواريخ متطورة، للجماعة، كما يعتقد أن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح تواطأ في منح السلاح للحوثيين خلال فترة تحالفه معهم قبل أن ينقلبوا عليه.
-
ووفقاً لما
وثّقه فريق خبراء الأمم المتحدة
، تتشكل ترسانة الحوثيين العسكرية من المواد المستوردة من إيران (على سبيل المثال، محركات الطائرات من دون طيار وأنظمة التوجيه ومكونات الوقود السائل/الصلب) مع المواد العسكرية المتوفرة محلياً والمواد الصناعية المستوردة (مثل الألياف الزجاجية).
- ومن خلال هذه الأساليب، يمكن للحوثيين تحمّل حملة مطوّلة من هجمات القذائف والطائرات من دون طيار والصواريخ. ووفقاً لإحصاء الهجمات المعلنة لـ”معهد واشنطن”، تسارع معدل عمليات إطلاق الحوثيين بشكل كبير، قبل أن يتم الوصول لاتفاق لوقف إطلاق نار في اليمن بين الحوثيين والحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، والتحالف العربي.
- تمثل الصواريخ الباليستية واحدة من أقوى الأدوات في ترسانة الحوثيين. في 25 مارس/آذار 2021، شن الحوثيين هجوماً على السعودية بـ18 طائرة مسيرة و8 صواريخ باليستية، من بين أسلحة أخرى، فضربوا أهدافاً للطاقة تقع على مسافات بعيدة وصلت إلى المنطقة الشرقية الغنية بالنفط (حوالي 900 ميل من نقاط الإطلاق) وساحل البحر الأحمر (ما يصل إلى 650 ميلاً).
- وأطلق الحوثيون خلال الحرب 226 صاروخاً باليستياً وأكثر من 700 ألف مقذوف رغم الحصار الدولي المفروض عليهم.
أبرز صواريخ جماعة “أنصار الله” في اليمن
-
صواريخ “سكود سي” السوفييتية الأصل
: هذه الصواريخ ورثها الحوثيون غالباً من الجيش اليمني، منها صواريخ من طراز “آر-17 سكود- بي” أو “هواسونغ-6” (“سكود سي” الكورية الشمالية) والتي تصل نطاقاتها مسافة 500 ميل.
-
صاروخ “قاهر”:
هو صاروخ أرض-جو يمني محوّل من طراز “إس-75/إس آي-2” وقادر على ضرب أهداف أرضية على بعد حوالي 190 ميلاً، وإن كان ذلك بحمولة صغيرة وبدقة ضعيفة للغاية، وكان ظهور صاروخ “قاهر -1” يقدم الدلالة القوية الأولى على دور إيران الإرشادي في توجيه القوات الصاروخية للحوثيين. وبين عاميْ 2017 و2018، لعب المستشارون من “الحرس الثوري الإيراني” دوراً أساسياً في تطوير العديد من المنصات الجديدة المتقدمة بما يتجاوز قدرات الفنيين اليمنيين.
-
صاروح “قاهر إم 2 وبركان”:
ظهر الصاروخ قاهر إم 2 بمدى 400 كلم، ثم كشفوا بركان 1 الباليستي بمدى 800 كلم، كما تم تسليط الضوء على صاروخ كروز من طراز “قدس -2″، وهو الاسم اليمني للصاروخ الإيراني “يا علي” الذي يبلغ مداه 430 ميلاً.
-
صاروخ “بركان 2 إتش”
: يصل مداه إلى 650 ميلاً، وهو يعمل بالوقود السائل ومكوّن من أجزاء من صاروخ “سكود” وأجزاء من صاروخ “قيام” الإيراني.
-
صاروخ “بركان 3”
: استطال المدى في هذا الصاروخ إلى (900 ميل)، وهي زيادة لافتة بنسبة 38%. وفي فبراير/شباط 2021، ضربت نسخة طويلة المدى (“بركان 3” أو “ذو الفقار”) رأس تنورة بالسعودية على مسافة 900 ميل، وهذا الصاروخ يعد من بين الأخطر في ترسانة صواريخ الحوثيين.
-
صاروخ طوفان
الذي يعتقد أنه استهدف إسرائيل يوم الأحد 15 سبتمبر/أيلول 2024 ويصل مداه إلى 2000 كيلمومتر. وفي نفس هذا الشهر من العام الماضي عرض الحوثيون صاروخ طوفان لأول مرة خلال عرض عسكري في صنعاء.