الأخبار

هل فعلاً يمكن أن يقلق نتنياهو في حال فازت كامالا هاريس بالرئاسة الأمريكية؟.. هذا ما يمكن أن يحدث

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، يتساءل كثيرون عما إذا كانت كامالا هاريس، في حال فوزها، ستحمل معها أي تغييرات في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بحرب إسرائيل على غزة.

تصريحاتها الأخيرة حول ضرورة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة فتحت الباب أمام تكهنات حول ما إذا كانت هاريس ستتبنى موقفاً مختلفاً عن النهج الأمريكي التقليدي الداعم لإسرائيل ونتنياهو تحديداً.

فتصريحات كامالا هاريس الأخيرة حول الحرب بين إسرائيل وحماس، والتي تطرقت فيها إلى سبل وقف إطلاق النار في غزة، أثارت العديد من التساؤلات حول موقفها من هذا الملف.

البعض اعتبر هذه التصريحات مؤشراً محتملاً على حدوث تغييرات، ما قد يشكل “كابوساً” لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يعتمد بشكل كبير على دعم واشنطن الكامل. ومع ذلك، هناك من يرى أن هذه التصريحات ليست سوى خطابات، تهدف بالأساس إلى استمالة الناخبين من أصول عربية ومسلمة داخل الولايات المتحدة.


هل يجب أن يقلق نتنياهو؟

يرى العديد من المحللين أن نتنياهو ينتظر عودة ترامب، لكنه في نفس الوقت لديه مخاوف من احتمالية فوز كامالا هاريس خاصةً في هذا الوقت الحرج، إذ أن العلاقة بينه وبين هاريس ليست جيدة. مما قد يزيد من صعوبة موقفه في ظل استمرار الحراك الاحتجاجي داخل إسرائيل، الذي يطالب بوقف إطلاق النار وإتمام صفقة لتحرير الأسرى في غزة، إلى جانب تزايد الأزمة بينه وبين القادة العسكريين الإسرائيليين، الذين أبدوا عدم رضاهم عن استمرار الحرب بهذا الشكل.

كما أن الانتقادات الدولية الموجهة له قد ازدادت، خاصةً من قبل جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الذي اتهم إسرائيل باستخدام “التجويع كسلاح حرب” في غزة. هذا إلى جانب مطالبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بتهم ارتكاب “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.


ما موقف هاريس من الحرب على غزة؟

في فبراير/شباط الماضي، وخلال مؤتمر ميونيخ الأمني، أكدت هاريس دعمها لحل الدولتين كطريق لتحقيق السلام والأمن لإسرائيل وفلسطين ضمن إطار النظام الدولي. وفي خطاب لها في مارس/آذار، ومع تصاعد ردود الفعل الدولية تجاه الهجمات الإسرائيلية، أشارت إلى الوضع الإنساني في غزة، مؤكدة أن السكان هناك “يتضورون جوعاً”، داعية إسرائيل إلى زيادة تدفق المساعدات الإنسانية للقطاع.

بينما في مقابلة مع شبكة “سي بي إس نيوز”، شددت هاريس على أهمية التمييز بين الحكومة الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي، مؤكدة أن الفلسطينيين والإسرائيليين يستحقون الحياة بأمان على حد سواء.

وعندما كانت إسرائيل تستعد لشن هجوم على مدينة رفح في غزة خلال شهر مايو/أيار، صرحت هاريس لشبكة “إيه بي سي نيوز” الأمريكية أن أي هجوم واسع النطاق على المدينة سيكون “خطأ كبيراً”. وأوضحت أنها اطلعت على الخرائط التي تظهر أنه لا يوجد مكان للمدنيين في رفح للجوء إليه، معبرة عن قلقها من التأثير الإنساني لهذا الهجوم على أكثر من 1.5 مليون شخص.


التصريحات المتناقضة: محاولة لإرضاء الجميع؟

رغم ذلك، تتفاوت مواقف هاريس بشكل كبير بحسب السياق، ما جعل بعض المحللين يصفونها بأنها متناقضة. ففي حين تؤكد على دعمها غير المحدود لأمن إسرائيل، بما في ذلك توفير الأسلحة والدعم العسكري والسياسي، إلا أنها في الوقت ذاته تتحدث عن حقوق الفلسطينيين وتدعو إلى حل الدولتين ووقف إطلاق النار. وهذا التناقض بالطبع لم يمر دون أن يستغله خصمها ترامب، الذي اتهمها خلال المناظرة بأنها “تكره إسرائيل”، محاولاً إحراجها أمام الناخبين المؤيدين لإسرائيل، لكنها سرعان ما ردت وأكدت دعمها الكامل لإسرائيل.

وهذا ليس غريباً، ففي أبريل/نيسان الماضي، عقب الهجوم الإيراني على إسرائيل، أكدت هاريس أن الولايات المتحدة ستظل ملتزمة بدعم أمن إسرائيل. وأوضحت أن واشنطن تقف إلى جانب إسرائيل في وجه أي تهديدات خارجية، مشددة على أن الهجمات الإيرانية لن تغير من هذا الالتزام.


في مقال لكبيرة مراسلي الشؤون الخارجية في صحيفة “بوليتيكو”، نهال الطوسي، أوضحت أن كامالا هاريس، على الرغم من عدم إعجابها برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تُعد مؤيدة قوية لإسرائيل. ويتجلى موقفها هذا من خلال قلقها العلني بشأن معاناة المدنيين الفلسطينيين العالقين وسط تبادل إطلاق النار في غزة، إلا أنها تؤمن في الوقت ذاته بضرورة هزيمة حركة حماس وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

وترى كاتبة المقال أن هاريس تواجه تحدياً كبيراً يتعلق بمواقف الناخبين في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان، التي تضم عدداً كبيراً من العرب الأمريكيين. يتعين على هاريس في هذا السياق أن توازن بين مخاوف هؤلاء الناخبين وبين اللوبي المؤيد لإسرائيل، وهو أمر حاسم في الانتخابات المقبلة المزمع إجراؤها في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني.

إلا أن هذه الموازنة قد تكون صعبة، وفقًا لما تلمح إليه الطوسي. فالاستمرار كنائبة “مخلصة” للرئيس جو بايدن في الفترة المتبقية من ولايته يجعل من الصعب على هاريس الانفصال التام عن سياساته، خاصة فيما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد أشارت الطوسي إلى أنه في كل مرة حاولت فيها هاريس إبداء آراء قد تكون أكثر دعماً للفلسطينيين من موقف بايدن، كانت تتلقى تحذيرات من السياسيين والدبلوماسيين حول الوقوع في “ازدواجية” المواقف.

ورغم أن هاريس لا تتفق مع بعض الأصوات اليسارية التي تشكك في وجود إسرائيل كدولة، إلا أنها لا تتجاهل المخاوف من أن بعض تصرفات إسرائيل قد تؤثر على أمنها في المدى الطويل. كما أشارت الطوسي إلى أن زوج هاريس، دوغلاس إمهوف، المعروف بمواقفه القوية ضد معاداة السامية، يُعد له تأثير كبير على توجهاتها السياسية تجاه إسرائيل، ما يزيد من التحديات التي تواجهها في تبني مواقف متوازنة في هذا الملف.


هل ستختلف سياسات هاريس عن ترامب؟

يرى الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش في مقال له على موقع الجزيرة نت، أنه رغم التناقضات الظاهرة في تصريحات كامالا هاريس، فإن الدعم الأمريكي لإسرائيل لن يشهد تغييرات جوهرية في حال فوزها بالانتخابات الرئاسية. لذلك، لا ينبغي الإفراط في التوقعات بأن فوز هاريس سيؤدي إلى إنهاء الحرب في غزة أو معالجة آثارها الإقليمية بشكل جذري، تمامًا كما أن فوز دونالد ترامب لن يضمن تحقيق نتنياهو نصراً كبيراً بالطريقة التي يسعى إليها.

فعلى الرغم أن ترامب من المؤكد، إذا فاز، سيتبنى نهجًا أكثر تساهلًا تجاه تصرفات إسرائيل في الحرب. و سيواصل الامتناع عن انتقاد حكومة نتنياهو، خاصة فيما يتعلق بتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية أو تهجير الفلسطينيين، على غرار موقف إدارة بايدن، أو ما قد تفعله هاريس بعد فوزها. لكن من غير المرجح أن يدعم ترامب رغبة نتنياهو في إشعال حرب إقليمية واسعة مع إيران ووكلائها، لأن مثل هذا الصراع سيجر الولايات المتحدة إلى التدخل العسكري، وهو ما يسعى ترامب لتجنبه.

أما في حالة فوز هاريس، فقد يكون التأثير على القضية الفلسطينية أقل ضررًا مقارنة بفوز ترامب، لكن ذلك لا يعني أن الوضع سيتحسن بشكل كبير. فقد أثبتت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، التزامها الثابت بدعم إسرائيل، مع بعض الاستثناءات التي لم يكن لها تأثير كبير على مسار القضية الفلسطينية.