في نتائج أولية للانتخابات البرلمانية الأردنية، تقدم حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسي لجماعة “الإخوان المسلمين”، بشكل ملحوظ، حيث تشير الأرقام إلى حصول الحزب على ربع المقاعد في المجلس النيابي بنحو 32- 34 مقعداً من أصل 138 مقعداً، بينهم 18 مرشحاً عن القائمة الوطنية العامة.
وبهذه النتائج التي انكشفت صباح الأربعاء 11 سبتمبر/أيلول 2024، تحظى الحركة الإسلامية في الأردن بصدارة غير مسبوقة على حساب أحزاب الموالاة وغيرها، وهو ما يعكس المزاج الشارع الأردني حالياً تجاه القوى والأحزاب في الأردن، في ضوء ما تمر به البلاد والأراضي الفلسطينية المحتلة بالضفة وقطاع غزة، حيث كان لافتاً انتعاش أسهم الجماعة خلال معركة طوفان الأقصى بعد انخراطها في العديد من التظاهرات والفعاليات الشعبية الداعمة للمقاومة الفلسطينية، بعد السابع من أكتوبر كما يقول مراقبون.
قراءة في نتائج الانتخابات البرلمانية الأردنية
- تقدم حزب جبهة العمل الإسلامي عبر القائمة الوطنية العامة في مناطق لم تكن متوقعة إطلاقاً، من بينها محافظة الطفيلة والبادية الشمالية، حيث لا يوجد مرشحين باسم الحركة الإسلامية، حيث استفاد الحزب من القانون الانتخابي الجديد الذي يعطي للناخب “صوتين”، أحدهما للقائمة الحزبية والآخر لمسار المرشحين الأفراد.
- حصد الحزب 18 مقعداً من أصل 41 في القائمة الحزبية الوطنية، ليؤكد أنه ما يزال القوة الأولى في الشارع الأردني وبمعدل تصويت وصل إلى نصف مليون ناخب، مع فارق كبير عن أحزاب الموالاة، التي فازت بشقّ الأنفس ضمن القائمة العامة، فحصل مثلاً حزب “الميثاق” على 4 مقاعد، وتلاه “الإسلامي الوطني”، وإرادة، ثم الاتحاد، وتوزّعت بقية المقاعد على 8 أحزاب.
-
يرى مراقبون أن هذه النتيجة قد تعني قرار الدولة الأردنية بامتصاص غضب وزخم الأردنيين الذين لم تتوقف احتجاجاتهم منذ بداية معركة طوفان الأقصى، مطالبين بموقف رسمي أقوى في وقف الحرب أو دعم المقاومة الأردنية وإنهاء جميع الاتفاقيات التطبيعية مع الاحتلال.
-
يقول الكاتب والصحفي الأردني
ياسر أبو هلالة
، في منشور على منصة X إن “الملك هو من سمح بهذه النتيجة، ولم يحصل تزوير كما وقع أكثر من مرة في دورات انتخابية سابقة، فيما كانت الأوساط المطلعة تقول إن من المسموح حصول الإسلاميين على 20 مقعداً، وسيحصلون على الترتيب الأول في القائمة الوطنية، لكن سيرجعون للمركز الثاني ويقدّم عليهم حزب الدولة (الميثاق).
-
ويضيف أبو هلالة الذي عمل مديراً سابقة لقناة الجزيرة، ومديراً قبل ذلك لمكتبها في عمّان، أن “الملك بهذه النتيجة أوصل رسائل للداخل والخارج” أهمها، أن هذه “رسالة لمواجهة الضغوط الأميركية والإسرائيلية، بحيث أن هذا مزاج الشارع وعليكم أن تتعاملوا معه، من خلال تقديم تنازلات للفلسطينيين وليس الضغط على الأردن لتقديم تنازلات”.
ويرى أبو هلالة أن “الفوز المفاجئ الكاسح لمرشحي جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات الأردنية، يعكس بدقة المزاج الشعبي بعد السابع من أكتوبر، حيث كان طوفان الأقصى ورمز المثلث الأحمر هو عنوان الحملة الانتخابية للحملة الانتخابية الخاصة بالحزب، ولكن كان المثلث باللون الأخضر”.
كيف انعكست الحرب في غزة على الانتخابات الأردنية؟
-
في السياق، يقول تقرير لمعهد
واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
، نشر قبل أيام من الانتخابات الأردنية، إن الحرب في غزة أثرت بشكل كبير على الأردن، ومنذ بداية الحرب خرج آلاف المواطنين إلى الشوارع، وكثيراً ما عرض المتظاهرون رموز “حماس” وأعربوا عن دعمهم للحركة وقيادتها، مما يعكس حقيقة مفادها أن 66٪ من المستجيبين الأردنيين لاستطلاع للرأي أُجري في أواخر العام الماضي، أيدوا هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
-
وبحسب تقرير المعهد، وفرت هذه الاحتجاجات منصة للأحزاب المعارضة مثل حزب جبهة العمل الإسلامي للتعبير عن رسائل للحكومة تستهدف “معاهدة السلام” والعلاقات الاقتصادية بين المملكة و”إسرائيل” وتطالب باستئناف الاتصالات الرسمية مع حركة حماس، التي تم حظرها فعلياً وإخراج قياداتها من المملكة في عام 1999 بعد وصول الملك عبدالله الثاني لسدة الحكم.
- وعلى الرغم من تراجع زخم الاحتجاجات المتضامنة مع غزة إلا أنها لا تزال مستمرة بشكل يومي، وتشتعل من حين لآخر رداً على التطورات في غزة. كما فاقمت الحرب التحديات الأمنية في الأردن، حيث برزت إيران كتهديد كبير لاستقرار المملكة، ولطالما اعتبرت المؤسسة العسكرية والأمنية في الأردن إيران وحلفاؤها تحدياً للمؤسسة العسكرية والأمنية، وقد ضاعفوا جهودهم لـ”زعزعة الاستقرار في الأردن” على حد تعبير معهد واشنطن، خاصة من خلال “تهريب واسع النطاق للأسلحة”، وأيضاً من خلال “الحملات الإعلامية التي تهدف إلى تشويه شرعية المملكة”.
- وأثرت الحرب على اقتصاد الأردن أيضاً. فالبلاد تعاني بالفعل من ضعف هيكلي ولم تتعافَ تماماً من تأثير جائحة “كوفيد-19″، وقد تضررت قطاعات رئيسية جراء أزمة غزة. على سبيل المثال، انخفض عدد السياح بنسبة 10٪ في الربع الأول من هذا العام، بينما انخفض عدد الحاويات التي تم التعامل معها في العقبة، الميناء الوحيد في الأردن، بنسبة 20٪ بسبب استهداف الحوثيين للشحن في البحر الأحمر.
- وقد تأثر الشباب بشكل خاص بالظروف الاقتصادية، حيث بلغ معدل البطالة بين الشباب 46.1٪ في عام 2023. وهذا يعتبر مهماً نظراً لأن حوالي 45٪ من الناخبين هم دون سن الخامسة والثلاثين، ومن بينهم حوالي 600,000 ناخب للمرة الأولى.
- ويرى معهد واشنطن أنه تم تصوّر هذه الانتخابات على أنها “دليل على جدية التحديث السياسي في الأردن، خاصة وسط الشكوك المستمرة الناجمة عن تاريخ المملكة من جهود الإصلاح السياسي الفاشلة. ومع ذلك، أدت التحديات التي فرضتها حرب غزة إلى مناقشات عامة حول تأجيل الانتخابات. وكان القرار بالمضي قدماً مقصوداً جزئياً بإظهار الثقة والاستقرار، ولكنه يعكس بشكل أساسي الاستثمار في عملية التحديث السياسي من قبل الملك عبد الله الثاني”، الذي وصف الانتخابات بأنها “حلقة رئيسية في تاريخ الحياة البرلمانية الأردنية”.
- تمت صياغة خطة التحديث السياسي من قبل “اللجنة الملكية” المكونة من اثنين وتسعين عضواً، والتي كُلِّفت باقتراح “إطار تشريعي يضع الأسس لحياة سياسية حزبية نشطة”، مما يؤدي في النهاية إلى حكومات قائمة على مجلس النواب. وفي بلد يعاني من تحديات اقتصادية ومحاط بعدم استقرار إقليمي، ترتأي الخطة أن الحياة البرلمانية القوية هي ركيزة الاستقرار.
- على وجه التحديد، تتصور الخطة عملية تدريجية تمتد عبر ثلاث دورات انتخابية تنتهي ببرلمان يضم ما لا يقل عن 65 في المائة من أعضاء الأحزاب السياسية. كما تقترح إجراءات لزيادة مشاركة الشباب والنساء والأقليات، وتقدم اقتراحات تتعلق بالحكم المحلي. ويعكس إقرار مجلس النواب – المنتهية ولايته – وبسرعة لقوانين جديدة تتعلق بالانتخابات والأحزاب السياسية في عام 2022 الأولوية التي أعطاها الديوان الملكي لهذه التغييرات. وتشمل بعض التغييرات الرئيسية إنشاء نظام هجين يجمع بين القائمة الوطنية وقوائم الدوائر الانتخابية، وخفض الحد الأدنى لسن المرشحين إلى خمسة وعشرين عاماً، وإضافة مقاعد إلزامية للنساء والشباب في قوائم الأحزاب.
كيف سينعكس فوز الإسلاميين على المشهد الأردني القادم؟
- يقول تقرير معهد واشنطن إن حزب “جبهة العمل الإسلامي” كان أكثر وضوحاً وجرأة في طرح آرائه وأفكاره بسبب الحرب في غزة. ومن المرجح أن يُنبّئ الأداء القوي للإسلاميين بتوترات مستقبلية، مما لا يشير فقط إلى زيادة الدعم الشعبي لـ “جبهة العمل الإسلامي”، بل إلى قرار الحزب بإظهار قوته أيضاً. ومن المحتمل أن تعمل مثل هذه النتيجة على تعزيز الأصوات المحافظة التي تطالب بنهج “أقل تسامحاً” في التعامل مع التحديث السياسي.
- في المقابل، فإن الأداء الإسلامي المتواضع قد يشير إما إلى أن الحرب لم تغير الخريطة السياسية في الأردن أو أن “جبهة العمل الإسلامي” اختارت عدم مواجهة النظام. وفي كلتا الحالتين، من شأن ذلك أن يمنح النظام ثقة أكبر للمضي قدماً في الإصلاحات.
- يقول تقرير المعهد، إنه على الرغم من أهمية التأكيد على الحاجة إلى انتخابات حرة ونزيهة، فمن المهم أيضاً لواشنطن أن تقر بأن إجراء الانتخابات في مثل هذا الوقت المتوتر هو خطوة إيجابية. ولن تغير النتائج السياسة الخارجية الأردنية أو الموقف الأمني للبلاد، اللذين يقعان خارج نطاق السلطة التشريعية. ولكنها ستوفر مؤشراً مهماً لحالة السياسة الداخلية في هذا الحليف الإقليمي المهم.
- في حين أن بعض التصريحات الرسمية بشأن حرب غزة اتجهت بشكل قوي نحو الشعبوية، إلا أن الأردن تمكّن إلى حد كبير من موازنة الغضب الشعبي واستغلال هذا الغضب سياسياً مع التزاماته في مجال السياسة الخارجية تجاه الولايات المتحدة والحلفاء الرئيسيين. وكان أبرز مظاهر هذا الالتزام (ولكن ليس الوحيد بأي حال من الأحوال) هو الدور الذي لعبته المملكة في مساعدة الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لاعتراض الهجوم الإيراني على إسرائيل في نيسان/أبريل، وهي العملية الدفاعية التي أُجريت تحت مظلة “القيادة المركزية الأمريكية”. وإذا أظهرت نتائج الانتخابات علامات على استياء شعبي أعمق، فقد تحتاج واشنطن وحلفاؤها إلى دراسة أدوات سياسية وعسكرية واقتصادية إضافية للمساعدة في الحفاظ على استقرار الأردن وأمنه، كما يقول “معهد واشنطن”.