في سابقة تاريخية في السياسة الأمريكية، سيشهد العالم مواجهة غير تقليدية حين يقف على منصة المناظرة الرئاسية، الرئيس السابق دونالد ترامب ونائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس.
ترامب، الذي شغل منصب الرئاسة من 2017 الى 2021، سيقف إلى جانب هاريس التي تشغل منصب نائبة الرئيس جو بايدن في السنوات الأربع الأخيرة، في مواجهة شرسة تهدف إلى الدفاع عن أحقية كل منهما في أن يصبح الرئيس القادم للولايات المتحدة.
يعتقد المحللون أن هذه المناظرة، المقرر عقدها اليوم الثلاثاء، 10 سبتمبر/ أيلول في تمام الساعة 21:00 بتوقيت شرق الولايات المتحدة،، ستكون من بين أكثر المناظرات المرتقبة والمثيرة في تاريخ الولايات المتحدة، نظراً لما شهدته حملتا المرشحين من تطورات دراماتيكية في الأسابيع الأخيرة. والتي كان من بينها نجاة ترامب من محاولة اغتيال، و انسحاب الرئيس بايدن من السباق الرئاسي لصالح هاريس، بالإضافة إلى محاكمات ترامب الجارية، والمخاوف المتزايدة بشأن التشكيك في شرعية الانتخابات المقبلة.
ستسعى كامالا هاريس جاهدة لكسب ثقة الناخبين بعدما رفعت من احتمالات فوز الديمقراطيين منذ انسحاب بايدن، مما عزز فرص الحزب الديمقراطي في الفوز. فهذه المناظرة يرى بعض المحللين، أنها ستمثل فرصة مهمة لهاريس لتقديم نفسها كمرشحة قوية والتعريف بقدراتها، خصوصًا أن العديد من الناخبين لم يحددوا موقفهم منها بعد. إذ تحتاج هاريس إلى استمالة المستقلين، الجمهوريين المناهضين لترامب، والناخبين البيض الأكبر سنًا، واللاتينيين والأمريكيين من أصل أفريقي لضمان فوزها. في المقابل، يسعى ترامب لتأكيد ثقته بالنصر رغم إدانته بارتكاب جرائم جنائية.
متى وأين ستقام المناظرة؟
في الساعة التاسعة مساءً من يوم الثلاثاء 10 سبتمبر/أيلول، ستأتي هذه المناظرة الحاسمة قبل ثمانية أسابيع فقط من موعد الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، والتي مازالت تُعد من أكثر السباقات تقاربًا، حيث لا يزال من الممكن التنبؤ إلى أين سيميل الفوز لصالح أي من المرشحين.
ستُعقد المناظرة في مركز الدستور الوطني مدينة فيلادلفيا الواقعة في ولاية بنسلفانياا، وستبث مباشرة عبر شبكة ABC News. تستمر المناظرة لمدة 90 دقيقة متواصلة مع فواصل إعلانية، وستكون خالية من الجمهور داخل القاعة، مما يعزز تركيز المشاهدين على أداء المرشحين.
كيف ستكون قواعد المناظرة؟
سيتولى ديفيد موير ولينسي ديفيس، مقدما برنامج “ABC World News Tonight”، إدارة المناظرة بين ترامب وهاريس. و ستغلق الميكروفونات عندما لا يكون أي من المرشحين يتحدث، مما يعني أنه لن يضطر المذيعان للتعامل مع المقاطعات التي قد تحدث بين المرشحين، وهو نفس الإجراء الذي اتبع في المناظرة بين ترامب وبايدن الأخيرة، بعد الفوضى التي شهدتها مناظرة عام 2020. كما لن يكون هناك جمهور في قاعة المناظرة.
في الوقت الذي طلب فيه بايدن خلال المناظرة الأخيرة التي جمعت مع ترامب يوم 27 يونيو/حزيران الماضي، إسكات الميكروفونات لتفادي مقاطعات الأخير، اختارت هاريس استراتيجية مختلفة، بل وسخرت حملة هاريس من إصرار فريق ترامب على إغلاق الميكروفونات، معتبرة ذلك دليلاً على قلقهم من تهور ترامب وما قد يقوله أثناء النقاش المباشر. وعلى الرغم من هذا الاختلاف في الآراء، فاز فريق ترامب بالقرعة الافتراضية التي أُجريت لتحديد ترتيب الحديث واختيار مكان الوقوف على المنصة، ما يمنحه الكلمة الأخيرة في المناظرة، بينما اختارت هاريس أن تظهر على الجانب الأيمن من شاشة التلفزيون.
لن يتم مشاركة أي مواضيع أو أسئلة مسبقاً مع المرشحين أو فرقهم الانتخابية، كما لن يُسمح لهم باصطحاب أي ملاحظات مكتوبة على المسرح. سيقتصر الأمر على وجود قلم ودفتر ملاحظات وزجاجة ماء لكل منهما، لتكون الإجابات والردود مرتجلة وتعتمد على الأداء اللحظي للمرشحين.
ولن يتمكن أي من المرشحين من التفاعل مع فريقه خلال فترات الاستراحة التي ستشهد بث إعلانات تجارية.
ستُعقد المناظرة في القاعة التاريخية التي شهدت المصادقة على الدستور الأمريكي عام 1787، وستستمر لمدة 90 دقيقة. الميكروفونات ستفتح فقط للمرشح الذي يحين دوره للتحدث، ولن يُسمح للمرشحين بتوجيه أسئلة مباشرة لبعضهما البعض. سيُمنح كل مرشح دقيقتين للإجابة عن كل سؤال، ودقيقتين للرد، بالإضافة إلى دقيقة إضافية للمتابعة أو التوضيح.
وخلال المناظرة، سيقف المرشحان خلف منصتيهما دون أن يسمح لهما بالابتعاد عن المنصة، لتجنب ما فعله ترامب ضد هيلاري كلينتون في عام 2016.
لماذا هذه المناظرة مهمة وما أهم القضايا التي سيتناولها المرشحان؟
تأتي المناظرة في وقت حاسم من الحملة الانتخابية، حيث ستشكل فرصة فريدة لكل من دونالد ترامب و كامالا هاريس لترك انطباع قوي لدى الناخبين، خاصة عندما تنتهي المناظرة وتنتشر المقاطع الصوتية والفيديوهات على وسائل الإعلام.
بالنسبة لهاريس، فإن هذا الظهور يمثل فرصة لتقديم نفسها كرئيسة محتملة أمام جمهور ضخم، خاصة أن العديد من الناخبين لا يزالون غير واثقين تمامًا من هويتها السياسية وماذا تمثل. وفقًا لاستطلاع جديد أجرته كلية سيينا لصحيفة نيويورك تايمز، إذ لا يزال الكثير من الناخبين مترددين بشأنها وخصوصاً المواطنين ذوي الأصول العربية، على الرغم من الحماس الذي أثاره استبدالها بالرئيس بايدن في الحملة الديمقراطية.
على الرغم من تقارب السباق بين هاريس وترامب، سواء على المستوى الوطني أو في الولايات المتأرجحة التي ستحسم الانتخابات، فإن هناك تحديات واضحة تواجه كلاً منهما. ترامب، الذي يبلغ من العمر 78 عامًا، حافظ على موقعه نسبيًا في استطلاعات الرأي، لكن العديد من كبار الجمهوريين نصحوه بالتركيز على الهجمات الموضوعية ضد هاريس بدلاً من الاستمرار في الهجمات الشخصية والتحريضية.
و من المتوقع أن يتم تسليط الضوء على قضايا مثل ارتفاع معدلات التضخم، الانهيار في منظومة الهجرة عبر الحدود الجنوبية مع المكسيك، والدور الأمريكي الكبير في الحربين المستمرتين في أوكرانيا وقطاع غزة، وهي قضايا جعلت الناخبين الأمريكيين أكثر انقسامًا حول السياسة الخارجية. في المقابل، سيكون ترامب مطالبًا بتقديم رؤية واضحة لفترة حكم ثانية، وسط مخاوف من أنه قد يسعى إلى الانتقام من خصومه السياسيين وفرض أجندة داخلية تهدد المبادئ الديمقراطية الأمريكية.
قضايا شائكة لهاريس:
تعتبر خبرة هاريس السياسية أقل مقارنة بترامب، وهو ما يمنحه الفرصة لمحاولة إحراجها في قضايا حساسة مثل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أو زيادة معدلات الهجرة غير الشرعية. كما يُتوقع أن يوجه ترامب انتقاداته بشأن تغيير مواقفها في قضايا مثل دعم النفط الصخري، خاصة في ولاية بنسلفانيا، وهي ولاية متأرجحة تستضيف المناظرة.
قضايا شائكة لترامب:
على الجانب الآخر، يواجه ترامب صعوبة في إيجاد موقف وسط بشأن قضايا حساسة للغاية مثل حق الإجهاض وحقوق الإنجاب بالتخصيب الصناعي، وهي قضايا تهم ملايين الناخبين. في ظل هذه الظروف، يجب على كل مرشح استغلال الفرصة للتواصل مع جمهور متردد وقادر على قلب الموازين في اللحظات الأخيرة.
لمن تكون اليد العليا في المناظرة الرئاسية الثانية؟
لم يتوقع دونالد ترامب أن يواجه في هذا السباق الرئاسي مرشحة سيدة تصغره بأكثر من 20 عامًا مثل كامالا هاريس.
فبعدما كان مطمئناً نسبياَ بفارق النقاط في استطلاعات الرأي بينه وبين جو بايدن كبيرًا، أصبح السباق الآن متقاربًا للغاية بينه وبين هاريس.
وقد اضطر جو بايدن إلى الانسحاب من السباق الرئاسي بعد ضغط متزايد من قيادات الحزب الديمقراطي، خاصة بعد الأداء غير المرضي في المناظرات وقضية قدراته الصحية والذهنية التي أصبحت محط جدل واسع في واشنطن. ومنذ أن استبدلت هاريس ببايدن، قامت بتغيير استراتيجيتها استعدادًا للمناظرة، إدراكًا منها أن مواجهة ترامب تختلف تمامًا عن مناظرة منافسين آخرين مثل مايك بنس المرشح ليكون نائب الرئيس في حالة فوز ترامب.
نقاط قوة وضعف كامالا هاريس:
تمتلك هاريس خبرة واسعة في المناظرات، فقد بدأت مشاركاتها في المناظرات منذ عام 2003 عندما فازت بمنصب المدعي العام لمنطقة سان فرانسيسكو. واستمرت في الظهور القوي خلال حملاتها الانتخابية لمنصب المدعي العام في كاليفورنيا، ثم كعضوة في مجلس الشيوخ الأمريكي.
واجهت هاريس منافسيها ببراعة، بما في ذلك مناظرتها مع جو بايدن عام 2019 أثناء ترشيح الحزب الديمقراطي، ومناظرتها الشهيرة ضد مايك بنس في 2020، حيث وبخته على مقاطعته لها حينها. تتمتع هاريس بقدرة ملحوظة على السيطرة على المنصة وتسليط الضوء على نقاط ضعف الخصم، وهي مهارة قد تفيدها في مواجهتها مع ترامب.
ومع ذلك، هناك نقاط ضعف تحيط بها، إذ ينتقدها البعض لما يرونه إطالة في الحديث أثناء الإجابة على الأسئلة. فعلى سبيل المثال، قالت في مقابلتها الأخيرة مع شبكة سي إن إن: “إنها مسألة ملحة يجب أن نطبق عليها مقاييس تتضمن إلزام أنفسنا بالمواعيد النهائية في الوقت المحدد”. وسيكون وقت التحدث محدوداً أثناء المناظرة الرئاسية، في حين ينبغي أن تصل رسائل الحملة بوضوح إلى الناخبين. بالإضافة إلى الأمور المتعلقة بتغيير مواقفها السياسية في قضايا مثل النفط الصخري، وهي نقطة قد يستغلها ترامب خلال المناظرة في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة.
نقاط قوة وضعف دونالد ترامب:
من جانبه، يملك دونالد ترامب خبرة في المناظرات الرئاسية من خلال مشاركته في سلسلتين من المناظرات في عامي 2016 و2020. ترامب أثبت مرارًا أنه خصم غير تقليدي وصعب، إذ استخدم تكتيكات جسدية ونفسية لإرباك خصومه، كما فعل عندما وقف خلف هيلاري كلينتون أثناء حديثها في مناظرة 2016، ما دفعها للقول إن وجوده جعل جسدها يرتعد، لكنه هذه المرة لن يتحرك وفقاً لقواعد المناظرة الصارمة.
و في عام 2020، قاطع ترامب جو بايدن بشكل مستمر في المناظرة الأولى، ما دفع بايدن للقول بانزعاج: “هل يمكنك أن تصمت يا رجل؟”. تُعتبر هذه الأساليب جزءًا من تكتيكات ترامب التي تهدف إلى تشتيت خصومه وتسليط الأضواء عليه، رغم أن ذلك غالبًا ما يُبعده عن القضايا الجوهرية ويقوده إلى تأكيدات غير صحيحة.
و ستكون المناظرة فرصة لترامب للربط بين هاريس وإدارة بايدن، وتسليط الضوء على ما يراه من إخفاقات كبيرة في تلك الإدارة، مثل ارتفاع التضخم، وأزمة الهجرة، ودور الولايات المتحدة في الحروب الخارجية.
على الجانب الآخر، يواجه ترامب دعوات من قادة الجمهوريين للتركيز على رؤية إيجابية للمستقبل بدلًا من الهجمات الشخصية. لكن البعض يخشى أن يفضل ترامب التركيز على انتقاد سجل هاريس وبايدن بدلاً من تقديم بدائل عملية.
ماذا تقول استطلاعات الرأي ؟
قبل انسحاب بايدن في يوليو الماضي، كان ترامب يتفوق عليه في استطلاعات الرأي على المستوى الوطني وفي العديد من الولايات المتأرجحة. إلا أن استطلاعات حديثة، وفقًا لمنظمة “ريال كلير بوليتيكس”، تشير إلى أن هاريس أصبحت الآن أكثر شعبية من ترامب، حيث تتقدم عليه بفارق 1.9 نقطة على المستوى الوطني اعتبارًا من 3 سبتمبر. لكن يجدر بالذكر أن هيلاري كلينتون كانت متقدمة بفارق 5 نقاط في مثل هذا الوقت عام 2016، ومع ذلك خسرت الانتخابات.
لكن تبقى استطلاعات الرأي في الولايات الفردية أكثر أهمية من الاستطلاعات الوطنية، لأنها هي التي تحدد أصوات المجمع الانتخابي، الذي يقرر في النهاية من سيكون الرئيس. الولايات المتأرجحة مثل أريزونا، جورجيا، ميشيغان، شمال كارولينا، وبنسلفانيا ستلعب دورًا حاسمًا.
تشير الاستطلاعات إلى تقدم هاريس في ميشيغان وجورجيا وتعادلها في بنسلفانيا، بينما لا تزال متأخرة في أريزونا وشمال كارولينا. ومع ذلك، يجمع المحللون على أن السباق يبقى مفتوحًا وغير محسوم، وأن الفارق بين المرشحين قد يكون ضئيلاً للغاية في النهاية.
ورغم كل ذلك، يرى العديد من المراقبين الأميركيين أن المناظرات قد لا تكون دائمًا العامل الحاسم في الانتخابات. على سبيل المثال، في انتخابات عام 2016، أظهرت استطلاعات الرأي أن هيلاري كلينتون تفوقت بشكل واضح في جميع المناظرات الثلاث ضد دونالد ترامب. ومع ذلك، انتهت الانتخابات بفوز ترامب بالبيت الأبيض.