الأخبار

يستهدف جعلها غير قابلة للحياة.. حرب الاحتلال على مخيمات الضفة تدمر بنيتها التحتية سعياً لتهجير الفلسطينيين منها

خلّف العدوان الإسرائيلي على مناطق الضفة الغربية المحتلة، منذ فجر 28 أغسطس/آب 2023، دماراً كبيراً في البنية التحتية لمخيماتها، وتجريفاً وهدماً لأحيائها، في سياسة ممنهجة لجعلها غير قابلة للحياة، بهدف طرد الأهالي الفلسطينيين منها، بحسب ما أكده مسؤولون فلسطينيون لـ”عربي بوست”.

استهدفت العملية العسكرية الإسرائيلية مدن ومخيمات الضفة الغربية، التي تقع في شمالها تحديداً، خلال عشرة أيام ماضية، واصلت فيها الجرافات الإسرائيلية تدمير وتجريف البنية التحتية في مخيم جنين لا سيما الحي الشرقي منه، ومخيم نور شمس في طولكرم والفارعة جنوب طوباس.

​​​​​​​وفجر الجمعة 6 سبتمبر/أيلول 2024، انسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي، من مدينتي طولكرم جنين ومخيميها، بعد أن خلّف دماراً كبيراً مستهدفاً الأسواق والمصارف الصحية والشوارع وأعمال التخريب والتجريف، وتفجير عدد من المنازل والمساجد، واستشهد برصاصه 36 فلسطينياً حتى تاريخ نشر هذا التقرير.


مخطط تهجير الفلسطينيين من الضفة

من جانبه، أكد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان، في حديثه لـ”عربي بوست”، أن “هناك دولة للمستوطنين بالضفة، وهي تعطي التعليمات للجيش لتنفيذ مخطط الترحيل والتهجير، عبر الحرق والقتل والتدمير، ومن يتحكم في هذه الممارسات هو مجلس المستوطنات”.

وربط شعبان بين ما يمارسه الاحتلال عبر القتل والتدمير وحرق المنازل، وإعلان فك الارتباط، وإعادة إقامة خمس مستوطنات شمال الضفة الغربية، وإعلان إقامة البؤرة الاستيطانية في جبل صبيح ببلدة بيتا جنوب نابلس.

واعتبر ذلك مشروعاً إحلالياً للمستوطنين، عبر الضغط على الفلسطينيين للرحيل، سواء من مخيمات الضفة الغربية أو “مناطق ج”، التي تشكل 60% من مساحة الضفة.

وأشار إلى أن كل هذه الإجراءات مرتبطة فيما بينها، لتحقيق هدف ترحيل السكان، والهجوم على وكالة الأونروا، بالتالي إنهاء قضية اللاجئين، إذ إنها قلصت جميع خدماتها في مخيمات الضفة الغربية، بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة.

عن تصاعد هجمات المستوطنين خلال العملية الإسرائيلية في شمال الضفة، قال شعبان: “ما يجري تنسيق ما بين المستوطنين وقوات جيش الاحتلال، فما يعجز الجيش عن تنفيذه تنفذه عصابات الاستعمار، سواء ما جرى من حرق في قرى حوارة والمغير وترمسعيا، وما ينفذه الجيش في مخيمات الضفة الغربية الآن”.


ما الذي يحصل في مخيمات الضفة الغربية؟

تركزت العملية الإسرائيلية في شمال الضفة على 5 مخيمات، شهدت دماراً هائلاً في البنية التحتية، وتجريفاً وتدميراً للأحياء والشوارع، منذ بداية العدوان قبل 10 أيام.

وهذه المخيمات هي:



مخيم جنين

حوّل الاحتلال الإسرائيلي جنين ومخيمها إلى “مدينة منكوبة”، وفق تصريحات مسؤولين محليين لوسائل الإعلام المحلية، جرّاء حجم الدمار الهائل الذي لحق بهما، وسط صعوبة في حصر الأضرار بشكل دقيق.

وقال علي زكارنة، عضو لجنة إعمار مدينة جنين ومخيمها، في تصريحات إعلامية: “حجم الدمار في جنين ومخيمها يفوق التصور، ويفوق قدرات المجتمع المحلي والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص على إعادة الإعمار”، مؤكداً وصفها بـ”المدينة المنكوبة”.

يقع المخيم، غرب مدينة جنين، ويقدر عدد سكانه بحسب وكالة الأونروا بـ 27 ألفاً، لكن بسبب الهجرة الداخلية، فإن العدد أقل بكثير ممن يقيمون فيه، دون تقديرات لذلك.

وبلغت مساحة المخيم عند الإنشاء حوالي 372 دونماً، قبل أن تتوسع وتصل إلى نحو 450 دونماً.

برز مخيم جنين إبان انتفاضة الأقصى الثانية، بعد اجتياحه وحصاره لأسابيع، وأظهر مقاومة شرسة ضد الاحتلال، إذ أوقعت فصائل المقاومة فيه، خسائر بصفوف الاحتلال، حتى أن رئيس حكومة الاحتلال حينها، أرئيل شارون، أشرف بنفسه على اقتحامه، واقتحم منطقة جنين إبان ذلك الحصار.

عاد اسم المخيم للظهور مع عودة الكفاح المسلح فيه، وظهور كتيبة جنين، كأول خلية تعود للعمل في الضفة الغربية قبل نحو ثلاثة أعوام؟

منذ ذلك الوقت، صعد الاحتلال الإسرائيلي من الاقتحامات والاغتيالات المتكررة في المخيم.

وأفاد الدفاع المدني الفلسطيني في بيان بعد 10 أيام من العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين، بأنه “وفقاً لتقييم الأضرار الأولي، فإن أكثر من 25 كيلومتراً من شوارع وأحياء مدينة جنين ومخيمها، قد دمرتها قوات الاحتلال بشكل كامل خلال عملياتها في المدينة”.



مخيم طولكرم

لحق المخيم دمار هائل في البنية التحتية، ومنازل السكان التي تم تجريفها لشق طرق أمام الجرافات العسكرية الضخمة، مقارنة مع أزقة وشوارع المخيم.

بحسب إحصائيات وكالة الأونروا، فإن عدد سكان المخيم 28 ألف نسمة، لكن من يقيم فيه فعلياً يقدّر بـ17 ألف نسمة/ بسبب ظروف الهجرة الداخلية، بحسب ما أكده مسؤولون محليون فيه لـ”عربي بوست”.

يقع المخيم شرق مدينة طولكرم، على مساحة 180 دونماً. ومنذ إقامته بعد النكبة عام 1948، وهو على البقعة ذاتها من الأرض دون أية توسعة.

لذلك يضطر المواطنون الفلسطينيون للتوسع العمودي في ظل الزيادة السكانية فيه.

لم يخف الاحتلال الإسرائيلي من خلال تصريحات مسؤوليه من اليمين المتطرف، مطامعه في تهجير سكان المخيم، لصالح المستوطنات.

برزت في المخيم مجموعات مقاومة تحت عنوان كتيبة طولكرم، التي نفذت عدداً من العمليات ضد الاحتلال، الذي يلاحق عدداً من شبانها وقادتها.



مخيم نور شمس شرقي طولكرم

تقدر مساحة مخيم نور شمس بنحو 200 دونم، ويقطنه حوالي 13500 فلسطيني، بحسب سجلات وكالة الأونروا، لكن بات يقيم فيه نحو 6 آلاف فلسطيني فقط.

ظهرت في مخيم نورشمس كتيبة طولكرم، التي تتصدى لاقتحامات الاحتلال وانتهاكاته لصالح المستوطنين، وتتشارك العمل مع مخيم طولكرم.

تعرض أفراد من هذه الكتيبة للملاحقة، بالاعتقال والاغتيال، كما جرى خلال العدوان الحالي من اغتيال قائد الكتيبة محمد جابر المعروف باسم “أبو شجاع”.

ينشط في المخيم فصائل فلسطينية مقاومة عدة، بينها “كتائب القسام” (حركة حماس) و”سرايا القدس” (حركة الجهاد الإسلامي) و”كتائب شهداء الأقصى” (حركة فتح).



مخيم الفارعة

برز اسم مخيم الفارعة في العدوان الإسرائيلي الأخير، مستهدفاً الاحتلال كتيبة طوباس، ولاحق عدداً من شبانها.

وتمكنت كتيبة طوباس من تنفيذ عمليات عدة ضد مستوطنات في الأغوار الفلسطينية القريبة من المخيم.

ويستهدف الاحتلال مخيم الفارعة باستمرار بالمجازر والاقتحامات والاغتيالات لشبانها، في إطار التصعيد الخطير الذي تشهده الضفة بكافة محافظاتها، ودفع سكان المخيم إلى الهجرة منه.

وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يبلغ عدد سكان مخيم الفارعة بحسب تقديرات في منتصف العام 2023 نحو 6350 لاجئاً، في حين كانت تقدر أرقام ساكنيه بحسب وكالة الأونروا بنحو 8 آلاف فلسطيناً.

أنشئ مخيم الفارعة عام 1949، على بعد 5 كيلومترات إلى الجنوب من مدينة طوباس، على 225 دونماً، ويقع على مساحة تقدر بـ 250 دونماً من الأراضي.



مخيم بلاطة

تأسس مخيم بلاطة عام 1950، ويعدّ من أكبر مخيمات الضفة الغربية من حيث عدد السكان، الذين تجاوز عددهم 23 ألف لاجئ. وتبلغ مساحة المخيم 0.25 كيلومتر مربع.

ويعاني المخيم من مشاكل حادة تعصف بشبكتي المياه والمجاري، رغم ارتباط شبكة المياه والكهرباء ببلدية نابلس.

ومع الاجتياحات الإسرائيلية والعدوان الأخير، زادت الأوضاع الإنسانية والصحية سوءاً، بسبب تعمد الاحتلال تدمير البنية التحتية في المخيم، التي تعاني بالأصل، جراء الإجراءات التعسفية الإسرائيلية من حصار مشدد، وحظر تجوال وحملات دهم بحثاً عن مقاومين فلسطينيين.


إنهاء قضية اللاجئين

بدوره، قال الناشط في طولكرم سليمان الزهيري، لـ”عربي بوست”، إن مخطط استهداف قضية اللاجئين مستمر منذ النكبة عام 1948، لإزالة أهم شاهد عليها، وهي المخيمات الفلسطينية.

وأضاف أن الاحتلال أعلن عن ممر آمن لخروج السكان، كما يفعل في قطاع غزة تماماً في محاولات منه لإفراغ المخيم، إلا أن الجهات المختصة أقنعت السكان بالبقاء في منازلهم، رغم حجم الدمار الكبير، لتفويت الفرصة على الاحتلال”.

تابع بأن هذا الاستهداف يسير باتجاهين، الأول تدمير مخيمات الضفة الغربية وتهجير سكانها، والثاني الهجوم على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”.

وكان وزير خارجية الاحتلال يسرائيل كاتس، دعا إلى تهجير الأهالي من مخيمات الضفة الغربية، على غرار ما يجري في قطاع غزة، من أجل تدميرها.

بهذا الصدد، أكد الزهيري أن ما يجري “محاولة لإنهاء قضية اللاجئين، إذ إن الاحتلال عاث خراباً ودماراً في مخيمات الشمال، وقام بحرق وتدمير منازل المواطنين، بعد أن قطع المياه عنهم، ومنع الدفاع المدني من الدخول لمخيمات الضفة الغربية”.

وقال إن ما يقوم به الجيش الإسرائيلي، هو إعادة احتلال لمناطق شمال الضفة الغربية، وإعادة الاستيطان فيها، وتوسيعه على حساب الوجود الفلسطيني ومقدمة لترحيل المواطنين.



حرب إبادة شاملة

عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، لفت في حديثه مع “عربي بوست”، إلى أن “الاحتلال يعتقد بأن الوقت سانح لتنفيذ تهجير قسري للأهالي في الضفة من خلال حرب إبادة، خاصة بعد فشل المجتمع الدولي بوقف حرب الإبادة في غزة منذ 11 شهراً”.

وحذّر من أن الاحتلال يريد إنهاء القضية الفلسطينية، وضرب الحقوق الوطنية للفلسطينيين، في إطار حرب إبادة مستمرة للشهر 11 على التوالي، وما يتخلله من تدمير وقتل وتهجير في قطاع غزة، وأيضاً في الضفة الغربية والقدس”.

وقال: “يقوم الاحتلال بحربه العدوانية أمام عجز المجتمع الدولي عن وقفها، بالاستناد إلى الشراكة الأمريكية، وهو يعتقد أن الوقت مناسب لتصفية كل القضية الفلسطينية سواء حق العودة وعدم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وإخراج القدس من أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية”.

عن حرب الإبادة الشاملة التي يتحدث عنها، أوضح أبو يوسف، أن ذلك يستند إلى تدمير المخيمات، لتنفيذ تهجير سكانها كما جرى في غزة، في الوقت ذاته الذي يواصل فيه الهجوم على وكالة الأونروا، بهدف ضرب قضية اللاجئين من خلال رمزها، الذي يتمثل بالمخيمات.

في مقابل ذلك، دعا أبو يوسف إلى “مواجهة هذا المخطط التهجيري من خلال عدم القبول بأي مساس بحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة، سواء حق عودة اللاجئين وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، والتأكيد على الوحدة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، واعتداءاته، من حرق وتدمير”.

يشار إلى أن جيش الاحتلال يقوم وبموازاة حربه على غزة، بعملية عسكرية وعدوان على شمال الضفة الغربية، مع تصعيد للمستوطنين من اعتداءاتهم هناك.

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، استشهد 682 فلسطينياً في الضفة الغربية، وأصيب نحو 5 آلاف و700، واعتقل ما يزيد على 10 آلاف و400، وفق مؤسسات تابعة للسلطة الفلسطينية.