في الرابع من سبتمبر/أيلول 2024، ذكرت صحيفة كوميرسانت الروسية أن مساعد الرئيس فلاديمير بوتن، يوري أوشاكوف، أكد أن تركيا تطلب العضوية الكاملة في
مجموعة البريكس
، وأن المنظمة ستبدأ في مراجعة الطلب قبل قمة البريكس هذا الخريف. ويرى مراقبون أن مجموعة بريكس، وهي اختصار لأعضائها الأوائل ــ البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ــ سوف تهيمن على الاقتصاد العالمي في العقود المقبلة على الأرجح.
ومن المقرر أن تقام الفعالية في مدينة قازان الروسية في الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر/تشرين الأول الجاري. كما أكد أوشاكوف أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيحضر الفعالية. وفي حال انضمام أنقرة لبريكس، قد يدفعها ذلك بعيداً عن حلف الناتو نحو القوتين الأوراسيتين، روسيا والصين.
ماذا يعني انضمام تركيا إلى مجموعة بريكس؟
يقول تقرير لموقع responsible statecraft الأمريكية، إن الإعلان الروسي أنهى أشهراً من التكهنات، وجاء في أعقاب مقال نشرته وكالة بلومبرغ الأمريكية في الثاني من سبتمبر/أيلول زعم أن البلاد “طلبت رسمياً الانضمام إلى مجموعة البريكس”. وأشار مسؤولون في حكومة أردوغان، تحدثوا دون الكشف عن هوياتهم للموقع الأمريكي، إلى أن أحد أسباب الطلب الرسمي التركي هو أن “مركز الثقل الجيوسياسي يتحول بعيداً عن الاقتصادات المتقدمة” أي الغربية.
وقد قدم عالم السياسة الروسي الشهير ألكسندر سافونوف رؤية واضحة حول الأساس المنطقي لقرار أنقرة بقوله “إن تركيا من الدول التي تتمتع بموقع ملائم فيما يتعلق بطرق التجارة العالمية، بما في ذلك بين أوروبا وآسيا. وهذا العامل يفرض على حكومة التركية السعي إلى إقامة أكبر عدد ممكن من الاتصالات والعلاقات التي يمكن من خلالها الاستفادة من هذه الميزات اللوجستية.
وبطبيعة الحال، فإن مجموعة البريكس، باعتبارها واحدة من المنصات الاقتصادية الرائدة الحديثة، تمنحها المزيد من الفرص في هذا الصدد، بما في ذلك إقامة علاقات مع الصين وروسيا وإيران، كما يقول العالم سافونوف.
كيف سينعكس ذلك اقتصادياً على تركيا؟
يقول الموقع الأمريكي، من الواضح أن العضوية في بريكس ستتيح لتركيا الفرصة لزيادة مستوى وارداتها المرتفعة بالفعل من الصين وروسيا. كما ستوفر لها فرصة أكبر للوصول إلى صادراتها إلى هذه البلدان الآسيوية وغيرها، وستقلل من اعتماد أنقرة على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
فضلاً عن ذلك، قد ترى تركيا في مجموعة البريكس مصدراً جديداً محتملاً للتمويل. وكما ذكر في مقال بلومبرغ، فإن “مجموعة البريكس تروج لنفسها باعتبارها بديلاً لما لمؤسسات يهيمن عليها الغرب مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ومن الممكن أن يحصل الأعضاء الجدد على التمويل من خلال بنك التنمية التابع للمجموعة، فضلاً عن توسيع علاقاتهم السياسية والتجارية”.
وتقول تركيا أنها تنوي الحفاظ على عضويتها في حلف شمال الأطلسي، وأن هذه الخطوة تمثل استمراراً رسمياً لاستراتيجيتها المتعددة الأقطاب للوصول إلى أسواق جديدة وتأمين طرق تجارية جديدة، لكن رغم ذلك، فإن القرار قد لا يستند بالكامل إلى إمكانية زيادة الفرص الاقتصادية.
كما يمكن النظر إلى “مغامرة” تركيا في مجموعة البريكس باعتبارها إشارة إلى إحباطها المستمر إزاء محادثات عضوية الاتحاد الأوروبي. فقد بدأت هذه المحادثات في عام 2005 ولكنها توقفت منذ احتدام الصراع بين أردوغان وبين المعارضة التركية أعقاب الانقلاب الفاشل في عام 2016.
ما ردة فعل الغرب على نية تركيا الإنضمام إلى مجموعة بريكس الاقتصادية؟
أعرب الاتحاد الأوروبي عن “قلقه” بشأن مساعي تركيا للانضمام إلى منظمة البريكس، قائلاً إن أنقرة، كمرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، يتعين عليها “احترام” “قيم” الاتحاد الأوروبي وتفضيلاته في السياسة الخارجية، على الرغم من حريتها في الانضمام إلى التحالفات التي تختارها.
وقد يشير التقدم بطلب الانضمام إلى مجموعة البريكس أيضاً إلى استمرار غضب تركيا إزاء عجز الولايات المتحدة على وجه الخصوص، والغرب عموماً، عن وقف الهجوم الإسرائيلي على الفلسطينيين، والمخاوف من اندلاع صراع عسكري أكثر انتشاراً في الشرق الأوسط. ويقول الموقع الأمريكي إن أردوغان يواجه موقف سياسي صعب يحاول فيه تحقيق التوازن بين مصالحه ومصالح حلف شمال الأطلسي من جهة، ومصالح الدول الإسلامية من جهة أخرى.
على سبيل المثال، في 28 يوليو/تموز، اقترح أردوغان، الذي انخرط باستمرار في خطاب قوي أثناء الحرب الإسرائيلية التي استمرت عشرة أشهر في غزة، أن تركيا قد تتدخل عسكريًا في خطاب ألقاه أمام حزب العدالة والتنمية الحاكم. ونقلت الجزيرة عن أردوغان: “نحن بحاجة إلى أن نكون أقوياء للغاية حتى لا تتمكن إسرائيل من فعل هذه الأشياء السخيفة لفلسطين. تماماً كما دخلنا قره باغ، تمامًا كما دخلنا ليبيا، يمكننا أن نفعل شيئًا مماثلاً لهم”. اقترح بعض الخبراء أن تركيا لن تتدخل على الأرجح، لكنها ستبقي خطوط الدبلوماسية مفتوحة.
لكن هذه التصريحات جاءت بعد أن فرضت تركيا قيودا على بعض الصادرات إلى إسرائيل في أبريل/نيسان، ثم أعقب ذلك وقف كامل للتجارة مع إسرائيل في أوائل مايو/أيار. وردا على ذلك، قالت إسرائيل إنها ستلغي اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا ردا على ذلك. وبلغ حجم التجارة بين البلدين 6.8 مليار دولار في عام 2023، وكانت إسرائيل تاسع أكبر مستورد للسلع التركية.
ماذا تعني الخطوة التركية بالنسبة لروسيا؟
بالإضافة إلى الأسباب المذكورة أعلاه، يقول الموقع الأمريكي إن اهتمام تركيا الحالي بالانضمام إلى مجموعة البريكس قد يكون مرتبطاً بحقيقة انعقاد قمة البريكس في قازان، وأن نجاحها يشكل أهمية بالغة بالنسبة لموسكو. وقد يكون تأثير الانضمام الآن مفيداً لكل من موسكو وأنقرة، حيث حافظت الدولتان على علاقات ثنائية قوية منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022.
كانت تركيا، التي عملت كوسيط، على وشك التفاوض على تسوية سلمية في إسطنبول خلال شهر أبريل/نيسان 2022، وكانت جزءًا من اتفاقية مبادرة الحبوب في البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة، والتي سمحت لأوكرانيا بتصدير الحبوب والأسمدة عبر ممر بحري آمن في البحر الأسود. بالإضافة إلى ذلك، لم تنضم تركيا أبدًا إلى الغرب في فرض عقوبات على روسيا وأصبحت من أكبر المشترين للنفط الخام الروسي .
وبالعودة إلى تصريحات أردوغان، لا ينبغي لنا أن نتجاهل ذكره لجيب “قره باغ”، لأنه إشارة واضحة إلى دعم تركيا القوي لأذربيجان. وعلاوة على ذلك، ربما كانت العلاقات القوية بين البلدين سبباً أساسياً وراء الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي بوتن إلى أذربيجان في الوقت المناسب الأسبوع الماضي. ومن المشكوك فيه أن بوتن لم يتحدث مع أردوغان قبل أن يضمن حضور الرئيس الأذربيجاني علييف لقمة البريكس، فضلاً عن نية أذربيجان الانضمام إلى البريكس.
إن هذا التطور غير متوقع إلى حد ما بالنظر إلى تعليقات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قبل شهرين فقط بأن مجموعة البريكس بحاجة إلى أخذ استراحة من انضمام أعضاء جدد بعد إضافة مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة في يناير/كانون الثاني 2024. ولكن من الواضح أن المواقف الروسية تغيرت في وقت قصير.
وبعد تصريحات لافروف بقليل، أكد أوشاكوف أن “المهمة الخاصة” للرئاسة الروسية تتمثل في “تسجيل” أعضاء جدد في قمة البريكس التي تعقد في روسيا هذا العام في قازان. وعلى هذا فإن انضمام تركيا إلى البريكس في أكتوبر/تشرين الأول من شأنه أن يروج له موسكو باعتباره تطورا كبيرا نحو إطار عالمي متعدد الأقطاب حقا، فضلا عن كونه بديلا للجنوب العالمي وغيره من البلدان غير المنحازة للمؤسسات الغربية.
لقد أحدث هذا التحول التركي في قصة مجموعة البريكس ضجة كبيرة على مستوى العالم، حيث استحوذ الإعلان عن القمة المقبلة في أكتوبر/تشرين الأول على اهتمام عالمي اعتبرته موسكو ضرورياً لضمان نجاح الحدث وتحقيق أهدافه.
ولكن هل ستنجح القمة في تأمين عضوية أنقرة، فضلاً عن دول أخرى مثل ماليزيا وتايلاند التي أعلنت عن نياتها في الانضمام، فربما يكون هذا موضوعاً آخر. ومن المهم أن نتذكر أن الأرجنتين والمملكة العربية السعودية ومنغوليا أعلنوا ذات يوم نيتهم في الانضمام قبل عدة سنوات، ولكنهما لم تنضم هذه الدول بعد إلى عضوية المنظمة.