الأخبار

على ماذا يراهن التونسيون في الانتخابات الرئاسية رغم حسم قيس سعيد للمنافسة مبكراً؟

يتصاعد شعور عام في تونس بأن الرئيس قيس سعيد يتجه للفوز بفترة رئاسية جديدة في ضوء التطورات الأخيرة التي شهدتها التحضيرات للسباق الانتخابي المقرر في 6 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

فبعد أن صادقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على 3 مرشحين فقط، أحدهم تم توقيفه باتهامات قد تطيح به من السباق والآخر يدعم التوجه السياسي الحالي، يبدو أن الطريق أصبح ممهداً أمام سعيد للفوز بعهدة رئاسية ثانية.

يعزز هذا الاتجاه استبعاد مرشحين بارزين، بينهم 3 حصلوا على أحكام قضائية بالعودة للسباق، لكن الهيئة لم تدرجهم ضمن القائمة النهائية للمرشحين بدعوى عدم إبلاغها بتلك الأحكام في المهلة المحددة قانونياً.

رغم ذلك، لا يزال لدى البعض “رهانات” وفق حديثهم مع الأناضول؛ فأحد الأحزاب المشاركة بمرشح في الانتخابات يراهن على مساهمة هذا الاستحقاق في تكريس مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر الصندوق، متمنياً أن يتم في ظل أجواء ديموقراطية وبمشاركة شعبية واسعة.

كما ترى أنه لا يزال أمام هيئة الانتخابات فرصة لإعادة النظر في قبول المرشحين المحكوم لهم قضائياً بالعودة بما يضمن الاعتراف بنتائج الانتخابات المقبلة في الداخل والخارج.

في المقابل، يراهن أحد الخبراء السياسيين على الشارع لإحداث تغيير في المشهد السياسي في البلاد.


ومن بين 17 ملف ترشح لانتخابات الرئاسة، قررت هيئة الانتخابات في أغسطس/ آب الماضي، قبول ملفات 3 مرشحين بصورة أولية، هم الرئيس الحالي قيس سعيد، وأمين عام “حركة الشعب” زهير المغزاوي، ورئيس “حركة عازمون” عياشي زمال؛ الأمر الذي دفع 6 من المرفوضة ملفات ترشحهم للطعن أمام الدوائر الاستئنافية بالمحكمة الإدارية، والتي بدورها أيدت قرار الهيئة.

ولاحقاً، طعن المرفوضون على تلك الأحكام أمام الجلسة العامة للمحكمة ذاتها، والتي قضت في أحكام نهائية بقبول طعون 3 مرشحين؛ مما يعني إعادتهم للسباق الانتخابي، وهم عبد اللطيف المكي وعماد الدايمي ومنذر الزنايدي.

ورغم أحكام الجلسة العامة للمحكمة الإدارية، صادقت هيئة الانتخابات على القائمة الأولية كمرشحين نهائيين دون إضافة الثلاثة المحكوم لهم قضائياً بالعودة للسباق، الإثنين الماضي، مبررة قرارها بعدم إعلامها من قبل المحكمة بهذه الأحكام -طبقاً للقانون- في أجل 48 ساعة من تاريخ صدورها.


رهان على التداول السلمي

وفي ظل هذه التطورات التي فاقمت غضب المعارضة، قال المنصف بوزازي، عضو المكتب السياسي لـ”حركة الشعب”، إن رهانات حزبه في تلك الانتخابات هي أن “تتم في ظروف ومناخات طيبة، وبمشاركة شعبية واسعة”.

وأضاف بوزازي للأناضول: “رهاننا في حركة الشعب مع مرشحنا زهير المغزاوي هو رهان على المستقبل، ونحن نعمل بكل جدية، وبكل قوة مع أبناء شعبنا”.

وتابع: “دخلنا هذا السباق الديمقراطي حتى نُثَبّت العملية الديمقراطية، والتداول السلمي على السلطة من خلال الصندوق، وهذه المعادلة السياسية في البلاد كما عشناها ونود أن تعيشها كل الشعوب بعيداً عن الضغوطات والتدخلات الداخلية والخارجية”.

وشدّد بوزازي على “تثبيت هذا المعطى الديمقراطي والتداول السلمي على السلطة هو أول الرهانات وأول أهداف” حزبه من هذه الانتخابات.

القمع في تونس

وأوضح أنهم يهدفون إلى “تثبيت الديمقراطية كمعطى ثقافي سوسيولوجي سياسي في البلاد”.

أما الرهان الثاني، وفق بوزازي، فهو “تقديم حزبه عرضاً سياسياً لعموم الشعب يعتمد عدة محاور أساسية في علاقة بالديمقراطية والوضع السياسي والدستوري والأحزاب، وفي علاقة بالرهانات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد”.وتابع: “نحن في حركة الشعب كنا صانعي لحظة 25 يوليو/ تموز 2021، وكنا على امتداد سنوات قبل 2010 وبعدها مع السياق الذي عاشته البلاد خلال ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011 (أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي)، حيث كان ثمة حلم لدى التونسيين بتغيير واقعهم الاجتماعي والاقتصادي والتربوي”.

واعتبر بوزازي أن تحقيق هذا المطلب عن كل الحكومات منذ 2010 وإلى اليوم، حتى أنه “تدحرج وخرج من جدول أعمال كل الحكومات، وسنعمل على استعادته”.

وفي 25 يوليو 2021، باشر الرئيس سعيد في اتخاذ إجراءات استثنائية شملت حلّ مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء شعبي، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.

وبينما اعتبرت قوى تونسية هذه الإجراءات “انقلابا على دستور ثورة 2014، وتكريسا لحكم فردي مطلق”، رأتها قوى أخرى مؤيدة لسعيد “تصحيحا لمسار ثورة 2011”.


نداء لهيئة الانتخابات

في هذا الصدد، لم ينف بوزازي أن تكون العملية التحضيرية للانتخابات “شابتها عدة شوائب”.

وبينما لم يذكر تلك الشوائب، لفت إلى أن حزبه “وجه نداءً وطلباً وتنبيهاً إلى هيئة الانتخابات بأن تحافظ على سلامة المناخ الانتخابي”.

وأضاف بوزازي: “نحن مع انتخابات تنافسية، ومرشحنا يرغب في أن تصير عملية انتخابية ومنافسة حقيقية مع كل العائلات السياسية والمترشحين”.

ورأى أنه لا يزال هناك “إمكانية إلى حد الآن” في أن تتدارك هيئة الانتخابات الأمر، بما يتعلق بالمرشحين الثلاثة المحكوم لهم قضائيا بالعودة للسباق، على أن “يكون هناك سياق قانوني ودستوري”.

وأوضح أن تلك الخطوة “ضرورية” وتضمن “الاعتراف بنتائج الانتخابات المقبلة في الداخل والخارج”.

وفي هذا الصدد، تطرق بوزازي إلى مسألة توقيف المرشح العياشي زمال، مؤخرا، على خلفية تهم تتعلق بـ”تزوير” التزكيات، حيث من المنتظر أن ينظر القضاء في هذا الاتهام خلال جلسة بتاريخ 19 سبتمبر/ أيلول الجاري.

الانتخابات التونسية

ويُشترط على الراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية جمع 10 تزكيات من أعضاء مجلس نواب الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان)، أو مثلها من مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة الثانية)، أو 40 تزكية من رؤساء المجالس المحلية أو الجهوية أو البلدية، أو 10 آلاف تزكية في 10 دوائر انتخابية، على أن لا يقل عددهم عن 500 ناخب بكل دائرة.

وقال بوزازي: “ما حصل مع زمال يوتر المناخ الانتخابي؛ لذلك نود من الرئيس سعيد، باعتباره الضامن لتطبيق الدستور وإضفاء بعد الحريات، أن يضمن إدارة العملية الانتخابية في ظروف سليمة، وفي مناخات ديمقراطية من المشاركة الشعبية الواسعة”.

وأضاف: “المهم هو إقبال التونسيين على الاقتراع، والمشاركة بشكل مكثف؛ لأن هذا يهم الاستقرار السياسي في البلاد، ويهم الأجيال القادمة، ويهم أناسا ضحوا في سبيل هذه الديمقراطية”.وأكد فاروق بوعسكر، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في تصريحات سابقة “حرص مجلس الهيئة على تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة، وخالية من كل مظاهر المال السياسي الفاسد، أو تأثير الجمعيات أو وسائل الإعلام، أو عمليات سبر الآراء المغلوطة على إرادة الناخبين الحُرّة”.


“طريق الولاية الثانية مفتوح”

في المقابل، يرى الباحث التونسي في العلوم السياسية المقيم في لندن، جلال الورغي، أن طريق الرئيس سعيد نحو فترة رئاسية ثانية “مفتوح”، مشيراً إلى أن “النتيجة قد حُسمت قبل إجراء الانتخابات”.

واعتبر الورغي أن “المسار الانتخابي لم يكن واضحاً منذ البداية، بدءاً من تحديد تاريخ الانتخابات في وقت متأخر، مما أعاق الراغبين في الترشح، وصولاً إلى عدم نشر القانون الانتخابي مبكراً، وتعقيد إجراءات جمع التزكيات، إلى جانب ذلك، لم تستجب هيئة الانتخابات لقرارات المحكمة الإدارية؛ ما جعل السباق غير متكافئ”، على حد اعتقاده.

كما اعتبر الورغي أن المرشح الآخر زهير المغزاوي “داعم لمسار 25 يوليو بإجراءاته الاستثنائية”؛ وبالتالي “لا يشكل تهديداً للرئيس سعيد”.

وتابع: “بعد 10 سنوات من الديمقراطية التي كان فيها التنافس السياسي جلياً داخلياً وخارجياً، يمكن القول بكل أسف أننا اليوم أمام مشهد يُكرس للاستمرارية ولما يُسمى بالاستقرار في المنطقة العربية”.

وأكد الورغي أن “طريق سعيد أكثر من مفتوح، ونتيجة الانتخابات باتت محسومة لصالحه منذ انطلاق هذا المسار، وهو ما تأكد من خلال قرارات هيئة الانتخابات التي تعكس المسار السياسي في تونس منذ 25 يوليو 2021”.

ورغم ذلك، توقع الورغي “تصاعد نوع من المعارضة ضد منظومة الحكم الحالية التي اختارت أن تكرِّس الاستقرار وترسيخ منظومة 25 يوليو”.

وقال: “في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ومع إصرار جزء من الطبقة السياسية على التغيير، قد نشهد مشهداً مختلفاً في الخريف والشتاء، حيث تتحرك النخب السياسية والمنظمات الاجتماعية في تونس عادة في تلك الفترة”.


“الشعب صاحب القرار”

محمود بن مبروك أمين عام حزب “مسار 25 يوليو” يرفض من جانبه أي حديث بوجود “نتائج مسبقة للانتخابات”.

وقال بن مبروك للأناضول إن الانتخابات المقبلة بها “تنافسية” و”الشعب التونسي هو صاحب القرار فيها”.

وأضاف: “لم يخرج أحد من الشعب ضد الرئيس وضد قرارات هيئة الانتخابات (باستبعاد مرشحين من السباق الرئاسي أعادهم القضاء) باعتبار أن الشعب بأكمله يرفض هؤلاء زيادة على رفضهم من هيئة الانتخابات فالشعب بأكمله يرفضهم”.

لكن بن مبروك استدرك: “لكن إذا كان الطريق مفتوحاً أمام الرئيس (للفوز بعهده ثانية)، فلم لا، ليواصل المسار والعهدة للقيام بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية”.

وأكد على أن موقف حزبه هو “ألا يترشح أناس متهمون بجرائم انتخابية”، معتبراً أن “الهيئة العليا للانتخابات مؤتمنة على ذلك”.

وتساءل مستنكراً: “هل سنعود للتجربة الماضية (ما قبل 25 يوليو 2021) حيث تم اعتماد تزكيات لأموات والمال السياسي الفاسد”، وفق قوله.

الثورة التونسية

وتابع مشدداً: “هذا نحن ضده، وكذلك نحن ضد الصفحات (الفيسبوكية) المأجورة من الخارج”، التي تشكك في هيئة الانتخابات.

وقال بن مبروك: “موقفنا الثابت هو دعم هيئة الانتخابات ضد حملة التشويه التي يتعرض لها رئيسها والمجموعة التي تعمل معه”.

وأضاف: “نحن نعتبر أن المناخ السياسي قد وقعت تنقيته من المال السياسي الفاسد”، معتبراً أن “من يدلس تزكيات يدلس صندوق انتخابات، ولا يمكن ائتمانه على مصير بلاد وشعب”.

يُذكر أن “جبهة الخلاص الوطني”، أكبر ائتلاف للمعارضة أعلنت، في أبريل/ نيسان الماضي، أنها لن تشارك في الانتخابات بدعوى “غياب شروط التنافس”، بينما تقول السلطات إن الانتخابات تتوفر لها شروط النزاهة والشفافية والتنافس العادل.