في وقت تهدد فيه حكومة نتنياهو بشن حرب شاملة ضد لبنان، يواجه جيش الاحتلال إنهاكاً غير مسبوق ومعنويات منهارة بسبب خسائره في غزة، فهل تندفع إسرائيل نحو الهاوية؟
الإجابة رصدها تقرير لصحيفة هآرتس العبرية عنوانه “شرعية دولية متضائلة، وجيش منهك وحرب في لبنان ستدفع بإسرائيل نحو الهاوية”، يرصد كيف أن “الحرب مع حزب الله ستمثل تحدياً ضخماً للجبهة الداخلية الإسرائيلية؛ فالمدن في الشمال والوسط ستواجه تهديداً غير مسبوق في حجمه وقوته النيرانية”.
في الوقت نفسه، تستمر حرب الرواية بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية في القطاع وسط تدني معنويات القوات في ظل غياب أهداف واضحة تسعى إسرائيل لتحقيقها من الحرب على غزة، بينما ينفد الوقت المتاح لرئيس الأركان المأساوي، هيرتسي هاليفي، بحسب الصحيفة.
كانت الجبهة الشمالية بين إسرائيل وحزب الله قد شهدت تصعيداً كبيراً خلال الأيام القليلة الماضية، ينذر بتحول “الصراع المدار” إلى مواجهة شاملة، وسط تهديدات علنية من رئيس الوزراء بنيامن نتنياهو ووزراء حكومته المتطرفين بشن حرب شاملة ضد لبنان.
إسرائيل تهدد بـ”حرق” لبنان
حل هذا الأسبوع الذكرى الثانية والأربعين للغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982، وهي الحرب التي وصفتها هآرتس بأنها كانت “فاشلة”، ويريد وزراء حزب الليكود ووزراء اليمين المتطرف شن حرب شاملة ضد حزب الله، و”يبدو أن هؤلاء الناس لم يتعلموا شيئاً من تلك المحاولة الإسرائيلية لفرض النظام في لبنان”.
“بالنسبة للبعض منهم، من الضروري أيضاً قصف إيران ووضع حد للتهديد النووي الذي يتطور من هناك، ومن الواضح أنهم ليس لديهم أدنى فكرة عن الوضع الحقيقي للجيش الإسرائيلي وقدراته”، تقول هآرتس.
كان نتنياهو قد أعلن الأربعاء 5 يونيو/حزيران أن “إسرائيل مستعدة للقيام بعمل قوي في الشمال”، وذلك بعد يوم واحد من مطالبة وزير الأمن الداخلي المتطرف، إيتمار بن غفير، جيش الاحتلال بأن “يدمر حزب الله اللبناني”، وذلك خلال زيارة له لمستوطنة كريات شمونة، في أعقاب الحرائق الضخمة التي أشعلتها صواريخ حزب الله في مناطق عديدة في شمال إسرائيل.
“الآن وظيفة الجيش الإسرائيلي هي تدمير حزب الله. إنهم يحاولون حرقنا هنا. يجب حرق جميع النقاط القوية لحزب الله. لابد من تدميرهم. إلى الحرب!”، هكذا صاح بن غفير.
وضعت تقارير إعلامية عبرية تقديرات للخسائر البشرية التي قد تصيب إسرائيل حال تحقق لبن غفير وزمرته ما يريدون، وهذه التقديرات تتخطى عشرات الآلاف من القتلى. ترى هآرتس أنه ربما تكون هذه التقديرات مبالغاً فيها بعض الشيء، “لكن على أية حال، فإن مدن الشمال والوسط ستواجه تهديداً على نطاق وكثافة لم يسبق لهما مثيل في الماضي”.
“يتعين علينا أن نأمل أن يدرك حزب الله أيضاً فداحة الخطر، وأن يدرك حجم الضرر الذي سيلحق بالبنية الأساسية في لبنان وبالشعب اللبناني، وأن هذا من شأنه أن يكبح سلوكه. وخلافاً للانطباع الذي خلقته بعض التقارير الأخيرة، من الصعب القول إن القيادة الإسرائيلية متحمسة لحرب في الشمال. ومع ذلك، فإن الخطر قائم في أن يؤدي العرض المفرط لقدرات الجيش الإسرائيلي إلى عكس النتيجة المرجوة، ويجعل الحرب الشاملة أكثر احتمالاً”، بحسب تقرير الصحيفة.
الجيش في غزة “منهك”
في الوقت الذي يدق وزراء في حكومة نتنياهو طبول الحرب في لبنان، يواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي موقفاً عملياتياً يزداد صعوبة كل يوم على الرغم من دخول الحرب على غزة شهرها التاسع، إذ تشير الصحيفة العبرية إلى الصمود الخارق للعادة الذي تبديه المقاومة في القطاع.
كما أن غياب الأهداف الواضحة للحرب على القطاع يؤدي إلى “تفاقم مشاعر الإرهاق والاستنزاف في الوحدات الاحتياطية والنظامية في الجيش الإسرائيلي على حد سواء. كما يلاحظ قادة الاحتياط انخفاضاً حاداً في أداء الكتائب النظامية من سلاح الهندسة واللواء المدرع 401 وألوية المشاة (جفعاتي وناحال والمظليين)، التي تتحمل وطأة القتال في غزة بشكل شبه مستمر منذ بدء العمليات البرية”.
أحد قادة الفرق في غزة يرى أنه بدلاً من إعطاء الكتائب إجازة من القتال لمدة ثلاثة أيام خارج القطاع، “إذا أردنا للقوات أن تستمر في العمل بشكل صحيح، علينا أن نبدأ بعطائهم إجازة لمدة شهر”.
ويتزايد القلق بين صفوف جنود الاحتياط بسبب حقيقة أن عبء الخدمة العسكرية لا يتم تقاسمه بالتساوي بين السكان، ولأن الجيش غير قادر على التخطيط لأكثر من خطوة واحدة إلى الأمام ويرسل وحدات إلى الخدمة بلا توقف دون أي صعوبات تحذير مسبق، بحسب التقرير.
معنويات منهارة وانفلات دموي
“الآن عندما يصل ضباط رفيعو المستوى إلى غزة ويحاولون تعزيز روح قادة جنود الاحتياط من خلال خطب عن الصهيونية، فإن الرد الذي يتلقونه هو هز الكتفين، في أحسن الأحوال. علاوة على ذلك، بدأ الانحدار المطول في الانضباط العملياتي، والذي يتجلى جزئياً في الفشل في التمسك بالقيم العسكرية المعلنة في القتال”.
ورصد التقرير حديث جنود جيش الاحتلال عن إطلاق النار بشكل غير مبرر على المدنيين الفلسطينيين الذين يقتربون من المناطق الخاضعة للسيطرة العسكرية، “حتى عندما لا يظهر أي خطر واضح منهم”، إضافة إلى استخدام “إجراء الجار”: أي إجبار الفلسطينيين المدنيين على فحص المواقع المشبوهة قبل دخول الجنود إليها”.
وهذا اعتراف إسرائيلي بأن جيش الاحتلال يستخدم المدنيين كدروع بشرية، يتزامن مع الإدراج المزمع لإسرائيل وجيشها في “القائمة السوداء” من جانب الأمم المتحدة.
في منتصف فبراير/شباط الماضي، وجهت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة اتهامات مباشرة لجيش الاحتلال الإسرائيلي باستهداف المدنيين الفلسطينيين الذين لا علاقة لهم بأي عمل مسلح ويبحثون عن ملجأ آمن، ومن ضمنهم الأطفال.
“إننا مصدومين من التقارير بشأن الاستهداف المتعمد والقتل خارج إطار القانون لنساء وأطفال فلسطينيين في أماكن النزوح أو خلال هروبهم من القتال. بعض هؤلاء الضحايا كانوا يرفعون قطع قماش بيضاء اللون عندما تعرضوا للقتل بواسطة الجيش الإسرائيلي أو ميليشيات مرتبطة به”، بحسب تقرير الخبراء.
تقول هآرتس في تقريرها: هناك بعض الوحدات الاحتياطية، وخاصة تلك التي يسود فيها توجه أيديولوجي ديني واضح على مستوى القيادة، تعمل ببساطة من تلقاء نفسها. يقول ضابط في الاحتياط يخدم في مركز قيادة هناك: “أجزاء من غزة تتجاوز الحدود الإقليمية. من وجهة نظر بعض قادة هذه الوحدات، على المستويات المنخفضة نسبيا، لا تنطبق قوانين الجيش والقانون الدولي هناك. لقد تآكلت القيم القتالية التي نبشر بها. ولم يعد مستوى القيادة العليا مدركا لهذا أو ببساطة لا يكلف نفسه عناء معالجة الأمر.”
فقدان الشرعية الدولية
“على الأرجح تجد إسرائيل نفسها في حرب بلا شرعية دولية”، بحسب هآرتس التي أقرت بأن التعاطف الغربي الذي تمتعت به تل أبيب في البداية قد تلاشى تماما بعد اتضاح أبعاد الدمار والقتل في غزة: “وبدون دعم أمريكي قوي وفي ظل جيش منهك منهك يكافح من أجل السيطرة على المنطقة”، تزداد المهمة صعوبة.
وبغرض الحفاظ على إمدادات منتظمة من الذخائر وقطع الغيار، قام وفد برئاسة المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية اللواء (احتياط) إيال زمير بزيارة واشنطن هذا الأسبوع للتباحث مع البنتاغون والخارجية حول الأزمة التي نشأت في أعقاب قرار بايدن قبل شهر بتعليق إرسال شحنة مكونة من 3500 قنبلة ذكية مخصصة لسلاح الجو الإسرائيلي. وعلى الرغم من حديث وزارة الدفاع الإسرائيلية عن تقدم إيجابي، إلا أن “المشكلة لا تزال دون حل”.
في السياق نفسه، تستمر خسارة إسرائيل في حرب الرواية. فقبل فجر الخميس 6 يونيو/ حزيران، قصفت طائرات الاحتلال مدرسة تستخدم كملجأ للاجئين في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وهو ما أدى لارتقاء العشرات، معظمهم من النساء والأطفال.
رواية جيش الاحتلال تزعم أن “العملية كانت دقيقة واستهدفت العشرات من العناصر المسلحة التابعة لحماس والجهاد الإسلامي”، كما يصر الجيش على أن الهجوم استخدم ذخائر صغيرة نسبيا وموجهة بدقة، وسبقه جمع شامل للمعلومات الاستخبارية.
المعركة بين الروايتين ستستمر، على غرار غارة مماثلة في رفح الأسبوع الماضي أطلق عليها مجزرة الخيام. ومؤخرا أضيفت فقرة تفصيلية إلى البيانات العسكرية الرسمية حول مثل هذه الهجمات، تقول إن “العمليات تمت بأقصى قدر من الحذر ووفقاً لقوانين الحرب الدولية”، وهو ما تصفه هآرتس ب”ظلال المحكمة في لاهاي”.
الإشارة هنا لمحكمة الجنايات الدولية، ففي بعض مناقشات الحكومة ومؤسسة الدفاع الأخيرة، “ذهل المشاركون عندما اكتشفوا أن أوامر الاعتقال الدولية يمكن إصدارها سراً أيضاً. ومن الناحية النظرية، يمكن لضابط عسكري كبير أو وزير أن يزور دولة أجنبية ويجد نفسه مشتبهًا به مطلوبًا عند هبوطه”.
صواريخ حزب الله
في نقطة أخرى ترى هآرتس أن الحماس والتلميحات غير الدقيقة التي يطلقها المتحدثون على شاشات التلفزيون يغطي على إدراك الجمهور للضرر الذي يمكن أن تسببه صواريخ حزب الله. فعدد الصواريخ التي أطلقتها حماس يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول كان 5000، ومن الممكن أن يطلق حزب الله العدد نفسه أو أكثر كل يوم لمدة شهر؛ والعديد من هذه الصواريخ أثقل، ولها مدى أطول وأكثر دقة أيضًا.
نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، قال الثلاثاء إن الجماعة اللبنانية لا تسعى إلى توسيع دائرة الصراع مع إسرائيل لكنها مستعدة أيضا لخوض أي حرب تفرض عليها، وأضاف في مقابلة مع قناة الجزيرة أن حزب الله استخدم جزءا صغيرا من قدراته، وأن أي تحرك من إسرائيل لتوسيع دائرة الصراع سيقابل بخراب ودمار وتهجير في إسرائيل.
إذ يمتلك حزب الله ترسانة أسلحة أكبر بكثير مما كانت لديه في عام 2006، وتضم صواريخ تقول الجماعة إنها قادرة على ضرب جميع أنحاء إسرائيل. ويظهر منذ بداية الاشتباكات بين الطرفين في أكتوبر/ تشرين الأول أن حزب الله لديه أسلحة متقدمة أسقط بها طائرات مسيرة إسرائيلية، وأطلق طائرات مسيرة محملة بمتفجرات على إسرائيل وصواريخ موجهة أكثر تطورا.
الضفة الغربية قد تنفجر
في نفس السياق، قالت هيئة البث العامة الإسرائيلية الخميس إن الجيش الإسرائيلي حذر الحكومة من أن سياستها في قطع التمويل عن السلطة الفلسطينية قد تدفع الضفة الغربية المحتلة إلى “انتفاضة” ثالثة.
جاء هذا التحذير مع دخول الحرب على غزة شهرها التاسع، لتسليط الضوء على تردي الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية على نحو متزايد حيث فقد مئات الآلاف من العمال وظائفهم في إسرائيل ولم يتقاض موظفو القطاع العام أجورهم ولو بشكل جزئي منذ شهور، إذ تخضع الضفة الغربية التي يقطنها 2.8 مليون فلسطيني و670 ألف مستوطن إسرائيلي للاحتلال العسكري الإسرائيلي وتمارس السلطة الفلسطينية حكما ذاتيا محدودا.
كانت إسرائيل قد منعت العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية من الدخول للعمل داخل الخط الأخضر من السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كما جاء في بيانات وزارة المالية الفلسطينية أن إسرائيل تحتجز نحو ستة مليارات شيقل (1.61 مليار دولار) إجمالا من عائدات الضرائب التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية، مما يفاقم الضغط المالي الكبير الذي يؤدى إلى صعوبات متزايدة مع انحسار أموال المانحين.
جيلبرت هونغبو، رئيس منظمة العمل الدولية، انتقد التدهور الشديد في حقوق العمال الفلسطينيين منذ بدء الحرب على غزة ودعا إلى إنهاء القيود الجديدة التي تمنعهم من العمل في إسرائيل. وقال هونغبو الخميس في اجتماع في جنيف “هذا العام كان الأصعب للعمال الفلسطينيين منذ عام 1967″، في إشارة إلى الحرب التي استولت فيها إسرائيل على الضفة الغربية والقدس الشرقية من الأردن وقطاع غزة من مصر.
وأضاف في كلمة ألقاها في أثناء عرض تقرير منظمة العمل الدولية عن ظروف العمل الفلسطينية، أن حقوق العمال “تضررت بشدة”، وطالب إسرائيل بإعادة فتح سوق العمل.
نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مذكرة للجيش أن التوترات الناجمة عن القيود المالية تهدد بتحويل الضفة الغربية من مسرح ثانوي في الحرب إلى مسرح أساسي. وعند سؤال الجيش عن التقرير، أحال رويترز إلى جهاز الأمن الداخلي (شين بيت) الذي أحجم عن التعليق. وذكرت متحدثة باسم وزارة الدفاع أنها لا علم لها بالوثيقة. لكن مسؤولا إسرائيليا طلب عدم نشر اسمه أكد وجود المذكرة، قائلا إنه جرى تداولها بين عدة وزارات حكومية والجيش ووكالات أمنية “قبل أكثر من أسبوع”.
نتنياهو المحاصر
ليس هذا كل شيء، فالسبت 8 يونيو/ حزيران تنتهي المهلة التي أعطاها بيني غانتس، عضو مجلس الحرب، لنتنياهو. كان غانتس قدد هدد بالانسحاب من الائتلاف في زمن الحرب ما لم يتم تلبية مطالبه، والتي تتعلق بطريقة إدارة الحرب على غزة وعدم وجود استراتيجية أو أهداف قلابلة للتحقيق.
وبينما يستعد غانتس للقفز من السفينة المهددة بالغرقيواجه نتنياهو مآزق متعددة وضغوط من حلفائه اليمينيين، حيث يتنافس الوزيران إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش مع بعضهما البعض في إطلاق تصريحات تحريضية وغريبة.
في الوقت نفسه، يواصل رئيس الوزراء شن معارك خاصة على عدة جبهات؛ ضد النيابة العامة في محاكمته بتهم تلقي الرشوة وخيانة الأمانة والفساد، وعرقلة محاولات تفكيك ائتلافه الحاكم، والتصدي للحركات الاحتجاجية في الشوارع، وتخريب المطالبات بتشكيل لجنة فعالة وغير حزبية للتحقيق في الإخفاقات التي أدت إلى هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول.