الأخبار

برغم إخفاقاته وأكاذيبه وغطرسته.. لماذا لا يزال نتنياهو يحظى بدعم ربع الإسرائيليين؟

هاجم كتاب ومحللون ودبلوماسيون إسرائيليون رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بعد خطابه الأخير الذي رفض به الاحتجاجات في الشارع التي تطالبه بعقد صفقة فورية مع حركة حماس لتبادل الأسرى ووقف الحرب والانسحاب من محور فيلادلفيا جنوب غزة.

ووصف ألون بينكاس، القنصل الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة الأمريكية، والدبلوماسي الذي عمل مستشاراً لرؤساء حكومات إسرائيلية سابقة، في مقال له بصحيفة هآرتس، رئيس الحكومة نتنياهو بـ”المسيح الحقير الذي يقود طائفة من الأكاذيب والموت”.

فيما قال الكاتب والمحلل السياسي عاموس هاريل أنه “بينما تشتعل إسرائيل بالغضب، نتنياهو يكذب ويحكم على الرهائن بالإعدام” بإصراره غير المفهوم على عدم المضي قدماً بصفقة تعيد الأسرى لعائلاتهم.

أما الجنرال الإسرائيلي السابق إسحق بريك فقد قال في مقال له بهآرتس العبرية إن “إسرائيل هي التي ستنهار وليس حماس إذا استمرت الحرب على غزة”، مشيراً إلى أن الجيش يضعف يوماً بعد يوم، ولن يكون قادراً على القيام بعملياته في المستقبل القريب. ومؤكداً ضرورة وقف الحرب على غزة، والتي من شأنها أن تؤدي إلى وقف القتال مع حزب الله.


“دماء الرهائن الإسرائيليين على يدي نتنياهو”

يقول الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ألون بينكاس إنه على الرغم من اخفاقاته العديدة بما في ذلك إيران، والاقتصاد، وتكلفة المعيشة، و7 أكتوبر – لا يزال نتنياهو يحظآ نتنياهو “يُعبد” من قبل أكثر من ربع الإسرائيليين الذين يدعمونه في جميع الأحوال.

ويضيف الكاتب: لقد صُدم الإسرائيليون ودُمروا وذهلوا بالأخبار التي وردت يوم الأحد عن الرهائن الستة الذين يبدو أنهم أعدموا بدم بارد من قبل حماس. إنهم غاضبون من نتنياهو لتهوره القاسي في رفضه المتكرر لعقد صفقة الرهائن. ولكن لا ينبغي لهم أن يفاجأوا. حيث لم يكن نتنياهو ليوافق على الصفقة، لأنه لديه مصلحة راسخة في إطالة أمد الحرب، الأمر بهذه البساطة. مأساوي، وغير إنساني، ومثير للغضب، ولكنه بسيط!.

ولسبب لا يمكن تفسيره، صدقته الولايات المتحدة، ولعبت معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية مع أكاذيبه. ولكن حتى فريق التفاوض الإسرائيلي، الذي كان يعبر بين الحين والآخر عن إحباطه منه، لم يقف قط علناً ليكشف الحقيقة: فهو لا يريد أي صفقة رهائن تتضمن وقف إطلاق النار الذي قد يشير إلى نهاية الحرب بحكم الأمر الواقع في غزة.

ويقول بينكاس، إنه من الصعب للغاية إيجاد طرق جديدة، أو تشخيص نفسي سياسي جديد، أو تفسيرات جديدة، أو زوايا جديدة، أو مصطلحات أو كلمات جديدة لوصف أداء بنيامين نتنياهو غير الكفء كرئيس للوزراء أو سمات شخصيته. ويبدو أن كل شيء قد قيل وكتب.

ويضيف أنه تم تحذير نتنياهو لعدة أشهر من أنه من خلال تردده المراوغ والزائف في التوصل إلى اتفاق، فإنه يحكم على الرهائن بالاعدام. وحتى يوم الخميس الماضي، أخبره وزير الدفاع يوآف غالانت بشكل لا لبس فيه أن إصراره غير المفهوم وغير المبرر على الاحتفاظ بالوجود الإسرائيلي على محور فيلادلفيا بين غزة ومصر كان بمثابة حكم فعلي على الرهائن بالإعدام. لم يكن نتنياهو يهتم بذلك.

لقد تجاهل نتنياهو هذه التحذيرات عمداً وبشكل مؤلم. قال عضو كبير في حكومة نتنياهو لصحيفة هآرتس يوم الأحد: “كان نتنياهو يعرف أن الرهائن الإسرائيليين يعيشون في وقت مستعار، دمائهم على يديه”. وأضاف المصدر -الذي ظل جبانًا ولم يُكشف عن هويته كما يقول بينكاس- أن الجميع يعرفون أنه “نرجسي وجبان. لكن افتقاره إلى الإنسانية انكشف تماماً بكل قبحه في الأشهر الأخيرة”.


“نتنياهو متغطرس ومسيح كاذب وحقير”

يقول بينكاس إن “نتنياهو يعاني من حالة حادة من الاضطراب السياسي الثنائي القطبية. فهو في الوقت نفسه رجل يعاني من أوهام العظمة، ويرى نفسه منقذ الحضارة الغربية ضد “الفاشية الإسلامية”، ورجل دولة لا يتكرر إلا مرة واحدة في كل جيل، ولا يستطيع معاصروه أن يقدروه بالكامل، ويرى نفسه ضحية دائمة قلقة ومضطربة وميالة إلى الذعر. وهو مقتنع بفطنته السياسية، ولكنه لا يتوقف عن التذمر من تعرضه للظلم من قِبَل عالم جاحد وحتى إسرائيليين أقل امتناناً منه، والذين فشلوا في إدراك عظمته”.

ويرى بيكانس أن نتنياهو لديه طائفة من المخلصين الكاذبين أو المزيفين، الدجالين الذين يستحضرون خيالات شبه دينية سامية لتعزيز أجندتهم الاحتيالية. وبكل المعايير تقريبا، فإن السيد نتنياهو هو مسيح كاذب، مسيح حقير في واقع الأمر، سواء في صورته الذاتية أو في الطائفة المتملقة المحيطة به. وفي حين ينظر إلى نفسه بغطرسة باعتباره هدية من العناية الإلهية للشعب اليهودي والحضارة الغربية، فإن سجله السيئ في السياسة الداخلية والخارجية والأمن يرسم صورة معاكسة تماما، في أبشع صورة.

في النهاية، يقول الدبلوماسي الإسرائيلي السابق إن “الفجوة بين كثرة إخفاقات نتنياهو الكثيرة وبين قاعدته الجماهيرية (25 إلى 33 في المائة من الإسرائيليين) مذهلة. وهناك تفسيرات اجتماعية وسياسية وثقافية، لكن الفجوة واسعة للغاية لدرجة أنها تحمل كل سمات الطائفة، التي أصبحت ظاهرة شبيهة بيسوع: فهو يعاني من خطاياهم، ويدافع عنها، ويقف بجانبهم. وبناءً على ذلك، طور مبدأ “العصمة البابوية”: فهو، بصفته باباهم، منزه من احتمالات الوقوع في الخطأ عندما يتحدث من منصب رسمي. والآن يطبق هؤلاء الأتباع نفس المنطق على رفضه إبرام صفقة الرهائن. ويرون أنه محق في كل شيء. فيما لا تزال أغلبية الإسرائيليين مصدومة من مدى الانحدار الذي وصلت إليه بلادهم”.


“نتنياهو يتجاهل غضب الإسرائيليين ويحكم على الرهائن بالإعدام”

من جهته، يقول الكاتب في صحيفة هآرتس عاموس هاريل، إن الاحتجاجات الضخمة التي شهدتها إسرائيل ليلة الأحد، بعد أشهر من تراجع الاحتجاجات مع استمرار الحرب، تعطي أملاً جديداً لأنصار إبرام صفقة مع حماس. فمنذ السابع من أكتوبر واجهت منظمات الاحتجاج صعوبة في تجنيد عامة الناس لمعاركها المختلفة، من دفع صفقة لإعادة الرهائن إلى ديارهم من قطاع غزة، إلى الإطاحة بحكومة نتنياهو.

حيث خشيت “رابطة الرهائن والأسر المفقودة” أن ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمعارضي نتنياهو، ولكن منذ فترة طويلة أصبح من الواضح أن رئيس الوزراء غير مهتم بالتوصل إلى اتفاق. والآن يجد العديد من الناس الذين انضموا بحماس إلى الاحتجاجات ضد الانقلاب القضائي قبل الحرب صعوبة في الخروج للاحتجاج عندما يقتل أقاربهم وأصدقاؤهم في غزة.

ويري هاريل إنه بسبب الصدمة التي أحدثتها عمليات قتل الرهائن الستة في غزة، اشتد الخلاف الدائم الذي ينقسم إلى حد كبير على أسس سياسية بين اليمين (وخاصة اليمين المتطرف الصهيوني) ويسار الوسط. ووفقا لأحدث استطلاعات الرأي، هناك دعم شعبي واسع النطاق للصفقة ، في حين تريد أغلبية واضحة أيضا أن يترك نتنياهو الحياة السياسية.

وبعد أحد عشر شهراً من القتال، أصبحت خطوط الصدع واضحة. إن أنصار الاتفاق يريدون في المقام الأول استعادة الرهائن، ولكنهم يريدون أيضاً إنهاء الحرب ويريد أكثر أيضاً الإطاحة بالحكومة. وقد قرر معارضو الاتفاق مؤخراً تصوير الوجود الإسرائيلي المستمر في ممرات نتساريم وفيلادلفيا في غزة باعتباره أمراً بالغ الأهمية لأمن إسرائيل، على الرغم من أن هذين الأمرين لم يُذكَرا تقريباً طيلة الأعوام الثمانية عشر السابقة. كما يحذرون من بقاء حماس في السلطة في غزة وتجدد تدفق الأسلحة من مصر إلى غزة.

ولكن في الممارسة العملية، هناك قضية أعمق هنا. ذلك أن العديد من اليمينيين، وخاصة المتطرفين الصهاينة، يرون في هذا فرصة سانحة لتحقيق كل خيالاتهم المتطرفة ـ إعادة بناء المستوطنات في غزة، وتدمير السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وربما حتى إخلاء سكانها الفلسطينيين وتهجيرهم.

ولكن نتنياهو، تحت غطاء المصالح الأمنية، يحمي في المقام الأول موقفه السياسي. فهو يكافح من أجل سلامة ائتلافه الحاكم، الذي قد ينهار إذا تمت الموافقة على أي اتفاق، كما يقول عاموس هاريل.

في حين يعارض شركاؤه في أقصى اليمين بشدة التوصل إلى اتفاق، فإن أغلب الوزراء يفتقرون ببساطة إلى أي شجاعة مدنية. وزير الدفاع يوآف جالانت هو الوحيد الذي يعمل على إنقاذ الرهائن . وقد تخلى زملاؤه في مجلس الوزراء بالفعل عنهم.


“ليست حماس هي التي تنهار، بل إسرائيل”

من جانبه، حذّر الجنرال الإسرائيلي السابق إسحق بريك، الثلاثاء 3 سبتمبر/أغسطس 2024، من أن إسرائيل هي التي ستنهار وليس حماس إذا استمرت الحرب على غزة، مشيراً إلى أن الجيش يضعف يوماً بعد يوم، ولن يكون قادراً على القيام بعملياته في المستقبل القريب.

جاء ذلك في مقال على صحيفة “هآرتس“، بعنوان: “ليست حماس هي التي تنهار، بل إسرائيل”. وبريك إن بعض الأشخاص يزعمون أن سحب القوات من غزة بعد توقيع صفقة تبادل الأسرى مع حماس، سيكون بمثابة هزيمة واستسلام، ويعتقدون أن الانسحاب سيتسبب بهجوم آخر على غرار 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، “متوقعين إصابات تقارب 10 أضعاف ما تعرضنا له في ذلك اليوم”.

لكن الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، شدد على أن هذه المزاعم تستند إلى سوء فهم جوهري لما يجري بغزة، وتغذيها المبالغات التي تنشرها المستويات السياسية والعسكرية لتبرير أفعالها، وكسب الدعم الشعبي لمواصلة الحرب الفاشلة. وأضاف بريك أن “أولئك الذين يزعمون أن وقف الأعمال القتالية يعني هزيمتنا واستسلامنا، هم الذين يدفعون المؤسسة العسكرية إلى الانهيار والدولة إلى السقوط”.

حيث أكد أن أهداف الحرب المحددة بـ”القضاء على حماس”، و”تحرير كل الرهائن بالضغط العسكري” لم تتحقق، “وإذا واصلنا القتال في غزة من خلال الغارات المتكررة على نفس الأهداف، فلن ننجح في إسقاط حماس، بل سننهار نحن أنفسنا”.

يقول الكاتب: سيأتي اليوم الذي لن يكون فيه الجيش الإسرائيلي قادراً على البقاء في قطاع غزة، لأن حماس ستبقى مسيطرة هناك، سواء في مدينة الأنفاق تحت الأرض الممتدة لمئات الكيلومترات، أو فوق الأرض. حيث إن عدد الأنفاق التي دمرها الجيش الإسرائيلي، قليلة للغاية، والأمر ينطبق أيضاً على تلك التي تحت ممرات فيلادلفيا ونيتساريم، حيث تستخدمها حماس لدفع الأسلحة من سيناء إلى قطاعات غزة الشمالية والجنوبية. وهذا الوضع لن يتمكن الجيش الإسرائيلي من مواجهته، أو إنهائه.

وأضاف أنه “إذا اضطر الجيش الإسرائيلي إلى وقف غاراته بسبب ضعفه، أو إذا قام بنقل القوات إلى مناطق أخرى، فإن أعداءنا سيعلنون بفرح كبير أن الجيش الإسرائيلي استسلم وغادر غزة”. مؤكداً  أنه من الأفضل حل المشكلة قبل تفاقمها، والموافقة على صفقة تبادل أسرى، قد تكون هي الطريقة الوحيدة لإعادتهم. كما أكد على ضرورة وقف الحرب على غزة، والتي من شأنها أن تؤدي إلى وقف القتال مع حزب الله، وتقليل فرص نشوب حرب إقليمية متعددة، الجيش الإسرائيلي غير مستعد لها تماماً.