الأخبار

تطبيق للقانون أم “انقلاب” على القضاء.. لماذا رفض “بوعسكر” إعادة مرشحين للسباق الرئاسي في تونس؟

تعيش تونس جدلاً كبيراً منذ إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مساء الإثنين 2 سبتمبر/أيلول 2024، عن اللائحة النهائية للمرشحين الذين قُبلت ملفاتهم للمشاركة في الانتخابات الرئاسية في تونس المقرر إجراؤها في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

واقتصرت اللائحة على 3 أسماء، هم الرئيس الحالي قيس سعيّد المرشح للفوز بولاية ثانية، إلى جانب زهير المغزاوي الذي يُعتبر من الداعمين للرئيس، ثم العياشي الزمال المعتقل حالياً على خلفية اتهامات بـ”تزوير التزكيات” الخاصة بالترشح للرئاسيات.

فيما رفضت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إعادة 3 أسماء أخرى للسباق الانتخابي رغم قرار المحكمة الإدارية قبول طعونهم، وهم منذر الزنايدي وعماد الدايمي وعبد اللطيف المكي، وسط تبادل للاتهامات بين هيئة الانتخابات والمحكمة الإدارية.

التحكم في الانتخابات الرئاسية في تونس

قبل أيام من الإعلان عن لائحة المرشحين النهائية لخوض الانتخابات الرئاسية في تونس، تسببت تصريحات لرئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر، في إثارة الجدل بين المعارضة والجمعيات الحقوقية بعد تلميحه لإمكانية استبعاد مرشحين رغم قرارات المحكمة الإدارية.

حيث أصدرت المحكمة الإدارية أحكاماً غير قابلة للطعن تقضي بإعادة كل من عماد الدايمي ومنذر الزنايدي وعبد اللطيف المكي، إلى سباق الانتخابات الرئاسية في تونس بعد أن كانت هيئة الانتخابات قد رفضت ملفاتهم في وقت سابق.

وكانت هيئة الانتخابات قد أسقطت هؤلاء المرشحين للانتخابات بحجة عدم استيفاء شروطهم، في وقت اعتبرت فيه المعارضة أنها قد سعت متعمدة إلى إقصاء خصوم الرئيس قيس سعيد بشروط قانونية تعجيزية ولأتفه الأسباب، من أجل تعبيد طريقه لولاية ثانية.

وفي وقت أشادت فيه الأوساط المعارضة والحقوقية بأحكام المحكمة الإدارية بإنصاف هؤلاء المرشحين، أثارت تصريحات رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر مخاوفهم من إعادة إقصائهم واستبعادهم من الانتخابات الرئاسية في تونس، رغم قبول طعونهم من المحكمة الإدارية.


إذ قال رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر، الخميس 29 أغسطس/آب، إن الهيئة ستعلن عن القائمة النهائية للمقبولين بعد التثبت من تعليل المحكمة الإدارية والتثبت من أحكام جزائية في قضايا لا تزال جارية في حق مرشحين اتهموا “بتزوير” تزكيات الناخبين.

وقال بوعسكر إن الهيئة هي الجهة الدستورية الوحيدة التي ائتمنها الدستور على ضمان سلامة المسار الانتخابي، في حين لم ينص القانون الانتخابي على أن تقوم هيئة الانتخابات بالتمحيص في أحكام المحكمة الإدارية أو الطعن فيها، وفق خبراء قانون.

وشجبت أحزاب معارضة تصريحات بوعسكر، كما أعرب مرشحون في الانتخابات الرئاسية في تونس عن رفضهم التام لتصريحاته، معتبرين أنها لعب بالنار ومس بنزاهة العملية الانتخابية. ويبدو أن مخاوف المعارضين والمرشحين للرئاسة التونسية كانت في محلها.

3 مرشحين فقط أحدهم مساند للرئيس

فقد أعلنت هيئة الانتخابات في تونس، الاثنين 2 سبتمبر/أيلول 2024، قبولها بشكل نهائي 3 مرشحين فقط لخوض الانتخابات الرئاسية في تونس، ما يعني رفض أحكام المحكمة الإدارية بإعادة 3 آخرين إلى السباق المقرر في 6 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

وقال رئيس الهيئة فاروق بوعسكر، في مؤتمر صحفي: “الرئيس قيس سعيد، والعياشي زمال (حركة عازمون- معارض)، وزهير المغزاوي (حركة الشعب- مؤيدة لسعيد)، الذين اعتُمدت ترشحاتهم في 10 أغسطس/آب الماضي، هم فقط المعتمدون نهائيا للانتخابات الرئاسية”.

وأضاف رئيس الهيئة العليا للانتخابات أنه “تعذر الاطلاع على نسخ الأحكام الصادرة عن الجلسة العامة للمحكمة الإدارية في أجل 48 ساعة من تاريخ التصريح بها رغم مطالبة الهيئة بتلك الأحكام”، وفق ما أورده التلفزيون التونسي الرسمي.

وأشار بوعسكر بذلك إلى أحكام أصدرتها المحكمة الإدارية في تونس بقبول ملفات 3 مرشحين من المفترض أن يشاركوا في الانتخابات الرئاسية في تونس، سبق وأن رفضت هيئة الانتخابات ترشحهم؛ بدعوى عدم استكمال ملفاتهم.

وهؤلاء الثلاثة هم: الأمين العام لحزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي (معارض)، والمنذر الزنايدي وهو وزير سابق بعهد الرئيس زين العابدين بن علي (معارض)، وعماد الدايمي مدير ديوان الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي (معارض).

وتابع بوعسكر خلال نفس المؤتمر الصحفي أنه



ثبت “عدم ثبوت تمتع المرشحين المرفوضين بجميع حقوقهم المدنية والسياسية واستجابتهم للشروط القانونية المتعلقة بالتزكيات الشعبية”، على حد تعبير المسؤول التونسي.

كما أردف قائلاً: ولذلك “قرر مجلس الهيئة استحالة تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية، وإعلان القائمة المعلنة يوم 10 أغسطس/آب قائمة نهائية (للمرشحين) للانتخابات الرئاسية وهم: العياشي زمال وزهير المغزاوي وقيس سعيد”.


“انقلاب” على قرارات المحكمة الإدارية

حتى قبل نهاية المؤتمر الصحفي لرئيس هيئة الانتخابات، بدأت الانتقادات والاتهامات توجه للمشرف على تنظيم الانتخابات الرئاسية في تونس، واتُهم بـ”الانقلاب” على قرارات المحكمة الإدارية، فيما رفض المترشحون المقصيون الثلاثة قرارات هيئة الانتخابات.

حيث استنكرت حملة مرشح الانتخابات الرئاسية في تونس، عبد اللطيف المكي، الاثنين 2 سبتمبر/أيلول، قرارات الهيئة العليا للانتخابات باعتماد 3 مرشحين فقط، وفق ما جاء في بيان لها نشره أحمد النفاتي، مدير حملة عبد اللطيف المكي عبر صفحته في فيسبوك.

بحسب البيان، عبّرت حملة عبد اللطيف المكي عن “استنكارها الشديد لما أعلنته هيئة الانتخابات من إصرار على نفس أسلوب الإقصاء وتجاوز القانون بشكل صارخ في مناخ يعمّه الضغط والترهيب ضد المرشحين الجادين”.

كما دعت حملة الأمين العام لحزب العمل والإنجاز المعارض وأحد القادة السابقين في حركة النهضة “جميع المرشحين إلى التنسيق واتخاذ كافة الإجراءات القانونية والنضالية اللازمة لمواجهة هذه التجاوزات”، وفق تعبيرها.

فيما أعلن الفريق القانوني للمرشح في الانتخابات الرئاسية في تونس، منذر الزنايدي في بيان، عن عدم اعترافه بالقرار الصادر عن الهيئة، معتبرين إياه ”قراراً غير قانوني”. وأكد الفريق أن هذا القرار ”يتعارض مع القوانين والإجراءات، ويؤثر سلباً على نتائج الانتخابات”.

من جانبه، نشر المرشح عماد الدايمي مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، أعلن فيه عدم اعترافه بقرار الهيئة، وأشار إلى أنه “سيعمل على الطعن في القرار وتقديمه إلى القضاء المحلي والدولي”، على حد تعبير المرشح الرئاسي.

بينما قال الباحث التونسي في الفلسفة السياسية المعاصرة والقانون العام، شكري بن عيسى، “يظهر أنّ استهانة بوعسكر بقرارات المحكمة الادارية الباتة القاضية بقبول المحكمة الإدارية مطالب مترشحين للانتخابات الرئاسية بعد إلغاء قرارات الهيئة التي حرمتهم من الترشح، شكّل صدمة مزعزعة للهيئة وخاصة لرئيسها بعد أن طالتهم سهام التشكيك بعدم الحيادية وعدم الاستقلالية”.

كما أضاف وفق ما جاء في موقع “الكتيبة” أن “مناطات التشكيك التي طالت الهيئة تتركز بالأساس حول فرض شروط معرقلة اعتبرها البعض تعجيزية وخاصة المتعلقة ببطاقة السوابق العدلية وأيضا التنصيصات العديدة في وثيقة التزكية”، للمشاركة في الانتخابات الرئاسية في تونس.

من المسؤول عما يحدث؟

ي ردها على الانتقادات، زعمت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في بيان لها، الاثنين، أنها توصلت بالأحكام الثلاثة الصادرة عن الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية بالنقض في مادة الترشحات بالبريد الإلكتروني “هذا المساء (الإثنين) في حدود الساعة التاسعة ليلاً”.

وأضافت الهيئة أن تلقيها لأحكام المحكمة الإدارية تم بعد انعقاد مجلس الهيئة ومصادقته على القائمة النهائية للمترشحين المقبولين نهائياً لخوض الانتخابات الرئاسية في تونس، صباح الاثنين 2 سبتمبر 2024، أي بعد مرور 6 أيام من صدور الحكم الأول بتاريخ 27 أغسطس، و4 أيام من صدور الحكم الثاني بتاريخ 29 أغسطس و3 أيام من صدور الحكم الثالث والأخير بتاريخ 30 أغسطس.

كما أوضحت الهيئة في بيانها أن ذلك تم “خلافاً لمقتضيات الفصل 47 فقرة أخيرة من القانون الانتخابي الذي يوجب على المحكمة إعلام الهيئة بنسخ الأحكام في ظرف 48 ساعة من تاريخ التصريح بها”.

وأكدت الهيئة أن تاريخ 3 سبتمبر المحدد بالرزنامة “هو الأجل الأقصى للإعلان عن المترشحين المقبولين نهائياً ولا يمكنها في كل الحالات تجاوز 2 سبتمبر للمصادقة على القائمة النهائية للمترشحين”، وفق نص البيان.

بينما قال المتحدث باسم المحكمة الإدارية، فيصل بوقرة، إنّه تمّ تمكين هيئة الانتخابات ومحاميّي المترشحين المدعين من شهادات في منطوق الأحكام بمجرد التصريح بها في اليوم الذي تمّ فيه الإعلان عن كل حكم صادر عن المحكمة الإدارية.


كما أكد بوقرة في تصريح لوسائل إعلام محلية، الاثنين 2 سبتمبر/أيلول 2024، أنّ هيئة الانتخابات طلبت من المحكمة نسخ محررة من الأحكام الصادرة بخصوص قضايا الإلغاء وسيتم إرسال هذه النسخ عشية اليوم إلى الهيئة.

وأضاف المتحدث أنّ الفصل 24 من قرار هيئة الانتخابات عدد 18 لسنة 2014 يلزم الهيئة بتنفيذ قرارات الجلسة القضائية العامة في ضوء نسخة محرّرة من الحكم أو بشهادة في منطوق الحكم وهو إجراء معمول به بين المحكمة الإدارية وهيئة الانتخابات منذ سنة 2011.

فيما قال مدير قسم القانون العام بكلية الحقوق بتونس، صغير الزكراوي، إنه على الهيئة المستقلة للانتخابات أن تذعن لقرارات المحكمة الإدارية، وأوضح الزكراوي أنه “من بديهيات القانون أنه عندما تصدر محكمة قرارا فإنه ينفذ”.

وأشار في تصريح لقناة الجزيرة أنه “صحيح أن الهيئة تشرف على المسار الانتخابي ونزاهته، لكن ذلك يتم تحت رقابة المحكمة الإدارية، خاصة وأن الجلسة العامة مشكلة من 27 قاضيا وهي من اتخذت القرار، فيما عدا ذلك فإنه يعتبر تمردا وخروجا عن دولة المؤسسات” على حد تعبيره.

وفق المتحدث فإن مسألة منع مرشحين من الانتخابات الرئاسية في تونس، لم تعد قانونية بل سياسية، وأوضح: “أعتقد أن القرار بعدم عودة المرشحين اتخذ قبل مدة، والحديث عن استحالة عودتهم من قبل رئيس هيئة الانتخابات لا يجوز، فرجل القانون لا يجب أن يبرر قراره بالاستحالة، التعليل هو خروج عن القانون وكان من الأولى برئيس الهيئة أن يصمت ولا يبرر قراره”.