انسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجمعة، 30 أغسطس/آب 2024، من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة بعد عملية عسكرية استمرت 22 يومًا، مخلفًا دمارًا واسعًا وجثامين في الطرقات وتحت أنقاض المنازل. في الوقت نفسه، نقلت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن مسؤولين مطلعين أن أعضاء المجلس الوزاري المصغر صدقوا على إبقاء السيطرة على محور فيلادلفيا (الشريط الحدودي بين مصر وغزة) في إطار صفقة محتملة.
وأفادت وكالة الأناضول بأن قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي تراجعت من المناطق التي كانت تتوغل فيها إلى الأطراف الشرقية للمدينة بعد عملية عسكرية واسعة أطلقتها قبل 22 يومًا.
وذكرت أن مواطنين تمكنوا من انتشال جثامين 10 فلسطينيين قتلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال عمليته العسكرية.
ووصلت الطواقم الطبية والدفاع المدني إلى المناطق التي انسحب منها الجيش، للبحث عن ضحايا تحت الأنقاض وفي الشوارع.
ووفق شهود عيان، فإن انسحاب القوات الإسرائيلية من خان يونس كشف عن دمارٍ هائل في مئات المباني السكنية والمنازل وفي الطرقات والبنية التحتية جراء القصف وأعمال التجريف.
في الوقت نفسه، قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي -صباح الجمعة- مناطق عدة في قطاع غزة مما أسفر عن شهداء وجرحى، بينما خلّف توغله في شرق دير البلح دمارًا واسعًا.
وخلال ساعات الصباح، نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي غارات جوية وقصفًا مدفعيًا على مناطق مختلفة، من جباليا شمالًا إلى خان يونس ورفح جنوبًا مرورًا بوسط القطاع.
وأفاد مراسل الجزيرة باستشهاد 3 فلسطينيين وإصابة آخرين في قصف استهدف فجرًا منزلًا ببلدة عبسان الكبيرة شرقي خان يونس.
وقال المراسل إن قوات الاحتلال انسحبت من مناطق في خان يونس بعد عملية عسكرية استمرت 22 يومًا. وأضاف أن فرق الإغاثة تعمل على انتشال جثامين شهداء من مناطق انسحبت منها قوات الاحتلال في المدينة.
وتتعرض خان يونس منذ أيام لقصف مكثف أوقع أعدادا كبيرة من الشهداء، وذلك بالتوازي مع توغل قوات الاحتلال في عدد من أحيائها.
وفي شمال القطاع، أفاد مراسل الجزيرة باستشهاد شخصين أحدهما طفل وإصابة آخرين بينهم نساء وأطفال في قصف إسرائيلي استهدف فجرًا شقة سكنية قرب مفترق الهوجا في مخيم جباليا.
كما أفاد مراسل الجزيرة بسقوط مصابين بينهم أطفال في غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في منطقة الدعوة شمالي مخيم النصيرات وسط قطاع غزة فجر اليوم.
وقد نقلت فرق الإسعاف عددا من المصابين إلى مستشفى العودة بالمخيم، وتم تحويل 4 مصابين إلى مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح لخطورة حالاتهم.
وكان القصف الإسرائيلي على قطاع غزة أمس أوقع 54 شهيدًا وعشرات الجرحى، وفقا لمصادر طبية.
وفي الأثناء، أظهرت مقاطع مصورة دمارًا كبيرًا في الأحياء السكنية والبنية التحتية في المناطق الشرقية لدير البلح إثر انسحاب الجيش الإسرائيلي من المنطقة.
وبعد توغله في المنطقة طوال أيام، دمر جيش الاحتلال حي القسطل والأبراج السكنية والمنازل والبنية التحتية.
وعلى مدى أيام، نفذت قوات الاحتلال قصفًا مكثفًا على الأحياء الشرقية لدير البلح، وقامت بتهجير عشرات الآلاف من السكان باتجاه وسط المدينة التي باتت تؤوي نحو مليون شخص، بحسب السلطات المحلية.
ووفقًا لبلدية دير البلح، تسببت عمليات التهجير الإسرائيلية في نزوح نحو 250 ألف شخص وتوقف 25 مركز إيواء عن العمل.
وتصدّت المقاومة الفلسطينية للقوات المتوغلة شرقي المدينة وكبدتها قتلى وجرحى في الأيام القليلة الماضية.
وفي تطورات المعارك، أعلنت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- أمس أنها استهدفت تجمعات لقوات الاحتلال في موقع “مارس” العسكري شرقي خان يونس بصواريخ من عيار 107.
وكانت كتائب القسام قد خاضت اشتباكات ضارية في وسط قطاع غزة وجنوبه، وبثت صورًا قالت إنها لعملية قنص أحد جنود الاحتلال وقتله في مبنى في الأطراف الجنوبية لحي الزيتون جنوب غربي مدينة غزة.
في المقابل، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إن قواته تواصل عملياتها العسكرية في مناطق متفرقة بقطاع غزة، وتحدث عن قتل عشرات المسلحين في مناطق رفح وخان يونس ومشارف دير البلح.
كما تحدث الجيش الإسرائيلي عن حملات دهم لمواقع في وسط القطاع وعن قصف طائراته نحو 40 هدفًا بينها مبانٍ عسكرية ونقاط إطلاق قذائف وبنى تحتية.
ممر فيلادلفيا
في حين نقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن مسؤولين مطلعين أن أعضاء المجلس الوزاري المصغر صدقوا على إبقاء السيطرة على محور فيلادلفيا (الشريط الحدودي بين مصر وغزة) في إطار صفقة محتملة.
وقال المسؤولون إن وزير الدفاع يوآف غالانت عارض قرار السيطرة على المحور، وأيده 8 من أعضاء المجلس.
وأضافت الصحيفة أن وزراء في المجلس المصغر قالوا، خلال اجتماع، إن إبقاء السيطرة على المحور يُسهم في احتمالية التوصل لصفقة تبادل.
كما قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خلال الاجتماع، إن سبب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول كان عدم سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا في حينه.
وذكرت الصحيفة أنه وفق تقديرات عُرضت على المجلس المصغر، فإن معظم المحتجزين الإسرائيليين القَتلى فقدوا حياتهم في نصف السنة الأول من الحرب.
وتُصر إسرائيل على استمرار سيطرتها العسكرية على فيلادلفيا ونتساريم، في حين تتمسك حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بانسحاب الجيش الإسرائيلي بشكل كامل من قطاع غزة، ضمن أي اتفاق لوقف الحرب وتبادل الأسرى.
وفي سياق متصل، أوردت صحيفة “يسرائيل هيوم” أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تدرك أن الوقت ضيِّق، ويجب التوصل إلى صفقة لإنقاذ عشرات المحتجزين الأحياء بغزة.
وأضافت أن المؤسسة الأمنية ترى أنه من الممكن الانسحاب من محور فيلادلفيا خلال المرحلة الأولى من الصفقة، من أجل البدء في إطلاق سراح المحتجزين.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤولين أن نتنياهو سيّس ملف محور فيلادلفيا بشكل يصعب حله خلف الأبواب المغلقة.
وفي الأسابيع الأخيرة، قالت مصادر إسرائيلية إن مطلب نتنياهو بتواجد الجيش في محور فيلادلفيا وفرض آلية على حركة تنقل الفلسطينيين بين جنوبي وشمالي القطاع يُعقّد فرص التوصل إلى اتفاق.
ومنذ أشهر، تتوسط قطر ومصر في مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس، فيما تدعم الولايات المتحدة هذه الجهود عبر اتصالات ولقاءات مع مسؤولين إسرائيليين ومصريين وقطريين.
وبدعم أميركي، تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حربا على غزة، أسفرت عن أكثر من 134 ألف شهيدٍ وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود.
حاكم عسكري
في حين كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت نقلا عن مصدر إسرائيلي أن الجيش استحدث منصبا جديدا تحت اسم “رئيس الجهود الإنسانية-المدنية في قطاع غزة”، ليتولى إدارة الجوانب الإنسانية وتنسيق القضايا المدنية في القطاع، في خطوة تهدف لتثبيت احتلال القطاع لفترة طويلة.
وقالت الصحيفة إن العميد إلعاد غورين هو من سيتولى هذا المنصب الجديد، مضيفة أن هذا المنصب يوازي منصب رئيس الإدارة المدنية التابعة للسلطة الإسرائيلية في الضفة الغربية.
وسيكون من صلاحيات غورين، وفق الصحيفة، متابعة إمكانية عودة مليون نازح فلسطيني إلى شمال القطاع، ومشاريع إعادة البناء، والتنسيق مع مؤسسات المساعدات الإنسانية، ونقل المساعدات للسكان، والاستعداد لفصل الشتاء.
وأضافت الصحيفة أن تعيين غورين جاء على خلفية غياب رؤية استراتيجية واضحة لدى الحكومة الإسرائيلية لما يعرف باليوم التالي لما بعد الحرب في غزة، ولإدراك الجيش أن المسؤولية الإسرائيلية عن الجوانب الحياتية اليومية في غزة ستتواصل، بل ستزداد خلال السنوات القريبة المقبلة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمني كبير قوله إن المنصب معد لفترة طويلة، وليس منصبا لإدارة مشروع محدود، واستخدمت وصف ضابط غزة الرئيسي لغورين وقالت إنه سيدير شؤون مليوني فلسطيني، مما يرمز إلى استمرار احتلال غزة لعدة سنوات وفق المخطط الإسرائيلي.
وأضافت الصحيفة أن هذا الإجراء اتخذ بهدف “إعطاء الجيش شرعية دولية لمواصلة الحرب على غزة دون أن تتأثر الجوانب الإنسانية كحدوث مجاعة أو أزمة إنسانية”.
وأوضحت أنه لا يوجد بعد تعريف واضح لمنصب غورين، الذي ترعرع في قيادة تنسيق أعمال حكومة الاحتلال في المناطق الفلسطينية المحتلة، لكنه الأول الذي سيتولى منصبا موازيا لرئيس الإدارة المدنية في الضفة الغربية المحتلة، العميد هشام إبراهيم.
من جهتها لفتت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية إلى أن أحد أسباب استحداث هذا المنصب هو أنه سيعد خطوة وصفتها “بالمصيرية” في النصر على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وتمهيد الطريق أمام الصفقة، مضيفة أن خطوة من هذا النوع “تعد تحولا جوهريا في رؤية الجيش للملف الإنساني في قطاع غزة”، وفق تعبيرها.
ووفق الصحيفة نفسها، قرر الجيش إجراء هذه الخطوة بمصادقة المستوى السياسي، لتيسير عمليات إدخال المساعدات “بما يخدم مصالح إسرائيل”.
وقالت إن غورين سيكون تابعا لمكتب منسق عمليات الحكومة في الأراضي الفلسطينية الذي أضيف القطاع لمهام عمله عقب الحرب، إذ كان مقتصرا على الضفة الغربية.