لو أرادت إسرائيل وحزب الله حرباً شاملة لكان ذلك قد حدث منذ زمن بعيد٬ فكل طرف يرحب بضرب الطرف الآخر وتدمير مقدراته، ولكن الوقت لم يحن بعد لكي يندفع أي منهما إلى صراع شامل٬ كما يقول تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
ودفع تبادل إطلاق النار المكثف عبر الحدود صباح الأحد 25 آب/أغسطس الطرفين مرة أخرى إلى شفا حرب كهذه، ولكنهما توقفا وتراجعا مرة أخرى٬ ومن حيث الذخائر المستخدمة، كان هذا أكبر اشتباك منذ عدة أشهر بين حزب وإسرائيل. حيث أرسلت إسرائيل 100 طائرة مقاتلة في الجو، والتي تقول إنها نفذت طلعات جوية على مدى سبع ساعات وضربت أكثر من 40 موقعاً لحزب الله بالصواريخ، لكنها قتلت ثلاثة أشخاص فقط، وفقاً للإحصاءات حتى مساء الأحد.
هل إسرائيل وحزب الله مستعدين لحرب برية على طول الحدود؟
- تقول صحيفة الغارديان٬ إنه في الوقت الذي تزعم إسرائيل على أنها ستقاتل في غزة حتى يتم “القضاء على حماس بالكامل”، أكد وزير خارجيتها، يسرائيل كاتس، يوم الأحد أن حكومته “ليست لديها مصلحة في مثل هذه المعركة الوجودية مع حزب الله”٬ على حد تعبيره.
- وبحسب روايتها للأحداث، أطلق حزب الله 320 صاروخا وعددا كبيرا من الطائرات بدون طيار صباح الأحد، لكنه لم يتسبب إلا في عدد قليل من الإصابات. وكان هناك جندي قتيل بسبب سقوط حطام صاروخ عليه في زورق حربي.
- مع ذلك، قال حزب الله اللبناني إنه حقق أهدافه من الضربة، وانتقم لاغتيال إسرائيل فؤاد شكر الشهر الماضي. وكان هدف الرسالة من قبل حزب الله واضحاً، وهو وضع حد للأعمال العدائية التي شهدها ذلك اليوم وتقليل الضغوط على حزب الله لمواصلة المعركة٬ كما تقول الغارديان.
- لذلك٬ فإن لدى الجانبين “أسباباً مقنعة” لعدم خوض الحرب الآن. فإسرائيل لا تملك القدرة على الصمود في مواجهة جبهة، في حين لم تتمكن بعد من الاقتراب حتى من هزيمة حماس في غزة، وذلك بالإضافة لدفع الضفة الغربية إلى شفا انفجار أوسع نطاقاً للعنف بسبب هجمات المستوطنين المتطرفين وقادتهم داخل الحكومة الإسرائيلية.
- يدرك قادة الجيش الإسرائيلي أيضاً أن الحرب مع حزب الله لا يمكن أن تحسم من دون غزو بري، وهو ما من شأنه أن يسفر عن خسائر فادحة في الأرواح الإسرائيلية. ولا تزال الدبابات الإسرائيلية تعتبر عُرضة بشدة للكمائن القاتلة كما أثبتت الحرب في غزة ذلك.
- إن بنيامين نتنياهو لديه أسباب وجيهة لإبقاء إسرائيل في حالة صراع، لأن هذا يساعد في درء محاسبته، حيث يواجه اتهامات بالفساد. وربما يفكر رئيس الوزراء وحكومته الأمنية في شن المزيد من الغارات بعد النجاح الذي تحقق لهم يوم الأحد، ولكن هذا بعيد كل البعد عن إرسال جنود مشاة عبر الحدود أو استفزاز حزب الله بعمليات أخطر٬ قد تدفع الحرب لشن هجمات صاروخية على تل أبيب أو مدن أخرى جديدة.
ما حسابات حزب الله لعدم خوض حرب شاملة مع إسرائيل؟
- تمتلك قيادة حزب الله أصولاً سياسية واقتصادية تحتاج إلى حمايتها في لبنان، وهي أصول من شأنها أن تتعرض للتدمير في حالة اندلاع حرب مع إسرائيل. ومن الواضح أن إيران، الراعي الإقليمي للحزب، ليست مستعدة للصراع أيضاً، وقد أرجأت في الوقت الحالي الرد الذي هددت به على اغتيال إسرائيل للزعيم السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران الشهر الماضي.
- لا يتقاسم حزب الله وإيران الدوافع ذاتها التي كان يتبناها يحيى السنوار، قائد حركة حماس، والذي شن هجومه المباغت على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول٬ على أساس افتراض بأن حلفاءه في بيروت وطهران سوف ينضمون إلى المعركة بكل قوة.
“خطأ صغير” قد يؤدي إلى اندلاع الحرب التي لا يريدها الطرفان
- لكن حقيقة أن إسرائيل وحزب الله لا يريدان حرباً شاملة الآن لا تعني أن هذه الحرب لن تحدث. ذلك أن الجانبين يستخدمان أسلحة بدائية٬ لإرسال رسائل إلى بعضهما البعض، والواقع أن مجال الخطأ في التقدير يظل دائماً كبيراً.
- وتشير التقارير إلى أن الجيش الإسرائيلي كان على وشك الدخول في حرب في لبنان مباشرة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، استناداً إلى معلومات استخباراتية غير دقيقة تشير إلى أن مقاتليه كانوا على وشك الهجوم عبر الحدود الشمالية كما فعل مقاتلي القسام.
- كانت احتمالات “العواقب غير المقصودة” مرتفعة أيضاً يوم الأحد. وإذا كانت رواية الجيش الإسرائيلي للأحداث دقيقة، فإن طائراته الحربية فجرت عشرات من مواقع إطلاق الصواريخ وأحبطت هجمات خطط لها حزب الله ضد أهداف استراتيجية في وسط إسرائيل. وإذا كانت إحدى هذه الضربات قد تسببت في خسائر بشرية كبيرة، فإن الضغوط السياسية على حكومة نتنياهو لإبعاد حزب الله عن جنوب لبنان كانت ستصبح بسهولة “لا تقاوم”.
- من المرجح أن يكون مجال الخطأ أعظم٬ عندما يحاول كل طرف تخمين الديناميكيات السياسية الداخلية للطرف الآخر. على سبيل المثال، عندما قتلت إسرائيل قائد حزب الله فؤاد شكر في غارة جوية على جنوب بيروت الشهر الماضي، لم يكن هناك أي وسيلة لمعرفة عدد الصواريخ التي قد يعتبرها حزب الله كافية للانتقام له، أو إلى أين ينبغي توجيهها. وإذا مدد نتنياهو حملة القصف، فإنه يخاطر بتورط إيران في دعم حزب الله في شن هجوم واسع النطاق على إسرائيل.
- على نحو مماثل، وبينما أجبر حزب الله أكثر من 100 ألف إسرائيلي على النزوح من منازلهم بواسطة قصفه العابر للحدود، فإنه لم يكن بوسعه على الإطلاق أن يقيس الضغوط السياسية التي قد يمارسها على ائتلاف نتنياهو لحمله على شن هجوم بري على جنوب لبنان٬ حتى يتمكن السكان النازحون من العودة.
- في خضم هذا التهور المتبادل، تحاول الولايات المتحدة بشكل يائس التخفيف من حدة المخاطر. وكان الهدف الرئيسي لإدارة بايدن منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول ــ والإنجاز الرئيسي، كما يزعم المسؤولون الأميركيون٬ هو منع تحول حرب غزة إلى حريق إقليمي.
- لكن في ظل هذه الدعوات٬ قامت بنقل قواتها إلى المنطقة لتهديد حزب الله وإيران. وتتلخص الاستراتيجية المركزية ــ أو الأمل الأساسي على الأقل ــ في أن اتفاق تبادل الأسرى من شأنه أيضاً أن ينزع فتيل المواجهة المتفاقمة على الحدود الشمالية لإسرائيل.
- لكن هناك شكوك جدية حول ما إذا كان نتنياهو يريد حقاً إنهاء القتال في غزة. فقد تندلع الحرب في الجبهة الشمالية أو المنطقة دون أن يرغب أي من الجانبين في ذلك.