الأخبار

أطنان من النفايات الأوروبية قادمة للمغرب.. قرار حكومي يثير الجدل في المملكة وهذه تبريرات الوزارة المعنية

ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب مؤخراً بخبر استيراد البلاد أطناناً من النفايات من دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. وانتقد نشطاء البيئة في المغرب توجه الحكومة الذي اعتبروه “غير دستوري”، ما دفع الوزارة المعنية بالقرار لإصدار بيانٍ تدافع فيه عن استيراد المغرب للنفايات الأوروبية وتشرح أسباب ذلك.

وفق آخر إحصائياتٍ أعلن عنها الاتحاد الأوروبي، فإنه في عام 2022 صدَّرت دول الاتحاد الأوروبي ما مجموعه 32.1 مليون طن من النفايات إلى دول خارج الاتحاد، وكان نصيب المغرب منها 0.8 مليون طن من النفايات، لترتفع إلى 1.2 مليون طن خلال عام 2024.

فما هي طبيعة النفايات التي تستوردها الرباط من دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا؟ وما الذي يدفع المغرب لاستيراد كل تلك الكميات من النفايات؟ ولماذا أثار استيراد المغرب للنفايات الأوروبية كل هذا الجدل من قبل نشطاء البيئة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي؟ وكيف ردَّت الوزارة المعنية على تلك الانتقادات؟

استيراد المغرب للنفايات الأوروبية

يوم 17 أغسطس/آب 2024، أعلنت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة المغربية، ليلى بنعلي، عن قرارها باستيراد كميات ضخمة من النفايات من عدة دول، وذلك في إطار ما وصفته “بجهودها المتواصلة لتعزيز الاستدامة البيئية وإدارة النفايات بشكل أكثر فعالية”.

وأوضحت الوزارة أنها بصدد استيراد نحو 548,000 طن من النفايات من مناطق صناعية مختلفة، وذلك لتتم معالجتها وفق المعايير البيئية المعتمدة. وأشارت إلى أن هذه النفايات تتضمن 1.24 مليون طن من العجلات المطاطية، بالإضافة إلى 17,024 طن من النفايات غير الخطرة، والتي تشمل نفايات منزلية.

وتأتي هذه الخطوة كجزء من استراتيجية وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة المغربية لتطبيق التشريعات البيئية وتنظيم استيراد وتصدير النفايات. وبحسب البيان الذي تناقلته وسائل إعلام مغربية، سيتم استيراد معظم هذه النفايات من دول أوروبية.

حيث تستورد الوزارة 970,896 طن من فرنسا، و20 ألف طن من إيطاليا، وأكثر من 30 ألف طن من إسبانيا، بالإضافة إلى 1.5 مليون طن من بريطانيا، و 60 ألف طن من السويد، فضلاً عن 100 ألف طن من النفايات سيتم استيرادها من النرويج.


في المقابل، كشف بيان الوزارة المغربية عن خطط لتصدير نحو 3,700 طن من النفايات إلى خارج المملكة من أجل معالجتها بطرق “تضمن الحفاظ على البيئة”، وفق ما جاء في البيان.

فيما كشفت وسائل إعلام رسمية مغربية أن المملكة احتلت المرتبة الثانية عربياً من حيث تدوير النفايات الصلبة خلال سنة 2022، وهي ملتزمة بعدم قبول استيراد أي نفايات سامة ومضرة بالبيئة وغير الخاضعة للمعايير الوطنية، والتي تؤطرها القوانين المتعلقة بتدبير النفايات والتخلص منها.

وحسب المعطيات الرسمية، فقد قام المغرب خلال الفترة ما بين 2021 و 2023، باستيراد 548,000 طن من النفايات من مناطق التسريع الصناعي خاصة الاتحاد الأوروبي، وتشمل أساساً العجلات المطاطية والنفايات غير الخطرة الأخرى.

وفي آخر إحصائيات كشف عنها مركز الإحصاء الأوروبي خلال شهر يناير/كانون الثاني 2024، فإن المغرب توصل بنحو 0.8 مليون طن من النفايات الأوروبية سنة 2022، فيما توصلت تركيا التي احتلت الصدارة بـ 12.4 مليون طن، من نفايات الاتحاد الأوروبي.

جدل النفايات الأوروبية

مباشرةً بعد انتشار خبر استيراد المغرب للنفايات الأوروبية، وإن لم يكن الأمر جديداً، تصاعدت الأصوات المعارضة التي انتقدت استيراد تلك النفايات في مقابل تصدير أطنان من الخضر والفواكه المغربية إلى دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.

منظمة “التجمع البيئي لشمال المغرب” التي تدافع عن البيئة انتقدت قرار وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، وقالت إن قرارها “يتنافى مع روح المواطنة ومهمتها في الحفاظ على ما تبقى من كرامة بيئية للمواطنين المغاربة”.

وأضافت في بيان: “المغاربة في حاجة ماسة إلى النظم المعلوماتية والتقنيات الصناعية والزراعية والطبية والاقتصادية التي تساهم في الازدهار الفعلي وتسهل عيش المواطنين وتحسن من مستوى معيشتهم بدلاً من استيراد أزبال وبقايا أوروبا التي تنهك وتلوث وتدمر المنظومة البيئية المغربية”.

وزعم بيان “التجمع البيئي لشمال المغرب” أن قرار استيراد المغرب للنفايات الأوروبية: “يتناقض مع الدستور المغربي الذي ينص على حق المواطن العيش في بيئة سليمة ومع القوانين والاستراتيجيات التي اعتمدها المغرب للحفاظ على البيئة ونمط التنمية المستدامة والانتقال الطاقي العادل”.

وأشار البيان إلى أنه: “رغم هذه الترسانة القانونية لتحقيق الأهداف المسطرة في ميدان المحافظة على البيئة والتنمية المستدامة، قررت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة الترخيص لاستيراد النفايات المنزلية والعجلات المطاطية من الدول الأوروبية”.

بينما قال يوسف انعايمي، مدير مختبر الكيمياء الفيزيائية للمواد بكلية العلوم بن مسيك بالدار البيضاء، إن “هذا القرار يتسم بطابع سياسي واقتصادي، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: مدى جدوى هذه الصفقة من الناحية الاقتصادية”.

وأضاف وفق ما صرّح به لموقع “Telquel” المغربي أنه من الناحية البيئية: “فإنها تعد كارثة، إذ نعاني أصلاً من مشكلات بيئية معقدة، لاسيما فيما يتعلق بالإطارات التي نجد صعوبة في التخلص منها، علينا أن نجد حلولاً مبتكرة لإعادة تدويرها، غير أن حتى عمليات إعادة التدوير وإعادة الاستخدام تنطوي على مخاطر؛ حيث يتحلل المطاط في الإطارات ويطلق مواد ضارة بالبيئة”.

للوزارة تفسيراتها

الانتقادات التي طالت استيراد المغرب للنفايات الأوروبية والضجة التي أحدثها بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي والمدافعين عن البيئة، دفعت وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة لإصدار بيان للرد على تلك الانتقادات وتقديم “توضيح للرأي العام الوطني”.

الوزارة قالت في بيانها: “نثمن عاليا تفاعل جمعيات المجتمع المدني مع نشر القرارين الوزاريين ونحيي يقظتها اتجاه القضايا المتعلقة بالبيئة ونؤكد حاجتنا لانخراط قوي وفعال للفاعلين الجمعويين في المجال البيئي واستعدادنا لتقديم كافة التوضيحات المتعلقة بهذا الموضوع”.

وأكدت الوزارة أن المغرب “ملتزم دائماً بعدم قبوله استيراد أي نفايات سامة ومضرة بالبيئة وغير خاضعة للمعايير الوطنية والتي تؤطرها المادة 42 من القانون رقم 28.00 الصادر بتاريخ 7 ديسمبر/كانون الأول 2006، والمتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها”.

وأشارت الوزارة في بيانها أن المغرب يستورد ومنذ سنوات طويلة مجموعة من النفايات غير السامة وغير المضرة بالبيئة والتي يتم استعمالها في مجموعة من الصناعات التحويلية. وقالت إنه في الفترة الممتدة بين 2016 و 2019، استورد المغرب ما يقارب 1.6 مليون طن من هذه النفايات، والتي تشكل مواداً أولية للطاقة والصناعة مثل النسيج والبلاستيك والورق والمعادن”.


واستطردت الوزارة أنه مع ذلك، فالمغرب “لا يحظى إلا بنسبة قليلة من هذه النفايات التي تخضع لتسابق و منافسة حادة بين الشركات الدولية، خصوصاً مع التطور الذي يعرفه مجال تدوير و إعادة استعمال النفايات في إطار ما يسمى الاقتصاد الأخضر والدائري”.

وحسب بيان الوزارة الذي صدر بموقعها الرسمي فإن نفايات المغرب يتم تدويرها والاستفادة منها داخلياً “وهي لا تكفي لسد حاجيات المغرب الداخلية، و يتم فقط تصدير النفايات التي لا يمكن تثمينها أو معالجتها على المستوى الوطني”.

فيما أكدت وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة أن استيراد المغرب للنفايات الأوروبية يخضع لمجموعة من المعايير والشروط، أهمها ضمان عدم تأثيرها على البيئة. كما أنه يسمح فقط باستيراد النفايات التي سيتم تثمينها وتدويرها، لا طمرها”.

بينما أكد أستاذ الجغرافيا البشرية، المغربي مصطفى ازعيتراوي، أن الشفافية الحكومية والتواصل المفتوح مع المواطنات والمواطنين تعتبر أمورًا حيوية لضمان ثقة المواطنين ودعمهم لسياسات إدارة النفايات، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا حساسة مثل استيراد النفايات.

لكنه أوضح وفق ما نشره موقع “لكم” أنه في المغرب، كشفت قضية استيراد النفايات، سواء في عام 2016 أو في العام الحالي 2024، عن نقص واضح في الشفافية والمعلومات المتاحة للرأي العام، “هذا النقص يؤدي إلى زيادة الشكوك والمخاوف بين المواطنين، ويصعب عليهم تكوين رأي مبني على معلومات دقيقة وموثوقة”.

من يستورد النفايات الأوروبية؟

في عام 2022، صدَّرت دول الاتحاد الأوروبي 32.1 مليون طن من النفايات إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي، وكان هذا انخفاضًا طفيفًا بنسبة 3% مقارنة بعام 2021، وفق آخر إحصائيات أفرج عنها المركز الأوروبي للإحصاء بداية عام 2024.

حسب التقرير فقد انخفضت واردات النفايات من دول خارج الاتحاد الأوروبي بنسبة 5% منذ عام 2021، لتبلغ 18.7 مليون طن، وتأتي هذه المعلومات من البيانات السنوية عن تجارة النفايات التي أصدرها “يوروستات”.

وكانت تركيا أكبر وجهة للنفايات المصدرة من الاتحاد الأوروبي في عام 2022، بحجم 12.4 مليون طن، شكلت 39٪ من إجمالي صادرات النفايات.

وكانت ثاني أكبر وجهة هي الهند، التي تلقت 3.5 مليون طن من النفايات من الاتحاد الأوروبي في عام 2022، تليها المملكة المتحدة (2.0 مليون طن)، وسويسرا (1.6 مليون)، والنرويج (1.6 مليون)، ومصر (1.6 مليون)، وباكستان (1.2 مليون)، وإندونيسيا (1.1 مليون)، والمغرب والولايات المتحدة (كلاهما 0.8 مليون).

في عام 2022، صدَّر الاتحاد الأوروبي 17.8 مليون طن من نفايات المعادن الحديدية (الحديد والصلب)، وهو ما يمثل 55% من إجمالي صادرات النفايات من الاتحاد الأوروبي.

وكانت الوجهة الرئيسية هي تركيا التي تلقت 10.7 مليون طن، أي ما يقرب من ثلثي (60%) إجمالي نفايات المعادن الحديدية المصدرة من الاتحاد الأوروبي.

كما تم تصدير كميات كبيرة من النفايات الورقية، بلغت 4.9 مليون طن أو 15% من صادرات الاتحاد الأوروبي من النفايات في عام 2022، وكانت الوجهة الرئيسية هي الهند (30% من إجمالي صادرات النفايات الورقية).

على صعيد الواردات، تلقى الاتحاد الأوروبي 4.2 مليون طن من المعادن الحديدية (22% من إجمالي واردات النفايات) و 2.4 مليون طن من الورق (13% من إجمالي واردات النفايات).

وكانت أكبر كميات من هذه النفايات قادمة من المملكة المتحدة، بنحو 1.3 طن أو 33% من إجمالي نفايات المعادن الحديدية و 1.2 طن أو 49% من إجمالي واردات نفايات الورق.