حالة من التذمر تسود بين المواطنين بسبب ارتفاع الأسعار في المغرب خلال الأسابيع الماضية، ووصلت أسعار بعض المنتجات الأساسية إلى أثمان اعتبرها البعض “غير مسبوقة”، ولم يجدوا غير مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن غضبهم والدعوة لمقاطعتها.
وحسب ما عاينه “عربي بوست” في بعض أسواق المدن الكبرى في المملكة، فإن أسعار الدواجن واللحوم الحمراء بالمغرب، شهدت ارتفاعاً مُضطرداً منذ بداية العطلة الصيفية، إضافة إلى ارتفاع أسعار السردين الذي يصفه المغاربة بأنه “سمك الفقراء”.
ورغم الأرقام التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط، الإثنين 19 أغسطس/آب 2023، بخصوص تراجع التضخم في البلاد خلال شهر يوليو/تموز 2023، إلا أن ذلك لم ينعكس بشكل إيجابي على ارتفاع الأسعار في المغرب.
ارتفاع الأسعار في المغرب “غير مسبوق”
حسب ما رصدته “عربي بوست” خلال جولتها في بعض أسواق الدار البيضاء كبرى مدن البلاد، فقد تراوح ثمن الكيلوغرام الواحد من لحم الخروف من 140 إلى 150 درهماً (نحو 15 يورو)، بينما وصل سعر الكيلوغرام الواحد من الأبقار ما بين 110 و130 درهماً (نحو 13 يورو) حسب نوعية هذه اللحوم.
ولم تسلم الدواجن من هذا الارتفاع، حيث بلغ سعر الكيلوغرام من الدجاج 30 درهما (3 يوروهات)، بعدما بلغ سعر الكتكوت في سابقة 11 درهما، ورجح بائعو اللحوم الحمراء، ارتفاع الأسعار إلى سنوات الجفاف المتتالية التي ضربت المغرب، وغلاء الأعلاف.
فيما ربط بائعو الدواجن بالتقسيط ارتفاع الأسعار بعوامل عدة، منها زيادة الطلب على اللحوم البيضاء بسبب ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، وموجة الحر التي ضربت حظائر الدواجن.
وكل هذه الأسباب تبقى نسبية وأقرب إلى التكهنات من العوامل الحقيقية التي أشعلت سوق اللحوم بالمغرب حسب الخبراء.
بينما عرفت أسعار السردين بجل الأسواق المغربية ارتفاعاً كبيراً خلال الأسابيع الماضية، ما أثار غضب المواطنين المغاربة. وتراوحت أسعار السردين ما بين 25 و30 درهما للكيلوغرام الواحد، ما جعل المواطنين يجدون صعوبة كبيرة في اقتنائه.
الاحتكار وغياب الحكامة
تصنف الدواجن كأكثر اللحوم استهلاكاً عند المغاربة، بالنظر لأسعارها المنخفضة، التي تتناسب مع جيوب جميع الفئات الاجتماعية، غير أنها اليوم أصبحت عصية على الفئات الفقيرة وبعض الفئات من الطبقة المتوسطة بسبب ارتفاع أسعارها.
وأوضح رئيس جمعية مربي الدجاج بالمغرب، محمد أعبود، أن الأسباب الحقيقية لهذا الارتفاع تعود إلى “احتكار بعض الشركات للقطاع وانفرادها بجميع المنح التي تخصصها الدولة لدعم القطاع”.
وهي الشركات عينها التي تتحكم في إنتاج الكتاكيت، التي كانت تباع بثلاثة دراهم للكتكوت، وأصبحت اليوم بـ 11 درهماً، تتحكم في إنتاج العلف الخاص بها، هذا الأخير الذي عرف انخفاضاً في الأسعار في جميع الدول عدا المغرب.
وشدد أعبود في حديثه لـ”عربي بوست” على أن “غياب الحكامة والكيل بمكيالين، عبر دعم كبار الشركات على حساب مربي الدجاج الصغار والمتوسطين، من شأنه تأزيم الوضع أكثر باستمرار ارتفاع أسعار الدواجن”.
وارتفعت تكلفة الإنتاج المحلي إلى 20 درهماً (نحو 2 يورو) داخل الضيعة بهامش ربح أقل من متوسط، في الوقت الذي لا تتجاوز فيه تكلفة الإنتاج 1.23 يورو أي 13 درهماً بالدول الأوروبية المجاورة بهامش ربح جيد للمربي الأوروبي.
وأشار رئيس جمعية مربي دجاج اللحم بالمغرب، إلى أن من بين الإكراهات التي تواجه المربي الصغير والمتوسط لمسايرة عملية الإنتاج، ثمن الكتكوت الذي وصل إلى 11 درهماً والعلف الذي قارب خمسة دراهم للكيلوغرام الواحد رغم جودته الضعيفة.
تدابير حكومية “ترقيعية”
فيما يخص ارتفاع سعر اللحوم الحمراء، يرى رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، بوعزة الخراطي، أن “الجفاف وغلاء العلف وتهميش هذا القطاع وتوجه أغلب الفلاحين إلى إنتاج الزراعات المصدرة إلى الخارج بدل تربية المواشي أدى إلى ارتفاع أسعار اللحوم بالمغرب”.
واعتبر الخراطي في حديثه لـ”عربي بوست” أن ما تقوم به الحكومة المغربية من دعم لمستوردي المواشي من الخارج “تدابير ترقيعية لا يمكن من خلالها حل مشكل الأسعار”.
وأوضح رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك أن أزمة اللحوم اليوم “جاءت نتيجة غياب السياسات الفلاحية والاستراتيجيات الناجعة لتدبير القطاع الفلاحي بشكل عام، وتربية المواشي على وجه خاص”.
ونبه إلى ضرورة الاهتمام بهذا القطاع نظراً لأهميته الاستراتيجية، حيث أن تربية المواشي تضمن السيادة الغذائية لمنتجين أساسيين هما اللحوم والحليب الذي توقع محدثنا بروز أزمة حليب جديدة في الأفق.
ومن شأن خلق سياسة ناجعة لتدبير قطاع تربية المواشي، أن تزيد عدد القطعان، وازدياد عدد المواشي المعروضة للبيع، وبالتالي انخفاض أسعارها بشكل تدريجي.
واقترح الخراطي من أجل ذلك تمويل الكساب بشكل مباشر للحفاظ على ماشيتهم، خاصة الصغار منها، وذلك منذ بداية شتنبر، وفي هذه الحالة لا يمكن الحديث عن استقرار في قطاع اللحوم الحمراء قبل خمس سنوات” يختم محدثنا.
مقاطعون: خليه يتعفن..خليه يقاقي
أطلق نشطاء غاضبون في منصات التواصل الاجتماعي، حملة لمقاطعة اللحوم الحمراء ولحوم الدواجن، بعد الارتفاع الصاروخي لأسعارها.
ودعت مجموعات فيسبوكية عبر صفحاتها من مختلف المدن المغربية، إلى اجتناب شراء هذه اللحوم عبر هاشتاغ “خليه يتعفن..خليه يقاقي” (دعه يتعفن..دعه يصيح أي الدجاج).
وهذه ليست المرة الأولى التي يطلق فيها مغاربة هذه الحملة للاحتجاج على ارتفاع الأسعار في المغرب، في عام 2022 كانت هنالك حملة مشابهة ضد ارتفاع أسعار الدواجن، وقد آتت ثمارها.
إذ تحركت جهات رسمية لضبط الأسواق وخفض الأسعار، والتي وصلت بالفعل وقتها إلى 10 دراهماً للكيلوغرام، بعد أن كان قد وصل إلى 15 درهماً أي حوالي.
وعبر العديد من المنخرطين في الحملة عن استيائهم من هذا الارتفاع الحاد في الأسعار، معتبرين أنه يمثل عبئاً إضافياً على ميزانيتهم، خاصة مع تراجع القدرة الشرائية للأسر المغربية.
فيما طالب البعض الآخر الجهات المسؤولة على القطاع بالتدخل العاجل لوقف هذا الارتفاع “غير المبرر”، وكشف الأسباب الحقيقية وراءه.
واجتاحت الحملة العديد من منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك و إكس، وإنستغرام، عبر نشر رسائل داعمة للحملة ومشاركتها على نطاق واسع.
كما سبق وأن أطلق نشطاء في شهر مايو/أيار الماضي، حملة لمقاطعة اللحوم الحمراء، بعد ارتفاع أثمانها بشكل قياسي، فاق 100 درهم للكيلوغرام (نحو 10 أورو)، وقتها.