الأخبار

وكأنها “غزة مصغّرة”.. الاحتلال يحشر النازحين في 11% فقط من مساحة القطاع تحت مسمى “المنطقة الآمنة” (خرائط)

في شهر أغسطس/آب 2024، وحده، أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي ما لا يقل عن 12 أمر إخلاء قسري ضمن ما يسميها “المنطقة الآمنة”، ما يعني تقليص مساحتها، ليقوم بحشر الفلسطينيين النازحين في قطاع غزة أكثر فأكثر.

بحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، أثرت أوامر الإخلاء في أغسطس/آب 2024 على 250 ألف فلسطيني بقطاع غزة، يضافون إلى أكثر من مليون شخص في “المنطقة الآمنة” التي تقع من دير البلح في الوسطى إلى المواصي في خان يونس، غربي غزة.

ليصبح الرقم الإجمالي في هذه المنطقة من النازحين، قرب مليوني نازح فلسطيني يقوم جيش الاحتلال بحشرهم في حيز جغرافي ضيق لا يتجاوز عُشر مساحة قطاع غزة، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.


وكأنها غزة مصغّرة

هذا يعني أن غالبية سكان غزة من أصل 2.2 مليون نسمة أصبحوا الآن محصورين في منطقة تبلغ مساحتها نحو

38 كيلومتراً مربعاً،

أي نحو نصف مساحة شرق القدس المحتلة.

ما يعني بحسب الأمم المتحدة، أن نحو 30 ألف فلسطيني يعيشون في كل كيلومتر مربع بمنطقة المواصي في غزة، مقارنة بـ 1200 شخص لكل كيلومتر مربع في غزة قبل الحرب.


في بداية العام 2024، دفعت أوامر الإخلاء الفلسطينيين الفارين من الحرب إلى اللجوء إلى مناطق تبلغ مساحتها حوالي 33% من القطاع، وفقا للأمم المتحدة، أما الآن فقد تقلصت إلى 11% فقط من غزة، وهي جيب بحجم فيلادلفيا تقريباً.


مساحة الإخلاء

عند الرجوع إلى أوامر الإخلاء الإسرائيلية التي أعلن عنها جيش الاحتلال منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى 23 أغسطس/آب 2024، فإنها كانت على النحو التالي:

  • شمالاً (محافظتا شمال غزة وغزة): 33 كليومتراً مربعاً.
  • جنوباً: (الوسطى وخان يونس ورفح): 130 كيلومتراً مربعاً.
  • بمجموع: 163 كيلومتراً مربعا، يمثل نحو 45% من مساحة القطاع.

في حين يقع 11% من غزة ضمن “المنطقة الآمنة” ويتبقى نحو 44% من مساحة القطاع إما مناطق اشتباكات أو أراض زراعية وساحل.


بالتالي، طالت أوامر الإخلاء نحو 90% من سكان قطاع غزة، الذين يقدر عددهم بنحو 2 مليون شخص نزحوا قسراً بسبب العدوان وأوامر الإخلاء الإسرائيلية.

ونظراً إلى أن أعلى كثافة سكانية في العالم للكيلومتر المربع الواحد يعود إلى ماكاو، يقدر بـ21 ألف شخص للكيلومتر المربع، فإن غزة تجاوزت ذلك بـ30 ألفاً للكيلومتر المربع الواحد، في حين أن غزة هي بالفعل قبل الحرب أكثر منطقة في العالم اكتظاظاً بالسكان، وتوصف بأكبر سجن مفتوح.

وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، اضطر 9 من كل 10 أشخاص يقيمون في غزة إلى النزوح بسبب العدوان الإسرائيلي.

من جهتها، حذرت الوكالة الأممية الأونروا، من أن “سكان غزة باتوا عالقين في دوامة نزوح قسري متكرر، حيث تواصل العائلات الفرار وسط العمليات العسكرية وحر الصيف اللاهب”.



هل هي فعلاً “منطقة آمنة”؟

يؤكد سكان غزة أنه لم يعد في غزة أي مناطق آمنة، لا سيما أن الكثير منها تعرّض في الفترة الأخيرة لهجمات إسرائيلية مميتة.

حدّد الاحتلال “المواصي” التي تمتد من دير البلح إلى خان يونس، منطقة أطلق عليها اسم “منطقة إنسانية آمنة”، رغم كل التحذيرات الإغاثية من أنها خالية من البنية الأساسية كمخيم للنازحين بمئات الآلاف من محافظات غزة المختلفة.

وكانت تُعرف هذه المنطقة بأراضيها الزراعية ومياهها الجوفية العذبة، إلا أنها بفعل العدوان تحوّلت إلى بؤرة للنزوح وأراضٍ قاحلة.

رغم تسمية الاحتلال لهذه المنطقة بـ”الآمنة”، إلا أنه استهدفها مراراً، في قصف طال مخيمات النازحين مراراً، واستشهد على إثر ذلك المئات منهم.

  • في فبراير/شباط 2024، هاجمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منطقة المواصي، بما في ذلك منزلاً لموظفي منظمة أطباء بلا حدود وأفراد عائلاتهم، ما أدى إلى استشهاد شخصين وإصابة 6 آخرين، بينهم نساء وأطفال.
  • في 10 مارس/آذار 2024، استشهد 15 فلسطينيا في قصف على منطقة المواصي، طال خيام النازحين.
  • في 26 مايو/أيار 2024، كانت محرقة الخيام في رفح، بمنطقة تُصنف “آمنة”  وتتكدس فيها خيام النازحين، إذ أسفر قصف الاحتلال الإسرائيلي لهذه المنطقة عن استشهاد 45 فلسطينياً على الأقل، غالبيتهم من النساء والأطفال. وجاء الهجوم بعد أيام قليلة من صدور أمر من محكمة العدل الدولية لإسرائيل بوقف الإبادة الجماعية في رفح.
  • في 21 حزيران/يونيو 2024، محرقة خيام أخرى في مواصي رفح، حيث هاجمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منطقة المواصي مجدداً، ما أدى إلى استشهاد 30 فلسطينياً على الأقل، وإصابة عشرات آخرين.
  • في 13 يوليو/تموز 2024، استشهد نحو 100 فلسطيني في منطقة المواصي، بقصف إسرائيلي، استهدف خيام النازحين وبعض الأبنية، وجرح أكثر من 300، في مجزرة ادعى الاحتلال فيها أنه استهدف خلالها قائد كتائب القسام محمد الضيف، إلا أن حركة حماس نفت صحة ذلك.
  • في 22 أغسطس/آب 2024، قام جيش الاحتلال بقصف مخيم النازحين في بلدة بني سهيلا في المنطقة الآمنة، ما أسفر عن سقوط 7 قتلى بينهم طفلين، ليعلن بعدها أوامر إخلاء لهذه المنطقة، كما أنه أطلق النار باتجاه خيام النازحين في مواصي القرارة بخان يونس.

الأمر ذاته شهدته “الممرات الآمنة” بحسب وصف الاحتلال للشوارع التي يقول إنه يخصصها لنزوح الأهالي في غزة للوصول إلى “المناطق الآمنة”.

لكن لكثرة ما تعرضت له هذه الممرات من قصف واستهداف أدى إلى استشهاد الكثيرين منذ بداية الحرب، فإن التقارير الإعلامية الغربية والعربية وصفتها بـ”ممرات الموت”.


وبحسب شهادات منظمات حقوقية وفلسطينيين، فإن الطرق التي رسمها الاحتلال لا تعدو كونها سوى مصائد لاستهداف المدنيين العزل.


لا مكان آمن في غزة

أحمد عوض الله أحد النازحين في المواصي، أكد لـ”عربي بوست”: “لم يعد لدينا مكان آخر نذهب إليه، مع كل أوامر إخلاء يضطر الكثير منا إلى النزوح مجدداً، ولكن السؤال دائماً إلى أين؟”.

“لا مكان آمن في غزة”، بحسب عوض الله، مضيفاً: “نزحت مع عائلتي 8 مرات منذ بداية الحرب، تلحقنا الصواريخ وآليات الاحتلال، وسط ظروف بائسة وجوع ومرض وعطش الصغار قبل الكبار، وبتنا نشعر بالقهر، من نزوح إلى نزوح، ولا نرى نهاية لهذه الحرب”.

فاطمة كحيل، نازحة في خان يونس، قالت لـ”عربي بوست”، إنها تعبت وعائلاتها من النزوح المستمر، مؤكدة أن الاحتلال يتعمد حشر المدنيين في غزة وتكديسهم، لخنقهم بسياسة ممنهجة، غير إنسانية.

وأضافت: “نزحنا من غزة إلى الوسطى، ومنها إلى خان يونس، وتلاحقنا أوامر الإخلاء والقصف، ونحن ننزح بأبنائنا نريد أمانهم وتوفير أقل مقومات العيش لهم، ولكن الموت يلاحقنا أينما ذهبنا، لقد تعبنا ولا أحد يبالي بنا على مسمع من العالم كله”.

وقالت إن ما يتم توفيره من ملاجئ مؤقتة في “المنطقة الآمنة”، من صفائح بلاستيكية أو بطانيات، “بالكاد يكفي لحماية كرامة أسرنا، فالظروف التي نعيشها غير إنسانية بالمرة، فالأمراض والمجاعة والطقس والموت وآلة القتل، كله يتربص بنا”.

وأكد النازحون في المواصي، أن أبرز ما يعانون منه هناك:

  • النفايات التي تحيط خيم النازحين.
  • مياه الصرف الصحفي التي تجري في الأماكن العامة بسبب دمار الشبكات
  • قلة الوقود.
  • ندرة المواصلات ووسائل النقل المختلفة التي يحتاجونها لنقل أمتعتهم، مع النزوح المستمر.

وسبق أن حذر متحدث الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، خلال مؤتمر صحفي، من خطورة أوامر الإخلاء الإسرائيلية على السكان والنازحين بغزة.

وأكد أن “هذا التقلص في المساحة، إلى جانب الاكتظاظ، وانعدام الأمن المتزايد، والبنية التحتية غير الكافية والمرهقة، والأعمال العدائية المستمرة، والخدمات المحدودة، يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المزري”.



تفشي الأمراض بالمنطقة الآمنة مع تقلّص المساحة

تفتقر معظم مساحة “المنطقة الآمنة” إلى البنية التحتية، ما يجعلها بيئة خصبة لانتشار الأمراض والأوبئة.

ويتسبب تقلص المساحة المتاحة للفلسطينيين بشكل متزايد، بتزايد المخاوف بشأن تفشي الأمراض والعدوى.

وقالت بشرى الخالدي، مسؤولة السياسات في منظمة أوكسفام الخيرية العاملة في قطاع غزة: “هذا يعني أنه سيكون هناك المزيد من الأمراض، والمزيد من الضغوط على أي مرافق موجودة”.

كذلك قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن مئات الآلاف من الأطفال في غزة معرضون لخطر الإصابة بشلل الأطفال.

وتتفاقم المخاوف من تفشي المرض بسبب مياه الصرف الصحي غير المعالجة، ونقص المياه النظيفة، ونقص الغذاء، والمرافق الطبية المتهالكة، ونقص إمدادات النظافة الشخصية.

وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، إن أوامر الإخلاء الإسرائيلية الأخيرة في أغسطس/آب 2024، أثّرت على العيادات المؤقتة والمدارس ومرافق المياه والصرف الصحي.

يشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يشن عدواناً مدمراً على قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، خلّف أكثر من 133 ألفاً بين شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.

ويتجاهل الاحتلال قرار مجلس الأمن الدولي بوقف الإبادة الجماعية، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع حرب الإبادة.