على بعد أسبوعين من موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر والمحدد تاريخ جولتها الأولى في 7 سبتمبر/أيلول 2024، يواصل المرشحون الثلاثة حملاتهم الانتخابية في محاولة لاستقطاب أصوات أكثر من 24 مليون جزائري مسجل في القوائم الانتخابية.
ويتنافس في الانتخابات الرئاسية في الجزائر، كل من الرئيس عبد المجيد تبون، بصفته “مترشحًا حرًا”، ورئيس حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي، عبد العالي حساني شريف، والسكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض، يوسف أوشيش.
ويجمع المتابعون على أن حظوظ الرئيس الحالي تبقى كبيرة للفوز بفترة رئاسية ثانية، إلا أن ذلك لا يمنع المرشحين الآخرين من الإيمان بكامل حظوظهما في خلق مفاجأة “مستبعدة” في استحقاقات 7 سبتمبر/أيلول، من خلال تقديم وعود لإقناع الناخبين.
من خلال هذا التقرير نرصد حظوظ المرشحين في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، وما الذي يميز برنامج كل مرشح؟ وما هي الوعود التي قدمها كل واحد منهم للناخبين الجزائريين؟ وما الذي ينتظره الجزائريون من الرئيس المقبل لبلادهم؟
كيف بدأ المرشحون حملتهم الانتخابية؟
اختار المترشح عبد المجيد تبون، شعار “من أجل جزائر منتصرة”، واستهلت الأحزاب الداعمة له وهي: جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وجبهة المستقل، وحركة البناء الوطني، دعايتها الانتخابية بعقد تجمعات بمحافظات مستغانم، والعاصمة الجزائرية، وتمنراست بأقصى الجنوب وتندوف أقصى الجنوب الغربي.
أما المترشح عبد العالي حساني الحاصل على شهادة الهندسة المدنية عام 1992، فيضع شعار “فرصة”، وبدأ نشاطه في إطار الدعاية الانتخابية، بجولة بالعاصمة، على أن ينتقل عقب الظهيرة إلى محافظة البليدة المجاورة، حيث سيزور بيت وأحباب مؤسس الحركة الشيخ محفوظ نحناح.
بينما بدأ المترشح في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، يوسف أوشيش، حملته الدعائية بشعار “رؤية للغد”، وفضل المترشح المتخصص في العلاقات الدولية النزول إلى أكبر حي شعبي بالعاصمة الجزائر، هو باب الوادي، من أجل التواصل المباشر مع الناخبين الجزائريين.
وستجرى فترة الدعاية الانتخابية التي بدأت في 15 أغسطس/آب 2024، وتستمر على مدار 20 يومًا، أي إلى غاية منتصف ليل 3 سبتمبر/أيلول المقبل، وتحكم بنصوص قانونية واضحة تمنع أية تجاوزات لفظية أو أخلاقية، وتجرم استعمال المال مجهول المصدر.
ويضمن قانون الانتخابات، وصول المترشحين بالتساوي إلى فضاءات التجمعات الشعبية والاجتماعات العامة، وكذا الوصول على نفس القدر من المساواة لوسائل الإعلام بشتى وسائطها وخاصة السمعية البصرية.
وتعتبر رئاسيات 7 سبتمبر/أيلول المقبل، ثاني موعد انتخابي رئاسي يتم تحت إشراف كلي لسلطة مستقلة للانتخابات بعد استحقاق 2019، بعدما كان تحت إشراف وزارة الداخلية وصلاحيات أقل “للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات”.
وأكد رئيس سلطة الانتخابات محمد شرفي، في مؤتمر صحافي، الأربعاء 14 أغسطس/آب، على “الجاهزية التامة” للهيئة لتنظيم هذه الانتخابات وذلك في إطار التزاماتها الدستورية المتمثلة في ضمان “الحياد والشفافية والحفاظ على حرية خيار الناخب”.
وكان من المفروض أن تنظم الانتخابات الرئاسية في الجزائر في موعدها القانوني وهو 19 ديسمبر/كانون الأول، لكن الرئيس تبون قرر تقديم تاريخ إجرائها ثلاثة أشهر لأسباب تتعلق بـ”الوضع الدولي الراهن والأخطار التي تحدق بالجزائر” كما صرح دون أن يفسر أو يشرح طبيعة هذه الأخطار.
العلاقات الخارجية في برامج المرشحين
هذه الأخطار التي تحدث عنها الرئيس كانت محور خطابات المرشحين الثلاثة خلال حملتهم الانتخابية المستمرة، حيث تحدثوا جميعًا عن “الأخطار” التي تحدق بالجزائر في ظل وضع متوتر في دول بالمنطقة، وكشفوا عن برنامجهم فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للجزائر.
إذ أكد المترشح الحر عبد المجيد تبون، في أول تجمع شعبي نشطه بولاية قسنطينة، أن الجزائر تعمل على تحقيق الاستقرار في المنطقة، وهي تتعامل مع شركائها الدوليين ولن تتخلى عن التزاماتها مهما كانت الظروف، مجددًا التأكيد على وقوفها إلى جانب الشعوب المضطهدة وعدم التخلي عن دعم القضية الفلسطينية، كما تعهد بعدم التخلي عن لبنان.
وقال تبون وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية الأربعاء 21 أغسطس/آب 2024: “إن الجزائر ستبقى مع فلسطين وبمجرد فتح الحدود سنعمل على بناء 3 مستشفيات في ظرف 20 يومًا ونساعد في بناء ما دمره الصهاينة في قطاع غزة”.
وبالإضافة إلى القضية الفلسطينية قال تبون المرشح الأبرز في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، “إن الجزائر متمسكة أيضًا بدعم قضية الصحراء الغربية، بوصفها هي الأخرى قضية مدرجة ضمن قائمة قضايا تصفية الاستعمار”، على حد تعبيره.
وقالت صحيفة “الخبر” الجزائرية إن تبون يولي أيضًا اهتمامًا بالغًا بالأزمات الإقليمية، خاصة في منطقة الساحل، وذلك “تماشيًا مع مواقف الجزائر التاريخية التي لطالما سعت للوساطة والدفع نحو حل الأزمات بطريقة دبلوماسية بعيدة عن لغة السلاح”.
بينما اعتبر المرشح حساني شريف، أن الانتخابات الرئاسية في الجزائر، “محطة هامة ومصيرية في تاريخ الجزائر لوجود مخططات تستهدف استقرار الشعوب العربية وتفكيك الأمة الإسلامية والاستيلاء على الثروات القومية”.
وأبرز حساني شريف أن العلاقات مع الدول ستكون مبنية على مبدأ علاقة رابح رابح في حال انتخابه رئيسًا للجمهورية، معتبرا أنه “إن كانت هنالك مصالح مشتركة بين بلدين فستكون هناك علاقات قوية ومتنامية ومتطورة”.
كما يتضمن برنامج مرشح جبهة القوى الاشتراكية في الانتخابات الرئاسية في الجزائر، يوسف أوشيش، اعتماد سياسة دبلوماسية هجومية ولعب دور أكبر كوسيط لحل النزاعات الجهوية والإقليمية، مع تقوية ودعم مناطق التأثير الجزائرية في إفريقيا.
وتحدث أيضًا عن العمل على إعادة تقييم علاقات الجزائر مع جميع شركائها على أساس المصلحة الوطنية والمعاملة بالمثل والاحترام المتبادل وتقوية العلاقات مع الشركاء الجدد في إفريقيا، كما ركز أيضًا على مواصلة دعم القضية الفلسطينية.
وعود مرشحي الانتخابات الرئاسية في الجزائر
أجمع المرشحون في الانتخابات الرئاسية في الجزائر خلال حملتهم الانتخابية المستمرة على مواصلة الدعم الاجتماعي وتحسين أوضاعهم الاقتصادية مع إيلاء عناية خاصة بالشباب الذين يمثلون غالبية الشعب الجزائري.
عبد المجيد تبون قال في اليوم الأول من الحملة الانتخابية إنه يلتزم بمواصلة “الإنجازات المحققة اقتصاديا وماليًا وكذا السياسة الداعمة للشباب والحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة ومواصلة إنجاز المشاريع السكنية بمختلف الصيغ”.
كما وعد تبون، بأنه في حال فوزه في الانتخابات سيواصل سياسات الدعم الاجتماعي والتكفل بالفئات المحدودة الدخل، وتحسين القدرة الشرائية للمواطن، والتزم بمزيد من خفض الضرائب ورفع الأجور التي يعتزم أن تبلغ نسبة زيادتها 100% في أفق سنة 2027، إلى جانب رفع منح التقاعد.
من جهته، قال يوسف أوشيش إنه عازم على تكريس دولة قوية بمؤسساتها، وأوضح أنه من ضمن أولويات برنامجه الانتخابي” بناء دولة قوية وتعزيز علاقة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، فضلًا عن تحقيق الرخاء الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والإشعاع الثقافي”.
بينما أكد حساني الشريف، أنه يلتزم في برنامجه بالعمل على “تحقيق فرص جديدة للتقدم والازدهار من خلال تثبيت دور مدرسة الوسطية والاعتدال ومواصلة النضال من أجل تجسيد التحول الديمقراطي، مع بعث الأمل والتفاؤل لدى الجزائريين والشباب خصوصًا”.
كما يهدف برنامج المرشح في الانتخابات الرئاسية في الجزائر إلى الارتقاء بالبلاد خلال السنوات القادمة لتكون دولة محورية من خلال إصلاح النظام السياسي وتكريس الحقوق والحريات وتأكيد عناصر الهوية الوطنية مع وضع رؤية تنموية شاملة ومستدامة”.
رهان المشاركة ونزاهة الانتخابات
بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في الجزائر عام 2019 التي فاز بها عبد المجيد تبون 39.93% من مجموع الناخبين المسجلين في القوائم الانتخابية، وهي أدنى نسبة على الإطلاق تسجل في انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ البلاد، بحسب ما أعلنته السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في الجزائر.
وتراوحت معدلات المشاركة في الانتخابات الرئاسية في الجزائر حتى الآن بين 50.7% في 2014 (انتخابات العهدة الرابعة لبوتفليقة)، و75.68% في 1995 حين شهدت البلاد أول انتخابات رئاسية تعددية فاز فيها يومها من الدورة الأولى الجنرال اليمين زروال.
الخوف من عزوف الناخبين عن الانتخابات الرئاسية في الجزائر، دفع مرشح حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني شريف، للتأكيد على أن الانتخابات الرئاسية المقبلة تشكل “استحقاقًا وطنيًا مفصليًا”.
كما دعا شريف إلى “ضرورة تعزيز التماسك الوطني”، وأضاف المرشح الرئاسي أن المشاركة القوية في هذه الرئاسيات تشكل “تأكيدًا على الديمقراطية والتعددية التي تعيشها البلاد”.
وفي رسالة وجهها إلى الهيئة الوطنية المسؤولة عن تنظيم الانتخابات، اشتكى أحمد الصادق، مدير حملة مرشح عبد العالي حساني شريف، من “التحيز الإعلامي” ، حسبما نقلت صحيفة “الوطن” الجزائرية.
ما دفع الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات لإصدار بيان صحفي ذكرت من خلاله بالقواعد والمبادئ التي يجب على وسائل الإعلام احترامها، خاصة فيما يتعلق بتغطية المرشحين المعينين.
لكن أحمد الصادق رد قائلًا: “يجب ترجمة بنود هذا الإعلان الجديد على أرض الواقع، من خلال المراقبة اليومية لوسائل الإعلام والتدخل في حالة حدوث تجاوزات محتملة”، وفق ما جاء في تقرير لموقع “courrier international” الفرنسي.