نقلت مجلة “بوليتيكو” الأمريكية عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين قولهم، إن مقترح الاتفاق الهادف إلى وقف إطلاق النار في غزة وعقد صفقة لتبادل الأسرى بين الاحتلال وفصائل المقاومة “على وشك الانهيار، ولا يوجد اتفاق بديل واضح يمكن طرحه ليحل محله”. وشكّك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء 20 أغسطس/آب 2024، بإمكانية التوصل إلى صفقة “تبادل أسرى” مع حركة حماس، مؤكداً تمسكه ببقاء جيشه في محور “فيلادلفيا” وممر “نتساريم” بقطاع غزة٬ وهو ما يعني إفشال المقترح الذي كان قد طرحه الوسطاء منذ مدة ورفض نتنياهو التعاطي معه.
واتهمت مصادر بفريق التفاوض الإسرائيلي نتنياهو مساء الثلاثاء بمحاولة “نسف المفاوضات” وعرقلة التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى مع حركة “حماس”، فيما رفض مسؤول كبير في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تصريحات نتنياهو الأخيرة واصفًا إياها بأنها “متطرفة”٬ بحسب هيئة البث الإسرائيلية.
ويسعى نتنياهو إلى صفقة تبادل أسرى ووقف مؤقت لإطلاق النار في غزة لكن دون الانسحاب من مناطق معينة في القطاع، أو الدفع إلى إفشال المفاوضات ولكن دون تحمل مسؤولية ذلك، وهو ما تساعده واشنطن على تحقيقه بتوجيه اللوم لحركة حماس في إفشال التقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة.
أمريكا تغير العرض ليرضي إسرائيل وحماس ترد على مزاعم بايدن
وتقول مجلة “بوليتيكو” إن المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس، تجري على أساس “مقترح إسرائيلي” أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن في 31 مايو الماضي، ينص على 3 مراحل تشمل وقفا لإطلاق النار، وانسحابا للقوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة في غزة، وإدخال مساعدات، وإطلاق سراح سجناء فلسطينيين من السجون الإسرائيلية مقابل الرهائن الإسرائيليين في غزة.
والأسبوع الماضي، أعلنت الولايات المتحدة عن مقترح يهدف إلى “تضييق الفجوات”٬ لكن حماس قالت إنها لن تقبل هذا المقترح لأنه “يقترب بشدة من المواقف الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو” الذي يرفض الانسحاب من غزة وسيشن هجمات على القطاع وقتما أراد.
وقال المسؤولون لـ”بوليتيكو”، إن هذا الأمر “أثار قلق المسؤولين الأميركيين بشكل متزايد، من أن الاقتراح سيتعثر” كما حدث مع المقترحات السابقة، في ظل الخلاف وعدم وجود مسار واضح لإنهاء القتال أو إعادة الأسرى إلى ديارهم.
والثلاثاء، زعم بايدن أن حركة حماس “تتراجع” عن خطة الاتفاق المطروحة، مضيفا أن التسوية “ما زالت مطروحة، لكن لا يمكن التكهّن بأي شيء”. وأشار إلى “إسرائيل تقول إن بإمكانها التوصل إلى نتيجة… وحماس تتراجع الآن”.
لكن حركة حماس قالت إن تصريحات بايدن بشأن تراجع الحركة عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة هي ادعاءات مضللة لا تعكس الحقيقة. وأكدت الحركة حرصها على الوصول إلى وقف العدوان. وأضافت الحركة في بيان لها أن تصريحات بايدن وبلينكن تأتي في إطار الانحياز الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي والشراكة في العدوان وحرب الإبادة على المدنيين في غزة.
وأشارت إلى أن ما عُرض عليها مؤخرًا بشأن صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة يشكل “انقلابًا” على ما وصلت إليه الأطراف في 2 يوليو الماضي، مضيفة أنه يعد “استجابة ورضوخًا أمريكيًا لشروط الإرهابي نتنياهو الجديدة ومخططاته الإجرامية تجاه القطاع”. كما أكدت الحركة التزامها مجددًا بما تم التوافق عليه مع الوسطاء في 2 يوليو/تموز 2024 وهو مبني على إعلان بايدن وقرار مجلس الأمن. ودعت حماس الوسطاء لتحمل مسؤولياتهم وإلزام الاحتلال بقبوله.
عائلات الأسرى الإسرائيليين تؤكد أن نتنياهو يسعى لإفشال الصفقة
وهاجمت رابطة أهالي “الأسرى والمحررين” الإسرائيلية مساء الثلاثاء رئيس نتنياهو، وانتقدت سلوكه فيما يتعلق بالمماطلة في مفاوضات الصفقة مع حماس. وفي بيان صادر عن عنها نشرته صحيفة “هآرتس“٬ قال أهالي الأسرى الإسرائيليين إن “المسؤولية الكاملة والمباشرة عن مصير المفاوضات تقع على عاتق رئيس الوزراء نتنياهو. ومحاولاته المتواصلة لإلقاء اللوم على فرق التفاوض والوسطاء والصحافة وعائلات الرهائن وحتى الرهائن أنفسهم، هي محاولات لخداع الرأي العام والعالم أجمع”.
وجاء في البيان “إن رئيس الوزراء نتنياهو هو صاحب السلطة، وبالتالي فهو المسؤول. وإذا كان ناجحاً في إدارة المفاوضات، كما يصف نفسه، فعليه أن يطير بنفسه ويتحرك لإعادة الرهائن الذين تم التخلي عنهم في عهده وعلى مدى عشرة أشهر منذ ذلك الحين”.
ونقلت والدة أحد الأسرى الإسرائيليين، عن رئيس الموساد دافيد برنياع، قوله إنه لا يوجد إمكانية للتوصل إلى اتفاق في ظل حكومة نتنياهو المتطرفة الحالية، وفق ما أورد إعلام عبري.
وقالت عيناف تسانغاوكر والدة الجندي ماتان: “أخبرني رئيس الموساد أنه في ظل التركيبة السياسية الحالية للحكومة لن يكون الاتفاق ممكنًا”، بحسب صحيفة “يسرائيل اليوم”.
الصحيفة ذكرت أن تسانغاوكر كانت تتحدث أمام لجنة تحقيق مدنية غير حكومية في أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. حيث قالت: “أريد أن أكشف لهذه اللجنة، عندما جلست مع رئيس الموساد دافيد برنياع، وحصلت على مؤشرات عن مراحل المفاوضات التي ستذهب إليها دولة إسرائيل، بالطبع تحت إشراف رئيس الوزراء”.
وأضافت: “في نهاية المحادثة قال لي رئيس الموساد وأنا أقتبس: عيناف يا عزيزتي، لسوء الحظ، في التشكيلة السياسية الحالية، لن يكون ممكنًا التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الرهائن”.
وكان وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش أكدا مرارًا رفضهما الاتفاق لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة، وهددا بالانسحاب من الحكومة في حال التوصل لاتفاق.
“نتنياهو يخدع الجميع”.. مفاوضات الفرصة الأخيرة تنهار
في المؤتمر الديمقراطي في شيكاغو يوم الاثنين الماضي، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن “إن المحتجين على حق، يجب أن تنتهي الحرب”. وخلال زيارته إسرائيل، قال وزير خارجيته أنتوني بلينكن إن هذه قد تكون “الفرصة الأخيرة” للتوصل إلى اتفاق وأن هذه “لحظات حاسمة ويجب على الجميع التوقف عن البحث عن أعذار لقول لا”.
لكن يقول الكاتب في صحيفة هآرتس ألون بينكاس إن الأميركيين يضغطون من أجل التوصل إلى اتفاق بإلحاح جديد، في محاولة لتجنب اندلاع حرب إقليمية قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني. ولكن فشل الصفقة الآن الوصول إلى طريق مسدود فيها سوف يكشف ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام أدوات النفوذ التي اختارت عدم استخدامها خلال الأشهر العشرة الماضية على نتنياهو.
ويقول بينكاس إن نتنياهو يخدع الجميع مجدداً٬ فبعد لقاء بلينكن لنتنياهو، ذهب إلى حد القول إن إسرائيل وافقت على الاقتراح الأميركي لجسر الهوة، ودعا حماس إلى القيام بالمثل. ومع ذلك، صرحت عائلات الجنود الذين قتلوا في الحرب إن نتنياهو أخبرهم بأنه “ليس متأكداً من إمكانية التوصل إلى اتفاق”.
ولكن الاقتباس الأكثر دلالة جاء من إيناف زانجاكر، والدة الأسير ماتان زانجاكر، والتي كشفت أنه في اجتماع عقد مؤخرًا مع رئيس الموساد ديفيد برنيا أخبرها أنه “في ظل الطبقة السياسية الحالية، فإن صفقة الرهائن غير ممكنة على الإطلاق”. وعلى الرغم من النفي السريع من مكتب رئيس الوزراء٬ فمن المعروف أن برنيا لم يعبر عن رأيه الحقيقي فحسب، بل إن هذا الرأي يعكس أيضًا التفكير السائد لدى جميع المفاوضين الإسرائيليين بشأن الرهائن، الذين يعتقدون أن نتنياهو بذل منذ أشهر كل ما في وسعه لتقويض الصفقة. يمكن للموساد (أو مكتب رئيس الوزراء) أن ينكر كل ما يريد، ولكن الولايات المتحدة تعلم أن هذا هو موقف برنيا.
الحرب الإقليمية
يقول الكاتب الإسرائيلي بينكاس إن كل ما يستطيع نتنياهو أن يقدمه لبلنكين هو “إجابة إيجابية مشروطة ومؤقتة باللغة الإنجليزية، ثم يضيف بعد ذلك شروطاً وتوضيحات باللغة العبرية من شأنها أن تجعل النص الإنجليزي باطلا ولاغياً”. وعلى أية حال، فهو مطالب بتقديم صفقة، حتى لو كانت أولية، إلى مجلس الوزراء للتصويت عليها. لذا فإن كل ما قاله لبلينكن كان مشروطا بذلك. وثانيا، فإن الرد الإيجابي المزعوم من نتنياهو لا يعني شيئا فيما يتصل بمدى إمكانية تطبيق الخطة عملياً.
بالتالي٬ قد يجد بلينكن نفسه على متن الطائرة عائداً إلى واشنطن وقد أدرك أن الولايات المتحدة خُدِعَت مرة أخرى، حيث وافق نتنياهو على صفقة يعلم يقيناً أن حماس لا تستطيع قبولها.
لذلك يقول الكاتب إن إسرائيل التي يحكمها نتنياهو لا تريد التوصل إلى اتفاق، بل إنها تفضل إطالة أمد الحرب حتى ولو أدى ذلك إلى اندلاع حرب إقليمية. وهذا يعيدنا إلى المعضلة الأميركية٬ فقول الأمريكيين “لقد بذلنا قصارى جهدنا ولكن كان ذلك مستحيلاً” لا معنى له. فأميركا لديها أدوات القوة والنفوذ والضغط التي اختارت عدم استخدامها في الأشهر العشرة الماضية على نتنياهو٬ وسوف تشير الأيام القليلة المقبلة إلى ما إذا كانت مستعدة الآن لاستخدامها٬ لإنه لا أحد في إدارة بايدن يريد استمرار هذه الحرب وتفاقم الأزمة بحلول نوفمبر/تشرين الثاني (موعد الانتخابات).
من جهته٬ قال الخبير العسكري والإستراتيجي فايز الدويري عبر منصة “إكس”٬
إن المفاوضات الحالية ستنتهي إلى طريق مسدود وحتمية الفشل٬ والمكتوب يقرأ من عنوانه، حيث لا يزال نتنياهو يصر على البقاء في ممري نتساريم وفيلادلفيا ويتحكم بعودة اللاجئين إلى الشمال وإبعاد العديد ممن سيتم الإفراج عنهم من الأسرى إلى خارج فلسطين.
ويرى الدويري أن نتنياهو يعزز موقفه المتشدد باليمين المتطرف والدعم الأمريكي المستمر على كافة الصعد بالتماهي مع طلباته ومحاولة تبريرها وتقديم تصريحات منمقة كاذبة لتلقي باللوم في حال الفشل -وهو مؤكد- على حماس٬ كما يدعم تشدده الموقف العربي الواهن العاجز عن دعم المقاومة٬ وحتى رغبة البعض باستمرار القتال حتى القضاء على حماس.
ويقول الكاتب٬ “يضاف إلى ذلك تأخر الرد الإيراني والمقاومة في لبنان على الاغتيالات التي نفذها الكيان٬ وسعي نتنياهو إلى توسيع دائرة الصراع إلى حرب إقليمية، لذلك علينا أن ننتظر حتى مغادرة بلينكن المنطقة وبعدها نرى الرد الموعود٬ فإن حدث -وهو الاحتمال الأرجح- سيُعاد خلط الأوراق لصالح غزة، وإن لم يحدث فعلى غزة أن تستمر في قلع الشوك بيدها كما تفعل منذ الـ7 من أكتوبر”.