اتهمت مصادر بفريق التفاوض الإسرائيلي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مساء الثلاثاء 20 أغسطس/ آب 2024، بمحاولة “نسف المفاوضات” وعرقلة التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى مع حركة “حماس”، فيما رفض مسؤول كبير في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تصريحات نتنياهو الأخيرة واصفًا إياها بأنها “متطرفة”.
والثلاثاء، جدد نتنياهو شروطه لإتمام صفقة مع حماس مؤكدًا أن “إسرائيل لن تغادر ممري فيلادلفيا (شريط حدودي فاصل بين غزة ومصر) ونتساريم (يفصل بين شمال وجنوب القطاع)”.
ويسعى نتنياهو إلى صفقة تبادل أسرى ووقف مؤقت لإطلاق النار في غزة دون الانسحاب من مناطق معينة في القطاع، أو الدفع إلى إفشال المفاوضات ولكن دون تحمل مسؤولية ذلك، وهو ما تساعده واشنطن على تحقيقه بتوجيه اللوم لحركة حماس في إفشال التقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة.
غضب بين المفاوضين
ووفق ما نقلته هيئة الإذاعة العبرية الرسمية مساء الثلاثاء، فإن مصادر بفريق التفاوض الإسرائيلي قالت إن “تصريحات نتنياهو هذه تهدف إلى نسف المفاوضات”.
وأضافت: “رئيس الوزراء يعلم أننا في فترة حاسمة؛ حيث نعمل على إيجاد حلول لمحور فيلادلفيا (شريط حدودي فاصل بين غزة ومصر) وممر نتساريم (الذي أقامه الجيش الإسرائيلي قرب مدينة غزة ويفصل شمال القطاع عن جنوبه)، وسنطرح الأمر قبل الاجتماع المقبل” مع الوسطاء في القاهرة، الذي لم يتحدد موعده بعد.
وتابعت المصادر: “نتنياهو يعلم أن هناك تقدمًا (بالمفاوضات)، لكنه يطلق تصريحات مخالفة لما تم الاتفاق عليه مع الوسطاء”.
فيما نفت الولايات المتحدة تقريرًا نُقل عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قوله إنه ربما أقنع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بضرورة بقاء قوات إسرائيلية على شريط حدودي بين غزة ومصر.
وكتب صحفي من موقع أكسيوس على منصة إكس أن نتنياهو قال أمام حشد إن إسرائيل لن تسحب قواتها من محور فيلادلفيا (صلاح الدين) بين غزة ومصر لما له من أهمية عسكرية استراتيجية، وأخبر بلينكن بذلك خلال اجتماع في إسرائيل يوم الاثنين.
ونقل الصحفي عن نتنياهو قوله إنه ربما تمكن من إقناع بلينكن بهذا الأمر.
فيما قال مسؤول كبير في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للصحفيين في الطريق إلى الدوحة: “الشيء الوحيد الذي اقتنع به الوزير بلينكن والولايات المتحدة هو الحاجة إلى الوصول بمقترح وقف إطلاق النار إلى خط النهاية”.
وتابع: “مثل هذه التصريحات المتطرفة ليست بناءة لإتمام اتفاق لوقف إطلاق النار”.
وقال نتنياهو لعائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة، الثلاثاء: “إسرائيل لن تغادر ممري فيلادلفيا (شريط حدودي فاصل بين غزة ومصر) ونتساريم (يفصل بين شمال وجنوب القطاع)، بغض النظر عن الضغوط التي قد تتعرض لها، فهذه أصول عسكرية وسياسية استراتيجية، لقد قلت هذا لبلينكن. ربما أقنعته”.
ويعد تجديد نتنياهو تمسكه بهذه الشروط التي سبق ورفضتها حركة حماس ولم يقبل بها الوسطاء وحذر منها مسؤولون إسرائيليون، عقبة من شأنها أن تفشل مسار المحادثات الحالية.
ولأكثر من مرة، اتهم أهالي الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة والمعارضة، نتنياهو بأن سياسته تعرقل وتفشل الجهود الرامية إلى التوصل إلى صفقة تبادل.
وفي 15 و16 أغسطس/ آب، عقد الوسطاء الثلاثة: مصر، وقطر، والولايات المتحدة مفاوضات للتوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة وصفقة تبادل، بمشاركة إسرائيل ورفض مشاركة حماس، فيما تم الإعلان لاحقًا أن المفاوضات ستتواصل الأسبوع المقبل في العاصمة المصرية القاهرة.
الجمعة، أعلن الوسطاء الثلاثة في بيان مشترك، أن واشنطن قدمت مقترحًا جديدًا لتقليص الفجوات بين إسرائيل وحركة حماس.
ولم يقدم البيان أي تفاصيل بشأن بنود الاقتراح الأمريكي الجديد، لكنه أوضح أنه “يتوافق مع المبادئ التي وضعها الرئيس جو بايدن في 31 مايو/ أيار 2024″، وهو ما نفته حركة “حماس”.
وقالت الحركة في بيان الأحد، إن “نتنياهو وضع شروطًا جديدة في المقترح الذي جرى التفاوض حول بنوده في الدوحة”.
وتابعت: “المقترح الجديد يستجيب لشروط نتنياهو ويتماهى معها، وخاصة رفضه لوقف دائم لإطلاق النار، والانسحاب الشامل من قطاع غزة، وإصراره على مواصلة احتلال مفترق نتساريم ومعبر رفح وممر فيلادلفيا (جنوب)”.
واستكملت: “كما وضع نتنياهو شروطًا جديدة في ملف تبادل الأسرى، وتراجع عن بنود أخرى؛ ما يحول دون إنجاز صفقة التبادل”، حسب البيان.
الحركة التي رفضت المشاركة في مباحثات الدوحة، طالبت قبل وبعد عقدها بـ”إلزام إسرائيل ببنود إطار اتفاق وقف إطلاق النار المقدم في 2 يوليو/ تموز الماضي”، والذي يستند إلى مقترح عرضه الرئيس بايدن في مايو/ أيار الماضي.
وهذه البنود التي تتمسك بها حماس، تحقق وقفًا شاملًا للعدوان على غزة وانسحابًا كاملًا للاحتلال من القطاع وكسرًا للحصار وفتحًا للمعابر، وإعادة إعمار وتحقيق صفقة جادة لتبادل الأسرى. وهو ما قابلته إسرائيل بالرفض واستمرار المجازر ووضع شروط جديدة تتعلق بالبقاء في ممر نيتساريم ومحور فيلادلفيا.
فجوة محوري “فيلادلفيا ونتساريم”
وواجه نتنياهو -وما زال- انتقادات “حادة” من مسؤولين إسرائيليين ومعارضين وأهالي الأسرى في غزة لتمسكه بمحور “فيلادلفيا” ونتساريم، الذي قال محللون إسرائيليون إنه “ينسف احتمالية الوصول لصفقة”.
وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” قد نقلت، الثلاثاء، عن مصدر إسرائيلي مطلع على تفاصيل المحادثات (لم تسمه)، قوله إن “قصة محور فيلادلفيا لا تزال مفتوحة، ولا يوجد تفاهمات بشأنها، ونتنياهو ليس مستعدًا للتخلي عن موقفه في هذا الشأن”.
وأكد المصدر الإسرائيلي أن “الفجوة تكمن في أن إسرائيل مستعدة لإبقاء قوات هناك (في محور فيلادلفيا)، لكن المصريين والفلسطينيين يصرون على الانسحاب الكامل (للجيش الإسرائيلي)”.
فيما نقل إعلام مصري مساء الاثنين، عن مصدر رفيع المستوى (لم يذكر اسمه) تمسك القاهرة بانسحاب إسرائيلي “كامل” من محور فيلادلفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح جنوب قطاع غزة اللذين احتلتهما إسرائيل في مايو/ أيار الماضي.
كما وجه زعيم المعارضة يائير لابيد، اتهامًا لنتنياهو بـ”المماطلة وتخريب المفاوضات”، عقب تصريحات أكد فيها تمسكه بفيلادلفيا.
تحميل “حماس” المسؤولية
وحملت تصريحات بلينكن وبايدن التي عبرت عن تفاؤلها من الموقف الإسرائيلي، حركة “حماس”، المسؤولية عن التراجع عن الصفقة في وقت تؤكد فيه الأخيرة تمسكها بإطار 2 يوليو المستند لمقترح بايدن.
وقال بلينكن في مؤتمر بتل أبيب مساء الاثنين: “في مايو الماضي، طرح الرئيس بايدن أمام العالم اتفاقًا مقترحًا مفصلاً بشأن وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، واحتشد العالم بأسره خلفه. وخرجت دولة تلو الأخرى تعلن دعم ذلك الاتفاق، وصوّت مجلس الأمن الدولي بأغلبية 14 صوتًا مقابل لا شيء لدعم الاتفاق، وتم إدراج جوهره في قرار لمجلس الأمن الدولي”.
وأضاف: “وفي الأسبوع الماضي، طرح الرئيس مقترحًا مع قطر ومصر لمحاولة سدّ الفجوات التي لا تزال قائمة بين الطرفين حتى نتمكن من التوصل إلى اتفاق على ما طرحه الرئيس قبل شهرين”.
وتابع بلينكن: “وفي اجتماع بنّاء للغاية مع رئيس الوزراء نتنياهو اليوم، أكد لي أن إسرائيل تقبل مقترح سدّ الفجوات، وأنه يدعمه، والآن يتعين على حماس أن تفعل الشيء نفسه”.
وأردف: “وبعد ذلك يتعين على الطرفين، بمساعدة الوسطاء أن يجتمعا ويستكملا عملية التوصل إلى تفاهمات واضحة حول كيفية تنفيذ الالتزامات التي تعهدا بها بموجب هذا الاتفاق”.
واستكمل قائلا: “لكن الخطوة المهمة التالية هي أن توافق حماس على الاتفاق، ثم، في الأيام المقبلة، يجب أن يجتمع جميع المفاوضين الخبراء للعمل على تفاهمات واضحة بشأن تنفيذ الاتفاق”.
أما الرئيس الأمريكي جو بايدن فقال للصحفيين في شيكاغو، الاثنين: “تقول إسرائيل إنها قادرة على التعامل معه (الاتفاق)… لكن حماس تتراجع الآن”.
وردًا على ذلك، اعتبرت حماس في بيان لها، الثلاثاء، تصريحات بايدن “ادعاءات مضللة” لا تعكس حقيقة موقفها الحريص على التوصل إلى وقف للحرب على القطاع.
وقالت الحركة إن هذه التصريحات “تأتي في إطار الانحياز الأمريكي الكامل للاحتلال الصهيوني، والشراكة الكاملة في العدوان وحرب الإبادة على المدنيين العزل في قطاع غزة”.
وتابعت: “تلك التصريحات تعد ضوءًا أخضر أمريكيًا متجدّدًا، لحكومة المتطرفين الصهاينة، لارتكاب المزيد من الجرائم بحقّ المدنيين العزّل، وسعياً وراء أهداف إبادة وتهجير الشعب الفلسطيني”.
ووصفت ما تم عرضه مؤخرا على الحركة بـ”الانقلاب” على ما وصلت إليه الأطراف في الثاني من يوليو.
ضغوط متعارضة
يتعرض نتنياهو لابتزاز من وزراء في حكومته يهددون بالانسحاب في حال تم التوصل لصفقة، في الوقت الذي تمارس فيه عائلات الأسرى بغزة والمعارضة الإسرائيلية، ضغوطًا للدفع بالقبول بصفقة تفرج عن ذويهم.
وقالت عائلات الأسرى الإسرائيليين في منشور على منصة “إكس”، الثلاثاء: “يقع على عاتق دولة إسرائيل التزام أخلاقي بإعادة جميع القتلى إلى دفن كريم وإعادة جميع المختطفين الأحياء إلى إعادة تأهيلهم”.
وأضافت: “لن تكون العودة الفورية لجميع المختطفين البالغ عددهم 109 ممكنة إلا من خلال التوصل إلى اتفاق! ويجب على الحكومة الإسرائيلية، بمساعدة الوسطاء، أن تفعل كل شيء من أجل التوقيع على الصفقة المطروحة الآن على الطاولة”.
بدوره، قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد في منشور على منصة إكس: “تمر الأيام ونفقد المزيد والمزيد من الرهائن، علينا أن نعقد صفقة، يجب أن يتم ذلك الآن”.
وجدد لابيد استعداده لـ”تقديم شبكة أمان للحكومة”، قائلا: “مستعدون لتقديم شبكة أمان للحكومة حتى تتم صفقة عودة المختطفين، ورغم الصعوبة السياسية يجب إعادتهم إلى ديارهم. الآن”.
يأتي ذلك في وقت يتعرض نتنياهو لضغوط من وزير الأمن القومي وزعيم حزب “القوة اليهودية” اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، وزير المالية وزعيم حزب “الصهيونية الدينية” اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، اللذين يهددانه بالانسحاب من الحكومة في حال التوصل لاتفاق جديد.
ويقول المحللون الإسرائيليون إن نتنياهو يخشى من أن تنفيذ بن غفير وسموتريتش لتهديداتهما سيؤدي لسقوط حكومته في وقت يعتبر فيه مستقبله السياسي أولوية.
وبدعم أمريكي تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول حربًا مدمرة على غزة خلفت أكثر من 133 ألف قتيل وجريح فلسطينيين