من أقصى يمين سياسة الاحتلال الإسرائيلي وأكثر نسخها تطرفاً، دعا وزير المالية الإسرائيلية
بتسلئيل سموتريتش
منذ سنوات إلى ضم الضفة الغربية لإسرائيل وطرد سكانها٬ والآن، بصفته وزيراً في قلب الحكومة التي تخوض حرباً مع غزة، يستخدم سموتريتش أدوات مختلفة لتوجيه الأراضي المحتلة بهدوء في هذا الاتجاه بأي ثمن كان٬ حيث يقضي على أي فكرة تتعلق بإقامة دولة فلسطينية.
“هذا هو هدف حياتي”.. كيف يعيد سموتريتش تشكيل الضفة الغربية بهدوء؟
يقول تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية التي تناولت مشروع سموتريتش الاستيطاني الإحلالي بالضفة الغربية٬ إنه احتفل هذا الأسبوع بإنجازه الأحدث: إنشاء حدود بلدية لبناء مستوطنة يهودية جديدة من شأنها أن تربط كتلة استيطانية كبرى في الضفة الغربية بمدينة القدس المحتلة. ومن المقرر بناء المستوطنة الجديدة، التي تحمل اسم “ناحال هيليتز”، داخل أراضٍ عربية مدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 2014.
وتأتي هذه الخطوة في إطار استراتيجية ينتهجها المستوطنون الإسرائيليون لفصل البلدات الفلسطينية في الضفة الغربية عن القدس٬ مما يقضي على إمكانية أن تصبح القدس الشرقية ذات يوم عاصمة لدولة فلسطينية وإن كانت على شكل جزر معزولة بسبب الاستيطان الذي انتشر في كل مكان.
وقال سموتريتش يوم الأربعاء، احتفالاً بقرار المكاتب الخاضعة لسيطرته بالمضي قدماً في بناء المستوطنة الجديدة: “سنواصل محاربة الفكرة الخطيرة المتمثلة في إقامة دولة فلسطينية وخلق حقائق جديدة على الأرض. هذا هو هدف حياتي، وإن شاء الله سأستمر في تحقيقه بقدر ما أستطيع”٬ على حد وصفه.
ووصل سموتريتش إلى السلطة في أواخر عام 2022 عندما ساعد حزبه الصهيوني الديني اليميني المتطرف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الفوز بأغلبية برلمانية ضئيلة. وباستخدام نفوذه الجديد للفوز بمنصبين مزدوجين كوزير للمالية ووزير “الإدارة المدنية بوزارة الدفاع”، اكتسب سموتريتش نفوذاً على السياسة والأمن بالضفة الغربية، وهو ينشر نفوذه بسرعة لإعادة تشكيل الضفة بالكامل.
ومنذ توليه منصبه، تقول منظمات مراقبة فلسطينية وإسرائيلية يسارية٬ إن عمليات الاستيلاء على الأراضي وتصاريح البناء والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية تضاعفت. كما ارتفعت عمليات هدم المنازل الفلسطينية أيضاً وطرد سكانها٬ بالإضافة إلى مهاجمة القرى الفلسطينية وتدمير الممتلكات فيها من قبل مجموعات المستوطنين المسلحين.
وبصفته وزيراً للمالية، وجه سموتريتش مئات الملايين من أموال دافعي الضرائب نحو “تحسين البنية الأساسية” في الضفة لصالح المستوطنين وهذا يستدعي الاستيلاء على العديد من الأراضي. وفي وزارة الدفاع الإسرائيلية، استبدل المؤسسات العسكرية التي أشرفت لفترة طويلة على احتلال إسرائيل بمؤسسات “مدنية” مجهزة للتعامل مع أمور مثل المياه وبناء الطرق وتصاريح البناء في الضفة٬ والتي تقع جميعها تحت يد سموتريتش.
سموتريتش يريد تغيير “الحمض النووي” للضفة الغربية للأبد
يقول سموتريتش عن خططه في الضفة الغربية، وفقًا لتسجيل صوتي نشره ناشطون إسرائيليون مناهضون للاستيطان في يونيو/حزيران وتحققت منه صحيفة “وول ستريت جورنال”: “إن هدفي هو تغيير الحمض النووي للوضع هنا لسنوات طويلة”. وقال إن “الهدف النهائي هو تشديد السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية والقضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية٬ وتهميش الاهتمام الدولي بذلك (الدولة)”.
وتقول الصحيفة الأمريكية إن التغييرات التي يجريها سموتريتش على الضفة الغربية
قد تضع الأساس للسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية في كل شيء ما عدا الاسم
، وهي تغييرات راسخة في السياسة الحكومية لدى ائتلاف نتنياهو لدرجة “يصعب على معظم الناس فهمها”. وقال يوحنان بليسنر، عضو البرلمان الإسرائيلي السابق عن تيار الوسط ورئيس معهد الديمقراطية الإسرائيلي في القدس: “إنها بيروقراطية للغاية وتنظيمية ومفصلة للغاية بالنسبة لعامة الناس”.
وفي يونيو/حزيران، وبناء على طلب سموتريتش، وافقت الحكومة الإسرائيلية على بناء مستوطنة نحال هيليتز وأربع مستوطنات أخرى. وفي إطار ما يبدو أنه صفقة تبادل، وافق سموتريتش أيضاً على رفع التجميد عن عائدات الضرائب التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية، التي تحكم أغلب الفلسطينيين في الضفة الغربية، والتي تم احتجازها بعد هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
لسنوات، أكدت إسرائيل أن سيطرتها على الضفة الغربية هي احتلال عسكري “مؤقت” يديره الجيش، وليس ضماً دائماً تحت سيطرة مدنية. وقالت إسرائيل إن الوضع النهائي للمنطقة سيكون جزءًا من تسوية تفاوضية مع الفلسطينيين.
لكن سموتريتش أشرف على إنشاء هيئة مدنية تسمى “إدارة المستوطنات”، وتتمتع بسلطة واسعة النطاق على القضايا المدنية، بما في ذلك الاستيلاء على أراضي الضفة الغربية، والموافقة على توسيع المستوطنات وإصدار تصاريح البناء.
مهدت هذه التغييرات الجديدة الطريق لتخصيص ما يقرب من 6000 فدان تم الاستيلاء عليها في الضفة الغربية كأراضي دولة إسرائيل، تمهيدًا لإقامة مستوطنات مستقبلية في تلك المناطق. وقالت منظمة “السلام الآن” الإسرائيلية لمراقبة الاستيطان إنه حتى الآن هذا العام، تم الاستيلاء على المزيد من الأراضي مقارنة بكل العقود الثلاثة الماضية. وتم بناء آلاف الكيلومترات من الطرق، مما أدى إلى توسيع نطاقها في عمق المنطقة.
وفي عهد سموتريتش، خصصت ميزانية إسرائيل لعام 2024 نحو 960 مليون دولار، أو 25% من ميزانية وزارة النقل للبنية الأساسية للطرق، لتحسين شبكة الطرق في الضفة الغربية. ويوجد ما يقرب من 500 ألف مستوطن في الضفة الغربية، من بين ما يقرب من 10 ملايين مواطن إسرائيلي. وبالنسبة للمستوطنين الإسرائيليين، فإن كونهم تحت “السيطرة المدنية” مثل مواطنيهم داخل الحدود المستقرة لإسرائيل، يبسط كل شيء من الحصول على تصاريح البناء إلى توسيع الطرق. ولكن بالنسبة للفلسطينيين، فإن هذا يرسخ الحكم الإسرائيلي ويجعل حلم الدولة المستقبلية أقل احتمالا.
وقالت المستوطنة اليهودية نعومي خان إن وقت تنقلها اليومي إلى عملها انخفض بأكثر من ساعة بعد توسيع طريق قريب في نهاية عام 2023. قال يسرائيل جانز، رئيس مجلس يشع، وهي منظمة مظلة تمثل المستوطنات في الضفة الغربية، إن طريقا رئيسيا يقطع المستوطنات اليهودية شمال رام الله تم تركيب مصابيح الشوارع فيه لأول مرة هذا العام.
وتشكل هذه التغييرات إشارة مبكرة إلى تحسن نوعية الحياة في المستوطنات الإسرائيلية، وهو ما قد يجذب المزيد من الإسرائيليين المتدينين للانتقال إلى هناك ويزيد من تهميش الفلسطينيين.
دولة المستوطنين تُبنى على قدم وساق
يقول مؤيد شعبان، الوزير في السلطة الفلسطينية التي تدير جزءاً من الضفة الغربية، إن هذه التغييرات بمثابة ضم تدريجي للضفة. وأضاف لـ”وول ستريت جورنال” أن الهدف هو زيادة المساحة التي يسيطر عليها المستوطنون الإسرائيليون بالضفة، مع تقليص الأجزاء من الضفة الغربية التي يمكن للفلسطينيين الوصول إليها. ويتفق منتقدو سموتريتش ومعجبوه على أنه “بيروقراطي فعال بشكل غير عادي، إذ يجمع بين القوة السياسية والمعرفة العميقة بتفاصيل الحكم”.
ومنذ أوائل عام 2023، ارتفع العدد الإجمالي للبؤر الاستيطانية غير القانونية إلى حوالي 200، بزيادة قدرها 25٪ عن العام السابق، وفقاً لحجيت أوفران، التي تتابع نمو المستوطنات لصالح منظمة السلام الآن. وقالت المجموعة إنه في ذلك الوقت، بدأت الحكومة الإسرائيلية عملية الموافقة على 20 ألف منزل جديد في الضفة الغربية، مقارنة بـ 8000 في العامين من 2021 إلى 2022.
“نحن نبني أرضنا الطيبة ونمنع إقامة دولة فلسطينية”، هذا ما كتبه سموتريتش على موقع X في بداية شهر يوليو/تموز بعد الإعلان عن بناء 6000 منزل جديد في المنطقة. وتعتبر المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية غير قانونية في نظر المجتمع الدولي، على الرغم من أن إسرائيل تنكر ذلك وتضرب بالقوانين الدولية عرض الحائط كما يقول الفلسطينييون.
من هو سموتريتش؟
بدأ سموتريتش كشاب ناشط يميني متطرف أثناء الانسحاب الإسرائيلي من غزة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. واعتقلته هيئة الأمن الداخلي الإسرائيلية (شين بيت) في عام 2005 بعد أن عثر ضباط على 700 لتر من البنزين والزيت بحوزته مع نشطاء آخرين، وفقًا لدفير كاريف، عميل شين بيت السابق الذي احتجز سموتريتش. تم احتجازه لمدة ثلاثة أسابيع، لكن تم إطلاق سراحه دون توجيه اتهامات إليه. نفى مكتب سموتريتش أجزاء من هذه الرواية وقال إنه متهم فقط بإغلاق طريق وتنظيم مظاهرات غير قانونية.
قبل دخوله عالم السياسة، شارك سموتريتش في تأسيس منظمة “ريجافيم”، وهي منظمة مؤيدة للمستوطنين تتعقب وتهاجم البناء الفلسطيني في الضفة الغربية وجنوب إسرائيل. وقال محللون إن سموتريتش قدم التماسا تلو الآخر للضغط من أجل هدم المنازل والمنشآت الفلسطينية. وقد منحه ذلك أساسًا متينًا في الشبكة المعقدة من القانون العثماني والبريطاني والأردني والعسكري التي تدعم الضفة الغربية. وفي عام 2015، فاز بمقعد في الكنيست، البرلمان الإسرائيلي، وشغل بعد ذلك مناصب وزير النقل وعضو مجلس الوزراء الأمني رفيع المستوى.
وتعد ترقيته الأخيرة في الحكومة تظهر القوة السياسية المتنامية لليهود المتطرفين دينياً في إسرائيل، والذين ينظر العديد منهم إلى الأرض باعتبارها “وهبها الله للشعب اليهودي”. ورغم قلة عددهم نسبياً، فإنهم يمارسون الآن سلطة غير متناسبة من خلال تحالفهم مع نتنياهو.
وذكرت جماعات حقوق الإنسان أن هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية زادت منذ بداية الحرب. هاجم عشرات الإسرائيليين الملثمين قرية جيت الفلسطينية في الضفة الغربية مساء الخميس، وأحرقوا سيارات ومباني وألقوا زجاجات حارقة، بحسب الجيش الإسرائيلي وصور بثتها وسائل إعلام محلية. وأطلق المستوطنون النار على فلسطيني يبلغ من العمر 23 عامًا، ما أدى إلى استشهاده، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه اعتقل مدنيا إسرائيليا فيما يتعلق بالهجمات، وإنه يحقق في وفاة الفلسطيني المزعوم. وأدان بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت أعمال العنف. وقال غالانت: “أعمال الشغب العنيفة المتطرفة هي عكس كل القواعد والقيم التي تتمسك بها دولة إسرائيل”.
لقد أدى تصاعد عنف المستوطنين منذ السابع من أكتوبر إلى فرض عقوبات غير مسبوقة من قبل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ضد المستوطنين العنيفين والمنظمات اليمينية المتطرفة. وقد أدان سموتريتش ونتنياهو العقوبات وقالا إنهما يعملان على وقفها.
وقال المزارع الفلسطيني محمد اشتية (48 عاما) إن المستوطنين اليهود أصبحوا أكثر وقاحة خلال الأشهر العشرة الماضية، حيث قاموا بتسريع البناء ومنع الفلسطينيين من الوصول إلى مزارعهم وإغلاق المدخل الرئيسي لمدينة سلفيت حيث يعيش. وقال إنه تعرض للهجوم من قبل المستوطنين وتلقى تهديدات بالقتل عندما حاول زراعة أرضه. وفي الكلمة المسجلة التي وجهها للمستوطنين، قال سموتريتش إن الحكومة أبقت الرقابة على الضفة الغربية ضمن وزارة الدفاع لإعطاء الانطباع بأن الجيش لا يزال مسيطرا. وأضاف أن “هذا سيجعل الأمر أسهل للابتلاع في السياق الدولي والقانوني حتى لا يقولوا إننا نقوم بالضم”.