تتوجه الأنظار في إسرائيل نحو الاستئناف المرتقب للمفاوضات بالعاصمة القطرية الدوحة يوم الخميس الموافق 15 أغسطس/ آب 2024، في محاولة جديدة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل أسرى.
وبينما يُطلق عليها إسرائيليا “مفاوضات الفرصة الأخيرة”، يُخشى فلسطينيا أن تكون “غطاءً لمزيد من المجازر” الإسرائيلية، ضمن حرب مستمرة على غزة للشهر الحادي عشر.
وبينما وافقت إسرائيل على المشاركة في المفاوضات، رفضت حركة حماس وطالبت مع فصائل فلسطينية أخرى بإلزام تل أبيب بما سبق الاتفاق عليه في يوليو/ تموز الماضي، استنادا إلى مقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن.
ولم تعد المفاوضات مرتبطة بمصير الحرب الإسرائيلية على غزة فحسب، وإنما أيضًا بإمكانية أن يؤدي فشلها إلى رد انتقامي من إيران و”حزب الله” على عمليتي الاغتيال بطهران وبيروت.
ومنذ أسبوعين، تتأهب إسرائيل لرد من إيران و”حزب الله” على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بطهران نهاية يوليو الماضي، والقيادي العسكري البارز بالحزب فؤاد شكر ببيروت في اليوم السابق.
وتضغط الولايات المتحدة ومعها دول غربية وعربية عديدة لإنجاح مفاوضات الدوحة، بعد فشل متكرر في الأشهر الماضية، وسط اتهامات متبادلة.
وتتهم المعارضة ومسؤولون أمنيون وعائلات الأسرى الإسرائيليين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعرقلة إبرام اتفاق خشية انهيار حكومته، إذ يهدد وزراء اليمين المتطرف بالانسحاب منها في حال قبول صفقة تنهي الحرب.
وبدعم أمريكي، أسفرت حرب إسرائيل على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 عن أكثر من 132 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
ضغوط أمريكية
وفق المحلل العسكري بصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عاموس هارئيل الخميس، فإنه “قبل بدء قمة الدوحة، تواصل الولايات المتحدة ممارسة الضغوط على جميع الأطراف لدفع المفاوضات إلى الأمام”.
وأضاف: “تربط إدارة بايدن الآن بشكل مباشر بين صفقة الرهائن ووقف إطلاق النار مع حماس في غزة، وتأخير هجوم إيران وحزب الله الانتقامي على إسرائيل”.
وتابع: “وصلت مفاوضات الرهائن إلى طريق مسدود إلى حد كبير بسبب الشروط الجديدة التي وضعها نتنياهو، وبينما قد تكون إيران على استعداد لتأخير هجومها الانتقامي، يريد حزب الله التصرف بسرعة وحسم”.
وأمس الأربعاء، قالت هيئة البث العبرية (رسمية)، إن نتنياهو يتمسك بشرطين للتوصل إلى اتفاق هما: بقاء الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا (صلاح الدين) على الحدود بين غزة ومصر، وتفتيش النازحين العائدين من جنوب القطاع إلى شماله.
في المقابل، تتمسك حماس بإنهاء الحرب، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، وحرية عودة النازحين إلى مناطقهم، ضمن أي اتفاق لتبادل أسرى.
وزاد هارئيل بأن “نتنياهو التقى رئيس فريق التفاوض قبل مغادرته إلى قطر، والاختلافات في الرأي بينهما معروفة بالفعل”.
وأوضح أن “رؤساء المؤسسة الأمنية، بمَن فيهم وزير الدفاع يوآف غالانت، يعتقدون أنه يمكن التوصل إلى اتفاق، وأن التنازلات التي تم الاتفاق عليها قبل شهرين هي ثمن عادل يجب دفعه لإعادة الرهائن”.
“وتعتقد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن إدارة بايدن قد تعرض على إسرائيل وحماس اقتراحًا بنعم أو لا دون مزيد من المساومة،” حسب هارئيل.
وأردف: “في مثل هذه الحالة، من المرجح أن يقول نتنياهو لا، وحينها سيحمّله بايدن للمرة الأولى المسؤولية علنًا عن فشل المحادثات”.
وأكمل أنه **”لزيادة الضغط، قد يتخذ الأمريكيون خطوات ضد اليمين المتطرف في الحكومة، وخصوصًا وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اللذين يقود حزباهم المعارضة للصفقة”.
مسؤولية نتنياهو
وفي وقت سابق الخميس، جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك توجيه اللوم إلى نتنياهو في فشل المفاوضات حتى الساعة.
وقال باراك لإذاعة الجيش: “أتوقع أن يطلب فريق التفاوض من نتنياهو رفع القرارات إلى مجلس الوزراء، هذه هي بنية النظام في إسرائيل. يجب عدم السماح لنتنياهو باتخاذ جميع القرارات بنفسه، فهو غير مخول للقيام بذلك”.
وأضاف باراك: “إذا استمر نتنياهو في الرفض، أتوقع منهم (المفاوضون) أن يتحدثوا علنًا إلى الشعب (عن سبب فشل المفاوضات)”.
وشدد على أن نتنياهو أغرق إسرائيل مرتين، “في 7 أكتوبر الماضي وعبر شن حرب بأكثر الطرق فشلا في تاريخ البلاد، كما يسحق الديمقراطية الإسرائيلية ويحولها إلى دكتاتورية”.
وفي الأسابيع الأخيرة، نقلت وسائل إعلام عبرية عن مفاوضين إسرائيليين قولهم إن الشروط التي يضعها نتنياهو تعرقل التوصل إلى اتفاق يعيد الأسرى.
وتحتجز تل أبيب في سجونها ما لا يقل عن 9 آلاف و500 فلسطيني، وتقدر وجود 115 أسيرًا إسرائيليًا بغزة، أعلنت حماس مقتل أكثر من 70 منهم في غارات عشوائية شنتها إسرائيل.
فجوة هائلة
“أجد صعوبة بالغة في رؤية أي تفاؤل في المفاوضات، فالفجوة هائلة”.. هكذا بدأ ميخائيل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان بجامعة تل أبيب، حديثه لإذاعة “103 أف أم” المحلية الخميس.
وتابع ميلشتاين: “نحن في النقطة نفسها منذ أشهر، حماس ترغب في صفقة لكن بشروطها ووفق خطوطها الحمراء الخاصة”.
وأردف: “إحدى نقاط حماس الرئيسية هي قصة مطالبة نتنياهو ببقاء الجيش في محوري فيلادلفيا ونتساريم (الذي يفصل شمال قطاع غزة عن جنوبه). وهي فجوة لا أعرف كيفية سدها”.
وبشأن حديث نتنياهو المتكرر عن ضرورة مواصلة الحرب، تساءل ميلشتاين مستنكرًا: “الضغط العسكري؟! هذه الفكرة لا تنجح تماما. نتعامل مع الأمر منذ 10 أشهر، ولم نر حماس تقول إنها تقبل جميع شروطنا”.
وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل إسرائيل الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورًا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة.
كما تتحدى إسرائيل طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ووزير دفاعها يوآف غالانت؛ لمسؤوليتهما عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.
وحولت إسرائيل قطاع غزة إلى أكبر سجن في العالم، إذ تحاصره للعام 18، وأجبرت حربها نحو مليونين من مواطنيه البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد ومتعمد في الغذاء والماء والدواء.