الأخبار

بسبب انتقادهم إسرائيل.. كيف تنفق “أيباك” ملايين الدولارات لإقصاء أعضاء تقدميين في الانتخابات الأمريكية؟

مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية٬ يشاهد الديمقراطيون “لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية” التي تسمى اختصاراً (أيباك) وغيرها من جماعات الضغط الإسرائيلية٬ وهي تعمل بقوة لإقصاء الأعضاء التقدميين من الحزب في الكونغرس وسحقهم بآلة المال والدعاية التي أصبحت لجان العمل السياسي المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة تنفق عليها عشرات الملايين من الدولارات٬ فيما يخشى الزعماء التقدميين في الكونغرس من عدم وجود وسيلة لمواجهة هذه الهجمة العنيفة ضدهم.

وتقول مجلة Politico الأمريكية إن هذه المجموعات، وعلى رأسها لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)، أنفقت فيما هو معلن حتى الآن٬ ما مجموعه 25 مليون دولار على الإعلانات٬ لهزيمة نائبين فقط٬ وهما جمال بومان (ديمقراطي من نيويورك) وكوري بوش (ديمقراطية من ميسوري) خلال هذا الصيف بسبب صوتهما المرتفع في انتقاد إسرائيل خلال حربها على غزة٬ لتصبح هذه الانتخابات التمهيدية هي الأغلى في تاريخ مجلس النواب.

ونتيجة لهذا، يتقدم اثنان آخران من الديمقراطيين الرئيسيين، جورج لاتيمر في نيويورك وويسلي بيل في ميسوري، في دوائر “زرقاء آمنة” بدلاً من العضوين التقدميين الذين كانا راسخين ومؤثرين٬ وتخشاهما اللجان المؤيدة لإسرائيل في أمريكا.


“أيباك” تحاول تحطيم التقدميين بسبب انتقادهم لإسرائيل

تقول “بوليتكو” إنه بعد أن تراجع كل من بومان وبوش تحت وطأة هذا الطوفان من الإنفاق الذي أطلقته (أيباك)، والذي حفزه انتقادهما لإسرائيل في حربها على غزة٬ استيقظ الديمقراطيون التقدميون على واقع جديد قاتم قد يطاردهم لسنوات قادمة٬ فهم لا يملكون وسيلة منظمة لمواجهة هذا النوع من المال. وهم يخشون أن تتمكن (أيباك) والجماعات المتحالفة معها من اكتساب المزيد من القوة لمواجهة أهداف أكبر في الدورة المقبلة 2026 وما بعدها٬ لأنهم يدركون أن استراتيجيتهم أصبحت ناجحة.


وفي مقابلة مع بوليتيكو، قال السيناتور بيرني ساندرز (تقدمي من ولاية فيرمونت) عن لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك): “أعتقد أنهم يشتمون رائحة النجاح. النقطة ليست فقط ملاحقتهم لجمال وكوري، وهو أمر فظيع. بل إن الأمر يتعلق بالوجود المخيف الذي يمارسونه على كل عضو في الكونجرس٬ يزعجني أنه لم يعد هناك المزيد من الغضب”.

وفي الأيام التي أعقبت هزيمة بوش الأسبوع الماضي، بدأ كبار الليبراليين في الكونجرس، بما في ذلك ساندرز، في تقدير حجم المشكلة. وحتى ذلك الحين، لم يكن التقدميون متأكدين من إمكانية تكرار نجاح “لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية” ضد بومان، ثم أدت خسارة بوش إلى إرباك التقدميين بشكل أكبر.

ولكن ما افترضه ساندرز وآخرون على نحو قاتم هو أنهم لا يملكون وسيلة لمضاهاة قوة الانفاق والسطوة السياسية لدى “لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية”، في ظل غياب آلة جمع التبرعات الضخمة٬ وعمليات طرق الأبواب القوية على مستوى البلاد.

وبينما يتباهى التقدميون بأعداد كبيرة وقوة كبيرة في الكونجرس، فإنهم يخشون أن تستمر لجان العمل السياسي المؤيدة لإسرائيل في استهداف المشرعين البارزين واحدا تلو الآخر، فضلاً عن قمع المرشحين الليبراليين الجدد في المقاعد الشاغرة الذين تعتبرهم لجان العمل السياسي أيضاً منتقدين لإسرائيل “بشكل مفرط”. وقد يجعل هذا من الصعب زيادة صفوفهم وربما إسكات أولئك المنتخبين بالفعل، وخاصة فيما يتصل بدعم فلسطين، وهي قضية محفزة للناخبين الليبراليين الأصغر سناً بشكل خاص.


التقدميين بحاجة لثقل مالي يواجه آلة “أيباك”

تقول نينا تيرنر، وهي تقدمية بارزة خسرت الانتخابات التمهيدية لمجلس النواب قبل ثلاث سنوات أمام منافس مدعوم من “أيباك”: “يتعين على الحركة التقدمية في الولايات المتحدة أن تجري بحثاً عميقاً في أعماق نفسها٬ علينا أن تظهر بشكل أقوى وأعمق٬ وهذا لم يحدث”.

وتقول تيرنر، إلى جانب ديمقراطيين تقدميين آخرين، إن “اليسار ليس لديه خيار سوى البدء في تنظيم ثقل موازن خاص به يركز بشكل كبير على مكافحة الأموال المؤيدة لإسرائيل، مضيفة أن “الحركة التقدمية نفسها مضطرة إلى التكيف مع الواقع الجديد بسرعة كبيرة”.

ورفض “مشروع الديمقراطية المتحدة”، وهو لجنة العمل السياسي التابعة للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)، بشدة فكرة أن إنفاقهم يتعارض مع اليسار. وقال باتريك دورتون، المتحدث باسم اللجنة: “لقد كنا فخورين بدعم الأبطال التقدميين المؤيدين لإسرائيل مثل لاتيمر وبيل. هؤلاء هم المرشحون الذين سيدعمون الأجندة التقدمية في الكونجرس”٬ على حد تعبيره.

ورفض بعض العاملين التقدميين الخسائر باعتبارها انتكاسات طفيفة لحركة كانت في صعود منذ عام 2016، وقالوا في أحاديث خاصة أن بومان وبوش كانا ضعيفين سياسياً وبالتالي أكثر عرضة للخسارة أمام المنافسين. وهم يزعمون أن بعض شاغلي المناصب الليبراليين بحاجة إلى بذل جهد أفضل لتعميق العلاقات في مناطقهم وجمع أموالهم الخاصة – كما فعلت النائبتان ألكساندريا أوكاسيو كورتيز (ديمقراطية من نيويورك) ورشيدة طليب (ديمقراطية من ميشيغان) لدرء المعارضين أمامهم.

ولكن أعضاء تقدميين آخرين أعربوا لمجلة “بوليتيكو” عن قلقهم من أن العديد من اليساريين لا يدركون النطاق الكامل للمشكلة. ويعتقد البعض أن الطريقة التي حفزت بها الحرب في غزة المانحين المؤيدين لإسرائيل تشكل تهديداً خطيراً لمستقبل الحركة التقدمية في الولايات المتحدة.

يقول مارك ميلمان، رئيس “الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل”، التي انضمت إلى لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) في معارضة بومان وبوش، وشاركت أيضاً في سباقات المقاعد المفتوحة: “هناك سبب يدعوهم إلى الذعر٬ لقد تضاءل حجم الفرقة. هذه حقيقة، وقد منعنا المزيد من الأشخاص الذين كانوا لينضموا إليهم من الفوز بالانتخابات”.



“أيباك” تلاحق الحركة التقدمية في كل مكان

ظهرت أولى المجموعات المؤيدة لإسرائيل على الساحة بشكل جدي في عام 2021 من خلال الانتخابات الخاصة الضخمة في شمال شرق أوهايو. وكانت المرشحة الأوفر حظاً هي تيرنر، الرئيسة المشاركة السابقة لحملة ساندرز الرئاسية والتي اشتهرت في لغتها الملونة. وقد تصدرت استطلاعات الرأي وجمع التبرعات لمعظم السباق. لكن جماعات الضغط سارعت إلى تقديم ضخ نقدي بقيمة مليون دولار لدعم منافستها، النائبة شونتيل براون، حتى خط النهاية. وقال مارك ميلمان: “لا شك أن سباق براون-تيرنر كان بمثابة نقطة تحول لصالحنا”.

وبعد وضع مخطط واضح، انضمت لجنة “أيباك” إلى الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل بجدية في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022. وركزت كلتاهما على الانتخابات التمهيدية، حيث ستذهب أموالهما إلى أبعد من ذلك. وقد حققتا أكبر نجاح في اللعب على المقاعد المفتوحة وانتخاب أعضاء مثل النائبين الحاليين جلين آيفي (ديمقراطي من ماريلاند) ودون ديفيس (ديمقراطي من كارولينا الشمالية).

في هذا العام، حولوا أنظارهم إلى المرشحين الحاليين٬ كما أدت الحرب في غزة إلى زيادة قاعدة المانحين لديهم، مما سمح لهم بإنفاق مبالغ تاريخية من المال على السباق الانتخابي للكونجرس. ووصف دورتون، المتحدث باسم لجنة العمل السياسي التابعة للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول بأنها “نقطة تحول للمانحين والناشطين المؤيدين لإسرائيل في أميركا”٬ على حد تعبيره.

ولكن الأمر لا يقتصر على الإطاحة ببومان وبوش، بل إن الجماعات المؤيدة لإسرائيل أدركت سريعاً أنها قادرة على خنق الترشيحات التقدمية المحتملة من خلال الإنفاق ضدها في الانتخابات التمهيدية التي قد تشكل مقاعد آمنة. ولا تحظى مثل هذه السباقات دوماً بالاهتمام الوطني الأمريكي، ولكنها تحبط محاولات توسيع الكتلة الليبرالية المناهضة لإسرائيل٬ فقد عزز المانحون المؤيدون لإسرائيل من مكانة سارة إلفريث في منطقة مفتوحة في مجلس النواب بولاية ماريلاند، كما أنفقوا أموالاً في مقعد مفتوح في ولاية أريزونا حيث يتجه السباق نحو إعادة فرز الأصوات.

وقال أحد العاملين في الحملة التقدمية لمجلة “بوليتيكو”: “يحتاج الحزب الديمقراطي ككل إلى إجراء محادثة أوسع نطاقاً حول ما يحدث٬ أيباك تشكل من يتم انتخابه كديمقراطي في الكونجرس. إنها أكبر من أي سباق فردي، إنها تتعلق بكيف يبدو الحزب الديمقراطي ككل؟”.


لكن أيباك تفشل بقوة أمام أعضاء تقدميين آخرين مثل رشيدة طليب وإلهان عمر

لقد حرص تقدميون بارزون آخرون، بما في ذلك ما يُعرف باسم “الفرقة” أو “كواد”، على جمع ما يكفي من المال وبناء علاقات كافية في الولايات المتحدة لدرء المنافسين الذين تصنعهم “أيباك”. على سبيل المثال، قررت لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية عدم الإنفاق ضد النائبة إلهان عمر (ديمقراطية من مينيسوتا) في الانتخابات التمهيدية يوم الثلاثاء بعد فشلها في إيجاد منافس قوي ضدها.

وفي هذه الدورة، تواجه إلهان عمر نفس المنافس٬ ولكن من المتوقع أن تفوز بسهولة في سباقها بعد تعزيز عملها السياسي. وبعد فشلها في عام 2022، عززت إلهان عمر علاقاتها في منطقتها، ووظفت فريق حملة قوياً وجمعت أموالاً ضخمة: 6.8 مليون دولار٬ اعتباراً من أواخر يوليو/ حزيران الماضي.

وتجنبت النائبة التقدمية الصاعدة سمر لي (ديمقراطية من ولاية بنسلفانيا) بشكل استراتيجي التحدي الذي تم تمويله بشكل جيد، جزئياً، من خلال العمل مع المجتمعات اليهودية في منطقتها. حيث انسحبت من حدث مع مجموعة مسلمة بعد ردود الفعل العنيفة على التعليقات “المعادية للسامية” التي أدلى بها متحدثون آخرون. لكن عمر وطليب وغيرهما لم يكونوا في مأمن إلا لأن الجماعات المؤيدة لإسرائيل لم تتمكن من جذب منافسين شعرت أنهم يستحقون الدعم.

وقال ساندرز في تلخيصه لاستراتيجية لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية: “إنهم يختارون، وسيختارون أعضاء جدد”. وحذر من أن ذلك قد يكون له تأثير مخيف على الديمقراطيين الراغبين في التحدث عن قضايا حساسة٬ وخاصة ضد إسرائيل ورئيس الوزراء اليميني بنيامين نتنياهو.

وقد لخص أحد مساعدي القيادة الديمقراطية، الذي سمح له بالتحدث بصراحة، الأمر على هذا النحو: “إن لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) سوف تلاحق الدب الجريح في المعسكر الديمقراطي”.


الجمهوريون يعبثون في الحزب الديمقراطي بواسطة “أيباك”

يلعب البعض اللعبة الطويلة الأجل٬ وهي إصلاح تمويل الحملات الانتخابية ووصف لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) بأنها وسيلة يستخدمها الجمهوريون للتدخل في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي.

وقال أسامة أندرابي، المتحدث باسم لجنة العمل السياسي التقدمية “العدالة للديمقراطيين”: “الهدف ليس أن نقول: كيف يمكننا زيادة مبلغ التبرعات إلى 20 مليون دولار حتى نتمكن من إحداث هذا التأثير على ديمقراطيتنا من خلال هذه الانتخابات. في مرحلة معينة، يحتاج شخص ما إلى أن يكون بالغاً: “هذا المال سيئ على ديمقراطيتنا”.


وقد حاول البعض، مثل بيرني ساندرز، إقناع حزبه بحظر لجان العمل السياسي المستقلة بالكامل في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي. ولكن حل كهذا لا يزال على بعد سنوات من الآن، من أن يؤتي ثماره. وتستعد الجماعات المؤيدة لإسرائيل بالفعل لعام 2026. وحاول تقدميون آخرون أن يصبحوا أكثر تنظيماً وأن يقاوموا بمجموعات قائمة بالفعل، مثل لجنة العمل السياسي المستقلة التابعة للكتلة التقدمية في الكونجرس.

ولكن هناك قيد كبير٬ حيث أن الحزب التقدمي الديمقراطي هو أحد أكبر المجموعات الأعضاء في الكونجرس، حيث يضم نحو مائة عضو في الكونجرس. ولكن “التقدمية” قد تكون طيفاً واسع النطاق. وتشمل المجموعة أعضاء مثل براون، المرشح عن ولاية أوهايو الذي هزم تيرنر بمساعدة من المانحين المؤيدين لإسرائيل. وربما ترحب المجموعة بالديمقراطيين اللذين هزما بومان وبوش هذا الخريف: لاتيمر وبيل على التوالي.

وصرح النائب مارك بوكان (ديمقراطي من ويسكونسن) لصحيفة بوليتيكو بعد فوز لاتيمر على بومان في وقت سابق من هذا الصيف٬ “لدينا معايير. وإذا كان يستوفي المعايير، فلا أرى سبباً يمنعه من ذلك. ومن الواضح أن أي شخص يريد أن يكون تقدمياً في الكونجرس مرحب به في كتلتنا الحزبية”.