الأخبار

فورين آفيرز: مستقبل قاتم في انتظار إسرائيل بعد حرب غزة.. عزلة دولية وتمرداً يمينياً وربما حرباً أهلية 

توقع تقرير نشرته مجلة فورين آفيرز الأمريكية، الإثنين 12 أغسطس/آب 2024، مستقبلاً قاتماً ينتظر إسرائيل بعد نهاية حرب غزة، حيث ستصبح في طريقها إلى أن تكون أكثر استبداداً. وستكون دولة منبوذة على الصعيد الدولي مع خسارة العديد من الحلفاء في ظل مخاوف أيضاً من أن تشهد حرباً أهلية وأن تتحول إلى دولة فاشلة.

وقال التقرير الذي كتبه الباحثان إيلان زيد بارون، أستاذ السياسة الدولية والنظرية السياسية بجامعة دَرْهَم البريطانية وإلاي زيد سولتزمان، الأستاذ المشارك بالدراسات الإسرائيلية بجامعة ميريلاند الأمريكية، إن الرؤية التي تم على أساسها إنشاء دولة إسرائيل في مايو/أيار 1948 وتأكيد إعلان الاستقلال، على أن الدولة “ستضمن المساواة الكاملة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع سكانها بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس”، لم تتحقق.

فبعد ما يقرب من عقدين من الزمان منذ توقيع الإعلان، عاش الفلسطينيون في إسرائيل تحت الأحكام العرفية. ولم تكن إسرائيل قادرة على حل التناقض بين المبدأ العالمي لإعلان الدولة والحاجة الضيقة لإنشاء إسرائيل كدولة يهودية لحماية اليهود فقط، بحسب التقرير.

وعلى مدى عقود من الزمان، برز هذا التناقض الجوهري مراراً وتكراراً، مما أدى إلى اضطرابات سياسية شكلت وأعادت تشكيل المجتمع والسياسة في إسرائيل ــ دون حل هذا التناقض على الإطلاق. ولكن الآن، بعد الحرب في غزة والأزمة القضائية التي سبقتها، أصبح من الصعب أكثر من أي وقت مضى الاستمرار على هذا النحو، الأمر الذي دفع إسرائيل نحو نقطة الانهيار.

وقال التقرير:”إن إسرائيل تسير على مسار متزايد من اللاليبرالية والعنف والتدمير. وما لم تغير مسارها، فإن المثل الإنسانية التي قامت عليها سوف تختفي تماماً مع انجراف إسرائيل نحو مستقبل أكثر قتامة، حيث تحدد القيم اللاليبرالية الدولة والمجتمع”.



خسارة الحلفاء

وتوقع التقرير أن إسرائيل ستكون أكثر استبداداً مع الفلسطينيين بل وأيضاً مع مواطنيها. وقد تخسر بسرعة العديد من أصدقائها وتصبح منبوذة. ومع عزلتها عن العالم، قد تستهلكها الاضطرابات في الداخل مع اتساع الشقوق التي تهدد بتفكك البلاد نفسها.

وأوضح التقرير أن هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 جاءت في وقت كانت تواجه فيه إسرائيل بالفعل حالة من عدم الاستقرار الداخلي الهائل.

فقد سمح النظام الانتخابي في البلاد، الذي يعتمد على التمثيل النسبي، في العقود الأخيرة بدخول المزيد من الأحزاب السياسية المتطرفة إلى الكنيست. ومنذ عام 1996، كانت هناك 11 حكومة مختلفة، بمعدل حكومة جديدة كل عامين ونصف العام – ستة منها بقيادة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو.

وفي الفترة ما بين عامي 2019 و2022، اضطرت إسرائيل إلى إجراء خمس انتخابات عامة. ولعبت الأحزاب السياسية الصغيرة أدواراً رئيسية في تشكيل الحكومات وإسقاطها، حيث مارست نفوذاً غير متناسب. وبعد الانتخابات الأخيرة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، شكل نتنياهو حكومة بدعم من الأحزاب السياسية وقادة من أقصى اليمين.

وفي عام 2023، دفع نتنياهو وحلفاؤه من اليمين المتطرف نحو مشروع قانون للإصلاح القضائي يهدف إلى الحد بشكل كبير من إشراف المحكمة العليا على الحكومة. وكان نتنياهو يأمل أن يحميه الإصلاح المقترح من قضية جنائية جارية ضده. كما أراد حلفاؤه المتشددون أن يمنع الإصلاح تجنيد الآلاف من طلاب المدارس الدينية، الذين تم إعفاؤهم منذ فترة طويلة من الخدمة العسكرية.

وقد أثار الإصلاح القضائي المقترح احتجاجات ضخمة في جميع أنحاء البلاد، وكشف عن مجتمع منقسم بعمق بين أولئك الذين يريدون أن تظل إسرائيل دولة ديمقراطية ذات قضاء مستقل وأولئك الذين يريدون حكومة يمكنها أن تفعل ما يحلو لها تقريباً، بحسب ما ذكره التقرير.

علاقات أمريكا وجنوب أفريقيا الهجوم على رفح عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي العدل الدولية

وأشار التقرير إلى أن الائتلاف الحاكم حالياً يحاول إحياء بعض عناصر الإصلاح القضائي، الذي تم تمرير نسخة منه في الكنيست في يوليو/تموز 2023 قبل أن تُلغى من قبل المحكمة العليا في بداية هذا العام، مع استمرار الحرب في غزة.

وقال التقرير إن الاحتجاج على الإصلاح القضائي كشف عن مخاوف داخل إسرائيل بشأن طبيعة الديمقراطية في البلاد، ولكنه لم يثر أي تساؤلات حول مسؤولية إسرائيل تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال.

فالعديد من الإسرائيليين يرون أن معاملة بلادهم للفلسطينيين منفصلة عن عملها كديمقراطية. فقد تسامح الإسرائيليون لفترة طويلة مع العنف الذي يمارسه المستوطنون اليهود ضد الفلسطينيين، إن لم يكن يقرونه. وفي انتهاك للقانون الدولي، تفرض إسرائيل على الفلسطينيين الذين يعيشون تحت حكمها في الضفة الغربية والقدس الشرقية ما يشبه الأحكام العرفية.

وأشرفت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، الأمر الذي يعرض للخطر إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة في المستقبل.


دولة عاجزة

وقال التقرير: “إن الحرب في غزة، حيث قُتلت القوات الإسرائيلية نحو 40,000 شخص، وفقاً لتقديرات متحفظة، كشفت عن دولة تبدو عاجزة أو غير راغبة في دعم الرؤية الطموحة التي تضمنها إعلان الاستقلال”.

واعتبر التقرير أن إسرائيل، في مسارها الحالي، تنحرف نحو اتجاه غير ليبرالي إلى حد كبير. ذلك أن التحول اليمينيّ المتطرف الذي تشهده إسرائيل حالياً، والذي يتبناه الساسة فضلاً عن العديد من ناخبيهم، قد يؤدي إلى تحول إسرائيل إلى نوع من الدولة الدينية القومية العرقية، التي يديرها مجلس قضائي وتشريعي يهودي ومتطرفون دينيون من اليمين.

واستعرض التقرير عدداً من السياسيين القوميين المتشددين الذين يدعون صراحة إلى دولة يلعب فيها الدين دوراً كبيراً ومن بينهم بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وأفي ماعوز، وهم جميعاً لاعبون رئيسيون في حكومة نتنياهو الائتلافية.

ووصف التقرير هذه الشخصيات بأنها تمثل شريحة جديدة نسبياً ولكنها تحظى بنفوذ متزايد.

وقال التقرير إن إسرائيل التي يهيمن عليها اليمين المتطرف قد أصبحت بالفعل معزولة على نحو متزايد على المستوى الدولي، وتسعى العديد من المنظمات الدولية إلى اتخاذ تدابير قانونية ودبلوماسية عقابية ضدها.

لقد وجهت قضية الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية ورأيها الأخير بشأن عدم شرعية الاحتلال، وطلبات المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، والعديد من المزاعم ذات المصداقية بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، ضربة قوية لمكانة إسرائيل العالمية.

وحتى مع دعم الحلفاء الرئيسيين، فإن التأثير التراكمي للرأي العام السلبي، والتحديات القانونية، والتوبيخ الدبلوماسي من شأنها أن تعمل على تهميش إسرائيل بشكل متزايد على الساحة العالمية.

ومع أن التقرير توقع أن إسرائيل غير الليبرالية سوف تظل تتلقى الدعم الاقتصادي من عدد قليل من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلا أنه أشار إلى أنها سوف تكون معزولة سياسياً ودبلوماسياً عن معظم بقية المجتمع العالمي، بما في ذلك أغلب بلدان مجموعة الدول السبع. وسوف تتوقف هذه البلدان عن التنسيق مع إسرائيل في المسائل الأمنية، وعن المضي قدماً في عقد اتفاقيات تجارية مع إسرائيل، وشراء الأسلحة.

ومن المرجح أن ينتهي الأمر بإسرائيل إلى الاعتماد كلياً على الولايات المتحدة وتصبح عُرضة للتحولات في المشهد السياسي الأمريكي في وقت يتساءل فيه عدد متزايد من الأمريكيين عن دعم بلادهم غير المشروط للدولة اليهودية.



حرب أهلية

وإذا ما تمكن نتنياهو وحلفاؤه من تحقيق أهدافهم، فإن الديمقراطية الإسرائيلية سوف تصبح جوفاء وإجرائية، مع تآكل الضوابط والتوازنات الليبرالية التقليدية بسرعة. وهذا من شأنه أن يضع البلاد على مسار غير مستدام من المرجح أن يؤدي إلى هروب رأس المال وهجرة الأدمغة وتعميق التوترات الداخلية.

ومع تزايد الاستبداد في إسرائيل، فإن هذا التحول غير الليبرالي لن يخفي الانقسامات المتنامية داخل المجتمع الإسرائيلي. وسوف تفقد الدولة بشكل متزايد احتكارها للاستخدام المشروع للقوة، وقد تشتعل الانقسامات إلى حد الحرب الأهلية، وفق التقرير.

ورسم التقرير صورة قاتمة لما قد تبدو عليه إسرائيل التي قد تتحول إلى نوع من الكيان المقسم إلى أجزاء حيث تعمل العناصر اليمينية الدينية والقومية على بناء دولتها الفعلية، على الأرجح في مستوطنات الضفة الغربية. أو قد تشهد تمرداً للمتطرفين الدينيين والقوميين المتطرفين من شأنه أن يقسم إسرائيل في حرب أهلية عنيفة بين جناح اليمين الديني المسلح وأجهزة الدولة القائمة.

وقال التقرير إنه حتى مع عدم اندلاع الحرب الأهلية، فإن هذا الوضع سوف يظل غير مستقر، وسوف ينهار الاقتصاد، وتصبح إسرائيل دولة فاشلة.