الأخبار

“يروي المعاناة والإيذاء بحق المعتقلات”.. فيلم وثائقي بعنوان “أمومة محبوسة” يتناول حياة السجينات بمصر

عُرض فيلم وثائقي بعنوان “أمومة محبوسة” حول الانتهاكات بحق الأمهات المعتقلات في السجون المصرية، وذلك تزامناً مع اقتراب الذكرى السنوية الحادية عشرة لمجزرة رابعة العدوية التي قادها عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك، ضد معارضي انقلابه على الرئيس الراحل محمد مرسي.

الفيلم الذي نشر على منصات التواصل الاجتماعي الأحد 11 أغسطس/آب 2024، يسلط الضوء لأول مرة على حكايات أمهات مازلن في السجون، والمعاناة المضاعفة من آثار انتزاعهن من أولادهن.

كما يوثق الفيلم الذي أنتجته رابطة أسر المعتقلين المصرية، تجارب عدد من السجينات السابقات، اللاتي تعرضن للإيذاء البدني والنفسي الشديد بسبب آرائهن أو عملهن في الشأن العام.

وروت المعتقلة المصرية السابقة، كريمة الصيرفي، خلال لقائها قصصا مؤلمة حول معاناة سجينات الرأي داخل السجون المصرية أثناء فترة اعتقالها التي تعرّضت لها خلال عام 2014.

من بين تلك القصص التي تحدثت عنها الصيرفي، ما تعرّضت له إحدى صديقاتها، والتي جرى اعتقالها مع طفلتها الرضيعة في “ظروف سيئة للغاية، وتم إجبارها على الفطام عن الرضاعة بشكل قسري، وهذه جريمة كبيرة في حق الأمومة خاصة في ظل عدم توفر الأدوية بالسجن، ولاحقا لم تتعرف الابنة على والدتها التي قضت خمسة أشهر داخل محبسها”.

كما تطرقت الصيرفي إلى قصة مُعتقلة أخرى اسمها هبة، والتي كانت “أمًا لطفل يبلغ من العمر 4 سنوات، وقضت سنة كاملة داخل السجن في حين كانت محرومة من زيارة طفلها؛ لأنه كان صغيرًا والمسافة إلى سجنها كانت طويلة جدًا، وفيما بعد تدهورت حالتها الصحية بشكل كبير وأُصيبت بالسرطان، ولم تكن هناك فرصة لرؤية طفلها الصغير، إلى أن حصلت لاحقا على إخلاء سبيل على ذمة قضية تظاهر، لكن بعد خروجها بشهر واحد توفاها الله بسبب المرض”، متسائلة: “مَن سيقوم بتعويض هؤلاء الأمهات عمّا لاقينه داخل السجون؟ في الواقع، لا يوجد أي شيء يمكن أن يعوضهن عمّا مررن به من آلام مريرة”.

أكبر حملة اعتقالات بحق النساء

من جهته، قال الحقوقي المصري مدير المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، شريف هلالي، إن “مصر شهدت منذ عام 2013 وحتى الآن أكبر حملة اعتقالات بحق النساء سواء محاميات أو صحفيات أو إعلاميات أو حتى مواطنات عاديات، بغرض التنكيل بهن أو الانتقام من أسرهن”.

واستشهد هلالي بحالة المحامية والحقوقية المُعتقلة هدى عبد المنعم، والتي أكد أنها تعرّضت -كغيرها من المعتقلات- لسوء الرعاية الصحية، الأمر الذي أصابها بالكثير من الأمراض الجسدية والنفسية، ومنعها من رؤية ذويها ومحاميها داخل محبسها، فضلا عن حرمانها من حقها في التريض وما إلى ذلك.

كما ذكر هلالي أن “قانون السجون أكد على عدد من الضوابط القانونية لحماية السجينات كجزء من التعامل معهن داخل مقار الاحتجاز والسجون المختلفة، وركّز على خصوصية التعامل مع السيدة الحامل التي يجب أن تحظى بمعاملة طبية خاصة، بينما لا يتم الالتزام بتلك الضوابط في كثير من الأحيان”.

كذلك سلّط الفيلم الوثائقي -الذي تمت ترجمته إلى اللغة الإنجليزية- الضوء على معاناة المُعتقلة السياسية سامية شنن، والتي لُقبت بـ”أم المعتقلات”، وأيضا المُعتقلة سماح سمير أحمد التي جرى القبض عليها وعلى زوجها يوم 27 كانون الأول/ ديسمبر 2013 من أمام محيط جامعة الأزهر بتهمة “توزيع طعام للطلاب”، وحُكم عليهما بالسجن 3 سنوات.

مواجهة المجهول

بدورها، أكدت طبيبة الصحة النفسية، الدكتورة نهى قاسم، أن “أسوأ ما يحدث في لحظة الاعتقال هو مواجهة المجهول الشديد؛ حيث لا أحد يعرف ما الذي سيحدث لاحقًا؛ فالأم المُعتقلة -على وجه التحديد- لا تعرف إلى متى سيستمر هذا الوضع؟، وهل سيُسمح لها برؤية أطفالها أم لا؟، ومَن سيتولى رعاية هؤلاء الأطفال في غياب الأم؟، وكمّ هائل من الأسئلة التي تأتي جميعها في لحظة واحدة”.

الطبيبة أوضحت أن “الأم المُعتقلة تفكر كثيرًا فيما ستتعرض له (داخل مقار الاحتجاز أو السجن) من أذى مُحتمل، واعتداءات يمكن أن تصيب جسدها أو إساءات نفسية، أو حتى اعتداءات جنسية، فضلًا عن تقييد حريتها، بالإضافة لتفكيرها الشديد في أطفالها الذين تركتهم، وأثر ما يحدث معها على أطفالها، وهي تخاف كثيرًا من كل ذلك”.

كما لفتت قاسم، وهي مؤسسة “جمعية سكينة لعلاج ضحايا الأزمات النفسية”، إلى أنهم ربما يحتاجون إلى سنوات طويلة من أجل “معالجة أثر وتداعيات لحظة الاعتقال وحدها بالنسبة للسيدات، وهذه الآثار ستتضاعف على الأم نفسها وعلى أطفالها وكل أفراد أسرتها، لو استمر الاعتقال لأيام وشهور وسنين”.

وتابعت: “حينما خضت تجربة الاعتقال سابقًا سنحت لي الفرصة بمقابلة أكثر من أم وسيدة خاضت تجربة الاعتقال في ظروف ومراحل عمرية مختلفة؛ فمثلًا كانت هناك مُعتقلة بسجن الأبعادية بمدينة دمنهور في محافظة البحيرة (شمال)، وهي أم لطفلتين، وكانت حاملا في طفلها الثالث وقت الاعتقال، بينما ظروف حبسها كانت قاسية وسيئة للغاية، حيث كانت تقبع في زنزانة انفرادية بلا دورة مياه، وظلت في تلك الزنزانة طول فترة حملها حتى وضعت طفلتها، ولنا أن نتخيل وضع الأم وهي في حالة آلام المخاض وتُترك هكذا دون أدنى رعاية صحية، ثم يقومون بفتح باب الزنزانة عليها بعد سماعهم صراخ الطفل الرضيع”.

ومن جانبها، تحدثت جهاد خالد، وهي ابنة المحامية والحقوقية المُعتقلة هدى عبد المنعم، عن ظروف اعتقال ومحاكمة والدتها البالغة من العمر 65 عامًا، لافتة إلى أن والدتها ظلت 3 أعوام محبوسة احتياطًا قبل إحالتها للمحاكمة، وذلك بالمخالفة لقانون الحبس الاحتياطي.

وتنص المادة 143 في قانون الحبس الاحتياطي على أنه “لا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي عن سنتين إذا كانت العقوبة المقررة للتهمة المنسوبة للمتهم هي السجن المؤبد أو الإعدام، وإلا وجب الإفراج عنه فورًا”.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، اُعتقلت عبد المنعم ضمن حملة شملت 30 آخرين على الأقل من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان. ووجهت لها نيابة أمن الدولة العليا اتهامات باتت متكررة من بينها “الانضمام لجماعة إرهابية”.