هل وجدت نفسك يومًا غير قادر على العثور على سيارتك في ساحة انتظار السيارات الكبيرة؟ أو دائمًا ما تتوه عن الطريق الذي يأخذك إلى مطعمك المفضل وتعاني الضياع الجغرافي، بالرغم من أنك قد اعتدت بالفعل الذهاب إليه؟ أم أنك شخص يعرف دائمًا مكانه تمامًا وكيفية الوصول إلى كل مكان حتى عند زيارته لأول مرة؟
يبدو أن بعض الأشخاص يعرفون طريقهم بشكل سهل وسريع دون عناء، في الوقت الذي يضيع فيه آخرون طوال الوقت، ويضيعون الكثير من وقتهم من أجل الوصول إلى وجهة معينة.
لكن ما السبب وراء الضياع الجغرافي هذا، ولماذا هناك فئة تعاني منه في الوقت الذي يوجد فيه أشخاص آخرون قادرون على معرفة الاتجاهات دون أي عناء؟
الشعور بالاتجاهات.. كيف يحدث؟
عند الحديث عن الشعور بالاتجاه، أو التوجيه، فهذا يعني عادةً القدرة على الانتقال من مكان إلى آخر بشكل سهل، على سبيل المثال، الانتقال من المنزل إلى متجر البقالة، أو من العمل إلى مطعم ما، ولكن لتحقيق ذلك، نحتاج إلى مهارتين تحدثان في الوقت الفعلي.
إذ أن هناك شيئين يحدثان في وقت واحد، الأول هو رسم الخريطة في ذهننا، والثاني هو تحديد الموقع، أي معرفة المكان داخل تلك الخريطة
وفي حين نفكر في أن التوجيه ومعرفة الاتجاهات باعتباره حاسة، فهو في الواقع مزيج من مجموعة حواس تعمل معًا.
إذ عند التواجد في مكان ما، وتريد الذهاب إلى مكان آخر، فإنك تحدد الاتجاه من خلال مجموعة من الحواس التي تعمل مع بعضها، وهي البصر، إذ يساعدك على تحديد الموقع، والسمع، الذي يجعلك تعرف مدى قربك أو بعدك من النقطة الأولى التي بدأت منها، وهذا ما يفسره دماغك على أنه تحرك للأمام.
إلى جانب الشم والتذوق والبصر واللمس والسمع، لدينا في الواقع حاستين أخريين وهما: الحاسة الدهليزية أو النظام (الذي يتعلق بإدراكنا لجسمنا في الفضاء)، والحس العميق (الذي يتعلق بحركة العضلات والمفاصل).
والنظام الدهليزي مهم جدًا في الشعور بالاتجاهات. إذ إنه إذا فتحت عينيك ونظرت حولك وعرفت أين أنت، ثم أغمضت عينيك واتخذت خمس خطوات، ستظل تعرف مكانك، لأن نظامك الدهليزي لا يزال يعمل، إنه يحاكي موقعك في خريطتك الداخلية ويحدد مكانك.
وفي هذا الصدد، يقول الباحثون إن هناك خلايا خاصة في أدمغتنا لها علاقة بالفضاء، وتتمثل وظيفتها في تحديد مكاننا في أي لحظة معينة وتحديد كيفية ارتباط هذا المكان بالأماكن الأخرى التي كنت فيها. كما هناك خلايا عصبية تنطلق عندما نكون في موقع محدد، ومجموعة أخرى من الخلايا العصبية تنطلق عندما نكون في موقع مختلف.
فيما توجد مجموعة أخرى من الخلايا العصبية التي تنطلق عندما نكون موجهين في اتجاه معين جديد علينا.
لكن، لماذا هناك أشخاص يعانون من الضياع الجغرافي؟
هناك العديد من الأسباب التي قد تجعل بعض الأشخاص يعانون من ضعف في إدراك الاتجاه، والذي يمكن أن يطلق عليه وصف “الضياع الجغرافي”.
على سبيل المثال، إذا كنت تعاني من مشاكل في الانتباه، فقد تضل طريقك، وإذا كنت تعاني من مشاكل في الإدراك وقد لا تتمكن من رؤية الألوان بشكل صحيح، فقد يكون هذا كذلك سببًا لكي تضل طريقك، كما إذا كنت تعاني من مشاكل في الذاكرة، فقد تتوه عن الطريق.
وقد تكون هناك أسباب أخرى قد تجعلك تضل طريقك، إذ حسب مجلة “discovermagazine“، يوضح جوزيبي ياريا، عالم الأعصاب بجامعة كالجاري، الذي يدرس حالة تسمى الارتباك الطوبوغرافي التنموي، أو DTD، والتي تجعل الناس يضلون طريقهم حتى في الأماكن التي يعرفونها جيدًا، والسبب الأساسي وراء هذه الحالة هو عدم القدرة على تكوين خريطة معرفية عن محيطهم.
ووفقًا لياريا، فإن الأشخاص المصابين بالضياع الجغرافي التنموي هم أشخاص عاديون، يتمتعون بمهارات اجتماعية جيدة؛ لكنهم يعانون فقط من عجز انتقائي للغاية في تحديد الاتجاه.
ويدير ياريا موقعًا على الإنترنت يسمى “Getting Lost” لمساعدة هؤلاء الأشخاص على تحسين مهاراتهم في تحديد الاتجاه.
وفي حالة الأشخاص المصابين بالارتباك الطوبوغرافي التنموي، لا تتأثر منطقة واحدة من الدماغ فقط، وبدلاً من ذلك، فإن ما يعانوه هي مشكلة في الاتصال الوظيفي في الدماغ، إذ تم التوصل إلى أن بعض المناطق المهمة للتوجيه والملاحة الفضائية تكون غير متزامنة بشكل جيد.
لكن الخريطة المعرفية تلعب دورًا أكبر، إذ إنها نفس الخريطة التي تُستخدم كخريطة للذاكرة، والتي قد يكون الشم أحد محفزاتها.
سبب آخر لاستمرار الناس في الضياع هو حقيقة أنه قد تكون هناك مشكلة في التنسيق بين الحواس المختلفة.
إذ أن أحد الأشياء التي يمكن أن تحدث هو الإصابة بدوار الحركة، على سبيل المثال، في حال كان الشخص يعاني من الصراع بين الحواس، كما هي العينين والأذن الداخلية، فإن هذا يمكن أن يسبب حالة من الإرباك.