شهدت تونس خمس حكومات في عهد قيس سعيد على امتداد خمس سنوات استمر فيها رئيساً، وذلك بعد أن أقال رئيس الحكومة أحمد الحشاني وعين مكانه كمال المدوري، في خطوة مفاجئة وغير متوقعة، لم تعلن فيها الرئاسة سبب إقالة الحرشاني.
تناوب على رئاسة الحكومة في تونس بعهد سعيّد منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، كل من:
-
–
إلياس الفخفاخ
(استمر 5 أشهر)، أقيل في 15 يوليو/تموز 2020. -
هشام المشيشي
(استمر 10 أشهر)، أقيل في 25 يوليو/تموز 2021، مع بدء سعيد ما أسماها “إجراءات استثنائية”، حلّ فيها الحكومة والبرلمان، الأمر الذي اعتبرته المعارضة “انقلاباً على الدستور”. -
نجلاء بودن
(لنحو عامين)، كانت أول امرأة تقلّدت رئاسة الحكومة في تونس، في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وأقالها سعيد في 1 أغسطس/آب 2023. -
أحمد الحشاني
(لعام واحد)، منذ 1 أغسطس/آب 2023، إلى الشهر ذاته من العام 2024. -
كمال المدوري
، آخر الملتحقين بالفريق الحكومي للحشاني، وكان بمنصب وزير الشؤون الاجتماعية، قبل تكليفه من سعيد برئاسة الحكومة، في ساعة متأخرة من ليلة الخميس 8 أغسطس/آب 2024.
لم يذكر قيس سعيد أسباب الإقالة، واكتفى بالإعلان عن المدوري، بالتزامن مع مرور عام من التكليف والعمل الحكومي، الذي تحدث عنه الحشاني ولأول مرة عبر فيديوات نشرتها صفحة الحكومة قبل ما يقارب الساعة من صدور بلاغ الإقالة، الأمر الذي أثار تكهنات بشأن أن يكون ذلك سبب الإقالة بسبب خروجه عن “الصمت الإعلامي”.
هل الخروج عن “الصمت الإعلامي” سبب إقالة الحرشاني؟
درج عند الصحفيين والإعلاميين في تونس، استخدام مصطلح “الصمت الإعلامي” عند الحديث عن رؤساء الحكومات المتعاقبة منذ وصول قيس سعيد إلى السلطة.
وعُرف عن رؤساء حكومات سعيد ظهورهم النادر إعلامياً، الذي يتكرر داخل قصر قرطاج، من داخل مكتب قيس سعيد، حيث يجلس الرئيس التونسي على مكتبه، ويُجلس أمامه رئيس الحكومة، وتقوم الكاميرات بتصويره وهو يعطي تعليماته له دون أن يتوجه الأخير إلى الإعلام بالحديث المباشر، إلا في المناسبات الدبلوماسية عند استقبال الوفود الخارجية.
بهذا الصدد، فإن الحشاني لم يظهر للإعلام، ولم يتحدث للرأي العام منذ تكليفه في أغسطس/آب 2023، باستثناء ظهوره الأخير ليتحدث عن إنجازات حكومته.
وغادر الحشاني في صمت منصبه، بعد ساعة من بث فيديوهاته التي تكلم فيها عن “إنجازات اقتصادية واجتماعية” لحكومته، أبرزها “تزويد السوق بالمواد، رغم عجز الموارد المالية عن توريد الحاجيات الأساسية مثل القمح، أو العمل على إيجاد حلول بديلة لأزمة شح الموارد المائية”.
حديث الحشاني بهذا الخصوص لم يتناول ما يعتبره سعيّد “وقوف لوبيات وراء فقدان المواد الأساسية، وقطع المياه، بهدف تأجيج الأوضاع في تونس”، على حد قول الرئيس التونسي.
وركز الحشاني حديثه على دور الحكومة في محاولة إيجاد الحلول لهذه الأزمات، ما أثار تكهنات بكون هذه التصريحات قد “أغضبت سعيد”.
في حين أن الرئاسة التونسية لم تعلّق على هذه التكهنات، إلا أن الحديث عنها يستمر في تونس، فمن جانبه قال القيادي في حركة “النهضة” محسن السوداني لـ”عربي بوست”: “الأكثر إثارة في الإقالة، أنها جاءت في لحظة كان فيها رئيس الوزراء يبث فيديوهات لإنجازات حكومته، وبرنامج عملها، خاصة في بعض الملفّات التي أحدثت أزمات اجتماعية وتوترات شعبية مثل قطع الماء والكهرباء”.
وأضاف أن الفيديوهات التي تم عرضها “أوحت بأن الحشاني سيواصل عمله، غير أن الإقالة نسفت هذا الاعتقاد”.
وعلّق على ذلك بالقول إنه “منذ الانقلاب (إجراءات سعيد) إلى الآن، تتالت الإقالات والتعيينات دون معرفة بالأسباب، ولا بالتوجهات العامة التي تحكم السلطة في اختيار المسؤولين أو إعفائهم من مهامهم”.
وأفاد السوداني بأن “ثمة مسؤولين تم تعيينهم بشكل مفاجئ ثم التخلي عن خدماتهم في أوقات وجيزة، وهو ما يعطي الانطباع بأن إدارة الدولة لا تخضع لرؤية ولا لأهداف واضحة، وهذا الوضع يعطي الانطباع بالارتجال والارتباك”، على حد قوله.
وأشار إلى أهمية أن تكون التعيينات والإقالات “غير غامضة الأسباب، ولا فاقدة الشفافية، في الأداء السياسي العام للسلطة، حتى لا يعطي ذلك رسالة واضحة أن المناخ السياسي غير مستقرّ، بالتالي يضرّ ذلك الاستثمار والتنمية، فمن أهم شروطهما أن يكون هناك استقرار حكومي”.
التفرد بالسلطة والنظام الرئاسي
أما الوزير السابق فوزي عبد الرحمن، علّق على الإقالة بالقول: “نحن نعيش حالة حكم فردي سلطاني، وعدم الاكتراث بالمساءلة والأخطاء الكثيرة والمتكررة”.
ولفت عبد الرحمن في حديثه لـ”عربي بوست” إلى أن “توقيت الإقالة في قلب حملة انتخابية (غير معلنة) تطرح أسئلة عدة، أهمها لماذا تم تسمية الحشاني من الأساس، وما الذي يمثّله بالنسبة لقيس سعيد؟ وما هي حصيلة عمله لمدة سنة؟ فقيس سعيد كان يشكر في الحشاني منذ أيام قليلة، وتفاجأ الجميع بعدها بالإقالة”.
عن ذلك أيضاً، قال المحلل السياسي التونسي الأمين البوعزيزي لـ”عربي بوست”، إن “الحشاني قدّم حصيلة ما أسماها إنجازات الحكومة دون فهم ماذا يعني البناء القاعدي، والذي يعني أنه لا يوجد رئيس حكومة ولا استقلال قضاء وإنما موظفون”.
وفسّر الأمين البوعزيزي في حديثه لـ”عربي بوست” الإقالة، بأنها بسبب أنه كان ينتظر من الحشاني أن يكون “الحصاد الوحيد الذي يجب أن يظهر للرئيس فقط، وليس عن إنجازات حكومته، لذلك هو لم يستوعب ذلك، فصنف من المتآمرين وليس الصادقين”.
ورأى البوعزيزي أن عدم حديث الحشاني عن الرئيس “أمر غير مقبول في النظام القاعدي، ولو أنه قرأ الدستور الجديد (الذي أقر في عهد سعيد)، فإنه لا يتحدث إلا عن الصلاحيات التنفيذية للرئيس، وليس لغيره”.
إذ إنه بحسب دستور 2022 الذي أقر النظام الرئاسي في عهد سعيد، فإنه في الفصل الـ87 تتمثل وظيفة الحكومة في “مساعدة رئيس الجمهورية بممارسة الوظيفة العمومية”.
وينص الفصل 101 في باب السلطة التنفيذية، على أن “رئيس الجمهورية يعين رئيس الحكومة، كما يعيّن بقية أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها”، وليس عن طريق البرلمان.
وينص الفصل 102 على أن “رئيس الجمهورية ينهي مهام الحكومة أو أي عضو منها تلقائياً أو باقتراح من رئيس الحكومة”.
في باب السلطة التنفيذية أيضاً، نصّ الفصل 111 على أن “الحكومة تسهر على تنفيذ السياسة العامة للدولة طبق التوجهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية”، وليس رئيس الحكومة.
حديث الحشاني عن أزمة الماء
وأكد البوعزيزي أن خطاب سعيد عن أزمة الماء والذي أرجع سبب انقطاعه إلى لوبيات وعمليات تخريب لتأجيج الأوضاع، “تناقض” مع حديث رئيس الحكومة عن شح مائي بسبب الجفاف، معتبراً أن ذلك “من بين الأسباب التي كانت وراء الإقالة”.
وتعرف تونس أزمة في التزود بالمياه وتدفقه، وبصفة خاصة في الأرياف، ما نتج عنه احتجاجات متكررة، وقطع للطرقات من المواطنين.
بدوره، قال السياسي والوزير السابق عبد الوهاب معطر لـ”عربي بوست”، إن “الإقالة المفاجئة بالنسبة للرأي العام، سبقها في الكواليس حديث عنها منذ أسابيع”، وفق قوله.
وأوضح أنه “بعد جولة سعيّد يوم الرابع والعشرين من يوليو/تموز 2024، في مناطق عدة بالبلاد، ووقوفه على أزمة المياه التي تسببت باحتجاجات كثيرة، تكلم مع الحشاني بلوم شديد، ووجه اتهاماً للوزراء والمسؤولين بعدم الانضباط، بسبب قطع المياه من قبل متآمرين”، بحسب وصف الرئيس.
ونقل معطر عن مصادره، أن الحشاني “تلقى توبيخاً من سعيّد حينها، ما جعله يقدم استقالته ولكن سعيد رفضها، إلا أن الحشاني كان على يقين أنه سيُقال، لذلك أعد العدة لذلك، ونشر فيديوهاته قبل وقت وجيز من الإقالة، لتكون بمثابة الدافع عن النفس أمام الرأي العام”، على حد قوله.
في حين لم يتسن الحصول على تعليق بهذا الخصوص بالتأكيد أو النفي من الرئاسة أو أي مصدر رسمي آخر، لا سيما أنها لا تتعامل مع وسائل الإعلام منذ وصول سعيّد إلى السلطة.
يشار إلى أن أغلب الحكومات التي تعاقبت وخاصة ما بعد إجراءات 25 يوليو/تموز 2021، عرفت إقالات كثيرة من حيث الوزراء والمسؤولين من قبل سعيد، دون أي توضيحات تذكر أو أسباب واضحة رسمية من الرئاسة.