لم يكن يوم السابع من أغسطس/ آب 2024 يوماً رياضياً خاصاً بالمغرب فقط، بل احتفل به العرب جميعاً بفضل إنجاز العداء المغربي سفيان البقالي.
البقالي حصد ذهبية سباق 3000 متر موانع في دورة الألعاب الأولمبية في نسختها الثالثة والثلاثين باريس 2024، ليدخل التاريخ من الباب الواسع.
وساهم العداء المغربي الآخر محمد تندوفت بشكل لافت في تتويج مواطنه سفيان البقالي، بخطة تكتيكية بدا واضحاً أنه تم الاتفاق عليها قبل بدء السباق.
وفرض تندوفت نفسه بقوة في مقدمة السباق، مما أجبر بقية العدائين على مواكبته، وهو ما أتاح للبقالي الفرصة للانطلاق في الوقت المناسب، ليضحي الأول بفرصة المنافسة على حصد إحدى الميداليات.
وفي هذه السطور نستعرض مسيرة العداء المغربي سفيان البقالي (26 عاماً) والذي أهدى المغرب أول ميدالية ذهبية في أولمبياد باريس 2024.
مولده وبداية مسيرته
وُلد سفيان البقالي يوم 7 يناير/ كانون الثاني 1996 في حي المرجة الكائن في مدينة فاس المغربية. ظهر لأول مرة كعداء محترف في بطولة أفريقيا لألعاب القوى عام 2014 التي استضافتها بلاده، حينها احتل المركز العاشر في سباق 3000 متر موانع.
تحسنت نتائج البقالي سريعاً إذ احتل المركز الرابع في بطولة العالم لألعاب القوى للناشئين التي جرت في العام نفسه بمدينة يوجين الأمريكية، قبل أن يُمثّل المغرب للمرة الأولى في الألعاب الأولمبية الصيفية وذلك في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016، التي احتل فيها المركز الرابع بعدما قطع السباق في 8 دقائق و14 ثانية و35 جزءاً من الثانية.
وفي ظهوره الأولمبي الثاني، دخل البقالي التاريخ من أوسع أبوابه بحصده ذهبية سباق 3000 متر موانع في دورة طوكيو 2021، بعدما قطع المسافة في زمن قدره 8 دقائق و9 ثوانٍ و90 جزءاً من الثانية.
ثاني عداء أولمبي في التاريخ يحافظ على الذهب في نفس السباق
في يوم الأربعاء 7 أغسطس/ آب 2024، تألق البقالي مجدداً في المحفل الأولمبي، واحتفظ بذهبية الأولمبياد للمرة الثانية على التوالي.
ويُعد المغربي البقالي ثاني عدّاء في تاريخ الأولمبياد يحافظ على ذهبية 3000 متر موانع، إذ أعاد إلى الأذهان إنجازاً ظل صامداً لمدة 88 عاماً.
وكان الفنلندي فولماري إيسو هولو قد حصد ذهبية السباق ذاته في دورتين متتاليتين، وذلك في ألعاب لوس أنجلوس 1932 وبرلين 1936.
سفيان البقالي حقق حلم والدته
أقرّ البقالي بأنه عانى كثيراً خلال العام الحالي (2024) من أجل تحقيق الذهب الأولمبي، مؤكداً في الوقت ذاته أنه لم يكن ليفعل ذلك لولا والديه.
وقال البقالي باكياً في تصريحات تلفزيونية: “هذه السنة لم تكن سهلة، عانيت من إصابة وكنت قريباً من اتخاذ قرار عدم المشاركة في الألعاب الأولمبية، لكني تمكنت من التغلب عليها بمساعدة مدربي والاتحاد المغربي ووالديّ، تعبت وعملت بجد واستعددت جيداً لحصد الذهب الأولمبي”.
وأوضح: “تحدثت مع والدتي التي كانت تعرف ما أعانيه، ساعدتني كثيراً ودعمتني بقوة وكانت تدعو لي دائماً، والآن حققت لها حلمها رغم أن السباق لم يكن سهلاً، يجب ألا أنسى دورها هي ووالدي فمن دونهما لم أكن لأنجح”.
وأتم البقالي موجهاً حديثه للجماهير المغربية: “أنا مدين لكم لقد دعمتموني برسائلكم التي لم أتمكن من الرد عليها، سامحوني، أنا مدين أيضاً لأبطال المغرب الحاليين والسابقين، أنا لا أستوعب ما فعلته فقد دخلت التاريخ بهذا اللقب الأولمبي الثاني توالياً، أُهدي هذه الذهبية إلى الملك محمد السادس”.
البقالي على خطى هشام الكروج وأسامة الملولي
يعد سفيان البقالي ثالث رياضي عربي يتوّج مرّتين بالميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية الصيفية بعد مواطنه العداء هشام الكروج والسباح التونسي أسامة الملولي.
الكروج نال ذهبية سباقي 1500 متر و5000 متر في أولمبياد أثينا عام 2004، فيما فعل الملولي ذلك في سباق 1500 متر سباحة حرة في بكين 2008، وبسباق 10 كيلومترات في المياه الحرة بأولمبياد لندن 2012.
وسبق للبقالي أن كسر هيمنة العدّائين الكينيين على ذهبية سباق 3000 متر موانع، والذي بدأ منذ أولمبياد موسكو 1980، بعدما تُوّج بالمعدن النفيس في أولمبياد طوكيو 2021 (التي تأجلت من عام 2020 بسبب جائحة فيروس كورونا).
علاقة البقالي بالذهب وإنجازات أخرى
البقالي أضاف ذهبيتي الألعاب الأولمبية في طوكيو 2021 (2020) وباريس 2024 إلى ذهبيتين أخريين كان قد نالهما في بطولة العالم لسباق 3000 متر موانع.
وتُوج البقالي بذهبية بطولة العالم لألعاب القوى التي استضافتها يوجين الأمريكية عام 2022، وكرّر الإنجاز ذاته في بطولة العالم التي أُقيمت في بودابست بالمجر عام 2023.
وإلى جانب ذلك، حصد المغربي البقالي الميدالية الفضية في بطولة العالم لألعاب القوى في لندن 2017، والميدالية البرونزية في البطولة ذاتها التي جرت في العاصمة القطرية الدوحة عام 2019.
وفي سجل إنجازاته، كتب البقالي باسمه أيضاً فضية دورة الألعاب الأفريقية التي أقيمت عام 2018 وكذلك برونزية دورة الرباط في عام 2019، كما تصدّر سباق 3000 متر موانع في الدوري الماسي لعام 2022.
وسبق ذلك تحقيقه المركز الأول في الدوري الماسي بجولة استوكهولم وكذلك فعل في جولة الرباط، وذلك في عام 2017، وتصدّر أيضاً السباق في ألعاب البحر الأبيض المتوسط بعام 2018. وفي العام نفسه، حفر البقالي اسمه كعاشر أسرع عدّاء في تاريخ سباق هيركوليس في موناكو، بعد أن أنهى السباق في زمن قدره 7 دقائق و58 ثانية و15 جزءاً من الثانية.
مواقف إنسانية
كان البقالي من بين الرياضيين المغاربة الذين هبّوا لمساعدة بلادهم بعد زلزال “الحوز” العنيف الذي ضرب مراكش وآسفي في سبتمبر/ أيلول 2023 وبلغت قوته 6.8 على مقياس ريختر، وأدى إلى وفاة ما يقرب من 2900 شخصٍ وإصابة نحو 6 آلاف آخرين.
وسارع البقالي إلى التبرع بالدم لصالح ضحايا الزلزال، وذلك مباشرة بعد تأكده من عدم المشاركة في نهائي الدوري الماسي بالولايات المتحدة.
حينها قال البقالي عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “إنستغرام”: “السلام عليكم، اليوم تأكدت عدم مشاركتي في نهائي الدوري الماسي بمدينة يوجين الأمريكية لأسباب خارجة عن إرادتي، أول شيء فعلته هو المشاركة في الحملة الوطنية الكبيرة للتبرع بالدم لأبناء وطننا المتضررين من الزلزال، أتقدم بخالص التعازي والمواساة إلى جميع أسر الضحايا”.