تعيش المنطقة حالة ترقب للرد الإيراني المتوقع على “إسرائيل”، بعد اغتيالها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، ما مثّل ضربة إسرائيلية مباشرة لإيران، إلا أن موعد الرد غير معلوم، ويجعل المنطقة بحالة تأهب إلى حين يأتي موعده.
الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، أكد أن اغتيال هنية كان “خطأً كبيراً ارتكبته إسرائيل، ولن يمر دون رد”، لكن لماذا يتأخر الرد الإيراني في كل مرة؟
ففي ليلة 14 أبريل/نيسان شنّت إيران هجمات صاروخية على إسرائيل، رداً على استهدافها القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من الشهر ذاته، أي بعد 13 يوماً من الهجوم الإسرائيلي، لتطلق طهران على ردها اسم “عملية الوعد الصادق”.
واغتيل هنية في 31 يوليو/تموز 2024، ليمر على استشهاده منذ نشر هذا التقرير 7 أيام، مع تكرار التأكيدات الإيرانية بأنها سترد على العملية، وبأن الرد سيكون “صارماً ورادعاً ومفاجئاً”.
سيناريوهات الرد تلعب دوراً رئيسياً
يُعدّ تناول السيناريوهات المتوقعة للرد الإيراني على إسرائيل، عاملاً هاماً لفهم توقيت الرد الإيراني، بالنظر إلى طبيعة الرد وحجمه، والظروف المحيطة فيه.
لذلك، فإن إيران أمام تحدٍ كبير، يجعل من الرد لا يقبل أن يكون باهتاً أو محدوداً، يجعلها ذلك بحاجة إلى أن تكون سيناريوهات الرد ترقى لمستوى الاختراق الكبير الذي حصل بعملية اغتيال هنية، وفق ما أكده المحللون والخبراء الذين تحدثوا لـ”عربي بوست” عن سيناريوهات الرد المتوقعة.
وتالياً سيناريوهات الرد الإيراني:
1-
الرد بالمثل
عبر استهداف قيادات سياسية، داخل إسرائيل أو خارجها، وهذا يحتاج إلى تخطيط كبير، ويتسبب بتأخر الضربة الإيرانية.
2-
إطلاق صواريخ إلى العمق الإسرائيلي
بشكل فاعل هذه المرة، على عكس ما حصل في أبريل/نيسان 2024.
3-
الرد من خلال محور المقاومة
، لا سيما في لبنان من خلال حزب الله.
4-
استهداف منشآت دبلوماسية إسرائيلية
خارجية
كما في أذربيجان أو بلدان أخرى، إذ سبق أن اتهمت طهران الاحتلال بمحاولة استهداف سفارتها في باكو 2023، وسبق أن استهدف مبنى قنصلياً لإيران في سوريا.
5-
اجتياح بري في شمال إسرائيل
، وتحديداً في هضبة الجولان، وإشعال جبهة هناك.
يمثل السيناريو الأول المذكور، رداً جدياً ومؤثراً يتناسب مع ما جرى من مساس سيادة إيران واغتيال ضيفها هنية على أرضها، الذي مثّل اختراقاً أمنياً كبيراً في المنطقة.
الخبير العسكري العقيد الركن حاتم الفلاحي، رأى في حديثه لـ”عربي بوست”، أن هذا السيناريو يمثل “الرد الأفضل بالنسبة لإيران، على اعتبار أنها بالتالي ردت بناء على ما قامت به إسرائيل في إيران”.
عن السيناريو الثاني، فإن التجهيز لإطلاق رشقات صاروخية، يصطدم مع إمكانية إسقاط الصواريخ من القواعد العسكرية الأجنبية والعربية المحيطة في إسرائيل كما حصل في أبريل/نيسان 2024، الأمر الذي يستدعي التغلب على هذا التحدي.
واعتبر الفلاحي أنه في حال تكرار ما حصل في الرد الإيراني السابق، “ستكون هناك استهانة كبيرة جداً بقدرات إيران، وقدرتها أمام التهديدات الإسرائيلية”.
أما عن الخيار الثالث، فهي تقع ضمن مصطلح “وحدة الساحات”، بشن هجوم واسع على إسرائيل مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، وفصائل المقاومة في الضفة الغربية، وفصائل مسلحة في كل من العراق وسوريا.
يرتبط ذلك بجاهزية كل فصيل من فصائل محور المقاومة هذه، واستعداداته العسكرية، والظروف السياسية في الدولة التي ينشط فيها، وهذا يمثل تحدياً لإيران ويبطئ من سرعة ردها.
تعليقاً على هذا السيناريو، قال الفلاحي إنه خيار قائم وبقوة، بأن ترد إيران عن طريق وكلائها وحلفائها في المنطقة، خصوصاً أن الجميع الآن مستهدف من إسرائيل.
كما أن السيناريو الرابع، من شأنه أن يضرّ بعلاقات إيران مع الدول التي تتواجد بها المنشآت الدبلوماسية الإسرائيلية.
أما السيناريو الخامس، على الرغم من أنه مطروح، إلا أن الخبراء رأوا فيه خياراً مستبعداً، لأنه يؤدي إلى حرب مفتوحة بين حزب الله وإسرائيل.
الخبير العسكري واللواء المتقاعد، مأمون أبو نوار، قال لـ”عربي بوست”، إن “الرد يحتاج إلى تخطيط، فهو ليس بالأمر السهل، فالقضية ليست مرتبطة فقط بالرد بشكل متناسب أم لا، بل بإمكانية اندلاع حرب إقليمية”.
ورجّح أن الرد هذه المرة سيكون مختلفاً عن ضربة “الوعد الصادق”، من حيث كمية الصواريخ، واختيار الأهداف، ليشمل ضربة قوية ليست بالسهلة، وفق تقديره.
وقال إنه “من الممكن أن يكون الرد من خلال كل الجبهات، معاً أو على فترات متقاربة، ولذلك إيجابيات وسلبيات، لأن المنظومات الدفاعية الجوية قدراتها مختلفة عند التصدي للصواريخ الباليستية، مقارنة بالمسيرات التي عادة ما تصل إلى أهدافها، لكن الاحتلال في الوقت ذاته غير محمي من سقوط الصواريخ ذات الدقة العالية”.
لذلك، فإن تحضير الصواريخ لمثل هكذا ضربة تتحدى الأنظمة الدفاعية، يأخذ وقتاً، ليكون الرد مؤثراً ومتناسباً، بشكل لا يوسع الحرب، أو يصعّد القتال في المنطقة ككل.
لماذا يتأخر الرد الإيراني؟
بين “الصبر الاستراتيجي” و”الردع المباشر”
يؤثر في السيناريوهات السابقة عوامل سياسية وعسكرية، تنخرط تحت مسميين اثنين درجت إيران على استخدامهما بما يتعلق بالهجمات الإسرائيلية والأمريكية، هما “الصبر الاستراتيجي” و”الردع المباشر”.
يثير ما حصل من اختراق إسرائيلي كبير لأمن إيران باغتيال هنية في طهران، تساؤلات عن، هل تتمسك طهران بسياسة “الصبر الاستراتيجي” برد مدروس أم تعمد إلى نهجها الجديد الذي أطلقت عليه “الردع المباشر”.
“الصبر الاستراتيجي”
سياسة إيرانية في التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بما يتعلق بالهجمات ضد مصالحها والعناصر الموالية لها خارج إيران، بتأجيل الرد عليها حتى الوقت والمكان المناسبين.
“الردع المباشر”
، الرد على إسرائيل بعمليات عسكرية سريعة وواضحة على مستويات مختلفة، ولكن ليس بالضرورة عمليات مباشرة في إسرائيل، تمثل ردعاً لإسرائيل أمنياً وعسكرياً.
وتهدف السياستين، إلى تآكل تدريجي في مفهوم الردع الإسرائيلي بمعناه الاستراتيجي والإقليمي، وإلى تراكم تدريجي للردع الإيراني الاستراتيجي.
إلا أن اغتيال إسماعيل هنية في بالعاصمة طهران والقيادي فؤاد شُكر في معقل حزب الله بالضاحية الجنوبية في بيروت، مثّل ضربة لسياسة الصبر الاستراتيجي، ولصالح ترميم الردع الإسرائيلي، بحسب أبو نوار.
وراهنت سياسة “الصبر الاستراتيجي” لإيران على أن هدف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من التصعيد مع إيران خلق فرصة لاستعادة الردع الاستراتيجي التي فقدها مع طوفان الأقصى، ومع آخر رد إيراني.
ليؤكد نتنياهو التفوق العسكري والأمني والاقتصادي والسياسي، وإنهاء وجود خطر وجودي على إسرائيل، من خلال استعادة الردع الاستراتيجي لديها، وهو الأمر الذي لا تريده طهران، ويدفعها نحو “الردع المباشر”.
لذلك، فإن رد إيران يحتاج إلى:
- أن لا تؤثر طبيعة الرد على قدرتها في الحفاظ على الردع المباشر، واستمرار توجيه ضربات متتابعة.
- أن لا يتجه الرد بإيران إلى حرب مفتوحة مع إسرائيل.
- أن يؤكد محور المقاومة في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان، تهديده للمصالح الإسرائيلية، وأنه بمثابة حزام ناري حول إسرائيل.
- أن يتناسب الرد مع مستوى الاختراق الإسرائيلي باغتيال هنية في العاصمة الإيرانية طهران.
- اختيار أهداف حيوية ذات دلالات مؤلمة بالنسبة للداخل الإسرائيلي.
- أن يكون الرد محدداً بسقف معين، وهدف واضح.
حلفاء المحور.. دورهم وتأثرهم
يُعدّ إشراك حلفاء إيران في المنطقة، في مقدمتهم حزب الله اللبناني، في الرد الإيراني على إسرائيل، أمراً تَدخُل فيه اعتبارات عسكرية وسياسية بالنسبة لطهران وحزب الله.
اللواء مأمون أبو نوار، رأى أن “حزب الله لوحده إذا بدأ بضرب إسرائيل، فإن ذلك يذهب بالأمور إلى عملية دمار شامل مؤكد، متبادل بين الطرفين، بالتالي فإن الدمار سيلحق بهما”.
كما أن التجهيزات العسكرية لحزب الله بشأن حرب مع إسرائيل، تحتاج وقتاً، لتتأكد من فعالية الهجمات وتحقيقها أهدافها، وهذا يحتاج إلى أن تتأكد طهران أولاً من جاهزية حزب الله إلى جميع السيناريوهات مع الاحتلال، بالإضافة إلى الاعتبارات السياسية في لبنان الذي ترفض فيه القوى السياسية الانجرار نحو حرب مفتوحة مع الاحتلال.
اقرأ أيضا: يمكنها عزل إسرائيل عن البحر الأبيض.. ما هي أسلحة حزب الله القادرة على استهداف المصالح الحيوية لإسرائيل؟ (خرائط)
لكن ما يعزز وجود دور هام لحزب الله في الرد الإيراني، ما وقع في لبنان من اغتيال القيادي في الحزب فؤاد شكر، وقبله اغتيال العديد من قادته منذ طوفان الأقصى 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، الأمر الذي يستدعي رداً منه.
لذلك يرتبط دور حزب الله في الرد بعوامل عدة:
- مدى جهوزية حزب الله عسكرياً للرد.
- إعادة الاعتبار له، بعد الاغتيالات الأخيرة لقادته.
- فرض قواعد اشتباك جديدة مع الاحتلال.
- احتمالية توسع الحرب إلى لبنان بين حزب الله وإسرائيل.
- إمكانية استخدام الأراضي السورية في الحرب، التي تحتوي على مستودعات أسلحة لحزب الله والحرس الثوري.
- إمكانية تعاون النظام السوري مع حزب الله وإيران، لا سيما بما يتعلق بتفعليه منظومات الدفاع الصاروخية لديه، لحماية عناصر وأسلحة الحزب.
أفاد مسؤول أمني إيراني مقرّب من القيادة العليا في طهران لـ”عربي بوست”، في تقرير سابق، بأن “طهران لا تريد المواجهة المباشرة مع إسرائيل، وأن القادة الإيرانيين ليس لديهم رغبة في دخول حرب إقليمية واسعة النطاق”.
أضاف أنه “رغم عدم وجود هذه الرغبة، إلا أن عدم الرد على إسرائيل سيخلق خطراً كبيراً على إيران، لأنه سيمنح تل أبيب الوقت والمساحة لتفكيك محور المقاومة، لذلك فإن قادة الحرس الثوري قلقون من أن الاستفزازات الإسرائيلية واغتيالها لقادتهم، مجرد مقدمة لحملة كبيرة ضد حزب الله في لبنان”.
يرى المسؤول الأمني الإيراني أيضاً أنه “إذا نجحت تل أبيب في تحقيق هدفها، فسيكون هذا تغييراً كبيراً في الديناميكيات الأمنية والسياسية الإقليمية، بطريقة تجعل من الصعب على طهران ومحور المقاومة البقاء صامدين على المدى الطويل، الأمر الذي يدفع نحو الرد الإيراني المباشر ومن خلال محور المقاومة”.
موقف الأردن وأمريكا ومخاوف توسع الحرب
الأردن الحليف مع الغرب، يواجه مهمة صعبة أمام الرد الإيراني المرتقب، في ظل دعوات محلية لقطع العلاقات مع إسرائيل، والتوقف عن حمايتها، بعد إسقاطه صواريخ إيرانية كانت تستهدف إسرائيل في أبريل/نيسان 2024.
وكان للأردن دورٌ رئيسٌ حينها في اعتراض أول هجوم مباشر تشنه إيران على إسرائيل، ويمثل ذلك تحدياً لفعالية الرد الإيراني باستخدام صواريخ باليستية تستهدف الاحتلال.
أشارت صحيفة الغارديان من جانبها، إلى أن الأردن يتخوف كذلك من أن يتعرض لهجوم من إيران، إذا ساعد مجدداً في الدفاع عن إسرائيل.
وأكدت عمّان بأنها لن تسمح بأن يصبح الأردن ساحة معركة لصراعات أخرى، كما أنها أعطت الإذن للبحرية الفرنسية بنشر الرادارات تحسباً للرد الإيراني.
وتشهد المملكة الأردنية أيضاً مظاهرات دعماً لغزة والمقاومة، وأكثر من نصف سكانها من أصل فلسطيني، وفقا للغارديان.
يمثّل كذلك الموقف الأمريكي تحدياً آخر أمام طهران، إذ أكدت الولايات المتحدة أنها ستدافع عن إسرائيل في حالة وقوع هجوم إيراني، ونقلت سفناً حربية وطائرات مقاتلة إلى المنطقة لحماية الاحتلال.
وقال مصدر دبلوماسي إيراني مطلع لـ”عربي بوست”، مفضلاً عدم ذكر اسمه: “طهران أبلغت واشنطن عبر وسطاء عُمانيين، أنه ليس لديها أي نية في خرق الهدنة مع أمريكا، أو استهداف القوات الأمريكية في سوريا والعراق”.
أضاف أيضاً أن إيران “طلبت من واشنطن مواصلة المفاوضات الأمنية بينهما، التي بدأت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وتم تعليقها في الفترة الأخيرة، من أجل تجنب أي تصعيد في المنطقة، وما تزال طهران تتمسك بهذه المفاوضات، لا سيما مع القيادة الجديدة”.
من جهته، أوضح أبو نوار أن “الأمريكيين يقومون بمعايرة الرادارات لديهم مع الرادارات الغربية في المنطقة، لعمليات الإنذار المبكر من الصواريخ الإيرانية كما حصل في عملية الوعد الصادق، ويقومون بعمل تحالف مع الغرب تحسباً لتوسع الحرب بين إيران وإسرائيل.
وقال: “لكن أعتقد أن سبب التأخر في الرد الإيراني، حرص إيران والغرب وأمريكا، على عدم تمدد الحرب، وهذا أمر تضعه طهران بالحسبان، بما يتعلق بردها على إسرائيل”.
الأمر ذاته وافقه الفلاحي، وأكد أنه “إذا كانت الأهداف الإيرانية مهمة وحيوية في إسرائيل، فأعتقد أننا نشير نحو توسعة الصراع، خصوصاً أن ضربات اليوم التي وجهها حزب الله على شمال الأراضي المحتلة، كانت ضربات مؤثرة بشكل كبير جداً”.
ورأى في الحشد الأمريكي المتواجد في المنطقة، الهدف منه التعامل مع أي سيناريو، بما فيه الانتقال من الدفاع إلى الهجوم، خصوصاً إذا ما تجاوزت الضربات الإيرانية الحد المسموح به.
وقال: “لكن تقديري أن إيران وحزب الله وإسرائيل وأمريكا، ليس أحد منها معني بتصعيد حرب إقليمية موسعة، لأنه إذا ما تناولنا المصالح الدقيقة لهذه الدول، فإنها تقتضي أن يكون هناك رد منضبط ومدروس، باتجاه أهداف ضمن نطاق جغرافي وأهداف محددة، بحيث لا تستدعي طبيعة الأهداف رداً إسرائيلياً بالمقابل”.
يشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي عمل على تصعيد التوتر بالمنطقة عبر حملة الاغتيالات الأخيرة، التي طالت قيادات إيرانية ولبنانية وفلسطينية.
ويحظى الاحتلال بدعم تحالف دولي أمام إيران، يضم دولاً أبرزها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، التي سبق أن شاركت في صد الهجوم الانتقامي الإيراني السابق بالصواريخ والمسيرات في أبريل/نيسان 2024، وبمساعدة قواعد عسكرية في الأردن والعراق في التصدي لها.