يعاني الأردن من أزمة مائية تشدد في فصل الصيف، في وقت يُصنّف فيه على أنه من بين أكثر دول العالم فقراً مائياً، رغم أنه يتمتع بمنسوبات من المياه الجوفية والسطحية، وبعدد سكان يقدّر بـ124 نسمة فقط لكل كيلومتر مربع، الأمر الذي يثير تساؤلات عن أسباب النقص الحاد للمياه فيه مقارنة بعدد السكان إلى نسبة المياه المتوفرة سنوياً، وأثار الحديث عن سياسة إسرائيلية متعمدة لإفقار الأردن مائياً.
تصل المياه إلى بيوت الأردنيين يوماً واحداً إلى يومين فقط في الأسبوع، بسبب الأزمة المائية، ويعمد السكان إلى تخزين المياه في خزانات فوق أسطح منازلهم للتزود بالمياه بقية أيام الأسبوع، دون أن تتوفر المياه بشكل يومي.
الرواية الرسمية الأردنية للفقر المائي، تعود أسبابه إلى: التغيرات الديمغرافية، وتأثيرات تغير المناخ، والجفاف، ومحدودية خيارات التزويد المائي، في حين أن خبراء وناشطين في مجال المياه يشككون في أهمية هذه الأسباب مقارنة مع اعتبارهم أن الأزمة “مصطنعة”، ومرتبطة بـ”التفريط بالحصص المائية للمملكة لصالح إسرائيل”.
بهذا الخصوص، يسلط هذا التقرير الضوء على أسباب نقص المياه في الأردن، وعلاقتها بالاحتلال الإسرائيلي، من حيث تأثيره على الحصص المائية للمملكة الأردنية، وتهديد أمنها المائي منذ قيامه عام 1948، واستعراض مصادر المياه الرئيسية، وحاجة الأردن المائية سنوياً، ومقارنتها بالمتوسط العالمي.
المصادر الرئيسية للمياه في الأردن
بحسب البيانات الرسمية الأردنية، فإن المملكة لديها ثلاثة مصادر رئيسية للمياه سنوياً توفر لها :
1-
المياه الجوفية
(حوالي 57% من إجمالي المياه، بنحو 500 مليون متر مكعب سنوياً).
إذ لدى الأردن 12 حوضاً جوفياً على كامل جغرافيته، وتُصنف 10 منها على أنها مستنزفة بشدة بحسب الحكومة الأردنية.
-المياه المتجددة منها توفر: 275 مليون متر مكعب سنوياً.
-المياه غير المتجددة منها: 143 مليون متر مكعب سنوياً، الجزء الأكبر منها من حوض الديسي.
2-
المياه السطحية
(حوالي 28% من إجمالي المياه، بمتوسط 270 مليون متر مكعب سنوياً).
تتكون من ثلاثة أنهار، هي:
– نهر الأردن (90-100 مليون متر مكعب سنوياً).
نهر اليرموك (140-150 مليون متر مكعب سنوياً)
– سيل الزرقاء (بمعدل تصريف سنوي يقدر بنحو 83 مليون متر مكعب).
3-
مياه الصرف الصحي المعالجة
(حوالي 15% من المياه، بنحو 220 مليون متر مكعب).
ولدى الأردن 32 ﻣﺤﻄﺔ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﻟﻤﻴﺎه اﻟﺼﺮف اﻟﺼﺤﻲ، تستخدم في الري والزراعة (167 مليون متر مكعب) تضاف إلى 53 مليون متر مكعب من المياه الجوفية والمياه السطحية المنقّاه، و1.2 مليون متر مكعب من تحلية مياه البحر في العقبة، بإجمالي (220 مليون متر مكعب).
الحصص المائية قبل اتفاقية وادي عربة وبعدها
يتشارك الأردن والاحتلال مياه بحيرة طبريا ونهري اليرموك والأردن، إضافة إلى آبار جوفية.
تقدر حصة المملكة في نهر الأردن بنحو 90-100 مليون متر مكعب، بما في ذلك 20 مليون متر مكعب تتدفق من نهر اليرموك، الذي تبلغ فيه حصة الأردن 140-150 مليون متر مكعب، بحسب مساعد أمين عام وزارة المياه والري السابق عدنان الزعبي.
نهر الأردن:
في الثلاثينيات، كان نهر الأردن أحد مصادر المياه الرئيسية للبلاد، إذ كان يتدفق آنذاك 1.3 مليار متر مكعب من المياه في السنة.
بعد ذلك، تسبب الاحتلال الإسرائيلي بتقليل الحصص المائية للأردن، بعد قيامه بعمليات تحويل مجرى النهر وروافده، بما في ذلك تدشينه مشروع الناقل الوطني للمياه في عام 1953.
وقام الاحتلال بتحويل المياه من بحيرة طبريا إلى السهول الساحلية والصحراء الجنوبية، ما أدى إلى انخفاض تدفق نهر الأردن السفلي بشكلٍ كبير، وتسببه بتقليل كبير بالحصص المائية للأردن.
تعويضاً عن هذه الخسارة، وكجزءٍ من معاهدة وادي عربة بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي عام 1994، تضخ إسرائيل 50 مليون متر مكعب من المياه في السنة من بحيرة طبريا إلى الأردن، ولكنها تبيعه إياها بيعاً.
مع ذلك، فقد وجدت دراسة أجريت عام 2010 أن تدفق نهر الأردن السفلي قد انخفض إلى 2% من تدفقه التاريخي، فضلاً عن تدهور جودة المياه بشكلٍ حاد مع ارتفاع مستويات الملوحة والتلوث من الأسمدة الزراعية ومياه الصرف الصحي غير المعالجة عند المنبع في إسرائيل والضفة الغربية، وهذا ما أثار بشكل متكرر في الأردن فضيحة مياه الصرف الصحي غير المعالجة التي تصل من إسرائيل إلى الأردن.
بسبب ذلك، أصبح الأردن أقل اعتماداً على مياه بحيرة طبريا، وأكثر اعتماداً على مياه نهر اليرموك.
كما أن الاحتلال قام بتحويل مجرى نهر الأردن، إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، لصالح المستوطنات، وإلى مناطق في بئر السبع، ما حرم الأردن من حقوقه المائية من مياه نهر الأردن.
أدى ذلك إلى جفاف البحر الميت، وإلى انخفاض منسوبه بشكل كبير.
كما أدى إلى جفاف المزروعات وضعف الزراعة في الأردن، وتحديداً في أغوار الأردن.
نهر اليرموك
: وفقاً للملحق 2 الذي يفصّل المادة 6 من نص اتفاقية وادي عربة، تحصل إسرائيل على 12 مليون متر مكعّب من مياه نهر اليرموك في فترة الصيف، و13 مليون متر مكعب في فترة الشتاء، فيما يحصل الأردن على “باقي التدفق”.
عام 1953 قرر العرب أن حصة إسرائيل من نهر اليرموك لا تزيد عن 17 مليون متر مكعب، وأن تأخذ باقي الحصة من بحيرة طبريا ونهر الأردن.
وأصر الأردن على هذا الأمر حتى بداية التسعينيات، لكن معاهدة وادي عربة وفرت لإسرائيل 25 مليوناً من نهر اليرموك.
بناء على الاتفاقية، فإن حصة الاحتلال ثابتة من نهر اليرموك، ويتبقى للأردن حصة متغيرة، بما يظل من المياه بعد حصول إسرائيل على حصتها.
فوق ذلك، قام الاحتلال الإسرائيلي بتركيب مضخات قبل ملتقى نهر اليرموك مع نهر الأردن، لضخ مياه طبريا للتحلية، ما تسبب بتقليل الحصة المائية للأردن، التي تكاد تكون شحيحة.
خطة جونستون
خطة المياه الموحدة لوادي الأردن، المعروفة باسم “خطة جونستون” كانت الأساس في اعتماد الحصص المائية بين الأردن وإسرائيل، بعد أن طورها السفير الأمريكي إريك جونستون في الفترة 1953-1955 بناء على خطة سابقة صُممت لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا).
ذهب الأردن بشكل منفرد للتفاوض مع إسرائيل في بداية التسعينيات، مع عدم التزام الأطراف العربية المشاركة في مفاوضات خطة جونسون، والمتشاركة في حوض طبريا بتلازم المسارات.
كانت الخطة تقوم بالأساس على تحويل روافد نهر الأردن إلى الأراضي المحتلة، وتم التعديل على حقوق المياه لكل طرف مشارك وهي الأردن وسوريا ولبنان وإسرائيل، لكن استولى الاحتلال على نحو 100 مليون متر مكعب من خلال استثناء الروافد العلوية لنهر اليرموك من حصة الأردن، الذي وافق بدوره على ذلك، وبات الاحتلال يستفيد منها في ري 136 ألف دونم جنوب طبريا، بحسب تصريحات سابقة الأمين العام الأسبق لوزارة المياه محمد بني هاني.
تدفق مياه بحيرة طبريا لنهر الأردن وقت وضع خطة جونستون وصل إلى 1.3 مليار متر مكعب، إلا أن التدفق الآن لا يزيد عن 300 مليون متر مكعب، بحسب سلطة المياه في الأردن.
رغم أن الخطة خصصت 90 مليون متر مكعب لسوريا، و25 مليون متر مكعب لإسرائيل، والباقي للأردن، الذي قدر بـ 350 مليون متر مكعب.
اتفق الأردن مع الاحتلال الإسرائيلي أن يسمح له في فصل الشتاء بسحب 20 مليون متر مكعب من سد العدسية على نهر اليرموك، مقابل حصول المملكة على 10 ملايين من نهر الأردن، في أوقات يحددها، خارج فصل الصيف، وفق معاهدة وادي عربة.
ونصت اتفاقية وادي عربة على أن يعمل الطرفان لإيجاد مصادر مائية توفر للأردن 50 مليون متر مكعب إضافية، إلا أن إسرائيل حاولت التنصل أكثر من مرة من الاتفاق.
أزمة مائية صنعها الاحتلال
توصل الأردن مع إسرائيل لاتفاق عام 1998 لتزويد المملكة بـ 25 مليون متر مكعب سنوياً في الصيف، و25 مليون متر مكعب مياه محلاة، إلا أن إسرائيل لا تزال تتنصل من الاتفاق حتى الآن.
بالتالي، فإن الأردن لم يأخذ حقوقه المائية وفقا لخطة جونستون، بل يأخذ 150 مليون متر مكعب من المياه المالحة من بحيرة طبريا، بدلاً من حقه في الروافد العلوية لنهر الأردن، التي تعد أقل ملوحة.
بحسب المصدر السابق بني هاني، فإن نسبة الملوحة في روافد نهر الأردن تصل إلى 120 جزءاً من المليون، في حين تقدر بـ 700 جزء من المليون في حوض بحيرة طبريا الجنوبي.
بهذا الصدد، يقول الناشط السياسي الأُردني والمستشار الدولي في شؤون البيئة، سفيان التل لـ”عربي بوست”: “نحن نعيش في الأردن على بحيرة من المياه والسدود، وقد تمّ إفراغها لغايات شبك المياه مع إسرائيل، وشراء المياه منها، ولدمج إسرائيل مع الأردن، على مستوى الطاقة والمياه”.
وكشف التل أنّ الأردن يتعرض سنوياً لسيول كبيرة ومدمرة، وتترك كلها تفيض باتجاه وادي الأردن، لتدخل في المياه الجوفية، وتقوم بعدها إسرائيل بسحبها من آبار الغمر.
اعتبر الخبير الأردني أن هناك “سياسة متعمدة لتعطيش الشعب الاردني وإفقار الأردن مائياً، بشكل يصب في مصلحة إسرائيل”.
وأكد أن الأزمة هذه من أسبابها الأساسية اتفاقية وادي عربة مع الاحتلال.
من جهته أيضاً، يرفض الناشط السياسي محمد خلف الحديد في حديثه لـ”عربي بوست”، مايذهب إليه البعض من أنّ نقص المياه يعود إلى عوامل مناخية وبيئية فقط، مشيراً إلى أنّه هناك 26 بئر ماء في وادي عربة تضخ ليلاً ونهاراً إلى إسرائيل، ويتم سرقة حصة المياه من أحواض الأردن.
وشدد على أنّ هذه المياه في هذه الآبار في وادي عربة لو تمّ تحويلها إلى عمّان، فلن تحتاج الأردن إلى أي ماء من إسرائيل، على حد قوله.
بدء الأزمة مع اتفاقية وادي عربة
بموجب المادة السادسة من اتفاقية وادي عربة المتعلقة بملف المياه اتفق الطرفان على الاعتراف بتخصيصات عادلة لكل منهما، وذلك من مياه نهري الأردن واليرموك ومن المياه الجوفية لوادي عربة، وذلك بموجب المبادئ المقبولة والمتفق عليها، وحسب الكميات والنوعية المتفق عليها.
ووقّع الأردن وإسرائيل الاتفاقية برعاية أمريكية عام 1994 في وادي عربة جنوبي الأردن، واشتملت على 14 بنداً حول الحدود والأمن والمياه وعلاقات الجوار واللاجئين والقدس وملفات أخرى.
لماذا التبادل المائي؟
في هذا السياق أفاد وزير المياه الأردني الأسبق منذر حدادين، لـ”عربي بوست”، بأنّ أصل الاتفاق بين إسرائيل والأردن أن يتبادلا المياه في الأماكن التي فيها عجز تزويد، وهي منطقة الشمال الغربي في الأردن حيث يقطن 91% من سكان المملكة، والجنوب الشرقي بالنسبة لإسرائيل.
جرى التفاهم في عهد حكومة شارون (بعد المعاهدة بعشر سنين) بحسب ما يكشف عنه الوزير حدادين، على أن يقوم الأردن بتحلية المياه في العقبة ويزود بها إسرائيل عند ايلات، حيث هناك عجز تزويد بالنسبة لها، ويأخذ الأردن من طبريا كميات موازية في الشمال الغربي.
لذلك، قام الأردن ببناء خط مياه ليستقبل مياه أخرى من طبريا (وفق ما نصت عليه المعاهدة).
لكنّ سفيان التل يرجع السبب الرئيسي في تراجع نسبة المياه في الأردن إلى اتفاقية وادي عربة التي عمدت إلى تخزين فائض المياه الأردنية لدى إسرائيل في بحيرة طبريا، لتأتي لاحقاً وتعطي الأردن مياهاً ملوثة بالزيوت والشحوم وبقايا برك الأسماك، على حد وصفه.
أما الناشط محمد الحديد، أوضح أنّ البند المائي في اتفاقية وادي عربة، تمّ الاتفاق بموجبه على أن يتم تزويد الأردن من بحيرة طبريا تحت المتر السادس، معبراً عن استغرابه من ذلك.
وأفاد بأن الماء الذي يكون على السطح يكون نقياً، والمترين الذي أسفله يكون شبه نقي، لكن المتر السادس يعتبر فضلات المستوطنين التي تتم بعدها معالجتها عبر محطات التحلية الخاصة بالمجاري.
وقال: “كانوا في السابق يلقون مياه الصرف الصحي في البحر الميت، لكن حالياً باتوا يرسلونها إلى الأردن، بالرغم من وجود الطحالب والجراثيم، الأمر الذي دفعهم للاستعانة بآلات الطرد المركزية لتعقيمها، لكنّ تمت مواجهة مشكلات في التعقيم، وأصبحت الفلاتر غير فاعلة”.
وأضاف الحديد أنّ إسرائيل هي من سرقت الآبار الـ26 في وادي عربة، التي يتم من خلالها زراعة الورود وبيعها إلى أوروبا ، كما يتم زراعة الخضار في وادي عربة ليتم أخذها إلى الأردن وتصديرها إلى الأراضي المحتلة، ومن ثمّ يكتب عليها “صنع في إسرائيل”.
الاحتلال يبيع المياه للأردن بيعاً
رغم تغوّل الاحتلال على الحصص المائية للأردن من نهري الأردن واليرموك، يقوم الأردن بشراء المياه من إسرائيل عبر الخط الناقل (قناة الملك عبد الله) في أوقات الجفاف أو زيادة الحاجة.
بموجب اتفاقية وادي عربة في عام 1994، تزوّد إسرائيل الأردن بـ50 مليون متر مكعب سنوياً من مياه بحيرة طبريا، يتم نقلها عبر قناة الملك عبد الله إلى المملكة، مقابل سنت واحد لكل متر مكعب. وتم زيادة هذه الكمية إلى 105 ملايين متر مكعب في اتفاقية أخرى عام 2010.
ورغم كل ما سبق، تحاول إسرائيل استخدام هذه الاتفاقية سوطاً بمواجهة السياسة الأردنية بحسب الناشطين المعارضين؛ ففي كل مرة يصدر عن عمّان موقف سياسي لا يعجب الاحتلال، يهدد الأردن بوقف بيعه الحصص المائية المتفق عليها.
في عام 2021، وقعت حكومة نفتالي بنيت على إعلان نوايا مع الأردن في دبي، على اتفاق تنقل بموجبه إسرائيل 100 مليون متر مكعب من المياه إلى الأردن سنوياً، بدلاً من 50 مليون متر مكعب، مقابل إنتاج الكهرباء في الأردن لإسرائيل.
إلا أن الحرب المستمرة على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حالت دون توقيع الاتفاق أواخر عام 2023.
وقررت الأردن في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، عدم توقيع الاتفاقية، بعد استهداف الجيش الإسرائيلي محيط المستشُفى الميداني الأردني في غزة، وإصابة 7 من كوادره.
تهديد الأمن المائي
رئيس لجنة حماية الوطن ومقاومة التطبيع النقابية المهندس بادي الرفايعة، عبر في حديثه لـ”عربي بوست”، عن رفضه لاستمرار تهديد الأمن المائي الأردني من الاحتلال الإسرائيلي.
وأشار إلى أنه من الأولى والأصح أن ينال الأردن حقوقه المائية بقوة وبضغط، وأن يقوم بوقف التحويل المائي إلى الاحتلال، لذلك يجب إعادة النظر في الاتفاقيات المتعلقة بالمياه أو الاقتصاد والتنسيق الأمني مع إسرائيل، التي جعلت منها أوراق ضغط على الأردن.
ويستغرب الرفايعة من استمرار الأردن في هذا النهج، بتوقيع اتفاقية جديدة مع إسرائيل في نهاية عام 2021، التي عرفت بإعلان نوايا للتعاون في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتحلية المياه، معتبراً أن الحكومة الأردنية ستمضي بالاتفاقية بعد انتهاء الحرب في غزة.
لكنه حذّر من أنها “ترهن الأردن ومصيره المائي والكهربائي بيد إسرائيل، فجميع الاتفاقيات من اتفاقية الغاز، واتفاقية المياه مقابل الكهرباء، ترهن المملكة وموقفها السياسي للعدو الإسرائيلي، وكل هذا مرفوض ولا يقبله الشعب الأردني”.
ودلّل على ذلك، بإلغاء “إسرائيل” اتفاقية المياه مع الأردن، والاكتفاء بتمديد الاتفاقية ستة أشهر فقط.
يؤكدّ الوزير حدادين أنّ تأخر الأردن في بناء أنظمة التحلية وما يزال، جعل الأردن يتوجه لإسرائيل التي قبلت أن تزوده من طبريا مقابل الثمن، حتى يستعمل الأردن الخط الجديد، وحتى يحصل على مياه لسد العجز الذي يتراكم بمرور السنين.
بدائل أخرى مثل مشروع الناقل الوطني
يطرح خبراء أردنيون بدائل أخرى لزيادة حصص الأردن المائية، وعدم حاجتها إلى شراء المياه من الاحتلال الإسرائيلي.
وهذه البدائل تتمثل بـ:
- تحلية مياه العقبة ومشروع الناقل الوطني.
- إعادة التفاوض على حصة الأردن من نهر اليرموك.
- إنشاء مئات السدود الصغيرة والحواجز المائية للاستفادة من مياه الأمطار.
- وقف تحويل المياه إلى إسرائيل.
- وقف تزويد إسرائيل بملايين الأمتار من المياه العذبة في منطقة الغمر.
- إحياء مشروع “ناقل البحرين”.
أولاً: تحلية مياه العقبة، ومشروع الناقل الوطني
طرح الناشطون المتحدثون في هذا التقرير، العديد من البدائل عن اتفاقية المياه مقابل الكهرباء، من بينها تحلية مياه العقبة، ومشروع الناقل الوطني.
مشروع “الناقل الوطني” (مشروع العقبة-عمّان لتحلية ونقل المياه)، يتألّف من نظام نقل مياه البحر المحلاة، وبناء منشأة ضخمة لتحلية مياه البحر في العقبة ونظام نقل المياه العذبة إلى باقي المناطق.
تبلغ كلفة هذا المشروع 2.5 مليار دولار أمريكي، تمّ تأمين نصف مليار منها حتى الآن.
ورأى أمين عام سلطة المياه، أن جهود إدارة قطاع المياه منصبّة على الإسراع في تنفيذ هذا المشروع (الناقل الوطني)، ونقل المياه إلى جميع محافظات المملكة بطاقة 300 مليون م3 من المياه المحلاة سنويا، للتحول إلى نظام التزويد المستمر بعد تشغيل المشروع، المتوقع خلال عام 2027.
بحسب الناطق باسم وزارة المياه والري، فإن مشروع الناقل الوطني سيوفر 300 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من البحر الأحمر ما يغطّي احتياجات الأردن لمياه الشرب حتى عام 2040.
ثانيا: إعادة التفاوض على حصة الأردن من نهر اليرموك.
من البدائل أيضا، التوجه إلى خيارات عربية، مثل سوريا، عبر سد الوحدة مثلاً، وإيجاد صيغة للتفاهم مع الجانب السوري لوقف الاعتداءات على حصص الأردن من مياه نهر اليرموك.
في إطار تفعيل اتفاقية استثمار مياه نهر اليرموك بين الأردن وسوريا والموقعة عام 1987، دعا الأردن سوريا إلى أهمية إعادة تفعيل هذه الاتفاقية ووقف ما يسميه التجاوز من الجانب السوري، والمتمثل بزيادة عدد السدود والحفائر.
في لقاءات حكومية عقدت في عمّان، اتفق الجانبان خلال الاجتماعات الوزارية على إعادة تفعيل لجنة المياه المشتركة بين الطرفين، لمتابعة تنفيذ الاتفاقية الموقعة بين البلدين عام 1987، وما يزال العمل جار على ذلك، لكن دون نتائج حتى الآن.
ثالثاً: إنشاء مئات السدود الصغيرة والحواجز المائية للاستفادة من مياه الأمطار
الخبير الأردني في مجال المياه سفيان التل، قال لـ”عربي بوست”، إن “البديل عن الماء الإسرائيلي واضح إذا كانت الحكومة ترغب في التنفيذ أو لديها الصلاحيات في ذلك”.
وقال: “الحل بسيط، نقول دائما وحسب أرقام وزارة المياه، أن معدل سقوط الأمطار على الأراضي الأردنية بعيد المدى، والذي يعود لأكثر من 50 عاماً، هو 8 مليارات متر مكعب سنوياً، وهو معدل وسطي”.
وتعدّ هذه من المياه المهدورة، التي باستطاعة الأردن أن يجمع بسببها مليارين أو 3 مليارت متر مكعب سنوياً، عبر تخزينها في المياه الجوفية أو السدود لوحدها مياه الأمطار.
وأشار إلى أن ذلك يجعل حصة المواطن الأردني تصل إلى 800 متر مكعب في العام، أي أعلى من المعدل العام في العالم.
وأوضح أن “كل سدودنا (عددها 14 سداً رئيسياً) لا تجمع سوى ملايين محدودة من تلك المياه، ولو استفدنا من مليار مكعب فقط من مياه الأمطار، فإننا سنكفي حاجتنا كاملة من مياه الشرب والزراعة”.
وشدد على أنه “يفترض بنا إنشاء مئات السدود الصغيرة والحواجز المائية في مجاري هذه السيول؛ لتجميع مياه الأمطار، حيث يتم تخزينها بعد ذلك في المياه الجوفية، وتشكل أيضا واحات خضراء يمكننا تربية المواشي عليها، ليتوقف استيراد اللحوم بالطائرات”.
وفي توضيحه لعدم تطبيق السلطات في بلاده لتلك الحلول رغم طرحها عليهم، قال التل: “الوضع السياسي لا يسمح لتطبيق ذلك، لأن الأردن التزم في اتفاقية وادي عربة بتخزين فائض المياه لإسرائيل”.
واستشهد التل بحصة إسرائيل من سد الوحدة، البالغة 25 مليون متر مكعب، بموجب اتفاقية وادي عربة، مشيرا بأنه لا يجمع سوى 10 ملايين فقط.
وأعرب الخبير الأردني عن استغرابه من طبيعة المفاوضين في بلاده كي يقبلوا بمثل هذه البنود، معتبرا أنه في هذه الحالة “نحن أمام مديونية مائية لإسرائيل”.
وأشار التل إلى أنّ يمكن حل مشكلة نقص المياه بالأردن عبر تطوير السدود العشرة في الأردن التي تجمع حالياً 327 مليون متر مكعب، وهذه لا تسد حاجة الأردن.
وأضاف أنه يمكن عند كل مجرى سد بناء أربعة أو خمسة حواجز مائية، وتجميع المياه فيها، وسيتم جمع من مليار إلى ثلاثة مليار مكعب من المياه، مؤكدّاً أنّ الحكومة الأردنية لكن لم تنفق أي مبالغ في هذا الإطار.
أما الجهني، فأشار إلى أنّ منطقة وادي عربة والمياه التي تحتويها، وإقامة السدود على الجبال والوديان التي هناك، يجب أن تسأل عنها الحكومة لماذا لم تستثمر، ولماذا لا يوجد هناك آبار جوفية فيها مثلما تفعل إسرائيل؟
وقال إن المنطقة المقابلة للأردن مزروعة بالكامل، فلماذا لا تقام سدود لحجز مياه الأمطار المتجهة على الجهة الغربية باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة للاستفادة منها؟
رابعاً: وقف تحويل المياه إلى إسرائيل
يرى المهندس بادي الرفايعة، أنّه كان أولى بالأردن لو كان هناك مسؤولين يغلّبون المصلحة الحقيقية، أن يطلبوا العودة عن تحويل المياه إلى إسرائيل، وأخذ حقوقهم بشكل طبيعي، والإبقاء على مجرى الأردن بشكل طبيعي باتجاه البحر الميت.
وقال: “حينها سيأخذ الأردن حقوقه بشكل طبيعي، التي تقدر بـ 55 مليون متر مكعب من المياه من الجانب الإسرائيلي بموجب بنود الاتفاقية، وكل هذا تحت إذن وسماح الجانب الإسرائيلي بتحويل مثل هذه المياه إلى الأردن في فترات معينة”.
لكنه رأى أن “الدولة الأردنية رهنت ملف المياه بموجب السيادة الإسرائيلية وجعلها بيده، وهذا شيء مرفوض وضد السيادة الأردنية، واستقلاله، في ملف المياه والطاقة، وهذه الحالة ستجعل إسرائيل تستخدمها ورقة من وقت لوقت آخر، للضغط على الأردن”.
بالتالي، فإنّ إبقاء الورقة المائية بيد إسرائيل، سيؤدي باستمرار للضغط على الأردن، بحسب ما ذهب إليه الرفايعة، مضيفاً: “أحياناً يؤخر الاحتلال، وأحياناً يماطل وفي أوقات أخرى يبتز بالملف المائي، والآن بدأ يتحدث عن عدم تجديد هذه الاتفاقية”.
خامساً: وقف تزويد إسرائيل بملايين الأمتار من المياه العذبة في منطقة الغمر
أما الجهني، فقال إنّ الأخطر بتزويد الأردن لإسرائيل بالمياه سنوياً، أنه يرسل إليها ملايين الأمتار من المياه العذبة وأجود أنواع المياه في منطقة الغمر، متسائلاً: “كيف استرد الأردن الغمر، في حين أن الآبار الموجودة هناك وعددها 5 آبار، تضخ مايقارب سنوياً 10 مليون متر مكعب من أنقى المياه إلى الاحتلال”.
في مقابل ذلك، يذهب الأردن لخوض جولات اتصالات لشراء 50 مليون متر مكعب من المياه الرديئة من إسرائيل، وتسمح في الوقت ذاته لإسرائيل أن تستثمر الملف لابتزاز الأردن.
وتساءل الجهني أيضاً: “كيف للأردن أن يزود إسرائيل بملايين الأمتار من المياه؟ ووفق أي بند طالما أنّك ألغيت ملحق الباقورة والغمر؟ وكيف يستمر الأردن بالتزويد؟”.
الرفايعة يرى من جانبه، أن ذلك امتداد لاتفاقية وادي عربة، مشدداً على أنّ الموقف العام للأردنيين هو الرفض لاتفاقية وادي عربة، التي يرون فيها أنها غير دستورية وغير قانونية وغير شرعية، وليست في مصلحة الأردن.
تقع الغمر في منطقة وادي عربة في منتصف المسافة تقريباً بين جنوب البحر الميت وخليج العقبة، وتبلغ مساحتها 4235 دونما، احتلتها إسرائيل خلال الفترة 1968-1970، واستعادها الأردن بموجب معاهدة وادي عربة.
أما الباقورة فتبلغ مساحتها 820 دونما وتقع شرقي نقطة التقاء نهر الأردن مع نهر اليرموك، داخل أراضي الأردن، احتلتها إسرائيل عام 1950، واستعادها الأردن أيضا بحسب الاتفاقية.
وتوفر آبار الغمر 10 ملايين متر مكعب، وتعد كنزاً مائياً أردنياً.
قام الاحتلال الإسرائيلي بوضع مضخات ضخمة في منطقة الباقورة لسحب المياه الفائضة من نهر اليرموك، وهي بالأصل من حق الأردن، بحسب التل.
وتبلغ كمية الفائض من نهر اليرموك نحو 70 مليون متر مكعب، تأخذها إسرائيل بشكل كامل، وتصبها في طبريا.
سادساً: مشروع “ناقل البحرين”
يُعدّ مشروع “ناقل البحرين”، من البحر الأحمر إلى البحر الميت، من المشروعات التي لم تر النور، وهو مشروع ارتبط بعملية “السلام” مع إسرائيل، وتمّ فيه توقيع اتفاقية دولية بين الأطراف لبدء المرحلة الأولى في عام 2015.
وصف خبراء في الأردن ومختصون في مجال المياه هذا المشروع بمثابة الخيار المائي الاستراتيجي للأردن، رغم الكلف المالية والتقنية العالية التي يتطلّبها.
جاء إعلان الأردن تخليه رسمياً عن تنفيذ هذا المشروع، بسبب التعنت الإسرائيلي في بدء التنفيذ لأكثر من عقد من الزمن؛ لوجود الكثير من البدائل في مصادر المياه لديه، بخلاف الحالة الأردنية.
“إفقار الأردن مائيا.. بين الموقفين الشعبي والرسمي
في سياق متصل، يوضح المنسق العام لحملة غاز العدو المحتل هشام البستاني، في حديثه لـ”عربي بوست”، أنّ الأردن الرسمي في واد، والأردن الشعبي في وادٍ آخر، بما يتعلق بملف المياه.
وشدد البستاني على أنّ التوجه الرسمي في البلاد يعمل على ترسيخ الارتباط بـما أطلق عليه “التبعية للمشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني”، من خلال ربط البلاد بإسرائيل بملفات استراتيجية كبرى مثل الطاقة والغاز والمياه.
في المقابل، “يعمل الإطار الشعبي كل ما في جهده لمقاومة التطبيع، ووقف إخضاع الأردن للعدو وربطه به، ورفض دعمه بمليارات الدولارات التي نحتاجها لتنمية الاقتصاد الأردني، وتوفير فرص العمل للأردن، بدلا من استخدامها لقتل الفلسطينيين”، وفق البستاني.
لذا يطالب المنسق العام لحملة غاز العدو المحتل على المستوى الشعبي، إلغاء جميع المعاهدات والاتفاقات المبرمة مع الجانب الإسرائيلي، والانفكاك الكامل عنه، وينسحب هذا على المياه، التي ينبغي استرداد حقوق الأردن منها، من خلال القضاء الدولي فيما يتعلّق بنهر الأردن، بحسب قوله.
ودعا إلى فرض الأمر الواقع فيما يتعلّق بنهر اليرموك، وبالتعجيل بإنشاء وتشغيل مشاريع سيادية وطنية خالصة مثل مشروع الناقل الوطني المعني بتحلية مياه خليج العقبة، ونقلها بالطاقة الشمسية إلى مختلف أنحاء البلاد.
حصة الفرد في الأردن يومياً مقارنة بالمتوسط العالمي
يبلغ متوسط الفرد عالمياً من استهلاك المياه يومياً 1000 متر مكعب، بحسب الأمم المتحدة.
في حين أن حصة الفرد في الأردن من المياه يومياً، تبلغ 61 متراً مكعباً، بحسب وزارة المياه والري الأردنية، وبذلك يُعدّ الأردن من أكثر دول العالم فقراً بحصة الفرد من المياه العذبة والمتجددة.
ويتوقع انخفاض حصة الفرد في الأردن من موارد المياه المتجددة السنوية من 61 متراً مكعباً إلى 35 متراً مكعباً في العام 2040 “في حال بقاء كميات المياه المتوفرة عند مستوياتها الحالية”، بحسب الاستراتيجية الوطنية للمياه، في وقت يبلغ معدل الشح المطلق العالمي 500 متر مكعب.
بحسب سلطة المياه في الأردن، فإن حاجة المملكة السنوية من المياه تقدر 1.5 مليار متر مكعب لمختلف الاستخدامات للمواطنين، مقارنة بالتزويد المائي السنوي الذي يبلغ 1.1 مليار متر مكعب حالياً، ما يعني عجزاً مائياً يقدر بـ400 مليون متر مكعب.
لكن الأردن يحتاج إلى “11 مليار متر مكعب من الماء سنوياً حتى يكون مكتفياً ذاتياً في إنتاج غذائه”، بحسب تصريحات لوزير المياه والري السابق محمد النجار.
إلا أن الأردن يمتلك ما نسبته 10% فقط من كميات المياه لتحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الغذاء، تصل إلى 1.1 مليار متر مكعب فقط، مقارنة بالـ 11 مليار متر مكعّب سنوياً المطلوبة للاكتفاء.