أصدر العاهل المغربي محمد السادس، الاثنين، 29 يوليو/ تموز 2024، عفوًا ملكيًا عن صحفيين وناشطين بارزين بمناسبة الذكرى 25 لتوليه العرش، لتطوي البلاد ملفًا حقوقيًا استمر لسنوات وتحقق انفراجة سياسية.
ويأتي العفو الملكي بعد سنوات قضاها صحفيون في السجون، على رأسهم توفيق بوعشرين، وسليمان الريسوني، وعمر الراضي.
وشمل العفو الصحفيين يوسف الحيرش ورضا الطاوجني، والصحفيين المحكومين بالسجن مع وقف التنفيذ عماد استيتو وعفاف برناني. كما جرى العفو عن ناشطين سبق إدانتهم في المحاكم المغربية، بينهم المعطي منجب وهشام منصوري وعبد الصمد آيت عيشة.
ووفق مصادر حقوقية مغربية، صدر عام 2021 حكم بسجن الراضي 6 سنوات في تهمتي “اغتصاب وتخابر”، بينما كان يقضي الريسوني عقوبة السجن لخمس سنوات منذ 2020.
وبوعشرين صدر بحقه عام 2018 حكمًا بالسجن 15 سنة بتهم “جرائم جنسية”، في حين يرى حقوقيون وإعلاميون أنهم حوكموا بسبب آرائهم وعملهم الصحفي.
وفي مايو/ أيار 2024، قضت المحكمة الابتدائية بالقنيطرة (غرب)، على الإعلامي يوسف الحيرش، بالحبس النافذ عامًا ونصف، بتهمة إهانة موظف عمومي وإهانة هيئات منظمة وتوزيع معلومات صادرة بشكل سري دون موافقة صاحبها.
وفي أبريل/ نيسان 2024، حكم على الإعلامي محمد رضا الطاوجني بالسجن 4 سنوات، بتهم انتحال مهنة ينظمها القانون، وإهانة موظف عمومي.
العفو الملكي خلّف ارتياحًا لدى الأوساط السياسية والحقوقية والإعلامية في البلاد، خاصة بعد تحذيرات في تقارير محلية ودولية من تشديد الخناق على الصحفيين.
وقال رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، عبد الكبير اخشيشن، إن العفو “التفاتة ملكية إنسانية بارزة، ورسالة تهدف إلى تعزيز مسار الإصلاحات المنتظرة بجرعات تمكننا من إعادة الاعتبار للممارسة المهنية النبيلة”.
وأضاف اخشيشن في تصريح صحفي، أن العفو “يتماشى مع التحولات والإصلاحات التي حققتها البلاد، ويعكس التفاعل الإيجابي مع منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بما في ذلك آليات هيئات المعاهدات والالتزامات الاتفاقية”.
فتيحة الشريبي، والدة الصحفي المفرج عنه عمر الراضي، أعربت في تصريح للأناضول عن سعادتها بالعفو الملكي.
وقالت الشريبي إن فرحة الإفراج عن صحفيين ومدونين “غير مكتملة”، لأن الحقوقيين كانوا ينتظرون إفراجًا شاملاً عن قادة حراك الريف أيضًا.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2016 شهدت مدينة الحسيمة وعددًا من مدن وقرى منطقة الريف (شمال) احتجاجات شعبية للمطالبة بـ”تنمية المنطقة وإنهاء تهميشها”، وفق المحتجين.
وصدر عفو ملكي سابق بحق بعض المحكومين بهذا الملف، لكنه لم يشمل ناصر الزفزافي، المحكوم عليه بالسجن 20 عامًا، وأسماء بارزة أخرى، وُجّهت لهم تهم مثل “المساس بالسلامة الداخلية للمملكة”.
من جهته، وصف سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة السابق الخطوة بأنها “عيد وطني كبير، يفرح معه الحقوقيون وكل محبي الوطن”.
وفي منشور له بمنصة فيسبوك، أشاد العثماني بهذه الخطوة التي شملت أيضًا مدانين بمقتضيات قانون مكافحة الإرهاب.
والاثنين، أصدر العاهل المغربي عفوًا ملكيًا شمل 2476 شخصًا، بينهم 16 من المحكومين في قضايا التطرف والإرهاب، بعدما أعلنوا “تشبثهم بثوابت الأمة ومقدساتها وبالمؤسسات الوطنية، وبعد مراجعة مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية ونبذهم للتطرف والإرهاب”.
وأقرّ المغرب في العام 2016، استراتيجية جديدة تتعلق بالمعتقلين وموظفي السجون، تهدف إلى ضمان أمن وسلامة النزلاء، وتشمل “أنسنة ظروف الاعتقال” و”إعداد المعتقلين للاندماج الاجتماعي والاقتصادي”.
كذلك شمل العفو ثلاثة ناشطين من مناهضي التطبيع بين المغرب وإسرائيل، وهم مصطفى دكار وسعيد بوكيوض وعبد الرحمان زنكاض، المعتقلين على خلفية تدوينات انتقدوا فيها التطبيع.
وأشادت الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة (غير حكومية) بهذه الخطوة، خاصة أنهم كانوا يقضون أحكاما بلغت سنة ونصف في حق دكار، وثلاث سنوات في حق بوكيوض، وأربع سنوات في حق زنكاض.
وقال الحقوقي خالد البكاري، للأناضول، إن العفو الملكي “له دلالات منها المسطورية (صلاحيات دستورية) والحقوقية والسياسية”. وأوضح أن الجانب المسطوري يتعلق بكون الملك “أعمل صلاحيته الدستورية بإصدار العفو بعد انتهاء المسلسل القضائي”.
وأكد أنه “لا حل لهذا الملف إلا بالعفو الملكي الذي جاء ليصحح أخطاء شابت المحاكمات، بشهادة تقارير وطنية ودولية”.
وبحسب البكاري، فإن الدلالة السياسية تتمثل في كون هذه الخطوة “تحمل مؤشرات انفراج سياسي وحقوقي، خاصة أن العفو شمل مجموعة من الصحفيين والنشطاء”.
وتوقع الحقوقي المغربي إجراء “خطوات مماثلة لتوسيع فضاء الحريات والحقوق في البلاد”.
وعبر حقوقيون وإعلاميون وأكاديميون عن سعادتهم بالعفو الملكي، في منشورات على منصات التواصل الاجتماعي.
وقال الأكاديمي سلمان بونعمان، على فيسبوك: “عيد وطني كبير بطعم الحرية والبهجة، عفو ملكي يرتقي بالوطن إلى المستقبل”.
كما أعرب مصطفى الرميد، وزير العدل المغربي السابق، عن شكره لملك البلاد نظير هذه الخطوة.
وفي منشور له على فيسبوك، قال الرميد: “ما زلنا نظن بملكنا خيرا، وننتظر منه المزيد، وعسى أن يكون ذلك قريبا”.