منذ عدة أشهر٬ رصدت دول المنطقة وجود تشويش يتكرر في تطبيقات الخرائط التي تعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي GPS “جي بي أس”٬ حيث تعطي هذه التطبيقات المستخدمين في دول الجوار مواقع مختلفة تماماً عن أماكن وجودهم. حيث تقول تقارير غربية إن الجيش الإسرائيلي يحاول عرقلة صواريخ موجهة من لبنان وغزة والتشويش عليها لمنعها من الوصول لأهدافها بدقة باستخدام أنظمة تشفير للمواقع متقدمة.
ويلحظ سكّان لبنان والأردن ومناطق من سوريا ومصر وحتى جزيرة قبرص بوتيرة متفاوتة، اضطراباً في عمل الخرائط الإلكترونية على غرار “غوغل مابس” المستخدم على نطاق واسع٬ لكن يبدو أن لبنان هو أكبر المتضررين من هذا التشويش الذي أعاق حتى حركة الطائرات وألحق الضرر بكثير من الرحلات الجوية التي تصل أو تغادر من مطار رفيق الحريري في بيروت.
وتشير تقارير إلى أن هذا الاضطراب في تحديد المواقع عبر تطبيقات النقل٬ يعود إلى استخدام إسرائيل أنظمة تشويش أمريكية حديثة في نظام تحديد المواقع العالمي٬ حيث يمكن لهذه التقنيات تزوير أو تضليل نظام تحديد المواقع العالمي، وهو تكتيك يُستخدم لإرسال إشارات GPS زائفة، بهدف تعطيل وتشويش قدرات الطائرات بدون طيار والصواريخ الموجهة بدقة على العمل أو ضرب أهدافها، والتي يمتلك حزب الله ترسانة كبيرة منها.
لماذا لبنان من أكبر المتضررين من التشويش الإسرائيلي على نظام GPS لتحديد المواقع؟
ومع استمرار المواجهات بين إسرائيل وحزب الله وتصاعد حدتها في الفترة الأخيرة، استخدم الحزب أسلحة متطورة من الصواريخ والمسيرات، ما دفع إسرائيل إلى استخدام التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في لبنان. هذا التشويش، تسبب في اضطرابات كبيرة في حركة النقل الجوية والبرية، مما أثر سلبا على حياة الناس اليومية وسلامة الطيران المدني.
واستدعى التشويش تقديم لبنان في 16 يوليو/تموز 2024 شكوى إلى الأمم المتحدة ضد إسرائيل لتشويشها على أنظمة تحديد المواقع العالمي (GPS). وقالت وزارة الاتصالات اللبنانية عبر بيان٬ إنها تقدمت عبر وزارة الخارجية بشكوى ضد إسرائيل إلى كل من الأمم المتحدة والاتحاد الدولي للاتصالات.
ومنذ شن حربها على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تشوش إسرائيل على أنظمة “GPS” في مطار رفيق الحريري الدولي، ومناطق لبنانية عدة، خصوصا في الجنوب وبيروت، وفق اتهامات لبنانية رسمية. ولم تعلق إسرائيل على الاتهامات اللبنانية حتى اليوم. وفيما لم تتضح أهدافها من التشويش، يقول مراقبون إن التشويش يستهدف كل الأجواء اللبنانية بغية السيطرة عليها، وعرقلة عمل المسيرات ضدها، لكن الخطر الأكبر يطول المطار.
يقول هشام الناطور، خبير التطوير التكنولوجي لوكالة الأناضول، إن موضوع تشويش GPS في لبنان طرح من جديد وأحدث ضجة كبيرة، وذلك بعد تقديم لبنان شكوى رسمية للأمم المتحدة ضد إسرائيل.
ولفت الناطور إلى أن هذه المشكلة تؤثر بشكل أساسي على نظامي الملاحة البحرية والجوية في مطار رفيق الحريري، في لبنان وعلى جميع التطبيقات الإلكترونية التي تستخدم الملاحة الجوية”. واعتبر أن ما تقوم به إسرائيل من تشويش على نظام GPS، يعرضها لعقوبات دولية وضغوطات من دول أخرى بسبب هذه الممارسات”.
وأوضح أن هذا الموضوع أحدث جدلا كبيرا في لبنان وأدى تحويله إلى قضية رسمية، وتوجيهه الى الأمم المتحدة لإيجاد حل لهذه المشكلة وما ينتج عن ذلك من اضرار كبيرة في جميع المجالات”.
ما هو نظام GPS لتحديد المواقع العالمي؟
بدأت الولايات المتحدة الأمريكية مشروع نظام الملاحة العالمي لتحديد الموقع أو ما يعرف اختصاراً بـ(GPS) (Global Positioning System) في عام 1973 وذلك للتغلب على قيود نظام الملاحة السابق، حيث دمجت أفكار سابقة من ضمنها دراسات هندسية سرية من ستينات القرن الماضي.
وطورت وزارة الدفاع الأمريكية هذا النظام، الذي استعمل في الأصل 24 قمراً صناعي لاستخدامات عسكرية. وأصبح النظام يعمل بشكل كامل في 1995 وقد أدى التقدم في التكنولوجيا والاستخدامات الجديدة للنظام إلى تحديث نظام الـ GPS وتنفيذ الجيل القادم منه.
وأنشئ النظام أساساً أثناء الحرب الباردة لأغراض عسكرية بحتة وذلك لتوفير نظام ملاحي للجيش الأمريكي وحلفائه لمساعدة الطائرات والقطع البحرية للوصول لأهدافها في مختلف الأحوال الجوية. وقد كانت الأجهزة الأولى أضخم مما يمكن لجندي المشاة حمله بالسهولة اللازمة وفيما بعد طُوِّر النظام للاستخدام في الأسلحة الموجهة.
نما نظام تحديد المواقع العالمي GPS بسرعة كبيرة ليصبح تقنية عسكرية أساسية، إذ لا يقتصر استخدامه على توجيه السفن والطائرات فحسب، بل يساعد أيضاً في توجيه الصواريخ والقذائف والطائرات المسيرة لإصابة أهدافها بدقة. ويمكن لنظام GPS تحديد موقع الجنود بشكل فردي وتخفيف حالات الفوضى المحتملة في خطوط الإمداد اللوجستية بالإضافة إلى العديد من التطبيقات الأخرى.
ويقول تقرير لمجلة breaking defense الأمريكية إن نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) العسكري لعب دوراً حاسماً في تغيير مفهوم الحرب الحديثة٬ وذلك من خلال عملية تحديد التهديد وتعقبه والاشتباك معه وتدميره. واليوم لا يستطيع المخططون العسكريون رسم مسار مراحل المعارك للتعامل مع الخصوم بدون هذا النظام.
كيف يحصل التشويش على نظام GPS؟
يقول الخبير اللبناني هشام الناطور في هذا الإطار إلى أنه يتم إغراق موجات GPS بموجات مشابهة لها، أو عبر موجات أقوى منها بالتردد، فيتم التشويش عليها بنفس الطريقة، ويحصل عندها الخطأ في إشارة GPS التي تتوجه إليها الهواتف والأجهزة. والتشويش يتم عبر منصات موجودة في البحر أو اليابسة، بواسطة أجهزة إلكترونية متطورة، تبث هذه الإشارات وما تقوم به إسرائيل هو التشويش عبرة أنظمة متطور جدا تعمل بالذكاء الصناعي”.
وقال الناطور، إن لبنان لا يستطيع التصدي أو مواجهة التشويش، إلا عبر التفاوض، مثل تقديم الشكوى إلى مجلس الأمن الدولي بخصوص موضوع “GPS” أو الاستعانة بنظام بديل مثل نظام غلوناس الروسي glonass
ما الحلول أو البدائل الممكنة؟
يعد نظام glonass الروسي٬ نظام ملاحة قديم ومعروف، ويتم تطويره تباعاً ويمكن اعتماده كنظام بديل عن نظام GPS ومن المفترض أن يكون متوفراً في كافة المطارات في العالم بحال حدث أي عطل بنظام “GPS”.
ورأى الخبير الناطور أن نظام غلوناس هو بديل مؤقت يجب أن تتبعه الدولة اللبنانية واستخدامها في نظام الملاحة ولفت إلى أنه يمكن للبنان الاستفادة من المهارات التي يمتلكها بهذا المجال في تطوير نظام ملاحة أو الاستثمار بنظام لمواجهة التشويش الذي يحصل من قبل إسرائيل.
وبحسب الناطور فإن التشويش يؤثر سلباً على الملاحة البحرية والجوية٬ فقد يؤدي إلى صعوبة في توجيه السفن والطائرات، مما يزيد من مخاطر الحوادث ويؤثر على السلامة العامة للمواطنين أو المسافرين.
وفي إبريل/نيسان الماضي٬ لم تتمكن طائرة تابعة للخطوط الجوية التركية من الهبوط في مطار رفيق الحريري في بيروت٬ واضطرت إلى العودة إلى نقطة انطلاقها في تركيا.
وأوعزت المديرية العامة للطيران المدني في لبنان بدورها في تعميم إلى الطيارين الذين يسيّرون طائرات من وإلى مطار بيروت “بضرورة الاعتماد على
التجهيزات الملاحية الأرضية
وعدم الاعتماد على الإشارة التي يلتقطونها عبر “جي بي إس” نتيجة التشويش القائم في المنطقة.
وللتشويش تأثير سلبي على السياحة والأعمال التجارية، وخاصة أن لبنان يعتمد بشكل كبير على موسم الصيف في السياحة، التي تعتمد على التقنيات الحديثة مثل GPS لتسهيل التنقل وإدارة الأعمال.