خطاب مليء بالتضليل، هكذا وصف خطاب نتنياهو أمام الكونغرس من قبل عدد من وسائل الإعلام المرموقة وحقوقيين.
وتظهر المقارنة بين الادعاءات التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال خطابه، والمعلومات المتوفرة من الجهات الموثوقة، أنَّه خطاب دعائي لا صلة له بالواقع.
في هذا التقرير نرصد عدداً من الادعاءات الواردة في خطاب نتنياهو أمام الكونغرس مقارنة بالمعلومات والحقائق المثبتة من الجهات الدولية والرسمية المعنية.
الادعاء الأول: إسرائيل تقدم مساعدات كافية لغزة ولكن حماس تسرقها
وصف نتنياهو اتهام المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إسرائيل بتجويع سكان غزة عمداً، بأنه هراء مطلق، وتلفيق كامل. وزعم أن إسرائيل سمحت لأكثر من 40 ألف شاحنة مساعدات بالدخول إلى غزة. وأردف قائلاً، “هذا نصف مليون طن من الطعام!”.
ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، دخلت 28018 شاحنة مساعدات إلى غزة منذ بدء الحرب. ولم تعد الطرق المؤدية إلى القطاع تشمل معبر رفح، الذي اقتحمته القوات الإسرائيلية في أوائل مايو/أيار، مما قلص إلى حد كبير إمدادات المساعدات إلى المناطق الجنوبية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardianالبريطانية.
وقال مصدر مطلع في وكالة “أونروا”، في تصريح سابق للأناضول، إن 2435 شاحنة مساعدات دخلت إلى غزة منذ 7مايو/أيار الماضي، منها 954 شاحنة لمحافظتي غزة والشمال، و١481شاحنة إلى جنوب القطاع.
وقال المصدر ذاته إنّ “شاحنات المساعدات الواصلة إلى غزة، تحمل الدقيق والأرز والمعلبات الغذائية، وغالبيتها للمطبخ العالمي الأمريكي، ولا تكفي ولا تلبي الاحتياجات الملحة لسكان القطاع”.
وحذرت جماعات الإغاثة والأمم المتحدة من أن مئات الآلاف من سكان غزة يواجهون المجاعة وأن القطاع على شفا كارثة.
وقال نتنياهو إن إسرائيل قدمت أغذية تعادل أكثر من 3300 سعرة حرارية يوميًا.
من جانبه، قال سكوت بول، المدير المساعد للسلام والأمن في منظمة أوكسفام أمريكا، إن تقديرات نتنياهو “لا تتماشى مع ما يراه المجتمع الإنساني في الوقت الحقيقي”، حسبما نقلت عنه صحيفة The New York Times الأمريكية.
وأشار بول أيضًا إلى أن القصف الإسرائيلي دمر قدرة سكان غزة على إنتاج الغذاء، وارتفعت الأسعار بشكل كبير في القطاع، ويواجه عمال الإغاثة عددًا من العقبات البيروقراطية والتأخير.
وأضاف بول: “إن كمية الشاحنات أو السعرات الحرارية غير مناسبة تمامًا، في حين تبقى الحقيقة أن قطاع غزة بأكمله معرض لخطر المجاعة”.
وخلص تحليل أجرته منظمة أوكسفام في أبريل/نيسان، باستخدام بيانات من الأمم المتحدة، إلى أن الناس في شمال غزة، إحدى المناطق الأكثر تضررًا، يعيشون على 245 سعرة حرارية فقط في اليوم – أي أقل بكثير من الـ 3000 سعرة حرارية التي ذكرها نتنياهو وأقل بكثير من متوسط السعرات الحرارية اليومية الموصى بها.
والنتيجة أن الوضع في غزة كارثي، حسب وصف the Guardian.
وهناك خطر كبير ومستمر من حدوث مجاعة في جميع أنحاء قطاع غزة بأكمله… إن الطبيعة المطولة للأزمة تعني أن هذا الخطر لا يزال مرتفعًا على الأقل كما كان في أي وقت خلال الأشهر القليلة الماضية.
وفي 7 يونيو/حزيران، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” إن 9 من بين كل 10 أطفال في غزة يعانون من نقص خطير في الغذاء، وأن سوء التغذية يزيد من الخطر على الحياة في القطاع.
وفي إحصائية للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فإن 34 فلسطينيًا، أغلبهم من الأطفال، استشهدوا نتيجة المجاعة في مناطق متفرقة من القطاع، حسبما ورد في تقرير للأناضول.
وحذرت ثلاث عشرة منظمة دولية وإنسانية، في تقرير نشرته الخميس، من تواصل تعطل وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية المدمرة.
وحذرت “أطباء بلا حدود”، وهي إحدى هذه المنظمات، من “تفاقم الكارثة الإنسانية بالقطاع، في حين تستمر المنظمات غير الحكومية في مواجهة العقبات التي يفرضها استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية البرية”.
وأكدت المنظمة أن “المعابر في جنوب القطاع مغلقة تماماً، أو لا يمكن الوصول إليها من الناحية اللوجستية، بسبب تدهور الأوضاع الأمنية”، لافتة إلى أن “أطناناً من المساعدات الضرورية جداً معرقلة هناك”.
وادعى نتنياهو في كلمته أمام الكونغرس أن الفلسطينيين يعانون الجوع “لأن حماس تسرق المساعدات”، على حد زعمه، متجاهلاً ما أكدته تقارير إعلامية غربية وإسرائيلية من أن أحد أسباب أزمة الجوع في غزة هو مهاجمة الاحتلال لموظفي حكومة غزة بما فيها الشرطة، الأمر الذي يؤدي إلىفوضى في توزيع المساعدات وتعرضها أحياناً للنهب من قبل اللصوص.
الادعاء الثاني: عدد القتلى المدنيين بغزة هو الأقل في حروب المدن
زعم نتنياهو أن عدد القتلى في غزة جراء الحرب التي تشنها إسرائيل “هو الأقل في تاريخ حروب المدن”، مدعيًا أن حماس “تنشر الأكاذيب للضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب”.
أسفرت حرب إسرائيل على غزة عن نحو 129 ألف قتيل وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال، حتى مساء الأربعاء، بحسب وزارة الصحة بغزة، والتي تحظى بمصداقية دولية وينظر لها عادة أنها أقل من الواقع لأنها لا تذكر إلا المتوفين والمصابين المسجلين لدى المؤسسة الصحية وهي مسألة صعبة في حالة الحرب الحالية.
وخلال تسعة أشهر من الحرب، استُشهد أكثر من 39 ألف شخص، وفقًا لمسؤولي الصحة في غزة.
وفي مايو/أيار، زعمت إسرائيل أنّ عدد القتلى الفلسطينيين بلغ نحو 14 ألف مقاتل و16 ألف مدني.
وستكون هذه نسبة تقارب 0.8 حالة وفاة بين المقاتلين مقابل كل حالة وفاة مدنية، حسبما ورد في تقرير صحيفة نيويورك تايمز.
في المقابل، تُظهر حرب أوكرانيا معدل وفيات للمدنيين أقل بكثير من حرب غزة، علمًا بأن الحرب دارت في مدن ومناطق ريفية على حد سواء، وكانت بين دولتين قوميتين، واستمرت لوقت أطول بمقدار مرتين من مدة الحرب بين إسرائيل وحماس.
وأدى هذا الصراع إلى مقتل أكثر من 11 ألف مدني. وقدّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في فبراير أن حوالي 31 ألف جندي أوكراني قُتلوا، بينما قدر المسؤولون الأمريكيون العدد بـ 70 ألفًا في الصيف الماضي. وستكون هذه نسبة 2.8 إلى 6.4 حالة وفاة بين المقاتلين مقابل كل حالة وفاة مدنية.
ويظهر أن حرب غزة أكثر دموية بكثير بالنسبة للمدنيين مقارنة بحرب روسيا على أوكرانيا التي قوبلت بإدانات وعقوبات غير مسبوقة من الغرب.
وقال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الدكتور رامي عبدو، للأناضول: “الاحتلال الإسرائيلي قتل خلال العدوان على رفح أكثر من 620 فلسطينيًا على الأقل بينهم أطفال ونساء مدنيات”.
وأضاف: “دمرت قوات الاحتلال أكثر من 70 بالمئة من البنية التحتية في المحافظة، بما يشمل الطرق وشبكات المياه والصرف الصحي، وخزانات وآبار المياه، والسوق المركزي، ومرافق البلدية”.
الادعاء الثالث: الجيش الاسرائيلي يبلغ المدنيين بعملياته قبل تنفيذها
هاجم نتنياهو اتهام المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لإسرائيل باستهداف المدنيين عمدا. وزعم أن الجيش الاسرائيلي أسقط ملايين المنشورات، وأرسل ملايين الرسائل النصية، وأجرى مئات الآلاف من المكالمات الهاتفية لإبعاد المدنيين الفلسطينيين عن طريق الأذى.
وتقوم قوات الاحتلال الإسرائيلية بالفعل في بعض الأحيان بإسقاط منشورات أو إرسال رسائل نصية للفلسطينيين لتحذيرهم من نيتهم مهاجمة منطقة ما. لكن مثل هذه الإجراءات غالباً ما تفشل في منع المدنيين من الوقوع في منطقة حرب، كما اتضح هذا الأسبوع عندما أصدرت القوات الإسرائيلية أمر إخلاء يؤثر على ما يقدر بنحو 400 ألف شخص في خان يونس.
وقال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أوتشا: “صدر أمر الإخلاء في سياق الهجمات المستمرة التي يشنها الجيش الإسرائيلي ولم يُمنح المدنيين الوقت لمعرفة المناطق التي يتعين عليهم المغادرة منها أو إلى أين يجب أن يذهبوا. وعلى الرغم من أمر الإخلاء، استمرت العمليات العسكرية الإسرائيلية في المنطقة وما حولها دون هوادة.”
أوامر الإخلاء الصادرة عن الجيش الإسرائيلي تَعنِي أن العديد من الناس في غزة اضطروا إلى الفرار مراراً.
في وقتٍ سابق من هذا الشهر، قال أندريا دي دومينيكو، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إن تسعين بالمئة من سكان غزة أجبروا على الفرار مرة واحدة على الأقل، والعديد منهم تعرضوا للتهجير والنزوح نحو عشر مرات.
وفي حين صنفت القوات الإسرائيلية مناطق معينة مثل المواصي على أنها “مناطق إنسانية”، فقد كانت هناك غارات جوية على مناطق تم تصنيفها سابقًا على أنها آمنة مثل مذبحة المواصي.
وتقدر وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، الأونروا، أن أكثر من ثمانين بالمئة من إجمالي مساحة أراضي قطاع غزة “وضعت تحت أوامر الإخلاء أو تم تحديدها كمنطقة محظورة”.
وقد أكد الفلسطينيون ومنظمات الإغاثة مراراً أنه لا يوجد مكان آمن في غزة. ووصف أوتشا أوامر الإخلاء الجماعي بأنها “مربكة”، وقال إن القوات الإسرائيلية تصدر هذه المطالب حتى يهرب المدنيون بينما تكثف الهجمات على هذه المواقع أو الأماكن نفسها التي يمكن للمدنيين استخدامها كطرق للهروب.
وقالوا إن هذه الخيارات “تضع المدنيين في خطر أكبر وقد تزيد من الضرر الذي يلحق بهم”.
وفي 6 مايو/ أيار الماضي أعلن الجيش الإسرائيلي بدء عملية عسكرية في رفح متجاهلاً تحذيرات دولية من تداعيات ذلك على حياة النازحين بالمدينة، وسيطر في اليوم التالي على معبر رفح الحدودي مع مصر.
وكان يتواجدُ في المدينة نحو 1.4 مليون نازح، سبق أن دفعهم الجيش الإسرائيلي للنزوح إليها قسرا، بزعم أنها “آمنة” قبل أن يشن عليها هجوماً برياً وغارات جوية مكثفة أسفرت عن قتلى وجرحى.
وفي 29 مايو/أيار، أعلنت مديرة التواصل والإعلام في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، جولييت توما، خلال تصريح صحفي في نيويورك، مقتل ما لا يقل عن 200 شخص جراء الهجوم الإسرائيلي على مخيم للنازحين الفلسطينيين في رفح.
وفي 25 من الشهر الماضي، قالت مسؤولة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في غزة (أوتشا) ياسمينة جيردا، إن أكثر من 200 شخص من العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية قُتلوا في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، علماً بأن مرافق وعربات المؤسسات الإنسانية الدولية تكون معروفة جيداً لجيش الاحتلال وهذا مؤشر قوي على تعمد الاحتلال قتل المدنيين الفلسطينيين حتى من أصحاب المهام التي تحظى بحماية خاصة في القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وسبق أن طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، لمسؤوليتهما عن “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية” في غزة.
الادعاء الرابع: الحرب هي الوسيلة لإطلاق الأسرى الإسرائيليين
ادعى نتنياهو أن الحرب في غزة قد تنتهي غداً إذا استسلمت حماس ونزعت سلاحها وأعادت جميع الرهائن، ولكن إذا لم يفعلوا ذلك فإن إسرائيل سوف تقاتل حتى تدمر قدرات حماس العسكرية، وتنهي حكمها في غزة وتعيد جميع الأسرى.
ولم يرد أي ذكر لوقف إطلاق النار في خطاب نتنياهو، على الرغم من أنه أشار إلى المفاوضات الجارية.
وأشاد بالعملية العسكرية الإسرائيلية التي حررت أربعة رهائن لكنها قتلت ما لا يقل عن 274 فلسطينياً الشهر الماضي.
ولا يزال هناك ما يقدر بنحو 114 أسيراً إسرائيليًا في غزة وفقًاللتقديرات الأخيرة، على الرغم من أن هذا يشمل عدداً غير معلوم من الأسرى القتلى.
وأكد نتنياهو، الذي وعد بـ”النصر الكامل” خلال خطابه، أن الضغط العسكري على حماس هو وحده الذي سيدفعها إلى التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار. كما أصر على بقاء القوات الإسرائيلية في غزة على المدى الطويل وأن تكون قادرة على مواصلة القتال حتى لو وافقت على وقف مؤقت للأعمال العدائية.
تعلق صحيفة الغارديان قائلة إن أولئك الذين لديهم معرفة وثيقة بمفاوضات الرهائن، وكثيراً من الإسرائيليين ومنهم عائلات الرهائن، يتهمون نتنياهو بالوقوف في طريق التوصل إلى صفقة.
وفي استطلاع للرأي نشرته القناة 12 الإخبارية الإسرائيلية قبل وقت قصير من سفر رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن، يعتقد ثلثا الجمهور الإسرائيلي أن إعادة الرهائن أكثر أهمية من مواصلة القتال في غزة، وأن “النصر الكامل” لنتنياهو غير مرجح.
“إن الضغط العسكري الذي دام أكثر من تسعة أشهر لم يسفر إلا عن مقتل الرهائن والعديد من الفلسطينيين غير المقاتلين.
وقال المفاوض الإسرائيلي السابق غيرشون باسكن إن المفاوضين الإسرائيليين يجب أن يختتموا المفاوضات “ويعرضوها على الشعب حتى يعرف الجميع أن رئيس الوزراء هو الذي يعرقل الصفقة”.