على مدى ثلاثة أيام تعيش محاكم المغرب حالة من الشلل التام بعد قرار نقابة المحامين في المغرب الدخول في إضراب عام بدأ الثلاثاء 23 يوليو/تموز 2024، احتجاجا على “قانون المسطرة المدنية” الذي سيتم عرضه على مجلس النواب المغربي الثلاثاء للمصادقة عليه.
وحسب جمعية المحامين المغاربة فإن ما دفعهم للاحتجاج هو ما تضمنه قانون المسطرة المدنية الجديدة من مقتضيات قالت إنها “غير دستورية ومهددة لمهنة المحاماة بالاغتيال والذبح”، وفق ما جاء في مؤتمر صحفي عقدته الجمعية مساء الإثنين 22 يوليو/تموز 2024.
بينما انتقد وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، ما اعتبره “أحكاماً مسبقة” بشأن قانون المسطرة المدنية الجديدة التي يتم عرضها على البرلمان. فما الذي يخيف المحامين في المغرب ودفعهم للإضراب؟ وما هي البنود التي جاء بها المسطرة المدنية وتخالف الدستور؟
جدل قانون المسطرة المدنية
مباشرة بعد أن صادقت لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب المغربي، الجمعة 19 يوليو/تموز 2024، على مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد الذي تقدم به وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، بدأت فصول المواجهة بين جمعية المحامين والحكومة.
حيث نبهت “جمعية هيئات المحامين”، في بيان لها، السبت 20 يوليو/تموز 2024، “بخطورة ما ينطوي عليه المشروع من تراجعات ومساس خطير بحقوق المتقاضين وبالمكتسبات الدستورية والحقوقية وبالأمن القانوني والأمن القضائي”.
كما أشارت إلى “إصرار غير مفهوم للحكومة على تمرير مقتضيات هذا المشروع رغم مساسه الخطير بالمكتسبات الوطنية في العدالة”، وقالت إن مشروع القانون يضم “تراجعات خطيرة تضرب في العمق الدور الرئيسي والمركز الاعتباري للمحاماة واستقلالها”.
بينما قال وزير العدل المغربي في تصريحات سابقة إن مشروع قانون المسطرة المدنية يأتي في إطار “استكمال النصوص المهيكلة لإصلاح منظومة العدالة، باعتباره الشريعة العامة لإجراءات التقاضي أمام المحاكم”، على حد تعبيره.
وأكد عبد اللطيف وهبي خلال تقديمه عرضا حول أهم مستجدات مشروع قانون المسطرة المدنية، والذي قدمه أمام مجلس الحكومة، أن المشروع يتضمن مستجدات كثيرة. لكن بعض هذه المستجدات لاقت معارضة كبيرة من قبل المحامين المغاربة وذهبوا إلى أن بعض بنود هذا القانون الجديد “مخالفة للدستور المغربي”.
رئيس جمعية هيئات المحامين المغاربة، النقيب الحسين الزياني، اعتبر خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد الإثنين أن مشروع المسطرة المدنية “يحمل تراجعات ويتضمن مساسا خطيرا بالموروث التاريخي لمهنة المحاماة ولمجال العدالة”.
بنود “غير دستورية” في القانون الجديد
حسب جمعية هيئات المحامين في المغرب فإن قانون المسطرة المدنية الجديد “يتضمن بنودا غير دستورية ولا يوفر التقاضي العادل للمواطنين ويضعف كذلك وزن المحامين ضمن مجال العدالة بالمملكة، ويضعف دور الدفاع هو الآخر”.
وأوضحت المحامية في هيئة الرباط الأستاذة مونية بوجبهة، أن من بين الأمور التي جاء بها القانون وأثارت حفيظة المحامين هي إحداث “مكاتب وسطاء” ستكون لهم مهمة التدخل لحل النزاعات قبل أن يلجأ المتقاضي إلى المحامي.
كما أضافت المحامية بوجبهة في تصريح لـ”عربي بوست” أن من بين التعديلات التي جاء بها القانون الجديد إلغاء دور المحامي في بعض مراحل التقاضي، وفرض غرامة على المحامي في حال لم يصدر حكم لصالحه في بعض الدفوعات الشكلية التي يقوم بها في مراحل التقاضي.
من بين “التراجعات الخطيرة” التي تضمنها مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد، ما يشمل مسطرة التبليغ والتنفيذ حيث مثلا “ينص إذا لم يتوفر المتقاضي على عنوان الشخص الذي يريد التبليغ عنه فالمحكمة ستقضي بعدم قبول الطلب”.
كما انتقد المحامون المغاربة تسقيف الطعن في مرحلة الاستئناف في 30 ألف درهم، وتنصيص مشروع القانون على الطعن بالإلغاء أمام رئيس المحكمة الابتدائية، وهو ما اعتبره المحامون “طعن جديد لا تتوفر فيه شروط المحاكمة العادلة”.
في المقابل أكد وزير العدل المغربي، أن من بين المستجدات تعزيز دور القضاء في ضمان حسن سير العدالة والارتقاء بمستوى أدائها، وتبسيط المساطر والإجراءات وتيسير سبل الولوج إلى العدالة وتقليص الآجال وتقنين الطعون.
كما تشمل المستجدات، إدماج التقاضي الإلكتروني ورقمنة الإجراءات القضائية المدنية من خلال إحداث مجموعة من المنصات الإلكترونية التي تهم المحامين والمفوضين القضائيين والخبراء والعدول والموثقين والتراجمة المحلفين المقبولين أمام المحاكم.
وأيضا، حسب الوزير المغربي، يهدف القانون الجديد إلى تعزيز فعالية ونجاعة القضاء من خلال تنظيم وضبط آلية التصدي أمام محكمة الدرجة الثانية ومحكمة النقض، وإحداث مؤسسة جديدة لقاضي التنفيذ وتيسير مساطر وآجال التنفيذ.
كيف يستهدف القانون الجديد المحامين؟
حسب رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، فإن مشروع قانون المسطرة المدنية
الجديد
الذي قدمه وزير العدل للبرلمان، “يحمل تراجعات ويتضمن مساسا خطيرا بالموروث التاريخي لمهنة المحاماة ولمجال العدالة”.
كما شدد الحسين الزياني على أن هذه التراجعات التي تضمنها قانون المسطرة المدنية الجديد “تمس بدستور المملكة وبالخطب الملكية وبما ورد ضمن تقرير النموذج التنموي”، وفق تعبيره.
وقال رئيس جمعية هيئات المحامين “لا يمكن أن نقبل أن يتم النظر إلينا كصِفْرٍ في مجال العدالة، ونحن كجمعية للمحامين مؤمنون بالحوار ولا صراع لنا مع أحد، بل نبحث عمن لديه صراع معنا لأن المحاماة يمكنها أن تعاني من القرار السياسي”.
كما أشار إلى أن اختيار المحامين لطريق الحوار “ليس ضعفا أو استسلاما بل واجبا واختيارا نابعا من قناعات وفكرة مهنة المحاماة؛ فنحن لسنا ضد التجديد القانوني بتاتا، ولذلك قدمنا مقترحات لم تجد للأسف آذانا صاغية”.
فيما قال نقيب هيئة المحامين بالرباط، عزيز رويبح، إن مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد “ضد مهنة المحاماة ويُبخس أدوارنا وتطلعاتنا وما نريده للعدالة في بلدنا هذا؛ فهو في الأساس لا يتماشى ومغرب اليوم ولا يستجيب لكل الأصوات التي تريد إصلاح منظومة العدالة”.
كما أضاف رويبح أن “العدالة لا يمكن أن تكون قوية بمحاماة ضعيفة ومستهدفة، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال تصور عدالة بدون ما ينص عليه الدستور وما جاء في خطابات الملك التي تركز على أن قلب إصلاح العدالة هو المواطن والمتقاضي”.
لكن بالنسبة لوزير العدل المغربي فقال ردا على النقاش الذي صاحب إنزال مشروع قانون المسطرة المدنية “الحقيقة أن المتتبع لهذا النقاش المتعلق بمشروع المسطرة المدنية يتواجه مع عدة أحكام مسبقة وجاهزة بشكل أولي”.
كما أوضح في مقال نشره موقع حزب الأصالة والمعاصرة الذي ينتمي إليه الوزير: “القول بأن مشروع قانون المسطرة المدنية يتضمن مجموعة من المقتضيات المخالفة للدستور، كان منهجيا يستلزم استعراض أوجه هذه المخالفة بشكل علمي رصين، في إطار الترافع الفكري والقانوني المنتج، الذي من شأنه أن يشكل إبداعا اقتراحيا وجديا لتفادي كل القصور الذي يمكن أن يعتري النص القانوني”.