كان لافتًا عشوائية تنفيذ قرار الحكومة المصرية إغلاق المحال التجارية في الساعة العاشرة مساءً، من منطقة لأخرى لتوفير الكهرباء. إذ رصدت “عربي بوست” أن الشوارع الرئيسية بمنطقة وسط القاهرة تلتزم بشكل كامل بقرار الحكومة المصرية الذي أصدرته قبل أيام، لكن الوضع بقي مختلفًا في الشوارع الجانبية بمناطق كثيرة مثل عابدين وأحياء أخرى قريبة من منطقة السيدة زينب، وهي إحدى المناطق الشعبية القريبة من وسط القاهرة، ما دفعنا للتعرف على أسباب التفاوت في عملية الإغلاق.
فساد العاملين بالأجهزة المحلية
في البداية أكد محمد سمير، وهو صاحب أحد محال الأحذية بمنطقة السيدة زينب، أن الأجهزة المحلية تقوم بعمل دوريات مكثفة مع تمام العاشرة، لكنها سرعان ما تختفي بعد خمس أو عشر دقائق على الأكثر، موضحًا أنه خلال مرور الدوريات يقوم أصحاب المحلات بإطفاء الإضاءة للإيحاء، بغلقها لكن الأمور تعود كما هي، وأن اليوم الأول لتطبيق قرار غلق المحال بداية هذا الشهر كان الأكثر التزامًا.
وأضاف لـ”عربي بوست” أنه يستمر في فتح محله حتى الثانية صباحًا، لكنه يعاني في الوقت ذاته من مشكلة أخرى تتمثل في أن العاملين بحي السيدة زينب يقومون بجولة على الأرجل دون الاستعانة بعربات رفع الإشغالات ومعهم محاضر يهددون بها من يرفضون دفع إتاوات لهم، ويضطر أصحاب المحلات لدفعها بدلاً من تطبيق القانون عليهم والذي ينص على عقوبات تبدأ بغرامة من 300 جنيه لـ 4 آلاف جنيه وتصل إلى الحبس والأشغال الشاقة لمخالفي القرارات وتجاوز الميعاد المحدد، مشيرًا إلى أن 1000 جنيه تكفي لأن يظل المحل مفتوحًا لمدة يومين قبل أن يعاود هؤلاء المرور مرة أخرى.
وأشار إلى أن أصحاب المحلات الصغيرة الذين يعانون بالأساس من ضعف الإقبال عليهم نتيجة الأوضاع الاقتصادية الراهنة يلجئون إلى غلقها خوفًا من دفع أي إتاوات تسبب لهم خسائر، وهؤلاء يعانون أزمات جمة قد يترتب عليها إجبارهم على إغلاق محالهم بشكل نهائي مع زيادة مصروفات التشغيل وتراجع ساعات العمل والتي تكون ذروتها عقب صلاة العشاء التي تكون قريبة من موعد بدء قرار غلق المحلات.
وبحسب محمد حمدي، وهو صاحب أحد محال لعب الأطفال الشهيرة بشارع طلعت حرب بمنطقة وسط القاهرة، فإن ما يحدث في الشوارع الجانبية يختلف تمامًا عن الشوارع الرئيسية وأن دوريات الشرطة لا تتوقف عن المرور بشكل مستمر للتأكد من الالتزام بمواعيد الإغلاق الرسمية. ورغم أن المحال التجارية التي تعمل في الشوارع الرئيسة تكون تكلفة التشغيل لديها أعلى وتتعرض لخسائر أكبر إلا أنه يتم تطبيق القانون عليها بشكل صارم وأن من يفكر في فتح محله بعد توقيت الغلق تقع عليه الغرامة مباشرة.
وأوضح أن أشهر الصيف بمثابة موسم بالنسبة إليه ولغالبية المحال التجارية في منطقة وسط القاهرة، وأن من يرتاد القاهرة حتى من غير سكانها تكون وجهته الأولى إلى منطقة “وسط البلد”، مقدرًا حجم الخسائر خلال الأسبوع الماضي بعشرات الآلاف.
يؤكد التاجر على أنه في حال استمرت الحكومة المصرية بقرارها الخاص بغلق المحال التجارية في العاشرة مساءً لفترة تصل إلى شهرين، فإنه سيتم الاستغناء عن الجزء الأكبر من العاملين بهذه المحلات، مشيرًا إلى أنه أضحى الآن يعمل فترة واحدة بدلاً من فترتين في السابق، وأن مواعيد عمل محله أضحت من الساعة الواحدة ظهرًا وحتى العاشرة مساءً في حين أنه بالسابق كان يعمل حتى الثانية صباحًا وكانت الفترة الأولى من الواحدة وحتى السابعة والثانية تستمر لنهاية عمل اليوم.
وأكد على أن قطع الكهرباء في توقيت مبكر يهدد بعودة العشوائية إلى منطقة وسط القاهرة بعد محاولات التخلص منها، لأن أصحاب المحال لم يعد لديهم سبيلاً نحو الاستمرار في عملهم سوى افتراش الأرصفة والشوارع، وأن الشوارع الرئيسية أضحت تشهد ظاهرة تواجد أصحاب المحال بالقرب من الباعة الجائلين لتسويق منتجاتهم بخاصة أصحاب محال الملابس، ويكون ذلك مقابل دفع إتاوات للعاملين بالأجهزة المحلية والجميع يتعامل مع الوضع الحالي على أنه مؤقت ولا يمكن الاستمرار به لفترة طويلة.
ويبلغ عدد المحال في مصر بين خمسة وثمانية ملايين محل، تتوزع بين 316 نشاطًا ما بين تجاري وخدمي وترفيهي وحرفي، من بينهم قرابة أربعة ملايين محل غير مرخص، وفق إحصائيات غير رسمية.
قرار غلق المحال في صالح المقاهي
لم يختلف الوضع كثيرًا في محافظة الجيزة، وتحديدًا في شارع فيصل المعروف بالازدحام المستمر، إذ أنه يتحول إلى منطقة أشباح منذ العاشرة مساءً ويشكو المواطنون من تزايد عمليات السرقة على الشارع الرئيسي، والذي يعتمد بالأساس على إضاءة المحال التجارية ولا يوجد به أعمدة إنارة في غالبية المحطات، في حين أن الشوارع الجانبية تشهد حركة تجارية طبيعية مع شكاوى التجار من دفع الإتاوات للأجهزة المحلية التي تستفيد من عملية مخالفة القانون.
وقال صاحب مقهى بالقرب من ميدان الساعة في منطقة الطالبية بفيصل، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن اسمه، إنه يستمر للعمل حتى أذان الفجر لكنه يضطر في كل ليلة أن يستضيف موظفي الحي لمدة لا تقل عن ساعتين وهؤلاء يطلبون المشروبات والمأكولات من المحال القريبة من القهوة دون دفع حسابها، والأكثر من ذلك يحصلون على إتاوات يومية من أصحاب المحال التي تعمل.
وأضاف لـ”عربي بوست” أن المقهى يعمل بضعف طاقته في فترة ما بعد مواعيد قرار الإغلاق لأن أهالي المنطقة الذين يعتادون التواجد في مناطق التنزه والتسوق أضحوا يتواجدون في بيوتهم، مع تراجع معدلات العمل في المساء، ويبقى المقهى مكانًا ملائمًا لقضاء أوقات فراغهم حتى الصباح، ويمكن القول بأن قرار غلق المحال التجارية رغم الإتاوات التي يدفعها جاءت في صالحه.
يرى المصدر ذاته بأن العاملين بالأحياء والأجهزة المحلية ينتظرون مثل هذه القرارات التي تجعلهم يتربحون نتيجة إدراكهم عدم تقبل المواطنين لمسألة الإغلاق، لأن الثقافة العامة تعتبر أن التواجد في الشارع بفصل الصيف أمراً حتميًا ولا يمكن الاستجابة لمطالب البقاء في المنزل، وهؤلاء لديهم مشكلات أخرى تتعلق باستهلاك الكهرباء ويهربون من منازلهم إلى نسيم الهواء في الشوارع وأمام محال المشروبات المثلجة التي أيضًا تستمر في العمل بالشوارع الجانبية و تحظى بتواجد كبير من المواطنين وإن كانت تعمل على إطفاء أنوارها للإيحاء بغلقها.
يشير صاحب المقهى أن هناك مقاهي أوفر حظًا من قهوته المتواضعة، فهي لا تدفع إتاوات ولا رشاوي لأنها “مسنودة” ولها “ظهر” ولا تلتزم بقرار الإغلاق وتعمل طوال الليل لا عدد ساعات منه، وذلك لأن زبائنها من جهات عليا، وهناك مقهى يديره قريب له لكن المالك الأصلي ذو رتبة أمنية كبيرة، وهذا المقهى يعمل طول الليل أمام موظفي الحي.
موسم كارثي
وقررت الحكومة المصرية فتح المحال التجارية يومياً خلال الفترة من أول يوليو/ تموز الجاري وحتى نهاية يوم الخميس الأخير من شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، من الساعة السابعة صباحاً حتى العاشرة مساءً، وتزيد التوقيت يومي الخميس والجمعة وفي أيام الإجازات والأعياد الرسمية لتغلق الساعة الحادية عشرة مساءً، على أن تكون مواعيد فتح المولات التجارية يوميًا خلال الفترة المذكورة اعتبارًا من الساعة العاشرة صباحًا وتغلق الساعة الثانية عشرة منتصف الليل.
ويوضح مصدر مطلع بغرفة صناعة الملابس الجاهزة لـ”عربي بوست” أن الأوكازيون الصيفي لن يكون له وجود هذا العام إذا استمرت عملية الإغلاق، لأن الخسائر لدى المحال مضاعفة وهناك رغبة في الإبقاء على الملابس الموجودة لديهم حاليًا حتى الموسم المقبل، وليس التخلص منها بأسعار زهيدة. وفي كل الحالات فإن صناعة الملابس التي تنتعش في فصل الصيف تواجه هذا العام موسمًا كارثيًا، وليس من المستبعد أن يجد تجار الملابس أنفسهم داخل السجون بسبب مديونياتهم التي يتم سدادها على الأغلب في فصل الصيف.
ويضيف أن مصانع الملابس تضررت أيضًا لأن إنتاجيتها انخفضت خلال الأسبوعين الماضيين بسبب انقطاعات الكهرباء وغلق المحال مبكرًا بنسبة تصل إلى 40%، رغم أن محال الملابس ليست ضمن الفئة التي تستهلك كهرباء بمعدلات مرتفعة أسوة بمحلات الجزارة والسوبر ماركت ومحال بيع الفواكه والخضروات، لكنها تجد نفسها مرغمة على الإغلاق في موسمها الرئيسي خلال العام، لافتًا إلى أن الركود يستمر طوال أشهر الشتاء وتظهر الحركة في أشهر الصيف بدءًا من يونيو/ حزيران حتى آخر سبتمبر/ أيلول إلى جانب فترات الأعياد.
وذكر أن التفرقة بين المحال التجارية بشأن الالتزام بالإغلاق يجعل أصحاب المحال بالشوارع الرئيسية يبحثون عن تسويق بضاعتها لدى محال تعمل بشكل شبه طبيعي في الشوارع الجانبية، وكذلك في المناطق السياحية وأن بعض أصحاب محال الملابس بدأوا بالفعل في الاتفاق فيما بينهم على هذا الأمر للتقليل من الخسائر، كما تم الاتفاق على تقسيم ما سيتم دفعه من إتاوات وهو ما يخفف من خسائر الجميع في ظل الظروف الراهنة.
ينتظر المخالفون لمواعيد غلق وفتح المحلات، عقوبة المادة 30 من القانون رقم 154 لسنة 2019، والتي تنص على أنه “يُعاقب كل من قام بتشغيل محل دون ترخيص بغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تتجاوز 50 ألف جنيه”، وفي حال العودة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تتجاوز سنة، فضلًا عن غلق المحل على نفقة المخالف.
كما يُعاقب بالعقوبة من قام بتشغيل محل عام خاضع لأحكام هذا القانون دون إخطار مُسبق للمركز المختص أو إذا تضمن نموذج الإخطار بيانات غير صحيحة، والذي أتاح غلق المحال المخالفة مدد معينة أو سحب تراخيصها أو إزالة النشاط نهائيا مدى الحياة ودفع 20 ألف جنيه في حالة مخالفة مواعيد وضوابط القانون.
قرار اضطراري
يقول مسؤول سابق بوزارة الكهرباء إن المشكلة ليست فقط في القرارات ولكن أيضًا في عشوائية تطبيقها وفساد بعض الموظفين داخل الوزارات؛ فمثلا خطة تخفيف الأحمال لا تتسم بالعدالة من حيث تطبيقها على الجميع والسبب وجود موظفين بإدارة التحكم في شركات توزيع الكهرباء مسؤولون عن فصل التيار الكهربائي ومن المفترض أن يتم الفصل يدويا تطبيقًا لجدول زمني يساوي بين كل المناطق، لكن يحدث تلاعب من الموظفين ويقومون باستثناء مناطق ويحملون على أخرى لتحقيق نسبة التخفيض المطلوبة من الشركة.
من وجهة نظر المصدر، لا جدوى اقتصادية من فكرة غلق المحال التجارية في وقت مبكر، وأن القرار الحالي اضطراري بسبب نقص إمدادات الغاز الطبيعي، واستمرار مشكلات توفير العملة الصعبة بشكل طبيعي ومخاوف الحكومة من ظهور أزمة جديدة في سوق الدولار تؤدي في النهاية إلى إفشال جميع خطواتها السابقة التي هدفت من خلالها إلى استقرار أسواق الصرف.
وأكد لـ”عربي بوست” أن الحكومة لديها رؤية تقوم على أن تخفيف الأحمال في المساء مع غلق المحال التجارية يبقى خياراً أفضل من قطع الكهرباء من ساعتين إلى ثلاث ساعات خلال فترات النهار، لكن مع وجود مناطق شعبية وأخرى في الكومباوندات وكذلك في المدن الساحلية والمناطق السياحية لا تلتزم بالإغلاق فإن إجمالي ما يتم توفيره من كهرباء يبقى ضئيلاً للغاية، في حين أن هناك خسائر اقتصادية فادحة بمجرد الإعلان عن خطط تخفيف الأحمال بغلق المحال مبكرًا مع استمرار التوقيت الصيفي.
وأوضح أن حركة البيع والشراء تضررت بصورة بالغة خلال العشرة أيام الماضية وأن ذروة أوقات الشراء في فصل الصيف هي الأوقات التي قررت فيها الحكومة غلق المحال، وأن هذا التباطؤ سيكون لديه تأثيره المباشر على دورة الاقتصاد، في تلك الحالة ستجد الحكومة نفسها مضطرة للعودة إلى التشغيل الكامل كما كان الوضع في السابق، وفي كلا الحالتين سيكون من الصعب التعامل مع أزمة نقص الغاز الطبيعي مع زيادة الاستهلاك.
وشدد على أن الحكومة الجديدة إذا كان لديها بُعد نظر فإنها لابد أن تولي اهتماماً بالطاقة الشمسية، إذ إن مصر من بين الدول التي لديها شمس ساطعة طوال العام، ورغم ارتفاع تكاليف توليد الكهرباء في تلك الحالة فإن ذلك يبقى أقل ضرراً من استيراد شحنات غاز بمليارات الدولارات في ظل أزمة العملة الحالية، وأن الحكومة عليها أن تتخذ قرارات بالإعفاء الجمركي عن المنتجات المتعلقة بتوليد الكهرباء للتشجيع على تركيب ألواح الطاقة الشمسية، فإن مصر تعاني مشكلات جمة بشأن توفير الطاقة والوقود الأحفوري اللازم لتشغيل محطات الكهرباء وأنها سوف تستمر طويلاً.
وبلغ متوسط إنتاج مصر من الغاز الطبيعي نحو 6.2 مليار قدم مكعب يوميًا خلال العام المالي الماضي، بينما كان متوسط حجم الاستهلاك المحلي نحو 5.9 مليار قدم مكعب يوميًا، حسب وزارة البترول والثروة المعدنية، التي أشارت إلى استحواذ إنتاج الكهرباء على أكثر من نصف استهلاك الغاز الطبيعي في البلاد.
وذكر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أنه تم وضع خطة لتخفيف فترة انقطاع الكهرباء وتجاوز الأزمة في الصيف بتكلفة تقدر بمليار دولار، بجانب التعاقد على شحنات من المازوت تقدر بـ 300 ألف طن تصل بداية الأسبوع المقبل بتكلفة 180 مليون دولار.
أكد رئيس الوزراء أن مصر ستحتاج إلى استيراد ما قيمته نحو 1.18 مليار دولار من زيت الوقود والغاز الطبيعي من أجل التخفيف من انقطاع التيار الكهربائي، كما أنها تهدف إلى وقف قطع الكهرباء خلال أشهر الصيف المتبقية.