تركز قمة حلف شمال الأطلسي “الناتو” المنعقدة في واشنطن على
دعم أوكرانيا
وردع روسيا والتصدي للصين، فأين تقع
الحرب على غزة
من اهتمامات الحلف العسكري الغربي؟
“في
قمة الناتو
، غزة هي الفيل في الغرفة”، تحت هذا العنوان نشرت صحيفة
واشنطن بوست
الأمريكية تقريراً يرصد كيف أن العدوان الإسرائيلي المدمر على قطاع، والذي دخل شهره العاشر، لن يجذب “اهتماماً كبيراً” في القمة التي تستضيفها واشنطن بمناسبة مرور 75 عاماً على تأسيس الحلف العسكري الغربي.
ومصطلح “الفيل في الغرفة” في اللغة الإنجليزية يشير إلى قضية كبرى أو مشكلة ضخمة وجدلية يدرك المجتمعون مدى خطورتها أو أهميتها لكنهم يختارون “تجاهلها أو تجنب مناقشتها”.
وفي كلمته الافتتاحية، مساء الثلاثاء 9 يوليو/ تموز، ركز الرئيس الأمريكي
جو بايدن
على الحرب الروسية الأوكرانية، معلناً تزويد كييف بأنظمة دفاعية تكتيكية، واصفاً الدعم الأمريكي بأنه “هبة تاريخية” تتضمن المزيد من أنظمة باتريوت الصاروخية للدفاع الجوي.
لكن الحرب الإسرائيلية على غزة غابت تماماً عن كلمة بايدن وكلمة ينس ستولتنبيرغ، الأمين العام لحلف الناتو، الذي سيترك منصبه مطلع أكتوبر/ تشرين الأول المقبل لخليفته مارك روته، رئيس الوزراء الهولندي.
رغم الدمار والإبادة الجماعية، غزة “غائبة” عن قمة الناتو
في تقريرها عن قمة الناتو، قالت واشنطن بوست إنه في غضون أشهر فقط، أدى القصف الإسرائيلي على قطاع إلى نتائج تدميرية وخسائر في الأرواح لا تقارن بأي شكل من الأشكال بأكثر من عامين ونصف تقريباً مما نتج عن الحرب الروسية على أوكرانيا. “إذ تم سحق القطاع المكتظ بالسكان بشكل كامل، وسوف تستغرق عملية إعادة الإعمار، عندما تبدأ، عقوداً من الزمن. وتم إجبار معظم سكان غزة على النزوح من منازلهم (أكثر من مرة)، وتسود في القطاع مجموعة مترامية الأطراف من الأزمات الإنسانية، بما في ذلك، مجاعة شاملة، وفقًا لخبراء الأمم المتحدة”.
أدى العدوان الإسرائيلي إلى استشهاد ما يقرب من 40 ألف فلسطيني، بحسب السلطات المحلية وتقديرات الأمم المتحدة، غالبيتهم الساحقة من النساء والأطفال. بينما قدرت مجلة “لانسيت”، وهي مجلة طبية بريطانية، أن العدد الحقيقي للشهداء الفلسطينيين في قطاع غزة، بما في ذلك المفقودين تحت الأنقاض والوفيات “غير المباشرة” بسبب سوء التغذية والأمراض وغيرها من الظروف الناجمة عن العدوان الإسرائيلي المستمر، يمكن أن يصل إلى حوالي 186 ألف شخص، أي ما يقرب من 8% من سكان القطاع.
لكن على الرغم من ذلك، إضافة إلى عشرات القرارات الأممية التي تطالب إسرائيل بوقف إطلاق النار والدعاوى أمام المحكمة الجنائية بارتكاب الاحتلال جرائم إبادة جماعية في غزة والاحتجاجات المطالبة بلجم العدوان الإسرائيلي، تجاهلت واشنطن مستضيفة قمة الناتو إدراج العدوان الإسرائيلي على أجندة الاجتماعات، وهو ما يتناقض تماماً مع الموقف الغربي من الحرب الروسية الأوكرانية.
وفي هذا الإطار أعرب قادة بلدان ما يسمى ب”الجنوب العالمي” بالفعل عن انزعاجهم من هذه الازدواجية الفجة في المعايير. فعندما بدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، وهو ما يصفه الغرب بأنه “غزو عدواني غير مبرر”، قاد الغرب حملة الإدانة العالمية.
وكتب الرئيس الإندونيسي المنتخب برابو سوبيانتو في وقت سابق من هذا العام: “لقد دعا العالم إلى إدانة روسيا باسم حقوق الإنسان والقانون الدولي، لكن اليوم، تسمح نفس الدول بنشوب صراع دموي آخر، هذه المرة في غزة”.
تركيا تحاول.. ولكن!
خلف المداولات العاجلة التي يجريها حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشأن أوكرانيا يلوح في الأفق صراع آخر، بحسب تقرير الصحيفة الأمريكية. فمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أدت الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة إلى “إبعاد الاهتمام العالمي عن الغزو الروسي وأججت المشاعر بشأن النفاق الغربي الواضح”.
وأشار العديد من المنتقدين إلى الفجوة بين “الغضب الأمريكي والأوروبي بشأن مهاجمة روسيا للمستشفيات الأوكرانية وبين الهدوء النسبي (والصمت المطبق في أغلب الأحيان) مع قيام إسرائيل بشكل متكرر بتدمير المنشآت الطبية والمدارس في قطاع غزة”.
وفي قمة هذا الأسبوع، من غير المرجح أن تثير غزة الكثير من التعليقات المهمة، على الرغم من أن دولة عضو واحدة على الأقل تعتزم جعلها نقطة نقاش، فقبل وصوله إلى واشنطن، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ينتقد إسرائيل بشدة منذ بدء الحرب، إنه يريد تسليط الضوء على الكارثة في غزة “خلال قمة الناتو”.
وأعرب الرئيس التركي في بيان له عن أسفه لأن “المجتمع الدولي فشل في وقف إسرائيل في هذا الوضع المزري”، وأضاف أنه “من المستحيل أن يرتاح الضمير العالمي دون إقامة سلام عادل ودائم في فلسطين”. لكن تظل تركيا عضو واحد من بين 32 عضو في الناتو، وهو ما يعني أن قدرة أنقرة على التأثير الفعلي في جدول أعمال القمة يظل محدوداً للغاية.
على أية حال لا يبدو السلام قريباً لا في الشرق الأوسط ولا في أوكرانيا، التي تأمل قيادتها المحاصرة بشدة في تحويل دفة المعركة ضد آلة الحرب الروسية. لكن غياب الضغوط الغربية الفعلية على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو حتى إدانة الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف المدنيين، كما قال أحد المندوبين الأتراك البارزين لواشنطن بوست، يجعل احتضان الناتو الحماسي لأوكرانيا أكثر وضوحاً.
نعمان كورتولموش، رئيس البرلمان التركي، قال في مقابلة أجرته معه واشنطن بوست الاثنين 8 يوليو/ تموز في واشنطن: “من الواضح جدًا أن هذا نفاق، وازدواجية معايير. إنه نوع من العنصرية لأنه إذا كنت لا تقبل الضحايا الفلسطينيين على قدم المساواة مع الضحايا الأوكرانيين، فهذا يعني أنك تريد خلق نوع من التسلسل الهرمي داخل الإنسانية. إنه أمر غير مقبول”.
اكتشاف مقابر جماعية في خان يونس
عندما وقف بايدن في قاعة “أندرو دبليو ميلون” العملاقة في واشنطن مخاطباً قادة الحلف العسكري الغربي، كانت الأنباء القادمة من قطاع غزة مفزعة بشكل خاص؛ إذ تم اكتشاف مقابر جماعية في مدينة خان يونس وسط قطاع غزة كما استهدفت الطائرات الإسرائيلية 4 مدارس لجأ إليها نازحون فلسطينيون مما أدى إلى ارتقاء عشرات الشهداء غالبيتهم أطفال.
لكن أياً من هذه الجرائم المتكررة لم يقنع قادة الغرب بضرورة “مناقشة” قضية غزة “الغائب الحاضر في قمتهم. وكانت وزارة الخارجية التركية قد أكدت، الثلاثاء 9 يوليو/ تموز، أن اكتشاف المقابر الجماعية في خان يونس واستهداف 4 مدارس في الأيام الأربعة الماضية، يمثل “أدلة ملموسة على أن إسرائيل تهدف إلى القضاء على الشعب الفلسطيني بشكل كامل”.
“نُدين قتل إسرائيل عشرات المدنيين الأبرياء في مدرسة لجأ إليها الفلسطينيون في مدينة خان يونس بغزة”، بحسب بيان الخارجية التركية، مؤكداً أن “المقابر الجماعية التي تم اكتشافها في خان يونس، واستهداف 4 مدارس هناك في الأيام الأربعة الماضية هي أدلة ملموسة على أن إسرائيل تهدف إلى القضاء على الشعب الفلسطيني بشكل كامل”.
لكن حتى من المنظور السياسي الصارم، تمثل هذه الجرائم التي لا تتوقف حجر عثرة أمام المفاوضات المتجددة للتوصل إلى صفقة تبادل للأسرى تنهي الحرب، وهي الصفقة التي يريد بايدن وإدارته التوصل إليها على أمل مساعدة حظوظه في الانتخابات المقبلة في نوفمبر/ تشرين الثاني، والتي يبدو فيها الرئيس السابق والمرشح الجمهوري المحتمل دونالد ترامب أوفر حظاً حتى اليوم.
وحتى بالنسبة لباقي القادة الغربيين الحاضرين في قمة الناتو، يمثل فوز بايدن واستمراره في البيت الأبيض لفترة ثانية أمراً حيوياً للغاية، ففوز ترامب يسبب “حالة من الذعر” بسبب موقف الرئيس السابق من الحلف العسكري الغربي بشكل عام، وبالتالي يرى كثير من المحللين أنه كان أولى بقمة حلف الناتو إدراج “غزة” على أجندتهم، ولو من باب ممارسة “الضغط” على نتنياهو وحكومته.
ما ملفات الناتو في قمته بواشنطن؟
لكن المناقشات الفعلية التي يشهدها مركز المؤتمرات العملاق بوسط مدينة واشنطن سوف تركز على الأرجح على قضية واحدة فوق كل القضايا الأخرى؛ وهي قضية أوكرانيا، بحسب تقرير واشنطن بوست.
وفي حين أنه من غير المتوقع أن تتقدم كييف بدعوة مباشرة للانضمام إلى التحالف الذي ترغب فيه بشدة، فإن المسؤولين الأمريكيين وشركائهم يحشدون حزمة من الالتزامات السياسية والأمنية الأخرى لمساعدة أوكرانيا على تحويل دفة الحرب، التي تميل بشدة نحو موسكو على الرغم من المساعدات الغربية الهائلة التي تلقتها كييف منذ بداية الحرب.
أندريه يرماك، كبير موظفي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قال للصحفيين في واشنطن قبل القمة: “نتطلع إلى بعض القرارات الجادة والقوية من قمة واشنطن بشأن أنظمة الدفاع الجوي الملموسة لأنها واحدة من أكثر اللحظات الحاسمة في الحرب”.
وبدوره كشف الرئيس بايدن الثلاثاء عن خطط لتزويد أوكرانيا بدفاعات جوية إضافية. ولكن برغم أن البيان الختامي للقمة، الذي من المقرر أن توقعه كافة الوفود، قد يناقش مسار أوكرانيا نحو الانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي باعتباره “لا رجعة فيه”، إلا أنه لن يتم تحديد إطار زمني لهذه العملية. وبحسب ما نقلته واشنطن بوست عن مصادر مطلعة فإن بايدن متردد بشأن ضم كييف إلى التحالف، وقد كلف مساعديه بإدراج لغة في الوثيقة النهائية تؤكد على ضرورة إحراز تقدم في الإصلاحات السياسية وإصلاحات مكافحة الفساد التي لا يزال يتعين على أوكرانيا تحقيقها.