كشف باحثان في التضليل الإعلامي عن حملة على نطاق دولي تهدف إلى تشويه صورة دولة قطر بلغات عدة، بدأت نهاية عام 2023، وتتواصل مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة للشهر التاسع.
الباحثان مارك أوين جونز وسوهان دسوزا نشرا في تقرير مكون من 77 صفحة، أن الحملة تشارك فيها مواقع إلكترونية مشبوهة تدعو إلى مقاطعة الدوحة، بالإضافة إلى لوحة إعلانية في ساحة تايمز سكوير الشهيرة في نيويورك تنتقد المسؤولين في قطر ومئات الإعلانات التي تعتبر “تشهيرية” عبر منصة “فيس بوك” صادرة عن شبكة مع تشعبات فيتنامية، بحسب ما نقلت وكالة فرانس برس.
وبحسب التقرير، الـمدعّم بالصور والملصقات والأمثلة التي شكّلت المحتوى الأساسي لهذه الحملة فإن حملة التشهير تناولت موضوعات تتعلّق برهاب المسلمين والمهاجرين، وتتضمن إحداها دعاية معادية لقطر نُشرت في الولايات المتحدة خلال اجتماع لناشطين وسياسيين محافظين شارك فيه الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، فضلاً عن عريضة إلكترونية عبر موقع Change.org منسوبة إلى شخص ومنظمة وهميَين.
الحملات الإلكترونية وغير الإلكترونية التي تتسم، بحسب باحثين، بنقاط مشتركة على صعيد النشر والرعاية الإعلانية والمضيف الإلكتروني، تظهر السهولة التي يمكن فيها تشويه سمعة شخص أو صورة بلد برمته في زمن التضليل الإعلامي من دون أن يتعرض المرتكب الفعلي لأي خطر أو ملاحقة.
وفي إطار البحث عن نقاط شبه بين الهجمات المختلفة، اكتشف باحثون ووكالة الأنباء الفرنسية مجموعة كبيرة من الأشخاص بينهم قرصان معلوماتية فيتنامي ومدرّسة مؤثرة مرورا برجل دين مسيحي في الولايات المتحدة يعملون كلهم على ما هو ظاهر، على إخفاء الخيوط المؤدية إلى العقل المدبر للعملية.
“مضرة وخطرة”
ويبدو أن هذه الحملات تهدف إلى تعزيز مشاعر التشكيك حيال قطر، في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي خلال السنة الراهنة التي تشهد انتخابات كثيرة تنطوي على رهانات كبيرة.
والهدف الظاهر هو جعل “أي علاقة مؤسساتية مع قطر مضرة وخطرة”، على ما يقول الباحث في لندن سوهان دسوزا الذي كان يعمل سابقًا لحساب مركز الأبحاث الأمريكي “أم آي تي ميديا لاب”. ويضيف دسوزا “أن الهدف هو جعل إدارة النزاع الحالي في الشرق الأوسط أكثر صعوبة من خلال الضغط على قطر”، الوسيط بين إسرائيل وحماس.
ومن المواقع الإلكترونية الجديدة التي هاجمت قطر في الأشهر الأخيرة “Shame on Qatar” (العار لقطر) المتوافر بالإنكليزية والفرنسية والإسبانية والذي يتهم الدولة الخليجية بتمويل إرهابيين ويدعو إلى مقاطعة المؤسسات التي تشرف عليها مثل متاجر “هارودز” الشهيرة في لندن ونادي “باريس سان جرمان” الفرنسي لكرة القدم وفندق “نيويورك بلازا”.
وظهر هذا الموقع في إعلان خلال مؤتمر التحرك السياسي المحافظ Conservative Political Action Conference (CPAC) في شباط/فبراير الذي تكلم خلاله ترامب. ودعا الإعلان إلى فرض عقوبات على قطر، معتبرا أنها تشكل تهديدا أمنيا. ورفض المؤتمر الكشف لوكالة الأنباء الفرنسية عن الطرف الذي وضع الإعلان.
وظهر موقع إلكتروني آخر مناهض لقطر يحمل اسم “إتز إن يور هاندز” (It’s in your hands) الذي ينتقد الشيخة موزة، زوجة أمير قطر السابق ووالدة الأمير الحالي، متهما بلدها بدعم إرهابيين. وتتعرض الشيخة موزة لانتقادات لفشلها في تحرير الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة، مع أنها لا تضطلع بأي دور رسمي في جهود الوساطة التي تبذلها قطر.
كما ظهر شعار هذا الموقع الإلكتروني أيضا في شباط/فبراير خلال إعلان يستهدف الشيخة موزة بث في تايمز سكوير في نيويورك. وتعود ملكية اللوحة التي بث عليها الإعلان لشركة الإعلانات الأمريكية العملاقة “آوت فرانت ميديا”، وفق تحاليل اعتمدت على مصادر مفتوحة قام بها سوهان دسوزا ومارك أوين جونز الباحث في التضليل الإعلامي ومقره في قطر. ولم ترد “آوت فرانت ميديا” على أسئلة وكالة الأنباء الفرنسية بشأن هوية راعي هذه الدعاية.
عريضة مزيفة
يحيل موقع “إتز إن يور هاندز” أيضا إلى عريضة على موقع Change.org تستهدف والدة أمير قطر. وأطلق العريضة شخص قيل إنه يدعى “جون أندرسون” وقُدم على أنه رئيس منظمة تدعى “سيتيزنس أوف هيومان لايفز” (Citizens of Human Lives). ويفيد الباحثان بأن الرجل والمنظمة التي تقف وراء العريضة التي وقعها آلاف الأشخاص، لا وجود لهما بتاتا.
في مطلع السنة، نشرت المدرّسة الأمريكية كاترينا لانتوس سويت عبر منصة “إكس” صورة لها تحمل فيها لافتة لحملة مماثلة مناهضة للشيخة موزة خلال قمة حول الحرية الدينية في واشنطن إلى جانب العريضة المزيفة. وقالت متحدثة باسم لانتوس سويت لوكالة الأنباء الفرنسية إن مسؤولا إنجيليا أمريكيا يدعى جوني مور، وهو رجل أعمال ومدافع عن إسرائيل، طلب من المدرِّسة الترويج للافتة. وأضافت “لا نعرف من نظم هذه الحملة وكاترينا ليست على ارتباط بها بأي شكل من الأشكال”.
أما مور الذي يقدم نفسه عبر لينكد إن على أنه “صانع سلام” معروف بعمله “لا سيما في الشرق الأوسط”، فقد وافق بداية على طلب وكالة الأنباء الفرنسية إجراء مقابلة معه عبر “لينكد إن”، لكنه توقف عن الرد بعد سؤال عن تصريحات سويت وآخر عن ارتباطه بالحملة.
غير مسبوق
وكشف التقرير أنه في إطار عملية واسعة عبر “فيسبوك” التي تملكها مجموعة “ميتا”، استُخدمت آلاف الصفحات لتمرير أكثر من 900 إعلان مناهض لقطر يدعو الكثير منها إلى عزل قطر سياسيا ويتهمها بإذكاء هجرة المسلمين باتجاه أوروبا والترويج للإرهاب. وكانت الحملة نشطة أيضا عبر منصات “إكس” و”تيك توك” و”يوتيوب” فضلاً عن “ويكيميديا”. وإزاء ذلك، تحركت “ميتا” وخلصت إلى أن هذه التحركات المنسقة مصدرها فيتنام.
إلى ذلك، قالت مديرة الشؤون العامة في “ميتا” مارغريتا فرانكلين “لقد حددنا هذه الشبكة وألغيناها قبل حوالي شهرين”، مضيفة أن خلاصات الشركة ستنشر في تقريرها الفصلي حول التهديدات في آب/أغسطس. وقالت “عطلنا أيضا روابط تحيل على مواقع إلكترونية وحسابات إلكترونية لهذه الحملة حتى لا يتم تشاركها عبر منصتنا”.
“وسيط”
لكن في مؤشر إلى أن الحملة لم تضعف، لا تزال هذه الإعلانات تصل إلى ما لا يقل عن 41 مليون شخص، على ما أفاد مارك أوين جونز وسوهان دسوزا اللذان أشارا إلى بيانات مصدرها مكتبة الإعلانات في “فيسبوك”. وكلفت هذه الإعلانات الواردة بلغات عدة بينها الإنجليزية والفرنسية والعربية، 270 ألف دولار، وفق تقدير حذر للباحثين.
وتشكل فيتنام سوقاً سوداء معروفة لتبادل حسابات “فيسبوك” مقرصنة من أجل نشر إعلانات، لكن الباحثين شددوا على أن فيتنام ليست مصدر الحملة المناهضة لقطر. وأوضح جونز لوكالة الأنباء الفرنسية “إنها مجرد وسيط”.
وبواسطة بيانات مكتبة الإعلانات في “فيسبوك”، تمكن الباحثان من الوصول عبر بعض الصفحات إلى شركة “ال تي ميديا” الفيتنامية للتسويق التي تدور حولها شبهات.
وفي اتصال أجرته معه وكالة الأنباء الفرنسية، نفى ممثل عن هذه الشركة قَدّم نفسه على أنه لي فان تين، أن يكون على علم بأي شكل من الأشكال بهذه الحملة، مؤكداً أنه باع صفحات إلى زبائن مجهولين عبر “تلغرام”.
وأكد كذلك أنه تعرض للقرصنة وفقد الوصول إلى خاصية التحكم بإدارة عدة صفحات وحسابات خاصة بشركته (Business manager) على “فيسبوك”، وهي سجل مركزي يسمح بإدارة عدة صفحات وحسابات في وقت واحد، مع أنه نشر توجيهات تدريبية عبر “يوتيوب” حول كيفية الالتفاف على هذه القيود. وكتب في رسالة عبر “واتساب”، “لا أريد متاعب. أنا مجرد وسيط”.