تتعالى الأصوات داخل الحزب الديمقراطي مطالبة
جو بايدن
بعدم الترشح، فما احتمالات اقتناع الرئيس العجوز بهذا المطلب؟ وهل تكون ميشيل أوباما، وليست كامالا هاريس، الورقة الأقوى لهزيمة دونالد ترامب؟
هذه التساؤلات باتت أهم ما يشغل الديمقراطيين منذ
المناظرة
بين الرئيس الحالي بايدن وخصمه اللدود والمرشح الجمهوري المحتمل
دونالد ترامب
، في ظل الأداء الضعيف للرئيس البالغ من العمر 81 عاماً، رغم أن ترامب يصغره بأربع سنوات فقط.
أُصيب الديمقراطيون بحالة من الهلع حرفياً خلال وبعد المناظرة، التي استضافتها شبكة CNN مساء الخميس 27 يونيو/ حزيران الماضي، وبدأ الحديث يتصاعد بشأن ضرورة إقناع بايدن بالاكتفاء بفترته الرئاسية الحالية والانسحاب من
الانتخابات المقبلة
في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وإلا فإن ترامب، الرئيس السابق الذي هزمه بايدن قبل 4 سنوات، سيعود إلى البيت الأبيض لا محالة.
هل يمكن إجبار بايدن على الانسحاب؟
نظراً للتعقيدات الشديدة التي تغلف عملية اختيار الحزب لمرشحه في الانتخابات الرئاسية، قد لا تكون هناك إجابة قاطعة على مثل هذا السؤال. فبايدن حتى الآن هو المرشح المحتمل الوحيد تقريباً للحزب الديمقراطي، وهو الترشيح الذي سيتم حسمه رسمياً خلال المؤتمر العام للحزب الديمقراطي، المقرر انعقاده في الفترة من 19 حتى 22 أغسطس/ آب المقبل.
لكن ليس من غير المألوف أن يتخلى الرئيس الحالي عن حملة إعادة انتخابه، وإن كان ذلك أمراً نادرً، بينما لم يتم أبداً ممارسة ضغوط على أي رئيس للانسحاب من حملة إعادة انتخابه بسبب مخاوف بشأن لياقته العقلية، بحسب تقرير لشبكة
CNN
الأمريكية، التي تدعم الديمقراطيين.
المشكلة الأكثر إلحاحاً بالنسبة للديمقراطيين في الوقت الحالي هي أنه إذا انسحب بايدن الآن، وهو الأمر الذي لم يُظهر الرئيس حتى الآن أي علامة على استعداده القيام به، فسيكون ذلك قراراً فريداً من نوعه في التاريخ، أي أنه لم يحدث قط.
نعم، انسحب رؤساء من حملة إعادة انتخابهم من قبل؛ هاري ترومان وليندون جونسون وكالفين كوليدج. لكن ترومان أعلن انسحابه قبل 295 يوماً من موعد إجراء الانتخابات (كان ذلك عام 1949)، بينما أعلن جونسون الانسحاب قبل 297 يوماً (كان ذلك عام 1965)، أما كالفين كوليدج فقد أعلن انسحابه قبل 580 يوماً من إجراء الانتخابات (كان ذلك عام 1925).
أما إذا أعلن بايدن انسحابه اليوم (8 يوليو/ تموز)، فسيكون ذلك قبل 196 يوماً فقط من موعد الانتخابات المقررة يوم 5 نوفمبر/ تشرين الثاني، وهو وقت ضيق للغاية بالنسبة للمرشح/ المرشحة الذي سيحل محله.
كما أن أحد أجراس الخطر بالنسبة للديمقراطيين الذين يفترضون أن مرشحًا أصغر سنًا من الرئيس جو بايدن سيكون أداؤه أفضل ضد الرئيس السابق دونالد ترامب يتمثل في أن الجمهوريين فازوا في المرتين اللتين انسحب فيهما رئيس مؤهل لإعادة انتخابه من الحملة الانتخابية.
هل تكون ميشيل أوباما “المرأة المعجزة”؟
هناك بالطبع شخصيات سياسية في الحزب الديمقراطي يمكنها أن تحل محل جو بايدن، على رأسهم كامالا هاريس نائبة الرئيس، لكن هذه ليست القضية الرئيسية بالنسبة لواضعي الاستراتيجية في الحزب الأكبر في أمريكا (الحزب الديمقراطي)، فالمهم هو أن يكون المرشح/ المرشحة قادراً على هزيمة دونالد ترامب، الذي تضعه جميع استطلاعات الرأي في المقدمة.
هل تكون “ميشيل أوباما البديل النهائي لجو بايدن؟”، تحت هذا العنوان نشر موقع
ناشيونال إنتريست
الأمريكي تحليلاً، اعتماداً على أحدث استطلاع رأي يكشف أن زوجة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، هي الشخصية الديمقراطية “الوحيدة” التي يمكنها أن تتغلب على ترامب في نوفمبر/ تشرين الثاني.
موقع
ذا هيل
التابع للكونغرس نشر أيضاً نتائج نفس الاستطلاع تحت عنوان “ميشيل أوباما الشخصية الديمقراطية الوحيدة التي يمكنها أن تهزم ترامب”. والأمر نفسه تكرر مع غالبية وسائل الإعلام التي تميل إلى دعم الديمقراطيين، فهل ميشيل أوباما أحد المرشحين بالفعل للفوز بدعم الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة؟
كلا! ليس هذا فحسب، لكن السيدة الأولى سابقاً لم تظهر في أي فعالية من فعاليات الحملة الانتخابية لجو بايدن حتى الآن، ولم تدعمه علناً، بل تشير تقارير متعددة إلى أنها “غاضبة” من آل بايدن بشكل عام بسبب معاملتهم لطليقة هانتر بايدن، وهي صديقة مقربة من ميشيل أوباما.
إذ تنظر أوباما إلى معسكر بايدن بعين الريبة ورفضت القيام بأي نشاط لدعم حملة إعادة ترشحه، فيما يفسره البعض على أنه إجراء انتقامي للمعاملة السيئة لصديقتها كاثلين بوهلي، الزوجة السابقة لهانتر بايدن. ورغم أن باراك أوباما قد حضر كثيراً من حملات جمع التبرعات لبايدن، إلا أن زوجته لم تظهر قط بجواره في تلك المناسبات، بل وتجنبت حفل عشاء رسمي للرئيس الكيني ويليام روتو في مايو/ أيار الماضي، وهي أول مرة تغيب فيها ميشيل أوباما عن حفل كهذا لرئيس أفريقي منذ 16 عاماً.
على أية حال، تتفوق ميشيل أوباما على جميع منافسيها المحتملين، بما في ذلك كامالا هاريس، وغافين نيوسوم، وغريتشين ويتمر. إذ قال 50% من الناخبين إنهم سيصوتون لأوباما مقابل 39% فقط يفضلون ترامب.
ما الذي قد تفعله ميشيل أوباما؟
من الواضح أن الديمقراطيين وعدد لا بأس به من الناخبين المستقلين ينظرون إلى ميشيل أوباما على أنها “المرأة المعجزة”، وأن لديها عصا سحرية يمكنها أن تعيد توحيد الحزب الديمقراطي.
مؤرخة جامعة هارفارد جيل ليبور، في كتابها “التاريخ السري للمرأة المعجزة”، ترى أن أوباما تشكل نوعاً من الحلقة المفقودة في قصة الحركة النسوية على مدى القرن الماضي. ولعل ترشيح أوباما المحتمل قد يلعب دوراً محورياً مماثلاً بالنسبة للمرشح الحالي، المحاصر على عدد من الجبهات، بدءاً من الإجهاض إلى المساواة في الأجور.
لكن أوباما أشارت باستمرار إلى أنها لا ترغب في الترشح للرئاسة. وكانت تشعر بعدم الارتياح بشكل واضح إزاء ترشح زوجها للانتخابات الرئاسية في عام 2012، فأخبرته بأنها لن تدعم المحاولة الثانية إذا فشل.
ومن المؤكد أن أوباما تدرك أن شعبيتها ستبدأ في التضاؤل بمجرد دخولها إلى الحلبة السياسية. ففي الوقت الحالي، ليست مضطرة إلى اتخاذ مواقف بشأن قضايا مثل الحرب الأوكرانية أو الضرائب وما إلى ذلك. وطالما ظلت بعيدة، فإن الناخبين سيسقطون عليها أي تطلعات لديهم.
لكن رفضها الركض وراء الحصول على ترشيح الحزب قد يزيد من شعبيتها. ومع ذلك، كما لاحظ المحلل ستيف بنين، لا ينبغي تجاهل ظاهرة أوباما باعتبارها عرضاً جانبياً يكشف نقاط ضعف بايدن، ويؤكد أن “هناك شهية سياسية واسعة لشخص آخر غير الرؤساء السابقين”.
الديمقراطيون “حائرون” للغاية!
تفيد جميع التقارير الآن، سواء تلك الصادرة عن قيادات الحزب الديمقراطي أو حتى من داخل حملة بايدن الانتخابية، إلى وجود حالة من “الحيرة”، إذ يقوم زملاء الرئيس الديمقراطيين بتقييم “عيوت ومزايا”، إبقاء بايدن في السباق. فبعد ظهر الأحد 7 يوليو/ تموز، عقد زعيم الأقلية في مجلس النواب، حكيم جيفريز، اجتماعاً مع كبار المشرعين الديمقراطيين، أوردت تقارير أنه تضمن مناقشة قضية ترشيح بايدن، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية
BBC
.
أربعة من المشاركين في ذلك الاجتماع قالوا صراجة إنهم يعتقدون أن بايدن يجب أن ينسحب، بحسب تقرير لشبكة CBS الأمريكية، بينما قالت مصادر إن ثلاثة آخرين على الأقل أعربوا عن قلقهم بشأن فرص الرئيس في الفوز بانتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني.
في الوقت نفسه، أعرب عدد من كبار الشخصيات الديمقراطية عن مواقفهم في مقابلات متلفزة خلال عطلة نهاية الأسبوع، بهدف الإجابة على السؤال: هل البقاء مع بايدن أم تركه أكثر خطورة؟
يقول البعض إن الحزب قد يتجه إلى الهزيمة أمام دونالد ترامب في نوفمبر/ تشرين الثاني إذا لم ينسحب بايدن من السباق، لكن آخرين يقولون إن استبداله يعني الكثير من الأمور المجهولة وغير المتوقعة، أقلها مسألة ضيق الوقت.
لكن حتى الآن يبدو أن عدد المشرعين الديمقراطيين الراغبين في أن ينسحب بايدن يفوق عدد من يدعمون بقائه في السباق الانتخابي، بحسب تقرير لشبكة
CNN
؛ ومن بين المعارضين علناً لاستمرار بايدن في السباق هناك النواب مارك تاكانو وآدم سميث وجيم هايمز وجو موريلي وجيري نادلر وسوزان وايلد.
كما عبر مشرعون آخرون بشكل علني عن الرأي نفسه، ومنهم لويد دوغيت وسيث مولتون وراؤول غريفالجا وإنجي كريغ ومايك كويغلي. في المقابل لم يدعم بايدن خلال تلك المناقشة مع جيفريز سوى النائبة ماكسين ووترز والنائب بوبي سكوت.
بايدن لا ينوي الانسحاب حتى الآن!
على الجانب الآخر، لم يبد بايدن أي نية للانسحاب من السباق، بل رفع راية التحدي في وجه الجميع، إنه حتى لم يعترف بأن أدائه كان ضعيفاً “لهذه الدرجة” أمام ترامب في تلك المناظرة، وسعى منذ تلك الليلة إلى إحياء جهود إعادة انتخابه التي تبدو محاصرة حتى من قيادات حزبه.
ووسط حالة عدم اليقين هذه، ظهر بايدن الأحد في تجمعين انتخابيين في ولاية بنسلفانيا، وهي أحد الولايات المتأرجحة بشكل رئيسي، وهي الولايات التي ستحمل كلمة الفصل في تقرير الفائز في الانتخابات الرئاسية.
ومساء الجمعة، أجرى بايدن أول مقابلة له منذ المناظرة مع ترامب، إلا أن “الرئيس بدا أضعف من أن يتمكن من هزيمة الرئيس السابق دونالد ترامب، وأكثر توهماً لدرجة أنه لا يفكر أصلاً في الانسحاب من السباق”، كما جاء في تقرير لموقع
Vox
الإخباري الأمريكي.
فبينما سعى الرئيس إلى التقليل من المخاوف بشأن ترشيحه، إلا أن اللقاء مع جورج ستيفانوبولوس من شبكة ABC الإخبارية “يجب أن يزيد من قلق القادة الديمقراطيين”. فقد بدا بايدن أقل مرضاً وارتباكاً مما بدا عليه في مناظرة الأسبوع الماضي أمام ترامب، إذ جاء الأداء أفضل، لكنه لا يزال أداء سيئاً. ولم يبد بايدن أدنى قدر من الاستعداد لرفع الراية البيضاء أو الانسحاب من السباق، وهو ما يشير إلى أن مسألة إقناعه بذلك تتطلب إظهار قدر هائل من “التحدي دون عدوانية” من جانب قيادات الحزب الديمقراطي في الكونغرس.
الخلاصة هنا هي أن تلك المناظرة، التي استضافتها شبكة CNN بين
جو بايدن
وخصمه اللدود الرئيس السابق والمرشح الجمهوري المحتمل دونالد ترامب، بدت وكأنها كلمة النهاية بالنسبة لبايدن، الذي بدا عجوزاً، وهذه ليست القضية فهو بالفعل أكبر رئيس أمريكي سناً على مدار التاريخ ويقترب من عامه الثاني والثمانين، فالأخطر أن “علامات الخرف” كانت بادية عليه تماما منذ اللحظة الأولى للمناظرة. لم يدخر غالبية الديمقراطيين وسعاً في إظهار مشاعرهم المذعورة وبدا أن إعلان انسحاب بايدن ربما يكون مجرد ساعات أو أيام، لكن بعد 10 أيام من تلك المناظرة، لا يزال بايدن مصراً على مواصلة حملته الانتخابية وكأن شيئاً لم يحدث، فهل تشهد الفترة المقبلة إعلاناً درامياً من قبيل اختيار كامالا هاريس أو حتى ميشيل أوباما بديلاً عن بايدن؟