الأخبار

تروج لتغييرات عالمية مزلزلة.. هل نجحت روسيا والصين في تحويل منظمة شنغهاي إلى كتلة خارجة عن نفوذ الغرب؟

تتحول منظمة شنغهاي للتعاون تدريجياً إلى حد كبير لنادٍ للدول التي ترفض الانصياع للهيمنة الغربية، ففي إعلان مشترك صدر عن قمة المنظمة التي عقدت بأستانا عاصمة كازاخستان الخميس 4 يوليو/تموز 2024، أشارت الدول الأعضاء إلى ما وثصفته بـ”تغييرات مزلزلة في السياسة الدولية” متوقعة قريباً.

ويتوزع أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون على دول تشغل مساحة واسعة من الكرة الأرضية من روسيا إلى الصين، ويمثلون أقل قليلاً من نصف سكان العالم، وانضمت إليها

بيلاروسيا

لتصبح بذلك العضو العاشر فيها، وقبل ذلك إيران وهما بالإضافة

إلى

موسكو دول محاصرة من قبل الغرب.

وخلال القمة، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ يوم الأربعاء للمرة الثانية خلال عدة أشهر، حيث طالبا بإقامة نظام عالمي “متعدد الأقطاب” لمواجهة الهيمنة الأمريكية الأحادية التي تتعامل بها مع دول العالم الأخرى.

وأكد بوتين خلال الجلسة العامة للمنظمة، أن إعلان أستانا “يؤكد التزام جميع المشاركين في منظمة شنغهاي للتعاون بتشكيل نظام عالمي عادل متعدد الأقطاب”.

من جهته، أكد نظيره الصيني أنه “من الأهمية بمكان أن تضع منظمة شانغهاي للتعاون نفسها على الجانب الصحيح من التاريخ، إلى جانب العدالة والإنصاف”.

وكان بوتين وشي قد التقيا آخر مرة في شهر مايو/أيار عندما زار زعيم الكرملين بكين للتأكيد على شراكتهما الوثيقة في مواجهة الكتلة التي تقودها الولايات المتحدة وأكدا سعيهما إلى تعزيز عالم أكثر “تعدداً في الأقطاب”.

ما هي منظمة شنغهاي للتعاون؟

تأسست منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2001 وضمت الصين وروسيا مع دول آسيا الوسطى كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان لمناقشة المخاوف الأمنية في آسيا الوسطى والمنطقة المحيطة بها.

ثم توسعت منظمة شنغهاي في السنوات الأخيرة لتشمل باكستان والهند وإيران، إضافة إلى  الدول المراقبة وشركاء الحوار وهم تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر، وقطر.


وركز المنتدى لسنوات إلى حد كبير على القضايا الأمنية. ولكن مع توسيع المجموعة لعضويتها، استخدمتها الصين وروسيا كمنصة لعرض طموحاتهما في إعادة تشكيل النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، حسب ما ورد في تقرير لوكالة أسوشيتدبرس الأمريكية ” AP “.

واكتسبت المنظمة زخماً جديداً في السنوات الأخيرة تحت قيادة بكين وموسكو، وينظر لها على أنها منصة تعاون منافسة للمنظمات الغربية مع التركيز على الجانب الأمني والاقتصادي.

وفي هذا السياق، دعا الرئيس الصيني شي

جين بينغ

خلال القمة إلى “مقاومة التدخلات الخارجية”، في إشارة واضحة إلى الدول الغربية وفي تكرار لأحد شعارات هذه المنظمة.

وتقول منظمة شنغهاي للتعاون إنها تجمع 40 في المئة من سكان العالم وحوالي 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، إلا أن هذه المجموعة تظل غير متجانسة وتوجد انشقاقات عديدة بين أعضائها، وبعضها غارق في منافسات إقليمية، حسبما ورد في تقرير لموقع ” فرانس 24 “.

من حضر قمة شنغهاي هذا العام ومن غاب؟

شهدت قمة منظمة شنغهاي للتعاون هذا العام حضوراً رفيع المستوى، ولكن شهدت غيابات ذات مغزى، أبرزها رئيس وزراء الهند

ناريندرا مودي

الذي أوفد وزير خارجيته.

إلى جانب حضور بوتين وشي، ومضيف القمة الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف، يوجد زعماء آخرون مثل رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، والرئيس شوكت ميرضيائيف من أوزبكستان، والرئيس إيمومالي رحمانون من طاجيكستان، والرئيس صدر جباروف من قيرغيزستان، ورئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو بعد أن أصبحت بلاده عضواً كامل العضوية.

ولا تزال إيران تختار خليفة للرئيس

إبراهيم رئيسي

، الذي قتل في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في مايو/أيار الماضي، مع إجراء انتخابات الإعادة الجمعة، لذا سيحضر الرئيس بالإنابة محمد مخبر.

ومن بين الضيوف الآخرين لمنظمة شنغهاي للتعاون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وحضر أيضاً الأمين العام للأمم المتحدة

أنطونيو غوتيريش

، الذي يزور آسيا الوسطى. وقال ألكسندر غابويف، مدير مركز كارنيغي روسيا أوراسيا، إن “غوتيريش يريد وضع الأمم المتحدة كمنظمة شاملة تتحدث مع جميع المنتديات الكبرى”.

من وراء غياب مودي.. روسيا أم الصين؟

كان عدم حضور رئيس الوزراء الهندي

ناريندرا مودي

مثيراً للانتباه.

انضمت الهند إلى منظمة شنغهاي للتعاون بناء على طلب من روسيا في عام 2017، عندما انضمت باكستان أيضاً بتشجيع من الصين. لكن علاقات الهند مع بكين أصبحت فاترة منذ ذلك الحين، بعد المناوشات الحدودية بين قواتهما في عامي 2020 و2022.

وتكهنت تقارير إعلامية هندية بأن مودي الذي أعيد انتخابه مؤخراً كان مشغولاً بجلسة البرلمان التي بدأت الأسبوع الماضي، ولكنه حضر قمة مجموعة السبع الأخيرة في إيطاليا، لذا فسرت تقارير أخرى غياب مودي بأنه يرجع إلى أنه يريد تحقيق التوازن في علاقات نيودلهي مع روسيا والغرب، مع تقارب بلاده مع الغرب في مواجهة الصين.

ولكن يظهر قرار مودي زيارة موسكو الأسبوع المقبل للقاء بوتين، أن غيابه عن القمة هو رسالة للصين أكثر من كونه يرغب في أن ينأى بنفسه عن روسيا كما يريد الغرب منه.

وقالت تيريزا فالون، مدير مركز دراسات روسيا وأوروبا وآسيا في بروكسل، إنه بعد رحلة الرئيس الروسي الأخيرة إلى كوريا الشمالية وفيتنام، تظهر رحلة مودي المقبلة إلى موسكو أن بوتين لا يزال قادراً على نسج علاقاته الدبلوماسية الخاصة المنفصلة عن بكين.

وقال هارش بانت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كينغز كوليدج في لندن، إن الهند أصبحت أكثر قلقاً بشأن توازن القوى الجيوسياسي في المنطقة مع تزايد نفوذ الصين وتراجع روسيا. كما أقامت الصين وروسيا علاقات ودية متزايدة مع حكومة طالبان الأفغانية، التي تدير البلاد منذ رحيل القوات الأمريكية في عام 2021 وتنظر نيودلهي عادة بتوجس إلى طالبان.

وأضاف بانت: «طالما كانت روسيا هي اللاعب المهيمن، فإن الهند كانت على ما يرام مع منظمة شنغهاي للتعاون». “ولكن مع ازدياد أهمية الصين في آسيا الوسطى، وتحول روسيا إلى الشريك الأصغر، فإن مخاوف الهند سوف تتزايد”.

ما هي أهداف قادة المنظمة؟

يرى تقرير وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية أن بوتين يهدف من القمة أن يُظهر أن روسيا ليست معزولة بسبب العقوبات الغربية الناجمة عن غزو أوكرانيا في عام

2022

.

وقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب، واتهمته بالمسؤولية الشخصية عن اختطاف أطفال من أوكرانيا. وكازاخستان ليست طرفًا في نظام روما الأساسي، وبالتالي فهي ليست ملزمة بإلقاء القبض عليه.


وقال غابويف إنه بالنسبة لبوتين، فإن الاجتماع يدور حول “الهيبة والبصريات الرمزية التي تجعله ليس وحيدًا”.

وفي الواقع، عقد الزعيم الروسي يوم الأربعاء عدة اجتماعات مع زعماء آخرين على هامش القمة، وبثها التلفزيون الرسمي الروسي جميعها.

وفي اجتماع مع شي يوم الأربعاء، أشاد بوتين بمنظمة شنغهاي للتعاون باعتبارها “واحدة من الركائز الأساسية لنظام عالمي عادل ومتعدد الأقطاب”، وقال إن العلاقات بين موسكو وبكين “تشهد أفضل فترة في تاريخهما”.

ويواجه كلا الزعيمين توترات متصاعدة مع الغرب وقد التقيا نحو

40

مرة.

وقد أكد اجتماعهما في الصين في شهر مايو/أيار المنقضي على دعم بكين الدبلوماسي لموسكو وكيف أنها سوق رئيسية لنفطها وغازها. واعتمدت روسيا على بكين كمصدر رئيسي لواردات التكنولوجيا الفائقة للحفاظ على تشغيل آلتها العسكرية.

وتساعد منظمة شنغهاي للتعاون الصين على بسط نفوذها، وخاصة عبر آسيا الوسطى والجنوب العالمي. ودعا الرئيس الصيني إلى إقامة “جسور تواصل” بين الدول الأسبوع الماضي، ويريد تعزيز الصين بشكل أكبر كبديل للولايات المتحدة وحلفائها.

بالنسبة لكازاخستان المضيفة ودول آسيا الوسطى الأخرى، يعد الاجتماع وسيلة لتعزيز تعاونها مع جيرانها الأكبر والأقوى. على سبيل المثال، تتعامل كازاخستان بشكل متكرر مع كل من روسيا والصين المجاورتين، بينما تسعى أيضًا إلى إقامة علاقات مع الغرب، حيث قام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ووزير الخارجية البريطاني

ديفيد كاميرون

هذا العام بزيارات لهذا البلد الغني بالنفط والغاز والحبوب.

مكافحة الإرهاب محور دائم لأعمال المنظمة

وتقليديًا، مكافحة الإرهاب هي محور التركيز الرئيسي لعمل منظمة شنغهاي للتعاون.

فبالنسبة للصين تمثل منطقة آسيا الوسطى منطقة شديدة الحساسية لملاصقتها لإقليم الإيغور الذي تقمع بكين سكانه، كما تقلق بكين من حقيقة وجود قرابة بين الإيغور وأغلب سكان آسيا الوسطى لأنهم جميعًا مسلمون ينتمون للعرق التركي.

وتعد مكافحة ما تسميه بكين “الشرور الثلاثة” (الانفصالية والإرهاب والتطرف) موضوعًا رئيسيًا بالنسبة إلى منظمة شنغهاي للتعاون.

من جانبها، ترغب روسيا في التعاون مع حكومات الدول ذات الأغلبية المسلمة في آسيا الوسطى فيما يتصل بالأمن، والتهديد المتمثل في الإرهاب بشكل خاص، حسبما ورد في تقرير لصحيفة

The New York Times

الأمريكية.

وقد انكشفت خطورة هذه التهديدات في وقت سابق من هذا العام، عندما قتلت مجموعة من المواطنين الطاجيكيين

145

شخصاً في قاعة للحفلات الموسيقية في موسكو في أعنف هجوم إرهابي تشهده روسيا منذ أكثر من عقد من الزمن. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مسؤوليته عن الهجوم.

كما قُتل ما لا يقل عن

21

شخصًا في هجمات على الشرطة ودور العبادة في جمهورية داغستان بجنوب روسيا في يونيو/حزيران الماضي.

آسيا الوسطى منطقة مرغوبة من الجميع

تكثف اهتمام الدول الكبرى بمنطقة آسيا الوسطى الغنية بالموارد الطبيعية، ومحيطها منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتريد موسكو الحفاظ على نفوذها التقليدي في دول آسيا الوسطى، التي أصبحت الآن مرتبطة بالصين بقوة أكبر عبر مشاريع اقتصادية واسعة النطاق، أي من خلال “طرق الحرير الجديدة”، بينما يتودد الغرب بشدة لدول آسيا الوسطى أملًا في إبعادها عن موسكو وبكين.

منظمة شنغهاي للتعاون

ولكن يبدو قادة دول المنطقة أكثر حنكة من المتوقع، فحافظوا على علاقتهم مع موسكو دون تأييد غزوها لأوكرانيا، إلا أن دول المنطقة امتنعت جميعها عن التصويت في الأمم المتحدة على إدانة موسكو، في ظل إقرارهم بنفوذ موسكو التاريخي في المنطقة بسبب الماضي السوفييتي.

ويتزايد حضور بكين في المنطقة التي استفادت دول المنطقة من استثماراتها وتجارتها، كما أن لدى الغرب اهتمامًا كبيرًا بالمنطقة ويتقبل زعماؤها الغزل الغربي بكل مودة، ويستفيدون من حقيقة أن هذا الغزل يدفع الغرب للتغاضي عن علاقة دول المنطقة بروسيا.

وأوقفت العقوبات الغربية ضد موسكو ممر النقل التقليدي الذي يربط الصين بأوروبا عبر روسيا، ما دفع الاتحاد الأوروبي ودول آسيا الوسطى إلى البحث عن طرق بديلة، خصوصًا تلك التي تعبر وسط آسيا، أي الممر عبر بحر قزوين.

خلافات سياسية بين بعض دول المنظمة

منظمة شنغهاي للتعاون ليست تحالفًا أمنيًا أو اقتصاديًا جماعيًا، وهناك “خلافات أمنية كبيرة بين أعضائها”. حسبما قال نايجل جولد ديفيز، وهو زميل بارز لشؤون روسيا وأوراسيا في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن والسفير البريطاني السابق.

وقال ديفيز لوكالة أسوشيتدبرس إن “القيمة الأساسية” للمنظمة تكمن في رؤية الدول غير الغربية تتجمع معًا.

فـ”منظمة شنغهاي للتعاون” هي مكان للمحادثة وليست منصة يتم فيها “اتخاذ القرارات الجماعية وتنفيذها ويكون لها تأثير”، حسب تقرير وكالة أسوشيتدبرس.

كما أن الخلافات السياسية بين بعض أعضاء المنظمة ـ مثل الهند وباكستان بشأن كشمير المتنازع عليها ـ تجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق جماعي بشأن بعض القضايا.

وتجنبت الصين إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، فيما تحاول الهند أن تكون أكثر توازنًا، ففي منظمة شنغهاي للتعاون عام

2022

، دعا رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي إلى إنهاء القتال.

وكان لمودي قول شهير في هذا الوقت، حيث قال لبوتين إن “هذا ليس وقت الحرب“، بحسب تصوير مسجّل بثّته شبكة “دورداشان” الهندية العامة.

ولكنه تجنب بدوره إدانة صريحة لموسكو.

انضمام بيلاروسيا يكشف عن توجه مناوئ للغرب

أصبحت بيلاروسيا المحاصرة من قبل الغرب بسبب مزاعم دعمها للحرب الروسية ضد أوكرانيا، العضو العاشر في منظمة شنغهاي للتعاون.

وقال رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو الذي يحكم البلاد منذ

30

عامًا “لدينا القدرة على تدمير جدران العالم الأحادي القطب”.


ويشير قبول بيلاروسيا إلى مدى رغبة روسيا في تعزيز كتل الدول غير الغربية (وإلى تقبل دول المجموعة لذلك).

وقال غولد ديفيز إن منظمة شنغهاي للتعاون تعمل على رفع مكانتها “من خلال زيادة عدد أعضائها بدلاً من تعميق تعاونها”.


رغم التعاون بين الصين وروسيا فإن هناك منافسة بينهما في المنطقة أيضاً

وتعمل دول آسيا الوسطى على الحفاظ على علاقتها الوثيقة مع روسيا والصين بينما تسعى لعلاقة جيدة مع الدول الغربية.

ومع انشغال روسيا في حرب طويلة في أوكرانيا واعتمادها المتزايد على الصين للحصول على الإمدادات، تتحرك بكين بسرعة لتوسيع نفوذها في آسيا الوسطى، وهي المنطقة التي كانت ذات يوم ضمن دائرة نفوذ الكرملين، حسبما ورد في تقرير صحيفة The New York Times الأمريكية.

فالوجود الصيني المتزايد أصبح واضحاً في المنطقة. ويجري بناء خطوط السكك الحديدية الجديدة وغيرها من مرافق البنية الأساسية، في حين تشهد التجارة والاستثمار ارتفاعاً.

ولكن ما لم تشر إليه الصحيفة الأمريكية إلى أن هذا الوجود الكثيف سابق على الحرب الروسية على أوكرانيا.

وحتى مع قيام الصين بتوسيع نفوذها الاقتصادي في مختلف أنحاء آسيا الوسطى، فإنها لا تزال تواجه تحديات أمام دبلوماسيتها، حيث تسعى روسيا إلى ترجيح كفة ميزان الأعضاء في منتدى شنغهاي لصالحها.

ولكن على نطاق أوسع، فإن مشاركة روسيا في منظمة شنغهاي للتعاون تشكل إلى حد كبير عملاً دفاعياً خلفياً لموازنة التحول العنيد ظاهرياً في المنطقة نحو الصين. ويعتمد بوتين بشكل كبير على بكين للحفاظ على اقتصاده وإنتاجه العسكري وسط العقوبات الغربية، وعلى مر السنين أصبحت حكومته تقبل علاقات بكين المتنامية مع الجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا الوسطى.

إن الفجوة الهائلة بين القوة الاقتصادية لروسيا وبكين تجعل المنافسة المباشرة في آسيا الوسطى غير مجدية بالنسبة للكرملين.

وبدلاً من ذلك، سعى الكرملين إلى الحفاظ على قدر من النفوذ لدى دوله التابعة السابقة بشأن القضايا التي تظل حيوية لمصالحه الوطنية، بما في ذلك من خلال حضور أحداث رمزية إلى حد كبير مثل قمة أستانا.

وعلى هامش القمة يعقد بوتين ستة اجتماعات منفصلة مع رؤساء الدول الآسيوية في أستانا، وفقًا لوسائل الإعلام الرسمية الروسية.


مخاوف من الهجرة الصينية

وتبقى إحدى أولويات منظمة شنغهاي للتعاون تعميق العلاقات الاقتصادية بين الدول الأعضاء وتطوير المشاريع اللوجستية الضخمة لربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى.

ولكن النفوذ الصيني لديه مشاكله الخاصة في المنطقة.

وقال ويليام فيرمان، الأستاذ الفخري لدراسات آسيا الوسطى في جامعة إنديانا، إن بكين تواجه أيضًا قلقاً عميقاً في آسيا الوسطى من أن الصين قد تستخدم عدد سكانها الضخم واحتمال هجرة سكانها للهيمنة على المنطقة ذات الكثافة السكانية المنخفضة. وأضاف أن السلطات السوفييتية غذت هذه الشكوك لعقود من الزمن، وحتى جيل الشباب الذي لم ينشأ في ظل الحكم السوفييتي يبدو الآن أنه يشاركه هذه المخاوف.

العلاقة مع دول منظمة شنغهاي أثبتت جدواها لموسكو خاصة بعد حرب أوكرانيا

وأثبتت علاقات روسيا بدول منظمة شنغهاي أهمية كبرى لروسيا بعد فرض العقوبات الغربية.

فمنذ غزو أوكرانيا، تحولت كل الهند والصين لأهم مُشتَرٍ للنفط والغاز الروسيين، وتدفقت بضائع الصين واستثماراتها إلى أسواق الاتحاد الروسي لتحل محل منتجات الشركات الغربية المنسحبة.

كما حصلت روسيا على بضائع غربية بقيمة مليارات الدولارات باستخدام وسطاء من آسيا الوسطى. وتشمل هذه السلع الاستهلاكية مثل السيارات الفاخرة، وكذلك المكونات الإلكترونية التي تم استخدامها في الإنتاج العسكري.

وتعتمد روسيا أيضاً بشكل كبير على الملايين من المهاجرين من آسيا الوسطى لدعم اقتصادها، وكذلك إعادة بناء الأجزاء المحتلة من أوكرانيا.

ولا يتنافس الروس والصينون في آسيا الوسطى فقط، ولكنهم غالباً ما يتعاونون أيضاً، لأنهم يدركون أن هناك مصلحة مشتركة في وجود أنظمة مستقرة في المنطقة ليس لديها تنسيق يذكر مع الجيوش الغربية أو لا تتعاون على الإطلاق، حسبما قال ألكسندر غابويف، مدير مركز “كارنيغي روسيا أوراسيا”.

وأضاف: “إنهم يرون أن الاستقرار الإقليمي يرتكز على أنظمة استبدادية علمانية وغير إسلامية وقمعية إلى حد ما في الداخل”.

الصين سوف تعزز ملف مشروعات النقل بالمنطقة

وقال وو شينبو، عميد معهد الدراسات الدولية بجامعة فودان في شنغهاي، إن الرئيس شي سيستغل زيارته أيضاً لدفع رؤيته لبناء روابط نقل أفضل عبر المنطقة.

وبعد القمة، من المقرر أن يقوم الرئيس الصيني يارة دولة إلى طاجيكستان، حيث قدرت وزارة الخارجية الأمريكية مؤخرًا أن أكثر من 99% من الاستثمارات الأجنبية في هذا البلد تأتي من الصين.

والعديد من استثمارات الصين في آسيا الوسطى تركز على البنية التحتية. وأبرمت الصين اتفاقا مع قيرغيزستان وأوزبكستان الشهر الماضي لبناء خط سكك حديدية جديد عبر البلدين.

وسيمنح خط السكة الحديد الصين طريقاً مختصراً للتجارة البرية مع إيران وأفغانستان وتركمانستان، وما وراءها إلى الشرق الأوسط وأوروبا.

وحاولت الصين على مدى الأعوام الـ12 الماضية توسيع حركة السكك الحديدية عبر روسيا لنقل صادراتها إلى أوروبا، لكنها تريد الآن إضافة طريق جنوبي.

وقالت نيفا ياو، وهي زميلة غير مقيمة متخصصة في علاقات الصين مع آسيا الوسطى في المجلس الأطلسي، وهي مجموعة أبحاث في واشنطن: “من منظور استراتيجي طويل المدى، فإن خط السكة الحديد هذا مهم للغاية”.

هل نجحت روسيا في تحقيق أهدافهما من منظمة شنغهاي؟

يظهر توسع مشروعات البنية الأساسية الصينية في منطقة آسيا الوسطى، واستفادة روسيا من علاقتها الاقتصادية مع دول منظمة شنغهاي للتغلب على عقوبات الغرب، وتهافت دول حليفة للغرب مثل تركيا والسعودية والإمارات، إضافة لدول منبوذة من الغرب مثل باكستان وإيران وبيلا روسيا على الإنضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون نجاحاً نسبياً لهذا التجمع.

وبالطبع منظمة شنغهاي ليست كتلة مترابطة مثل الاتحاد الأوروبي، أو حلف مثل الناتو، وأغلب المشاركين فيها لا يدعون إنها كتلة منافسة للغرب، ولكنها تمثل منتدى فضفاضاً، يجرى فيها التعاون بعيداً عن قواعد الغرب وقيوده وأحياناً رغم أنفه.