الأخبار

“شبح” عودة ترامب يُثير الذعر.. ما مصير أوروبا في حالة فوز الرئيس السابق بالانتخابات؟

العودة المحتملة للرئيس الأمريكي السابق

دونالد ترامب

إلى البيت الأبيض أصبحت حديث الساعة في

أوروبا

، فمن شأن هذه العودة أن تؤثر بشكل عميق في

الاتحاد الأوروبي

، بحسب تحليل لمجلة فورين بوليسي.

ترامب هو الآن المرشح المحتمل عن الحزب الجمهوري في

الانتخابات الأمريكية

في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وبعد المناظرة بينه وبين جو بايدن، الرئيس الحالي والمرشح المحتمل عن الحزب الديموقراطي، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الرئيس السابق يتصدر هذا السباق بفارق واضح عن الرئيس الحالي.

وبحسب

فورين بوليسي

، فإن عودة ترامب من شأنها أن تغير أوروبا، إذ بدون احتضان واشنطن، يمكن للقارة العجوز أن تعود إلى ماضيها الفوضوي وغير الليبرالي.


ما هي حقيقة أوروبا؟

ينطلق تحليل المجلة الأمريكية من المقارنة بين وضع القارة الأوروبية قبل بروز الولايات المتحدة كقوة عظمى مهيمنة على الغرب تفرض مظلة حمايتها عليه، حيث كانت قارة مفتتة تعاني من الصراعات والاستبداد، وبين وضع أوروبا خلال العقود القليلة الماضية، كقارة مسالمة فيما بينها وديمقراطية ومتحدة – من خلال الاتحاد الأوروبي الذي يضم الآن سبعاً وعشرين دولة.

كان ترامب، خلال فترته الرئاسية الأولى (2016-2020) يفكر بالفعل في سحب الولايات المتحدة من حلف الناتو، والآن يرى بعض مساعديه السابقين أنه قد يفعل ذلك بالفعل إذا فاز في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

الأمر بطبيعة الحال لا يقتصر على ترامب فقط، بل يبدو أن هذا الرأي الخاص بضرورة وضع “أمريكا أولاً” يكتسب أنصاراً جدد كل يوم. وفيما يخص أوروبا، المشمولة بالحماية الأمريكية، قال السيناتور الأمريكي جي دي فانس، أحد أبرز أنصار مبادرة “أمريكا أولاً”: “لقد حان الوقت لكي تقف أوروبا على قدميها”.

لكن حتى بين أولئك الذين لا يؤيدون صراحة روح “أمريكا أولاً” ويرونها انعزالية وضارة بالهيمنة والمصالح الأمريكية، فإن سيناريو الأولويات، الذي يضع المنافسة مع الصين في القمة وبالتالي يجب التركيز على آسيا، يزداد قوة ويكتسب زخماً مع مرور الوقت.

الاتحاد الأوروبي

مصطلح “أوروبا ما بعد أمريكا” بات الآن أكثر واقعية من أي وقت مضى. ويأمل المتفائلون أن تتمكن أوروبا من الاستمرار في الازدهار – حتى لو فقدت المظلة الأمنية الأمريكية التي سيحتفل بها زعماء الناتو في قمة الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيس الحلف في واشنطن في يوليو/تموز الجاري. ومن هذا المنظور، قد تنسحب الولايات المتحدة من المشهد، لكن ستظل أوروبا التي أصبحت ثرية ومستقرة وديمقراطية على مدى السنوات الثمانين الماضية مستعدة للعمل كقوة بناءة ومستقلة في عالم متعدد الأقطاب.


فرص فوز ترامب تزداد

كانت تلك المناظرة، التي استضافتها شبكة CNN الخميس 27 يونيو/ حزيران، بين

جو بايدن

وخصمه اللدود ترامب، قد بدت محسومة منذ بدايتها لصالح الأخير. إذ بدا بايدن عجوزاً، وهذه ليست القضية فهو بالفعل أكبر رئيس أمريكي سناً على مدار التاريخ ويقترب من عامه الثاني والثمانين، لكن الأخطر أن “علامات الخرف” كانت بادية عليه تماما منذ اللحظة الأولى للمناظرة. أما ترامب، الذي يصغر خصمه اللدود بأربع سنوات فقط، فقد بدا أقل صخباً وأقل اندفاعاً إلى حد ما، وفي نهاية المطاف أصيب الديمقراطيون بالذعر بينما احتفل الجمهوريون.

وبعد ذلك بثلاثة أيام فقط، أهدت المحكمة العليا ترامب خبراً سعيداً آخر وهو الحكم في مسألة تمتعه بالحصانة؛ قضت المحكمة العليا، يوم 1 يوليو/ تموز بأن الرؤساء – ومنهم ترامب بطبيعة الحال – يتمتعون بحصانة “مطلقة” فيما يخص أفعالهم المتعلقة بتأدية وظيفة الرئيس، وهو الحكم الذي “سيغير كل شيء للأفضل بالنسبة لترامب”، ويساعده كثيراً في مسعاه للعودة إلى البيت الأبيض، بحسب تقرير لصحيفة

الغارديان

البريطانية.

جاءت الترجمة الفعلية لقرار المحكمة العليا في ظرف ساعات فقط من حدوثه، حيث أجل القاضي خوان ميرشان – الذي يترأس محاكمة الرئيس السابق في 34 تهمة تتعلق بقيامه بدفع مبالغ مالية لممثلة أفلام إباحية حتى تصمت بشأن علاقة جنسية جمعتهما وتزوير مستندات لإظهار تلك الأموال على أنه تم دفعها كأتعاب قانونية لمحامي ترامب – إصدار العقوبة على ترامب، الذي أدانه المحلفون في التهم ال34 في تلك القضية في نيويورك.

كان من المفترض أن يصدر ميرشان العقوبة على ترامب يوم 11 يوليو/ تموز الجاري، لكنه أجل ذلك إلى سبتمبر/ أيلول المقبل، وذلك بعد أن قدم دفاع ترامب طلباً عاجلاً إلى المحكمة لإبطال القضية انطلاقاً من حكم “الحصانة” الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا. بات ترامب الآن متفرغاً لمواصلة حملته الانتخابية بشكل مكثف أكثر، وخصوصاً قبيل انعقاد المؤتمر العام للحزب الجمهوري، في الفترة من 15 حتى 18 يوليو/ تموز الجاري، لإعلان المرشح الرسمي للحزب في الانتخابات الرئاسية، ولا يوجد منافس لترامب.


ما الذي تخشاه أوروبا؟

يتوقع أغلب المحللين أن أوروبا ما بعد أمريكا سوف تعاني كثبراً على عدة جبهات؛ الأولى تتمثل في التهديد الخارجي الذي تمثله روسيا، أما الثاني فيتمثل في التهديدات الداخلية في أغلب تلك الدول وهو ما قد يؤدي إلى أن ترتد القارة في نهاية المطاف إلى أنماط ماضيها الأكثر قتامة والأكثر فوضوية.

إذ تغيرت أوروبا بشكل كبير منذ الحرب العالمية الثانية، حتى أن العديد من الناس -الأمريكيين بشكل خاص- نسوا كيف كانت القارة العجوز يائسة ومفككة وأنتجت بعضاً من أكبر المعتدين وأكثر الطغاة طموحاً في التاريخ. وأثارت طموحات أوروبا الامبراطورية وخصوماتها الداخلية صراعات مريرة، وكانت القارة أرض “الحروب الأبدية” والمتاعب التي لا نهاية لها، بحسب توصيف تشارلز ليندبيرغ في عام 1941، مضيفاً وقتها “من الأفضل للولايات المتحدة أن تبقى بعيدة عن تلك القارة الملعونة”.


الجغرافيا.. لعنة القارة العجوز

كانت القضية الأساسية، بحسب تحليل فورين بوليسي، هي الجغرافيا التي حشرت عدداً كبيراً جداً من المتنافسين الأقوياء في مكان واحد، وكانت طريقة البقاء في هذه البيئة هي التوسع على حساب الآخرين. حكمت هذه الديناميكية على أوروبا بدورات من الصراع الكارثي. وبعد عام 1870، أدى ظهور ألمانيا الموحدة باعتبارها القوة الصناعية والعسكرية المهيمنة في وسط المنطقة إلى زيادة الطين بلة.

كما كانت السياسة في القارة متقلبة مثلها مثل الجغرافيا السياسية؛ فمنذ الثورة الفرنسية فصاعداً، شهدت أوروبا تقلبات حادة بين الليبرالية وبعض أشكال الاستبداد الأكثر بشاعة في التاريخ. ولم يكن هناك سبب للاعتقاد، في أواخر الأربعينيات، بأن الحرب العالمية الثانية قد كسرت هذه الحلقة المفرغة.


فقد ظلت المنافسات القديمة قائمة؛ كانت فرنسا مرعوبة من أن تنهض ألمانيا وتدمر جيرانها مرة أخرى. وهددت التطرفات الجديدة في شكل الاتحاد السوفييتي والشيوعيين الأوروبيين الذين سيطروا عليه، في حين ظلت الديكتاتوريات اليمينية راسخة في البرتغال وأسبانيا. وكانت الديمقراطية في خطر في العديد من البلدان؛ وكان الوضع الاقتصادي المأزوم يؤدي إلى تسريع التنافس والتشرذم.

لم تكن ولادة أوروبا الجديدة أمراً حتمياً؛ تطلب الأمر تدخلاً جذرياً وغير مسبوق من قِبَل نفس الدولة التي سعت لفترة طويلة إلى تجنب الصراعات في القارة. وكان هذا التدخل ناجماً عن الحرب الباردة، التي هددت بجعل انهيار آخر للتوازن الأوروبي أمراً لا يطاق حتى بالنسبة لقوة عظمى بعيدة. وقد تبلورت هذه الحركة تدريجياً، في ظروف فوضوية في كثير من الأحيان، في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي. وتضمن مجموعة من الالتزامات المتشابكة ذات التأثيرات الثورية.


الدور الذي لعبته أمريكا

بدا أن الحل الوحيد لكسر حلقة العنف القاتلة في أوروبا يتمثل في تسليم القيادة الأمنية لقوة مهيمنة تتولى الحماية، وهنا جاء دور الولايات المتحدة، التي قدمت التزاماً أمنياً عبر حلف شمال الأطلسي (الناتو) وقواعد عسكرية وعمليات نشر القوات التي أثبتت ذلك الالتزام الأمني على أرض الواقع. ومع مظلة الحماية الأمريكية للقارة الأوروبية الغربية، لم يعد الأعداء القدامى مضطرين إلى الخوف من بعضهم البعض؛ أحد المسؤولين البريطانيين قال في عام 1948 إن حلف الناتو من شأنه أن يجعل “المشكلة المستمرة منذ زمن طويل بين ألمانيا وفرنسا … تختفي”.

وهكذا أصبح بوسع بلدان أوروبا الغربية أخيراً أن تحقق الأمن دون حرمان الآخرين منه، وهذا بدوره أدى إلى تراجع المنافسات السياسية وسباقات التسلح التي ابتليت بها المنطقة، مما سمح لأعضائها بالتسلح في مواجهة تهديد مشترك. وهكذا مكنت سياسة الولايات المتحدة من إحداث تغيير ثانٍ وهو التعاون الاقتصادي والسياسي غير مسبوق.


خطة مارشال والاتحاد الأوروبي

من خلال خطة مارشال الأمريكية لإعادة الإعمار، دفعت الولايات المتحدة بقوة نحو التعاون بين البلدان الأوروبية كشرط لمساعدات إنعاش الاقتصاد، مما أدى إلى ترسيخ الهياكل العابرة للحدود الوطنية التي أصبحت فيما بعد الجماعة الاقتصادية الأوروبية، ثم الاتحاد الأوروبي.

سهّل الوجود العسكري الأمريكي هذا التعاون من خلال السماح للأعداء الأوروبيين السابقين بتركيز مواردهم بعيداً عن الجيوش والتسليح دون المساس بأمنهم.
أما التغيير الثالث في أوروبا، فقد كان تغييراً سياسياً؛ فإذا كانت جذور العدوان تمتد إلى الاستبداد، فإن تحويل الجغرافيا السياسية في أوروبا يتطلب تحويل سياساتها.

بدأ هذا التحول مع التحول الديمقراطي القسري في ألمانيا الغربية تحت احتلال الحلفاء. تضمنت الخطة استخدام مساعدات خطة مارشال لتنشيط الديمقراطيات الهشة واستقرارها. أصبح هذا التغيير ممكناً فقط في ظل الوجود العسكري الأمريكي، الذي أدى إلى مكافحة الهيمنة السوفييتية التي كانت ستقضي على الديمقراطيات الأوروبية، بحسب تحليل فورين بوليسي، في حين سمح أيضاُ للدول بالاستثمار في برامج الرعاية الاجتماعية السخية التي أدت إلى تهميش اليسار واليمين المتطرفين.


لكن الآن تبدو الأمور مختلفة تماماً

ففي الوقت الذي يقترب “شبح عودة ترامب” من التحول إلى واقع فعلي، تواجه أوروبا عدداً من الأمور تجعلها أقرب إلى حد ما إلى ما كانت عليه قبل الاتحاد الأوروبي، ومن هذه الأمور:


  • تشهد القارة حرباً هي الأكبر على أراضيها منذ الحرب الثانية، وهي الحرب الروسية الأوكرانية، التي تصفها موسكو بأنها “حماية لأمنها القومي” بينما يصفها الغرب بأنها “غزو عدواني غير مبرر”.
  • تشهد غالبية دول أوروبا صعوداً كبيراً لمعسكر اليمين المتطرف، الرافض للاتحاد الأوروبي والناتو والمعادي للمهاجرين، فقد باتت أحزاب تلك المعسكر تحكم بعض دول القارة بالفعل – كما هو الحال في إيطاليا – بينما قد تشهد


    فرنسا


    حكومة يمينية متطرفة خلال أيام (بعد الجولة الثانية من الانتخابات التي يتصدرها اليمين المتطرف).
  • خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل عدة سنوات فتح الباب أمام دعوات مماثلة في دول كبرى أخرى، مثل ألمانيا وفرنسا، للسير على نفس الدرب، حيث يعلي معسكر اليمين المتطرف من النزعات القومية على حساب النزعات الاتحادية.

في ظل هذه المعطيات وغيرها، تمثل عودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض “شبحاً” يثير الذعر أحياناً. إذ لطالما أعرب الرئيس السابق عن رفضه استمرار واشنطن في تحمل الأعباء في حلف شمال الأطلسي، وهدّد مؤخراً بالسماح للروس بأن يفعلوا “ما يريدون” بالحلفاء الأوروبيين الذين لا يسددون ثمن الحماية كاملاً. كما يكره ترامب الاتحاد الأوروبي، الذي لا ينظر إليه باعتباره تتويجاً للوحدة القارية، بل كمنافس اقتصادي شرس، وباعتبار الرئيس السابق شعبوياً غير ليبرالي، فهو غير مبال ــ إن لم يكن معادياً بشكل صريح ــ لمصائر الديمقراطية الليبرالية في أوروبا، بحسب فورين بوليسي. ويتساءل ترامب: لماذا يتعين على الأمريكيين أن يهتموا بأوروبا، في حين أن هناك “محيطاً بيننا”؟