تتابع الدول المغاربية عن كثب مجريات الانتخابات التشريعية الفرنسية بحكم العلاقات الاستعمارية التاريخية التي تربطها بفرنسا ووجود جالية مغاربية كبيرة في هذا البلد.
فيما سلط إعلام هذه الدول -الإعلام الجزائري والمغربي بشكل خاص- الضوء على تحديات الانتخابات التشريعية في فرنسا ومستقبل العلاقات مع باريس، مبرزاً في مخاوف وتداعيات وصول حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف إلى السلطة بقيادة مارين لوبان٬ على جالية البلدين٬ وعلى العلاقات الاقتصادية والسياسية بين بلدان شمال أفريقيا وفرنسا.
ما مستقبل علاقات فرنسا مع الجزائر والمغرب إذا وصل “التجمع الوطني” المتطرف للحكم؟
تقول وكالة france24 الفرنسية٬ إنه في ظل هذه المتغيرات في السياسة الداخلية الفرنسية، تظهر العلاقة بين باريس والجزائر على أنها أكثر حساسية لأسباب تاريخية (فرنسا هي المستعمرة السابقة للجزائر) واجتماعية كون الجالية الجزائرية التي تعيش في فرنسا تعد من بين أكبر الجاليات عدداً، إضافة إلى مشكلة “الذاكرة” التي لطالما عقدت العلاقة بين البلدين منذ استقلال الجزائر في 1962.
ويرى الباحث إبراهيم أومنصور، مدير المرصد المغاربي في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس أن الوصول المحتمل لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الأسبوع القادم يقلق الدول المغاربية بسبب “الرسائل التي بدأ هذا الحزب يطلقها بخصوص مسألة الهجرة”.
وقال أومنصور في حوار مع فرانس24: “أمامنا سيناريوهان٬ إما أن يطبق التجمع الوطني برنامجه في مجال الهجرة ويقوم بترحيل المهاجرين غير الشرعيين بكثافة لإرضاء ناخبيه ويفكك اتفاقيات 1968 التي تربط الجزائر بفرنسا. وإما أن يختار عدم حلحلة هذا الملف باسم الواقعية السياسية ومبدأ الحفاظ على المصالح المشتركة”.
مضيفاً أنه في حال اختار التجمع الوطني تطبيق السيناريو الأول، فالجزائر سترد عبر اتخاذ إجراءات ضد فرنسا، على غرار تلك التي اتخذتها إزاء إسبانيا عندما اعترفت بمغربية الصحراء وذلك باستخدام ورقة الغاز ووقف شراء بعض المواد الأساسية كالقمح واللحوم والسيارات”.
وإذا اختار التجمع الوطني السيناريو الثاني، أي عدم حلحلة ملف الهجرة، فستحاول الحكومة الجزائرية الحفاظ على العلاقة مع فرنسا لكنها ستراقب عن قرب تطور خطابات وسياسات اليمين المتطرف في نفس الوقت.
هل سيحذو التجمع الوطني حذو حزب “إخوة إيطاليا” اليميني في علاقاته مع الدول المغاربية؟
يرى الباحث نفسه أن الحكومة الجزائرية “لم تدلِ بأي بيان رسمي بخصوص نتائج الجولة الأولى لكنها تراقب تطور المشهد السياسي في فرنسا وكيف سينعكس على الجالية الجزائرية”. وجدير بالذكر أن البلدين يتشاركان كثيرا من الملفات باعتبار أن فرنسا كانت المستعمرة السابقة للجزائر. وفي مقدمتها الملفات الاقتصادية والاستثمارية وملفي الذاكرة ووضع الحركى وتعامل الدولة الفرنسية مع أفراد الجالية الجزائرية التي يصل عددها إلى حوالي 4 مليون شخص.
وقارن إبراهيم أومنصور العلاقة التي نسجتها إيطاليا بزعامة رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني التي تترأس حزب “إخوة إيطاليا” اليميني المتطرف مع تلك التي يمكن أن يبنيها التجمع الوطني مع الدول المغاربية.
وخلص بأن “روما لديها علاقة جيدة مع هذه الدول كونها لا تتدخل في شؤونها الداخلية ولا تنتقد وضع حقوق الإنسان فيها. وأن كل ما يهمها هي المصالح الاقتصادية”، مشيرا إلى أن “التجمع الوطني يمكن أن يحذو حذو سياسة جورجيا ميلوني في تعامله مع دول شمال أفريقيا”.
كيف ينظر المغرب لصحود حزب لوبان؟
المغرب الذي لم يتعرض إلى نفس الاستعمار الذي تعرضت له الجزائر يتابع هو الآخر “باهتمام” تفاعلات الانتخابات التشريعية الفرنسية المبكرة بحكم “روابط الصداقة المتفردة والشراكة الاستراتيجية بينه وبين فرنسا”، حسب محمد بودن، الخبير المغربي في الشؤون الدولية المعاصرة.
وقال بودن: “ليس هناك لغاية الآن موقف مغربي رسمي لأن الأمر يتعلق في النهاية باختبار ديمقراطي للشعب الفرنسي. لكن أتصور أن اليمين المتطرف إذا تولى الحكومة قد يتجه إلى رفع عدد معين من القيود التي تنشأ أثناء ترحيل الأشخاص الخاضعين لإجراءات مغادرة التراب الفرنسي٬ لكنه يحتاج إلى تعديل بعض المعايير الأوروبية بشأن تدابير الهجرة ويحتاج لإقناع رئيس الجمهورية (إيمانويل ماكرون) بشأن إجراء استفتاء شعبي على ضوء المادة 11 من الدستور. وبالتالي فإن تنفيذ البرنامج الانتخابي لليمين المتطرف يتطلب تدرجاً وتوجيه خطاب يطمئن مختلف الشركاء سواء داخلياً أو أوروبياً او إقليمياً”.
ورداً على سؤال: هل الرباط مستعدة للحوار مع اليمين المتطرف في حال وصل إلى سدة الحكم؟ أجاب محمد بودن بـ”نعم” قائلا بأن المغرب “مستعد للحوار والتنسيق مع أي مكون سياسي فرنسي قد يصل إلى السلطة سواء كان أقصى اليمين أو الجبهة الشعبية وذلك في إطار الأرضية السياسية والقانونية التي توجه مسار العلاقات المغربية الفرنسية”.
مشيراً إلى أنه في حال وصل الزعيم الشاب للحزب٬ جوردان بارديلا٬ إلى السلطة في 7 يوليو/تموز المقبل، فسيحظى بترحيب من المغرب وفق بودن، موضحاً في الوقت نفسه أن “المحدد الأساسي للمغرب هي حماية المصالح العليا، على غرار الوحدة الترابية للمملكة المغربية وسيادتها على الصحراء وقضايا اقتصادية أخرى”.
مردفاً أن “المشهد الأوروبي تغير بعد اكتساب أحزاب اليمين المتطرف لمساحات بارزة. الأمر الذي تنبغي مواجهته بكل واقعية. وهناك سبع دول في الاتحاد الأوروبي تقود حكوماتها أحزاب يمينية متطرفة، على غرار إيطاليا والمجر وكرواتيا وهولندا٬ بالتالي فإن فرنسا ليست بعيدة عن هذا السيناريو”.
“العلاقة بين فرنسا والجزائر ستمر بفترة صعبة في حال فوز التجمع الوطني”
من جهته٬ يرى أكد الأكاديمي الجزائري والمتخصص في علم الاجتماع ناصر جابي أن “الصعود المتوقع لأقصى اليمين سيكون أول تجربة في تاريخ العلاقات بين فرنسا والجزائر، مما يهدد مستقبلها”، متوقعا بأن تمر بـ”فترة مضطربة”.
وأوضح في حديثه مع موقع “أصوات مغاربية” أن “اليمين المتطرف الفرنسي لديه ملفات قديمة تتعلق بحرب التحرير، طورها من خلال صراعه التاريخي مع الجزائر، وترجمتها مواقف الأب الروحي لليمين المتطرف جان ماري لوبان، الذي كان ضابطا في الجيش الفرنسي بالجزائر خلال الحرب”.
ونظرا لذلك، يؤكد جابي أن العلاقات بين البلدين بوجود أقصى اليمين “ستمر بفترة صعبة”، مشيرا إلى أن “التطور الإيجابي المتوقع لمواقف اليمين المتطرف، قد يكون سلساً مع أفريقيا والمغرب وتونس، بينما سيكون صعبا مع الجزائر”.
في فرنسا، لم يصدر بعد أي تعليق من قبل مارين لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني بخصوص العلاقات المستقبلية مع الدول المغاربية في حال وصل حزبها إلى الحكم. فهل ستسلك طريق الحوار والمصالحة للحفاظ على المصالح المشتركة أم ستتبع سياسة تؤجج المواقف والخلافات؟