الأخبار

لماذا أمريكا هي “الخاسر الأكبر” من المناظرة بين بايدن وترامب؟

“بوتين الرابح الأكبر”.. “الصين تسخر من أمريكا”.. “العالم يشاهدنا ويضحك”.. هذه نماذج من تغطية الإعلام الأمريكي لتلك المناظرة بين جو بايدن ودونالد ترامب، فهل خرجت منها أمريكا “الخاسر الأكبر”؟

تلك المناظرة، التي استضافتها شبكة CNN مساء الخميس 27 يونيو/ حزيران بالتوقيت الأمريكي، بين جو بايدن الرئيس الحالي والمرشح الديمقراطي المحتمل في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل وخصمه اللدود الرئيس السابق والمرشح الجمهوري المحتمل دونالد ترامب، بدت محسومة منذ بدايتها لصالح الأخير.

بدا ترامب عجوزاً، وهذه ليست القضية فهو بالفعل أكبر رئيس أمريكي سناً على مدار التاريخ ويقترب من عامه الثاني والثمانين، لكن الأخطر أن “علامات الخرف” كانت بادية عليه تماما منذ اللحظة الأولى للمناظرة. أما ترامب، الذي يصغر خصمه اللدود بأربع سنوات فقط، فقد بدا أقل صخباً وأقل اندفاعاً إلى حد ما، وفي نهاية المطاف أصيب الديمقراطيون بالذعر بينما احتفل الجمهوريون.

أمريكا “الخاسر الأكبر”

“أمريكا الخاسر الحقيقي في المناظرة الرئاسية”، تحت هذا العنوان نشر موقع ناشيونال إنتريست الأمريكي تحليلا يلقي الضوء على التداعيات “الخطيرة” التي نتجت عن تلك المواجهة التي استمرت 90 دقيقة بين بايدن وترامب.

من المحزن أن جو بايدن تظهر عليه علامات الخرف، كما انعكس في المناظرة، ولا ينبغي أن يحصل على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، لكنه على الأرجح سيكون مرشح الحزب نظرا لضيق الوقت، إذ تبقى 4 أشهر وأيام قليلة على يوم التصويت (5 نوفمبر/ تشرين الثاني).

وقد يكون دونالد ترامب هو الفائز “الافتراضي” في المناظرة، ولكن إذا كان الأمر كذلك، فهو ليس الفوز الذي يولد الثقة في المستقبل، بحسب تحليل الموقع وفي الواقع، مضيفا: “إذا كنا نحدد الفائزين والخاسرين من هذا التبادل المتوتر، فإن الخاسر الأكبر سيكون الولايات المتحدة الأمريكية ومواطنيها الذين لهم حق التصويت”.

كارلوس لوزادا، الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز نشر مقالاً قال فيه إن ترامب فاز بالمناظرة “بشكل افتراضي”، ولكن إذا لم يتمكن القادة الديمقراطيون من إقناع بايدن بالخروج من السباق، واحتمالات نجاحهم في هذا المسعى ضئيلة، فسوف نعود إلى المربع الأول، حيث يتنافس مرشحان مليئان بالعيوب الشديدة على أن يكون أحدهما، في نهاية الأمر، الأقل عيوبا. عند تلك النقطة، وباستثناء حدوث تطور أو حدث مثير وغير متوقع، يمكن لأي من الرجلين أن يفوز.

“بوتين الرابح الأكبر؟”

نشرت شبكة CNN تقريرا عنوانه “وسائل الإعلام الرسمية في روسيا تسخر من المناظرة الرئاسية”، ألقى الضوء على متابعة الإعلام الروسي المكثفة لمناظرة بايدن وترامب، التي “كانت بمثابة تشويه لصورة الولايات المتحدة كدولة تقود العالم الحر”، ووصف تقرير الشبكة الأمريكية المناظرة بأنها “انتصار كبير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين”، خصوصاً في حالة فاز ترامب بالانتخابات المقبلة.

كانت المناظرة قد شهدت تبادل بايدن وترامب الاتهامات بشأن الحرب التي تدور رحاها على الأراضي الأوكرانية منذ فبراير/ شباط 2022، وظهرت بينهما هوة شاسعة في كيفية معالجة تلك الأزمة الجيوسياسية في طبيعتها بين روسيا والولايات المتحدة، التي تقدم الدعم الأكبر لأوكرانيا للتصدي للغزو الروسي، بحسب التوصيف الغربي لتلك الحرب.

فعندما تلقى ترامب السؤال حول إذا كان سيقبل شروط الرئيس الروسي فلاديمير بوتن للدخول في المفاوضات بشأن وضع أوكرانيا، بدأ إجابته بتوجيه اللوم لبايدن على اندلاع الحرب من الأساس، مصراً على أنه لو كان “الرئيس لما اندلعت الحرب أصلاً”، مضيفا: “لو كان لدينا رئيس حقيقي، رئيس يحترمه بوتين، لما قام بغزو أوكرانيا أبداً”.

روسيا بوتين

لم يقدم ترامب، كعادته، تفاصيل حول ما يقصده، كما لم يقدم تفاصيل بشأن كيف سينهي الحرب “خلال 24 ساعة” كما قال مراراً من قبل، أو حتى قبل حفل التنصيب حال فوزه بالانتخابات (سيتسلم الرئيس منصبه رسمياً يوم 20 يناير/ كانون الثاني 2025)، وبالتالي لم يقدم إجابة مباشرة عن السؤال: هل سيقبل شروط بوتين للدخول في مفاوضات؟

لكن في جميع الأحوال، موقف ترامب وغالبية الجمهوريين من دعم أوكرانيا، التي قدمت لها إدارة جو بايدن مساعدات عسكرية بأكثر من 175 مليار دولار منذ بداية الحرب، ليس سراً، فمعسكر ترامب يعارض أن تتحمل واشنطن وحدها عبء هذا الدعم.

مناظرة “العار” بين بايدن وترامب

“هذه المناظرة كانت وصمة عار وسبة في جبين السياسة الانتخابية الأمريكية. فعلى الرغم من الخلافات العميقة حول السياسة بين (بايدن وترامب)، لم يبد أياً من الرجلين قادراً على تحديد نواياه بوضوح فيما يتعلق بمستقبل البلاد، بعيداً عن نقاط الحديث المبعثرة التي لا يفهمها إلا قاعدتهما الانتخابية الصلبة”، بحسب تحليل لمجلة رولينج ستون حول المناظرة.

وطوال الوقت تقريباً، كان على مديري المناظرة إعادة توجيه المرشحين للإجابة عن الأسئلة، كما حدث عندما سألت دانا باش ترامب، الذي كان حينها يتحدث عن “القباب الذهبية” الجميلة في أوكرانيا: “كان السؤال هو: هل ستقبل نتائج الانتخابات، بغض النظر عن ذلك؟ من سيفوز؟’ نعم أم لا، من فضلك”، لكنه بالطبع لم يجب بنعم أو حتى بلا، بل ظل يتحدث عن كيف أن “هذا سيتوقف على إذا ما كانت الانتخابات ستكون نزيهة وشفافة”.

إجابة ترامب هذه أعادت للأذهان بطبيعة الحال ما حدث في الانتخابات السابقة عام 2020، عندما كانت الأوضاع معكوسة؛ كان ترامب الرئيس الساعي للفوز بفترة ثانية بينما بايدن كان المرشح الذي فاز، ليرفض ترامب الإقرار بالهزيمة ويسعى لحشد مؤيديه لقلبها، مما أدى إلى اقتحام المئات منهم مبنى الكونغرس يوم 6 يناير/ كانون الثاني أثناء جلسة التصديق على النتيجة، ليشاهد العالم بأجمعه اقتحام الكونغرس، وهو ما وصف بأنه “اليوم الأسوأ في تاريخ الديمقراطية الأمريكية”.

تبادل الاتهامات بين بايدن وترامب

شهدت المناظرة أيضاً تدنياً في مستوى الحوار في بعض أوقاتها، إذ تبادل بايدن وترامب الشتائم من قبيل “الأحمق والأبله والنصاب والمخادع والمجرم”، وقال بايدن لترامب “لقد مارست الجنس مع ممثلة إباحية بينما كانت زوجتك حامل”، بينما رد ترامب باتهام بايدن ونجله هانتر بأنهم “مجرمين ومخادعين وفاسدين”، ولا شك أن مثل هذه “المهاترات” قد نالت الشيء الكثير من سمعة وصورة الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية، بحسب أغلب المراقبين من الحزبين.

وكأن ذلك لم يكن كافيا، إذ عندما بدا من المستحيل أن يكون هذان الرجلان هما الرجلان اللذان اختارهما ملايين الناخبين للتنافس على أهم وظيفة في العالم، بدأ ترامب وبايدن خلافًا حول ألعاب الجولف الخاصة بهما؛ ليقول بايدن لترامب بطريقة محرجة: “أنا مستعد للعب الجولف إذا كنت ستحمل حقيبتك الخاصة بنفسك. هل تعتقد أنك يمكن أن تفعل ذلك؟”، ليرد ترامب على نفس المستوى.

أحد هذا الرجلان سيكون، خلال أشهر قليلة، رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، الدولة الأقوى عسكرياً واقتصادياً في العالم، والتي تحاول بشتى الطرق المحافظة على مكانتها التي شهدت تراجعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، وهو ما بات محل سخرية من منافسيها، وخاصة الصين وروسيا، في أعقاب تلك المناظرة، بغض النظر عن من منهما سيفوز في الانتخابات المقبلة.

رجل “عجوز” وآخر “مدان”

نعم، ربما يكون ترامب قد حقق “الفوز” في تلك المناظرة. ونعم ربما يكون بايدن قد خسرها وأصاب الديمقراطيين بحالة من الهلع، حتى وإن رأى البعض أن تلك الحالة مبالغ فيها إلى حد ما، لكن في نهاية المطاف، قد لا يكون أي منهما قد استطاع إقناع المستقلين من الناخبين بحسم أمرهم بعد، بحسب ما أظهرته استطلاعات الرأي التي تلت المناظرة، وإن كان ترامب يتقدم السباق بشكل عام.

كلير مكاسكيل، النائبة الديمقراطية السابقة من ولاية ميسوري، قالت بعد المناظرة، إن بايدن كانت لديه “مهمة واحدة لإنجازها وهي طمأنة أمريكا بأنه على مستوى الوظيفة في مثل عمره، لكنه فشل”.

على الجانب الآخر، كان لدى ترامب ما يتعين عليه إنجازه أيضاً، وهو إثبات قدرته على توسيع قاعدة دعمه من خلال جذب الناخبين المستقلين والمتأرجحين إلى صفه، لكن لا يوجد دليل على أنه فعل ذلك من خلال أدائه في المناظرة، الذي لم يكن في أفضل حالاه أيضاً.

الخلاصة هنا هي أن الأداء الضعيف جداً للرئيس جو بايدن، والضعيف إلى حد ما لمنافسه دونالد ترامب خلال تلك المناظرة يمثل، حسب غالبية النقاد والخبراء والمحللين، خسارة مؤكدة للولايات المتحدة، بغض النظر عن “فوز ترامب الافتراضي” وهزيمة بايدن الواضحة.

هل يظل بايدن المرشح الديمقراطي؟ على الأرجح نعم، وسيتأكد ذلك خلال المؤتمر العام للحزب في أغسطس/ آب المقبل. ماذا عن ترامب؟ لا يبدو أن هناك أي احتمال للمفاجآت، حتى وإن حكم عليه بالسجن يوم 11 يوليو/ تموز الجاري في قضية “شراء الصمت”، وهو اليوم المحدد لإصدار العقوبة بعد أن وجده المحلفون “مذنباً” في التهم ال34 الموجهة إليه. إذ كان المرشح الرئاسي الجمهوري المفترض للرئاسة قد أدين، الخميس 30 مايو/أيار 2024 في جميع التهم الـ34 المتعلقة بتزوير سجلات أعماله لإخفاء أموال تم دفعها لممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز، وذلك في محكمة بولاية نيويورك، بعد أن وجد “مذنباً” في أعقاب مداولات هيئة المحلفين التي استمرت لمدة يومين.