الأخبار

حزب الله يكشف عن نقاط قوة جديدة.. هل تنجح تكتيكاته بفرض وقف إطلاق النار على “إسرائيل” في غزة؟

منذ اغتيال إسرائيل للقائد الميداني الكبير في حزب الله سامي أبو طالب يوم الثلاثاء 11 يونيو/حزيران 2024، قام الحزب بتغيير تكتيكاته في الحرب والتصعيد بشكل غير مسبوق منذ نحو 9 أشهر، حيث لا يمر يوم دون تنفيذ الحزب عمليات عدة ضد المدن والبلدات الشمالية المحتلة والقواعد العسكرية، مختلفة تماماً كماً ونوعاً عن كل ما سبق من الاشتباكات. في الوقت نفسه، تتصاعد الاحتمالات من حرب إسرائيلية أوسع في لبنان تحذر من تبعاتها الولايات المتحدة الأمريكية.

وخلال اليومين الماضيين، أطلق حزب الله المدعوم من إيران، مئات الصواريخ رداً على اغتيال القيادي أبو طالب، وتعهد بتكثيف هجماته بواسطة الطائرات المسيرة والصواريخ والقذائف الموجهة وغيرها. فيما اندلعت النيران في صفد والجليل والجولان المحتل نتيجة إطلاق هذه الصواريخ، وردت إسرائيل بغارات عنيفة عن جنوب لبنان على مدار الأيام التالية. 

ولفت التغير في نطاق وشراسة هجمات حزب الله مقارنة بالأسابيع الأولى من الصراع أنظار العديد من المراقبين، الذين يرى بعضهم أن حزب الله يغير تكتيكاته ويكشف عن نقاط قوة جديدة في المعركة لفرض وقف إطلاق النار في غزة.

تطور هجمات حزب الله.. هل تنجح تكتيكاته بفرض وقف إطلاق النار على “إسرائيل” في غزة؟

يقول موقع MEE البريطاني إنه في أعقاب الهجوم الذي قادته حماس على المستوطنات الإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول والحرب اللاحقة على غزة، بدأ حزب الله مناوشات على طول الحدود الجنوبية للبنان تضامناً مع القطاع الفلسطيني المحاصر، ولتخفيف الضغط على حلفائه بالفصائل الفلسطينية.

ومنذ ذلك الحين، أثبتت الحركة اللبنانية قدرتها على إسقاط عدة طائرات من دون طيار متطورة من طراز هيرميس 900، وإطلاق صواريخ مضادة ضد الطائرات الإسرائيلية، وحتى تنفيذ ضربة ضد وحدة دفاع جوي تابعة لمنظومة القبة الحديدية.

وقالت أمل سعد، الخبيرة في شؤون حزب الله والمحاضرة في السياسة بجامعة كارديف، لموقع MEE البريطاني: “حزب الله أصبح أكثر جرأة، وأعتقد أن الإسرائيليين فوجئوا بذلك”. وقالت: “إنهم يعرفون ما لديها، وترسانتها، لكنهم لم يعتقدوا أنها ستمتلك الجرأة لاستخدامها، على الأقل ليس لغزة”، في إشارة إلى أن إسرائيل تتوقع أن تحتفظ الحركة اللبنانية بمثل هذه الأسلحة لإسرائيل، في حرب مباشرة مع لبنان.

يقول مراقبون إن هذا التصعيد مرتبط على الأرجح بالجمود السياسي بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة. في 31 مايو/أيار، قدم الرئيس الأمريكي جو بايدن ما سماه خطة إسرائيلية لوقف إطلاق النار، والتي تتشابه مع الاقتراح الذي قبلته حماس قبل أسابيع. إلا أن إسرائيل ترفض التوقيع على أي اقتراح ينهي الحرب بشكل نهائي، وهو الأمر الذي تصر عليه حماس.

وبينما يأمل الغرب وإسرائيل أن يؤدي الضغط على حماس إلى دفع الحركة الفلسطينية للاستسلام لمطالبهم، يقول الخبراء إن حزب الله يستخدم تكتيكاته الخاصة لفرض وقف إطلاق النار في غزة على إسرائيل.

وقال مصطفى أسعد، خبير الأسلحة المقيم في الولايات المتحدة، للموقع البريطاني: “الوضع السياسي والجمود الذي نواجهه في الوقت الحالي يعني أن الطريقة الوحيدة لسماع صوتك هي إظهار أن لديك قدرة متقدمة، دون بدء حرب واسعة نهائية”. 

ويرى أسعد أن مفاوضات وقف إطلاق النار الجارية في غزة ربما شجعت حزب الله على ممارسة المزيد من الضغوط. وأضاف أن “حزب الله ربط إغلاق هذه الجبهة بإنهاء الحرب على غزة، الفكرة هي الضغط على إسرائيل للقبول بالاقتراح”.

من جهتها، تقول أمل سعد إن حزب الله يحاول رفع الثمن الذي ستضطر إسرائيل إلى دفعه إذا لم توقع اتفاقاً مع حماس. مضيفة: “ستكون هذه التكلفة هي أن الجبهة الشمالية سوف تشتعل، وأن حزب الله سيكون أكثر جرأة في هجماته، ويستخدم أسلحة أكثر تطوراً ويبدأ في عرض المزيد من أسلحته، مثل الأسلحة المضادة للطائرات التي بدأ استخدامها الأسبوع الماضي وهذا الأسبوع”.

حزب الله يحرق شمال إسرائيل.. ما الحد الذي سيتوقف عنده التصعيد؟

وتسببت هجمات الطائرات من دون طيار والصواريخ التي أطلقها حزب الله في حرائق واسعة النطاق في شمال إسرائيل خلال الأسابيع الماضية، ما أثار غضب كبار المسؤولين الإسرائيليين. وعلى نحو مماثل، تسببت الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان في حرق وتدمير بعض الأراضي، حتى إن إسرائيل استخدمت منجنيقاً من القرون الوسطى لإطلاق المواد الحارقة في استعراض لجنودها على الحدود.

ومنذ أن خاض حزب الله وإسرائيل حرباً استمرت 40 يوماً في عام 2006، تبادل الطرفان الضربات من حين لآخر بطريقة تهدف إلى احتواء أي تصعيد محتمل.

وخلال الجولة الحالية من الأعمال العدائية، أدت الغارات الجوية الإسرائيلية على لبنان إلى استشهاد أكثر من 450 شخصاً، من بينهم ما لا يقل عن 80 مدنياً. وفي الوقت نفسه، تقول إسرائيل إن 15 من جنودها و10 مستوطنين قتلوا، بحسب اعترافاتها.

وقامت الحركة اللبنانية بشن هجمات أكثر جرأة بطائرات من دون طيار في الأسابيع الأخيرة، في حين قامت إسرائيل بضرب لبنان بشكل أعمق ونفذت عدة اغتيالات مستهدفة.

وعلى الرغم من أن هذا يعد أكبر تصعيد منذ عام 2006، إلا أنه لا يزال ضمن حدود حزب الله وإسرائيل ولم يشعل بعد حرباً شاملة. وبحسب أسعد، فإن حزب الله “لم يبذل قصارى جهده بعد”، وما زالت تصرفات الحركة “ضمن إدارة التصعيد”.

“حزب الله مستعد لأي تصعيد أوسع”

من جهته، قال قاسم قصير، وهو محلل مقرب من حزب الله، لموقع ميدل إيست آي إن حزب الله غير أنواع الهجمات التي يشنها “أولاً: تضامناً مع غزة وللرد على الاعتداءات الإسرائيلية”. وقال قصير إنه في حين أن هجمات حزب الله تبعث برسالة ردع إلى إسرائيل، إلا أنها تهدف أيضاً إلى إبلاغ الإسرائيليين بأن “حزب الله مستعد لأي تصعيد أوسع”.

في بداية حرب غزة، ركزت مشاركة حزب الله على إشعال “جبهة تضامن” مع غزة، حيث كانت العمليات مكلفة للحركة اللبنانية، إذ تمكنت إسرائيل من استهداف مجموعات من المقاتلين، وقتلت عدداً منهم في يوم واحد. وبدا أن الخسائر مؤلمة لفصيل عانت قواته من القتال في الحرب السورية إلى جانب رئيس النظام السوري بشار الأسد. 

ويرى أسعد أن هذا خطأ مبكر قامت الجماعة بتصحيحه بعد ذلك. وأضاف للموقع البريطاني: “في الأسابيع القليلة الأولى، قاتل حزب الله كما لو كان يقاتل في سوريا، وتكبد خسائر فادحة لأن العقيدة التي كانت في ذهنه كانت التحركات الشاملة، وهو ما يعني استخدام العمليات على مستوى الألوية”.

وأضاف أسعد أن “الإسرائيليين اكتشفوا ذلك بسهولة واستهدفوا جميع الفرق بنجاح”. “لقد تعلم حزب الله من أخطائه وقام بتقليص مهمته إلى فريقين يتألف كل منهما من فريقين أو ثلاثة”.

من ناحية أخرى، ترى أمل سعد أن حزب الله، إلى جانب التحالف الأوسع المعروف باسم “محور المقاومة”، كان لديه دائماً نوع من “خطة الطوارئ” لمواقف مثل الحرب على غزة، وقالت: “أعتقد أن حزب الله بدأ عمداً باستراتيجية المراقبة المضادة من أجل الوصول إلى هذه النقطة، حيث يمكنه شن هجمات على أهداف مختلفة تتجاوز المراقبة، على التشكيلات العسكرية”.

ويقول مصطفى أسعد إنه في حين أن تعطيل تقنيات المراقبة الإسرائيلية على الحدود جعل تحركات حزب الله البرية أسهل، فإن استخدام الحزب لأسلحته التي تم الكشف عنها مؤخراً، إلى جانب استخدامه لجغرافية لبنان الجبلية المليئة بالغابات، هو ما سمح له بإطلاق عمليات إطلاق أكثر دقة، وهجمات أعمق على إسرائيل.

مشيراً إلى أن الحزب تكيف “بشكل جيد للغاية” مع الظروف ضد إسرائيل.

وفي وقت سابق من شهر يونيو/حزيران، أدى هجوم بطائرة من دون طيار تابعة لحزب الله على بلدة حرفيش شمال إسرائيل إلى مقتل جندي إسرائيلي وإصابة 10 آخرين على الأقل. وقال أسعد: “يعلم [حزب الله] أن الهجمات قصيرة المدى تحقق نجاحاً كاملاً”. “إنها التكنولوجيا المقترنة بالتضاريس”.

هل تساعد أمريكا إسرائيل في ردع حزب الله؟

تقول تقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية إن إسرائيل تطلب المساعدة الأمريكية في ردع حزب الله عن تصعيد الصراع على الحدود الشمالية. بالإضافة إلى ذلك، انخفض سعر سهم شركة الأسلحة الإسرائيلية “إلبيت سيستمز” بعد نجاح حزب الله في إسقاط طائراتها من دون طيار فوق لبنان مرة تلو الأخرى، حيث تبلغ كلفة الطائرة الواحدة 5 ملايين دولار أمريكي.

ويعتقد الخبراء أن هذه التطورات أثارت مخاوف إسرائيلية بشأن خصمها في الشمال، والذي غالباً ما يُنظر إليه على أنه أقوى جهة فاعلة غير حكومية في العالم.

وقال مصطفى أسعد: “لقد أدرك الإسرائيليون أنه على الجانب الآخر من الحدود، لديهم قوة قادرة على الرد بإطلاق النار. إن هذه الحقيقة في حد ذاتها تعتبر إنجازاً، لأنهم غير معتادين على تحدي أحد لتفوقهم أو هزيمة القدرات والتكنولوجيا الإسرائيلية على الحدود”.

وقالت أمل سعد إن النطاق الأوسع لهجمات حزب الله، سواء من حيث الكم أو النوع، ربما هو ما دفع إسرائيل إلى اغتيال طالب سامي عبد الله “أبو طالب”. ومع حرص الحزب على مواصلة الضغط على إسرائيل، فضلاً عن مواصلة هجماته الرادعة، فإن التصعيد الذي يظل ضمن قواعد الاشتباك غير الرسمية قد يكون هو السبيل الوحيد لمستقبل المعركة.